في خروج الإمام زيد بن علي -سلام الله عليه- وآل بيته الطاهرين لمقارعة الظلم والطغيان وإقامة الحق والعدل، تكمن القدوة والأسوة الحسنة التي سنها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كانت موازين القوى من مال وسلطان لصالح مراكز القوى المستبدة والظالمة، مارس الدعوة إلى العودة لتحكيم كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإصلاح أوضاع الأمة في كل شؤون الحياة، لكن الفساد كان متمكنا بسبب توجهات السلطة الأموية –آنذاك- (ترف ومجون وانغماس في الملذات وتعطيل الحدود وشرب الخمور وسوء الأخلاق وقتل الأبرياء وتمكين السفهاء) واستحلال لكل ما حرم الله، وتوليه علماء السوء الذين يسبحون بحمد السلطان ويحرفون الآيات والأحاديث بما يتوافق مع أهواء الأمراء، ولذلك فقد واجه الإمام زيد في دعوته وخروجه الأمراء الظلمة وعلماء السوء.
كان في العلم إماما، وحجة، حتى أنه أسس المذهب الذي سمي باسمه وهو مذهب آل البيت -عليهم السلام- وأتبع القول بالعمل ولم يخف من الظلمة والمجرمين حينما صدح بالحق ودعا إليه، لأنه وعى تبعات من يسير على منهاج النبوة، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وهي ذاتها المبادئ والقيم التي يسير عليها الشهداء في كل عصر وزمان.
اختار رسول الله اسمه وسيرته التي يقتفيها فما حاد وما بدل، كان بالله أعرف ومنه يخشى لا غيره يرهب أو يخاف، وهي ذاتها المبادئ والقيم التي سار عليها الشهيد الأسد إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس الذي نال الشهادة في ذكرى استشهاد الإمام زيد.
لقد كانت منطلقات دعوته لله ومن أجل الله، لا من أجل الدنيا ومتاعها الزائل، لذلك دعا إلى الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان أنصاره العلماء العاملون لا علماء السلاطين وسميت دعوته بـ(ثورة العلماء)، ودعا إلى إصلاح نظام الحكم فنادى بجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين في ثورة سياسية واجتماعية، ودعا إلى قسمة الفيء بين أهله ورد المظالم، وهذه الأهداف جعلت السلطة الأموية تكرس كل إمكانياتها لمواجهته والقضاء عليه، بسبب استئثارها بالأموال والسلطان دون بقية المسلمين.
وكانت دعوته أيضا لنصرة آل البيت من الحرب التي سلطت عليهم ووصل الأمر إلى الإساءة للبني صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مجلس أميرهم من اليهود، وتوجيه الإساءة على المنابر لأمير المؤمنين وآل بيته الطيبين الطاهرين من على منابر المساجد.
إنها سيرة جهاد في سبيل الله، البذل والتضحية عنوانها، وهي فكرة لا تموت بموت المؤمنين بها، سواء كانوا أنبياء أو أولياء أو قادة أو زعماء أو مؤمنين مجاهدين قال الله عنهم ” مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” الأحزاب (23) وهي بيع وشراء بين الله سبحانه وتعالى وبين المؤمنين، قال تعالى “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ” التوبة (11).
فإذا كان الله قد حدد الغاية والجزاء، فما على المؤمنين سوى بذل الجهود لتحصيل تلك المراتب العالية في جنات الخلود، والشهادة مفتاحها وعنوانها العظيم، لا حساب فيها لجدليات المنطق وفرضيات الفلسفة، بل الإيمان والعمل هما الأساس، مضى الشهيد الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة، والإمام زيد بن علي بن الحسين -رضوان الله عليهما-، ويمضى عليها المجاهدون في سبيل الله، الشيخ الشهيد عبدالقادر الحسيني والقادة الشهداء عز الدين القسام وأحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وإسماعيل هنية وغيرهم، سجلوا صفحات ناصعة البياض في سجل الخلود والمجد والإيمان والعمل وهي ذاتها المبادئ والقيم التي ضحى من أجلها الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-، ورفاق دربه ومازال عطاء الشهداء مستمرا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
استغل الذباب الالكتروني من المنافقين والخونة والعملاء واقعة استشهاد القائد المجاهد إسماعيل هنية -رحمه الله- في جمهورية إيران الإسلامية وأشاعوا الأقاويل والدعايات المغرضة ووصل الحال بهم إلى اتهام إيران بمساعدة القردة والخنازير على تنفيذ العملية، وفي حقيقة الأمر أن ذلك يفضح مدى الغيض والحقد والضغينة على العلاقة المتينة بين إيران والمقاومة وحركة حماس التي تعرضت للخذلان من الزعامات العربية بسبب الخوف والخيانة والعمالة للصهاينة والحلف الصليبي بقيادة أمريكا، ولم يدرك هؤلاء المتقولون أن الاجتماع التنسيقي لرؤساء أركان القوات المسلحة (إسرائيل وأمريكا والسعودية ومصر والإمارات والبحرين)، وبالإضافة إلى الحفاوة الكبيرة التي لقيها نتنياهو في الكونجرس، هي أبرز سمات التحرك الجديد الذي يريد أن يقضي على القيادات المؤثرة في محور المقاومة والجهاد لتحرير أرض فلسطين.
