الأسرة /
في السادس من شهر صفر لعام (280هـ) أقام الله الدين في أرض اليمن بقدوم أحد أبرز رموز الأمة وأعلامها الميامين مؤسس الدولة الزيدية ومحيي رسوم الفرائض والسنن الإمام الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين عليهما السلام.
“أطيعوني ما أطعت الله فيكم، والله ما يغيب عنكم من رسول الله إلا شخصه إن اطعتموني”… قسم أقسم به الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الرسي -عليهم السلام- لأهل اليمن بعد قدومه إليهم في السادس من شهر صفر عام 280 للهجرة حيث أحيا الله به على يد اليمنيين رسوم الفرائض والسنن ومجددا لآثار جده المصطفى صلوات الله عليهم أجمعين.


ولد -عليه السلام- في المدينة المنورة عام 245 للهجرة وذاع صيت علمه وعدله فيها وانتشرت فضائله وبلغت النواحي والأقطار مما جعل وفداً من أهل اليمن يقدمون عليه ويطلبون منه إنقاذهم من الفتن التي حلت بينهم.
استجاب لهم الإمام الهادي وخرج معهم في المرة الأولى قبل عودته إلى المدينة المنورة ومنها عاد إلى اليمن للمرة الثانية سنة 284 للهجرة رغبة في إقامة الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحكم بين اليمنيين بحكم الله وحدد قبائلهم، فعم العدل والسلام محل الظلم والاقتتال، مؤسساً في هذا البلد الدولة الزيدية والتي تعاقب حكمها مئات السنين.
عرف الإمام الهادي إلى الحق ببأسه وقوته وورعه وزهده، جاهد بعلمه وسيفه ونشر العلم وتصدى للقرامطة الذين استباحوا صنعاء وأهلها بزعامة علي بن الفضل الذي أدعى النبوة واستجاب لمناظرة دعاه إليها أعيان وعلماء من أهل الجبر في صنعاء فهزمهم فاستسلموا له واتبعوه.
نسبه الشريف
هو الإمام الهادي إلى الحق المبين أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب -عليهم السلام-.
مولده: ولد-عليه السلام-بالمدينة المنورة سنة (245هـ)، وعندما حُمل إلى جده (وارث علم آل محمد) الإمام القاسم -عليه السلام-، وضعه في حجره المبارك، وعوَّذه ودعا له، ثم قال لابنه: ما سمّيته؟ قال: “يحيى”. فقال: “والله هو يحيى صاحب اليمن”.
بعض ما ورد فيه
روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يخرج في هذا النهج -وأشار بيده إلى اليمن- رجل من ولدي اسمه يحيى الهادي، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يحيي به الله الحق ويميت به الباطل).
وروي عن الإمام علي -عليه السلام-أنه قال: (يا أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، أيها الناس أنا أحلم الناس صغاراً، وأعلمهم كباراً، أيها الناس، إن الله تعالى بنا فتح، وبنا ختم، أيها الناس، ما تمر فتنة إلا وأنا أعرف سائقها وناعقها، ثم ذكر فتنة بين الثمانين ومائتين، قال: فيخرج رجل من عترتي اسمه اسم نبي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يميز بين الحق والباطل، ويؤلف الله بين قلوب المؤمنين على يديه كما تتألف قزع الخريف، انتظروه في الأربع والثمانين ومائتين في أول سنة واردة وأخرى صادرة).
وقال عنه الإمام الناصر الأطروش -عليه السلام- وهو يحث الناس على نصرة الإمام الهادي يحيى بن الحسين: ((من يمكنه أن ينصره، وقرب منه؛ فنصرته واجبة عليه، ومن تمكّن من نصرتي وقرب منّي فلينصرني)).
خروجه إلى اليمن:
نظرا لما أصاب أهل اليمن من جور الجائرين من حكام الدولة العباسية، شاعت الفتن والاضطرابات والاقتتال، وعم الانحراف والضلال، على يد القرامطة والباطنية الذين نشروا الغواية والانحلال، وشرعوا كل مجالات الانحراف، فأحلوا الحرام وحرموا الحلال.
