10 أغسطس، 2024

بغداد/المسلة: يشهد العراق في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة وغير مسبوقة تتعلق بظهور “شيوخ مستحدثين” يعتمدون على استغلال النزاعات والمشاكل بين المواطنين لتحقيق مكاسب مالية هائلة.

وهؤلاء الشيوخ الشكليين، الذين يفتقرون إلى الشرعية والتقاليد العشائرية الحقيقية، أصبحوا رموزًا للابتزاز المالي والعنف المنظم، مما أدى إلى تضخم ما يُعرف بـ”الفصول المليارية”، وهي التعويضات العشائرية التي تُطالب بها عشائر الضحايا في حالات القتل، الدهس، أو النزاعات الأخرى.

وفي بغداد والمدن العراقية الكبرى، تتفاقم هذه الظاهرة بشكل مقلق.

ودفع ضعف تطبيق القانون وفقدان الثقة في المؤسسات القضائية الرسمية دفع العديد من المواطنين إلى اللجوء إلى هذه الشخصيات المستحدثة بدلاً من التوجه إلى مراكز الشرطة والمحاكم.

يقول المواطن علي الكعبي، من سكان بغداد: “عندما تواجه مشكلة اليوم، أول ما تفكر فيه هو الذهاب إلى شيخ عشيرة، لأنه يملك القدرة على حل الأمور بسرعة، حتى لو كان ذلك يعني دفع مبالغ ضخمة. القانون لا يحميك، والشيوخ أصبحوا وسيلة للنجاة.”

التفريخ الهائل للشيوخ في المدن العراقية يعكس تحولًا خطيرًا في بنية المجتمع التقليدية، حيث كانت العشائر في السابق حامية للنظام والقيم، بينما أصبحت الآن بعض رؤوسها متورطة في إثارة المشاكل بدلاً من حلها. الشيوخ الجدد، الذين كثيرًا ما يتم استئجارهم بمبالغ مالية، ليسوا شيوخًا بالمعنى التقليدي، بل مستفيدين من الأوضاع المتأزمة.

يشير المحلل الاجتماعي الدكتور محمد الجبوري إلى أن “هذا النوع من الشيوخ لا يهتم بتقاليد العشيرة أو حل النزاعات بطريقة عادلة، بل يركزون على الربح المالي فقط. لقد تحولوا إلى تجار أزمات.”

الأرباح التي يجنيها هؤلاء الشيوخ من الفصول العشائرية غيرت أوضاعهم المادية بشكل جذري، حيث أصبحوا يمتلكون سيارات فارهة وعمارات حديثة.

يقول الشيخ ماجد الكلابي، وهو شيخ عشيرة من جنوب العراق: “ما نراه اليوم يسيء إلى سمعة العشائر في العراق. في السابق، كنا نحل النزاعات بروح من المسؤولية، أما الآن فهناك من يسعى لخلق النزاعات ليحقق مكاسب شخصية.”

إحدى الظواهر المرتبطة بهذا التغير هي “الدكة العشائرية”، وهي شكل من أشكال العنف المنظم يقوم فيه مجموعة من الرجال بالهجوم على منازل أشخاص آخرين، في ظل رعاية وتشجيع من بعض الشيوخ المستحدثين. والهدف من هذه الهجمات ليس حل النزاعات، بل تصعيدها لجني مزيد من الأموال.

هذه التطورات الخطيرة دفعت لجنة العشائر النيابية إلى مناقشة مقترحات قوانين تهدف إلى الحد من استغلال المواطنين باسم الفصل العشائري.

وتؤكد النائبة سارة الكرخي، عضو اللجنة، أن “استغلال المواطنين تحت غطاء الفصل العشائري أمر غير مقبول، ونحن نعمل على وضع قوانين رادعة لحماية الناس من هذا الابتزاز المنظم.”

في ظل هذه التحولات، يبقى التحدي الأكبر هو إعادة ثقة المواطنين بالقانون والمؤسسات القضائية، والعمل على إنهاء سطوة الشيوخ المستحدثين الذين حولوا معاناة الناس إلى مصدر للثروة. إن إيقاف هذا التدهور في القيم العشائرية يتطلب جهودًا مشتركة من المجتمع والدولة، لضمان أن تكون العشائر مرة أخرى رمزًا للعدالة وحل النزاعات وليس العكس.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: حل النزاعات

إقرأ أيضاً:

الحكيم والرماحي يبحثان الواقع السياسي والاقتصادي في العراق

14 فبراير، 2025

بغداد/المسلة: بحث رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، مع أمين عام حزب قادمون ورئيس تحالف الرئاسة حسين الرماحي، الواقع الانتخابي والسياسي والاقتصادي في العراق، وسط تأكيد على ضرورة دعم الحكومة لتنفيذ برنامجها الخدمي وتلبية احتياجات المواطنين في مختلف المجالات.

اللقاء الذي جرى بحضور أعضاء المكتب السياسي للحزب والتحالف، تناول مستجدات الأوضاع العامة في البلاد، والتطورات الإقليمية والدولية، وموقف العراق منها، في ظل التغيرات التي تشهدها الساحة السياسية.

كما شدد الجانبان على أهمية توحيد الجهود والرؤى بين القوى السياسية لتعزيز المسار الديمقراطي، والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تفرضها المتغيرات الإقليمية والدولية، بما يحفظ وحدة وسيادة العراق واستقلاله.

وتم التأكيد على الالتزام بالدستور والقانون لضمان الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، خاصة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الذي يشهد تحركات مكثفة من قبل القوى السياسية لترتيب تحالفاتها، وتحديد مساراتها في المرحلة المقبلة.

يأتي هذا اللقاء في وقت حساس يمر فيه العراق بخيارات مصيرية تتعلق بعلاقاته الخارجية، فيما تواجه الحكومة تحديات داخلية تتطلب تكاتف الجهود لضمان استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • العراق يغرق في الألقاب الأكاديمية.. “دكتوراه تحت الطلب”
  • من يحدد معايير “المحتوى الهابط” في العراق؟
  • هل خضعت بغداد لضغوط خارجية لاستقبال الشيباني؟
  • من قاتل الإرهاب.. لا ينبغي أن يقاتل الفقر
  • اعتداء على الكادر الطبي في مستشفى الكندي
  • العثور على جثة شابة غربي بغداد
  • تشكيل عسكري جديد في العراق تحت مسمى قوة البرهان القتالية
  • العراق بشأن دعوة الشرع إلى قمة بغداد: ليس لدينا شروط
  • الأسواق تحت الرقابة.. بغداد تطمئن المواطنين قبل أيام من رمضان
  • الحكيم والرماحي يبحثان الواقع السياسي والاقتصادي في العراق