الممهول يستطيع الآن استغلال مهارته في المهلة والمماطلة والتردد مع الأمريكان بكل أريحية
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
تحويل تمثيل الدولة من الجيش إلى الحكومة في النقاش مع الأمريكان حول المفاوضات بقدر ما هو مكسب سياسي وطني في المعركة مع المليشيا فهو أيضا في صالح البرهان شخصيا لأنه يخفف عنه ضغط الرأي العام.
يستطيع الممهول الآن استغلال مهارته في المهلة والمماطلة والتردد مع الأمريكان بكل أريحية: هذا ما نريده كحومة هذه هي رؤيتنا وهذه شروطنا، وأول ما نطالبكم به كوساطة هو إلزام المليشيا بتنفيذ مخرجات اتفاق جدة قبل أي نقاش حول تفاوض جديد، ولسنا مستعجلين للذهاب إلى جنيف قبل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مسبقا.
مطلب موضوعي للغاية ولا يمكن الاعتراض عليه من كل الأطراف.
الحكومة السودانية تخوض هذا الحوار مع الأمريكان من وضع مريح للغاية لأنها مسبقا تضع الأمريكان في خانة العدو وشرعت في بالفعل في التعاون مع الروس واستعادت علاقاتها مع إيران وتبادلت معها السفراء وليس لديها ما تخشاه من أمريكا ولا ما تريده منها. بعبارة أخرى نحن “رمينا طوبة أمريكا” ونحن نتعامل معها الآن كأمر فائض عن اللزوم ولا نخشى أن نخسره.
من ناحية أخرى، مليشيا الدعم السريع وعيال دقلو وتحالف قحت كلهم ليسوا بتلك الأهمية بالنسبة للأمريكان ويمكن أن يتخلوا عنهم ويرموا بهم في أقرب سلة قمامة. بمعنى، في النهاية أمريكا مصلحتها في التعامل مع الدولة والحكومة السودانية وليس المليشيا.
بالمقارنة مع الوضع في بداية الحرب، كان هناك حلف إقليمي ضدنا يدعم تحالف قحت والمليشيا بشكل صريح وصل إلى حد التهديد بالتدخل العسكري عبر إيقاد والدعوة لحظر الطيران وعدم الاعتراف بالسلطة في السودان. تجاوز السودان هذه المؤامرة، وانشغلت كل من كينيا وأثيوبيها بنفسها ومشاكلها الداخلية.
كذلك توقف الاتحاد الأفريقي عن محاولات فرض الحلول بالقوة على السودان وأصبح دوره يقتصر على رعاية حوار سوادني-سوداني غابت عنه المليشيا وقحت حليفتها. كذلك خلال هذه الفترة انتهى وبشكل لا رجعة فيه احتكار قحت لصوت القوى المدنية السودانية وأصبح تحالف شلليات قحت مجرد مجموعة سياسية ضمن مجموعات أخرى كثيرة خصوصا بعد مؤتمر القاهرة والحوار السوداني لذي يرعاه الاتحاد الأفريقي. كل هذه متغيرات سياسية لصالحنا حدثت خلال ال 15 شهرا الماضية.
ولكن التحول الأهم هو الحوار مع الحكومة الأمريكية الذي يجري هذه الأيام. لأنه حوار نخوضه من موقع المنتصر سياسيا بعد أن أفشلنا المؤامرات الإقليمية والدولية على السودان وصمد الجيش وصمدت الدولة وانهزم مشروع الأمارات في ضرب وتدمير الجيش وإخضاع السودان، وها نحن نتكلم الآن مباشرة مع أمريكا. فإن قدمت لنا ما يضمن تحقيق أهدافنا من الحرب والمتمثلة في استسلام المليشيا وإنهاء حربها على الشعب السوداني ذهبنا فيه، وإن لم تفعل فليس هناك جديد، فهي أمريكا التي حاصرتنا وحاربتنا وليس لديها ما تهددنا وتخيفنا به.
وإذا هبت رياحك فاغتنمها!