وفي هذا الواقع المخزي فزع أهل اليمن إلى رجل ذاع صيته علما وورعا وشجاعة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو “الإمام الهادي عليه السلام”، فتوجه وفد من مشائخ ووجهاء أهل اليمن إلى ذلك الإمام العظيم، وطلبوا منه أن يتوجه معهم إلى اليمن لإصلاح أحوالهم، وأعطوه العهود والمواثيق على نصرته، فلبى الإمام الهادي طلبهم، وتوجه عليه السلام مع أولئك الوجهاء إلى اليمن.
وقد كان خروجه إلى اليمن في المرة الأولى في عام 280هـ، فقضى معهم وقتا قصيرا، فلما امتنع بعض جيشه عن تنفيذ ما أمر الله، ولما لم يجد من يعينه على القيام بالحق، تركهم وعاد إلى موطنه في الحجاز في الرس.
وفي تلك الفترة اضطربت الأحوال في اليمن، وهاجت الفتن وانتشر القتل والتناحر والاقتتال.
حتى عاد إليه أهل اليمن مرة ثانية عام 284هـ وأعطوه العهود والمواثيق على النصرة في الحق، والقيام بما أوجب الله فخرج معهم مرة أخرى .
وقد كان قدوم الإمام الهادي يحيى بن الحسين إلى اليمن بداية بالوصول إلى صعدة في السادس من شهر صفر سنة 284هـ، ليكون هذا التاريخ محطة يقف عندها اليمنيون، ويوماً فارقاً في مسار التاريخ الإسلامي في اليمن خاصة، فهو اليوم الذي وصل فيه الهدى والنور والأمن والإيمان.
أخلاقه وشمائله
كان الإمام الهادي يتمثل أخلاق رسول الله-صلوات الله عليه وآله-ويسير في الناس بسيرته، فهو القائل (والله لئن أطعتموني لا فقدتم من رسول الله صلوات الله عليه وآله إلا شخصه إن شاء الله تعالى)، ويكشف لنا مؤلف سيرته عن جوانب من أخلاق الإمام الهادي نذكر منها بإيجاز:
-علمه: تكشف لنا مؤلفاته التي تنضح بالعلم والرصانة، وبالرغم من اشتغاله بالجهاد إلا أنه ترك تراثاً علمياً عظيماً، وقد فاقت مؤلفاته 40 مؤلفاً، فضلا عن الرسائل والردود على المسائل.
عدله وإنصافه: كان -عليه السلام- لا يقاتل قوماً إلا بعد دعوتهم وإقامة الحجة عليهم، كما كان كثير الصفح والعفو عمن يتكرر منهم النكث والغدر.
سرعة البديهة والقدرة على الإقناع: فكما كان -عليه السلام- عالماً موسوعياً، فقد آتاه الله سرعة البديهة، واستحضار الجواب المقنع والملزم.
زهده وورعه: فقد كان -عليه السلام- من أورع وأزهد من جاد بهم الزمان، فهو القائل: “والله الذي لا إله إلا هو ما أكلت مما جبيت من اليمن شيئاً، ولا شربت منه الماء إلا من شيء جئت به من الحجاز”.
عبادته : كان -عليه السلام- صوَّاماً قوَّاماً، يصوم أكثر أيامه، ويحيى أكثر لياليه تهجداً وصلاة، ويسهر ليله ركوعاً وسجوداً حتى يسمع وقع دموعه على الأرض.
قوته وشجاعته في جهاده: كان يباشر المعركة بنفسه مع العدو ويتقدم الصفوف، (وأتقدم عليكم عند لقاء دوي وعدوكم).
القيادة القرآنية: من منطلق قوله “والله لا يغيب عنكم من محمد إلا شخصه” وقوله: “إن هي إلا سيرة محمد أو النار” مثلت حكومته كل معالم العدالة، فكانت دولته مثالاً للدولة الرشيدة، القائمة على العدل والإنصاف والمساواة.
العدل والإنصاف: لقد كانت القرابة والمناصب لا تجد لها مكاناً خارج الإنصاف في ميزان الإمام الهادي(ع) فكان يعامل الضعيف والقائد بالسواء، على مبدأ ” القوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه” كما عرف بعدم احتجابه عن الناس، وبتعامله بالعدل حتى مع أهل الذمة.
أسس الحكم الرشيد عند الإمام الهادي (عليه السلام)
وحين حط رحاله في اليمن؛ بدأ في إرساء قواعد الحكم الرشيد، ووضع أسس الولاية العادلة؛ إذ أعلن عند وصوله تلك القواعد، وطلب من الناس البيعة عليها، وتلك القواعد تمثل برنامج تحديد.
(الواجبات والحقوق) المتبادلة بين الوالي والرعية
أولاً /تحديد الحقوق:
ألزم الإمام الهادي -عليه السلام- نفسه بالتزامات تضمن حقوق الرعية، أكثر مما طلب من الرعية الالتزام به؛ فقال -عليه السلام-:” أيها الناس إني أشترط لكم أربعاً على نفسي:-
-الحكم بكتاب الله وسنة نبيه.
-والأثرة لكم على نفسي فيما جعلته بيني وبينكم، أوثركم فلا أتفضل عليكم، -وأتقدم عليكم عند لقاء عدوي وعدوكم-.