المقاومة والجهاد لن يتوقف لأن ذلك سنة من سنن الله في الكون، لا تموت بموت أحدهم، مهما كان موقعه، وعنوانها ما سطره الإمام زيد بن علي -رضوان الله عليه- (من أحب الحياة عاش ذليلا) وخرج لمواجهة الظلم والطغيان لا يخاف في الله لومة لائم، حتى أنه لما أصيب رفع يديه إلى السماء وقال: “الحمد لله الذي أكمل لي ديني والله ما يسرني أن ألقى محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم آمر في أمته بالمعروف ولم أنه عن المنكر” فنيل الشهادة هي أعلى مراتب رضوان الله وطلبها من أجل إعلاء كلمة الله، ولذلك فهو يقول “اللهم لك خرجت وإياك أردت ورضوانك طلبت ولعدوك نصبت، فانتصر لنفسك ولدينك ولكتابك ونبيك، ولأهل بيتك ولأوليائك من المؤمنين، اللهم هذا الجهد مني وأنت المستعان) وحينما ظفر بالشهادة قال- سلام الله عليه- (فزت ورب الكعبة).
رحم الله الإمام الشهيد زيد بن علي وأباه وجده وآل بيته الطاهرين الذين ساروا على منهاج رضوان الله، ومقارعة الظلم والطغيان، ورحم الله الشهداء الأبرار الذين اختاروا التجارة الرابحة مع الله، لا ابتغاء متاع زائل من متاع الدنيا، صدقوا مع الله وفي سبيل الله، ونالوا الشهادة على أكمل وجوهها حينما تصدوا للمجرمين في كل زمان ومكان، فأبدلهم الله الأمن يوم الفزع والسكينة والطمأنينة يوم الهلع وجعلهم شهودا على خلقه شافعين لأهلهم، ومنحهم الحياة الدائمة في الدنيا والآخرة (إنه لجهاد نصر أو استشهاد)، “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” آل عمران (169).
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الإفتاء تكشف عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
أوضحت دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد مفتي الديار، سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، موضحاً أنها أعطرَ سيرة عرفَتْها البشريةُ في تعاليم التسامح والنُّبْل والعفو؛ فقد منحه الله سبحانه وتعالى مِن كمالات القِيَم ومحاسن الشِّيَم ما لم يمنحه غيره من العالمين قبله ولا بعده، وجعله مثالًا للكمال البشري؛ في التعايش، والتسامح، والرحمة، واللين، واللطف، والعطف.
سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلمقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم في "المستدرك".
ولم يكن خطابُه صلى الله عليه وآله وسلم موجهًا للمسلمين فقط، وإنَّما شَمِل كلَّ النَّاس في المدينة مسلمين وغير مسلمين، أهل الكتاب وغيرهم؛ بدليل أن راوي هذا الحديث هو سيدنا عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان وقتَها كبيرَ أحبارِ اليهود وعالمَهم الأول.
وعلى السماحة والتعايش واحترام الآخر تأسَّس المجتمعُ الإسلامي الأول؛ حيثُ أمر الشرع بإظهار البر والرحمة والعدل والإحسان في التعامل مع أهل الكتاب المخالفين في العقيدة؛ فقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، فعاش اليهود في كنف الإسلام، يحترم المسلمون عاداتهم وأعرافهم.
واحترمت الشريعة الإسلامية الكتب السماوية السابقة، رغم ما نَعَتْه على أتباعها من تحريف الكلم عن مواضعه، وتكذيبهم للنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فبعد غزوة خيبر كان في أثناء الغنائم صحائف متعدِّدة من التوراة، فجاءت يهود تطلبها، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بدفعها إليهم، كما ذكره الإمام الدياربكري في "تاريخ الخميس في أحوال أنْفَسِ نَفِيس صلى الله عليه وآله وسلم" (2/ 55، ط. دار صادر)، والشيخ نور الدين الحلبي في السيرة الحلبية "إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون" (3/ 62، ط. دار الكتب العلمية).
وأضافت الإفتاء قائلة: وهذه غاية ما تكون الإنسانية في احترام الشعور الديني للمخالف رغم عداوة يهود خيبر ونقضهم للعهود وخيانتهم للدولة؛ حيث كانوا قد حزبوا الأحزاب، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، واتصلوا بالمنافقين وغطفان وأعراب البادية، ووصلت بهم الخيانة العظمى إلى محاولتهم الآثمة لاغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتابعت: وبلغ من تسامح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نهى المسلمين عن سب الأموات من المشركين بعد وفاتهم إكرامًا لأولادهم وجبرًا لخواطرهم؛ فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "لَمَّا كان يوم فتح مكة هرب عكرمة بن أبي جهل وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأةً عاقلةً أسلمت، ثم سألَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمانَ لزوجها فأمرها بردِّه، فخرجت في طلبه وقالت له: جئتُك مِن عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس، وقد استأمنتُ لك فأمَّنَك، فرجع معها، فلما دنا من مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: «يَأْتِيَكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا، فَلَا تَسُبُّوا أَبَاهُ؛ فَإِنَّ سَبَّ الْمَيِّتِ يُؤْذِي الْحَيَّ وَلَا يَبْلُغُ الْمَيِّتَ» فلما بلغ باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استبشر ووثب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمًا على رجليه فرحًا بقدومه" أخرجه الواقدي في "المغازي"، ومن طريقه الحاكم في "المستدرك".