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: مع الأمریکان
إقرأ أيضاً:
مكي المغربي: توجيه النقاش
عبارات غير صحيحة صدرت من كبار وقادة في الصف الوطني على شاكلة (المجاهدين قدموا أكثر من الجيش) أو (أي كوز ندوسو دوس) أو مدح العملاء والخونة بأنهم (أكثر أبناء السودان نزاهة) .. كل هذه أمور تحدث في سياقات لا صلة بالواقع وتمر في النهاية دون ضجيج ولا تغيير ولا حتى ضرر على قائلها، بل ربما تكون مفيدة لأنها تقود للمستوى السليم من التفكير. هذه العبارات صلبة وصفرية وعلى أطراف اللوحة الحقيقية ولا جمال فيها، لأنها هي الإطار الخشبي الصلب حول اللوحة البديعة الزاهية وليست جزءا منها. وداخل اللوحة الحقائق الآتية:
1- غير صحيح أن الجيش على مسافة واحدة من كل التيارات، الاسلاميون هم الأقرب (في الجملة وليس الأستثناءات) وهذا ليس بقرار الجيش ولا رغبة قيادته، ولكن بقية المجموعات الأخرى اختارت تاريخيا الوقوف مع عدو الجيش، ظل اليسار مصنعا لكوادر الدعاية والاستهداف الخارجي ضد الوطن، وخضعت للأسف أحزاب كبيرة مثل الأمة لابتزازه وإرهابه وتآمرت ضد الجيش وانتهى بغالبهم الأمر بالارتزاق من المليشيا والدولة التي ترسل السلاح لقتل السودانيين، ولذلك الصحيح أن يقال الجيش يقف على (المسافة المناسبة) وليس (المتساوية) من كل تيار ومجموعة، حسب موقفها من الجيش وأهدافه الوطنية ولذلك (مثلا) لن تكون مسافة الحركة الاسلامية هي مسافة المؤتمر السوداني إلا اذا ابتعدت الحركة الاسلامية نحو المليشيا الارهابية أو اقترب المؤتمر السوداني نحو الجيش الوطني.
2- التوجه الاسلامي في السودان مبدأ (فوق-دستوري) لأن النظام السياسي في الدولة السودانية صنعه الإسلام، وهذه حالة سودانية لا فكاك منها، ولا يجوز اقحامها وتعميمها في دول لديها تطور سياسي مختلف. في السودان تحديدا، كل الدول الوطنية السابقة في التاريخ المعاصر اسلامية، إمارة كنز الدولة، سلطة سنار، سلطنة دارفور، الدولة المهدية. بل حتى أحزاب الحركة الوطنية الكبرى قامت على طوائف دينية الأنصار والختمية، حتى الشيوعيين يتحالفون مع الجمهوريين ويستخدمونهم حزاما حولهم لخلخلة الثوابت، لأن المجتمع لا يقبل الفكر الشيوعي إلا بغلاف إسلامي، ولذلك الإسلام صانع، والدستور مصنوع. والمصنوع لا يعلو على الصانع، والتوجه الإسلامي في السودان فوق-دستوري. من يريد تغيير هذا الأمر عليه الالتزام بهذه القاعدة أولا، ثم يجتهد في نشر العلمنة سلميا وبالاقناع والعمل السياسي عبر أجيال ولن يستطيع عبر ثورة مزيفة وكاذبة أو مليشيا مجرمة إرهابية أو صفقات مشبوهة وسرية من وراء ظهر الجميع.
تم تجريب كل كل المحاولات أعلاه، ولكنها زادت التوجه الاسلامي قوة ولم تضعفه. يضاف إلى هذا أن الإصرار على خلخلة المعادلات السياسية المستقرة في السودان بالأحلام والأوهام. والمتسكعين من أبناءه هو ضرب لاستقرار السودان والمنطقة كلها. يجب التعامل مع الواقع السوداني وقبول تفوق الاسلاميين.
مكي المغربي
إنضم لقناة النيلين على واتساب