وأقدّمكم عند العطاء قبلي.
ثانياً : الواجبات
في مقابل تلك الالتزامات التي الزم بها الإمام عليه السلام نفسه كحقوق للرعية، لم يشترط عليهم إلا شرطين فقط، قال عليه السلام:-
“وأشترط لنفسي عليكم اثنتين:
1-“النصيحة لله سبحانه وتعالى في السر والعلانية”.
2-والطاعة لأمري على كل حالاتكم ما أطعت الله، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم، وإن ملت وعدلت عن كتاب الله وسنة نبيه فلا حجة لي عليكم، فهذه هي سبيلي (أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).
وفي الشرط الأخير نجد الإمام -عليه السلام- يحدد صلاحياته ووجوب طاعته بمدى التزامه هو بأوامر الله، وبمدى اتباعه لكتاب الله، في معيار لا نجده عند عشاق المناصب، ومحبي السلطة، ليجعل بذلك المبدأ الإيماني سببا لصلاح الحاكم، ومعيارا لاتباعه، وبوصلة للحكم الرشيد.
وهذا ما سار عليه أعلام الهدى من بعده على مدى 1200 عام، وهذا أيضا مما ضمن استمرارية الدولة الزيدية في اليمن لأكثر من 12 قرنا من الزمان، وبهذا سجلت الدولة الزيدية في اليمن الرقم القياسي في تاريخ الدول في التاريخ الإسلامي، في مختلف بقاع العالم الإسلامي.
أساليب تربوية في بيعة الإمام الهادي.
ومما يدل على حرصه الشديد على إصلاح الأمة والرقي بها نحو الكمال في كل الجوانب ما ورد في سياق بيعته من أساليب تربوية راقية حيث كانت للإمام الهادي -عليه السلام- بيعتان بيعة عامة يأخذها من كل الناس استخدم فيها أساليب تربوية عامة شملت كل من تقدم ليبايعه من أبناء المجتمع اليمني، وبيعة خاصة سميت ببيعة الصبر يستوثق فيها على المخلصين من أتباعه العهود والمواثيق المغلظة على الثبات والصبر في كل الظروف والأحوال مهما كانت النتائج وأن يبقوا على السمع والطاعة والنصح والنصرة لا تغيرهم الأهوال ولا تتبدل بهم الأحوال، باقين على بيعتهم تلك ما بقي ملتزما بدين الله فإن حال عنه أو مال فلا بيعة له عليهم وهما كما يلي.
أولاً: البيعة العامة
هدفت هذه البيعة إلى إصلاح المجتمع، ودمجه ضمن مسيرة جهادية عامة من خلال الإيمان الواعي بمفاهيم المسؤولية الفردية في إطار المسؤولية الجماعية، بما يؤهل الفرد لأن ينطلق في هذه المسيرة المباركة دون تقاعس أو بحث عن مبررات مهما كانت الصعوبات.
فكان إذا جاءه الرجل يريد بيعته؛ تكون صيغة البيعة أشبه ما تكون بدورة تأهيلية ترفع من مستواه، ويتضح ذلك من خلال نص البيعة التي تذكر الفرد بمسؤولياته؛ إذ كان -سلام الله عليه-“يأخذ بيد الرجل فيستتيبه قبل أن يبايعه، فيقول له (قل: والله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، وإلا فعليك عهد الله ميثاق أشد ما أخذ الله تعالى على النبيين من عهد أو عقد أو ميثاق لَتَنْصُرَنّني ولتقومن بالحق معي، ولتأمرن بالمعروف ولتنهين عن المنكر، ولتأخذن الحق ممن وجب عليه من قريب أو بعيد أو شريف أو دنيء، لا تأخذك في الله لومة لائم، ولتطيعني ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليك).
فالبداية تكون في تطهير النفوس، وذلك من خلال التوبة قبل كل شيء، والتخلص من أدران الذنوب لما لها من أثر سلبي على النفس وزكائها، ولما لها من نتائج سلبية تمنع المعية الإلهية، فتحرم الفرد من التأييد الإلهي، ويكون أبعد ما يكون عن النصر الإلهي.
بعد أخذ العهود بالنصرة، وبالقيام بالحق، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يأتي ضمن نص البيعة شرط الوفاء من الطرفين (ولتطيعني ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليك) وهذا معناه أن الفرد ملزم بالسمع والطاعة للإمام ما دام الإمام في إطار الشرع الإلهي، فإذا صدر من ولي الأمر أو من الحاكم ما يخالف أوامر الله فلا طاعة له.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

اليمن يتصدر قائمة الدول الأقل سلاما عالمياً: ماذا يكشف مؤشر السلام؟

شمسان بوست / متابعات:

صنّف تقرير دولي اليمن باعتبارها الدولة الأقل سلاما في المنطقة، وأقل بلد مسالم على المستوى العالمي، على مؤشر السلام لهذا العام.

جاء ذلك في تقرير “مؤشر السلام العالمي” لعام 2024، الذي تُصنف من خلاله 163 دولة ومنطقة وفقًا لمستويات السلام فيها.

ويستند التصنيف إلى 23 مؤشرًا في ثلاث مجالات رئيسية، هي: السلامة والأمن المجتمعيين، والصراعات المستمرة المحلية والدولية والعسكرة.

وهناك 3 دول عربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مُدرجة على مؤشر عام 2024 من بين الدول العشرة الأقل سلمية.

كما صُنفت الكويت باعتبارها الدولة الأكثر سلمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث احتلت المرتبة الـ25 للمؤشر. وهي واحدة من بين أربعة دول عربية في المنطقة، التي تم تصنيفها مما جاء مجموعه بـ53 دولة؛ سجلت مستويات عالية في السلام في العالم.

وبحسب تقرير مؤشر السلام، أظهرت تحليلات هذا العام بعض الاتجاهات المثيرة للقلق، حيث سجل العدد الأعلى من الصراعات النشطة منذ الحرب العالمية الثانية، وانخفاض الحلول العسكرية واتفاقيات السلام.

كما يعرض التقرير مقياسا جديدا للقدرة العسكرية العالمية، الذي يأخذ في اعتباره التطور التكنولوجي العسكري وجاهزية القوات.

وذكر التقرير أن الحلول الحاسمة للنزاعات، من خلال الانتصارات العسكرية واتفاقات السلام، قد تراجعت بشكل ملحوظ منذ السبعينات، مما يشير إلى تزايد التحديات في سبيل تحقيق السلام على مستوى العالم.

يقول التقرير: “لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنطقة الأقل سلامًا للعام التاسع على التوالي”.

وسُجل تدهور طفيف، خلال العام الماضي، بعد سنوات عدة من التحسن، نتيجة تدهور متوسط نقاط المؤشر بنسبة %0.25.

وأضاف التقرير: “الصراع في غزة كان له تأثير قوي للغاية على مستويات السلام في العالم عقب أحداث السابع من أكتوبر، ورد الفعل العسكري الانتقامي من قبل إسرائيل”.


وأكد أن “الصراع في منطقة الشرق الأوسط بأكملها دفع إلى الهاوية، مع تداخل سوريا وإيران ولبنان واليمن، ولا يزال خطر الحرب المفتوحة مرتفعا”.

مقالات مشابهة

  • اليمن: لا سلام مع استمرار هجمات الحوثي ضد المدنيين والملاحة الدولية
  • الإيمان والعلم
  • لماذا يكره الناس سماع أصواتهم في التسجيلات؟.. إليك الأسباب
  • مباحثات يمنية فرنسية حول جهود السلام في اليمن
  • ما يجب فعله على الخياط بالملابس إذا تركها أصحابها عنده مدة طويلة
  • كيفية إحسان الصلاة على سيدنا النبي عليه السلام
  • كوريا الجنوبية تؤكد دعمها جهود تحقيق السلام في اليمن
  • واشنطن تحمل الحوثيين مسؤولية فشل مفاوضات السلام في اليمن
  • خاجي: أمريكا تعارض عملية اتفاق السلام في اليمن
  • اليمن يتصدر قائمة الدول الأقل سلاما عالمياً: ماذا يكشف مؤشر السلام؟