طفت خلافات حزب المؤتمر الوطني المحلول، إلى السطح بعد أن ظلت لفترة طويلة مكتومة نيجة لسطرة شخصيات معينة بشؤون المحلول وانفرادها بالقرار داخل أروقة الحزب.

تقرير _ التغيير

وأصدر مساعد رئيس الحزب إبراهيم محمود قراراً بتكليف شخصيات جديدة لقيادة الحزب المحلول في الفترة المقبلة عله يفلح في إيقاف حرب 15 أبريل 2023م، المدمرة والتي وخلفت أكبر عملية نزوح في العالم”.

“بحسب الأمم المتحدة”.

وتحدثت مصادر إعلامية عن وجود انقسام داخل حزب المؤتمر الوطني المحلول، يقوده مساعد الرئيس السابق والمعزول ووزير الداخلية الأسبق إبراهيم محمود حامد، ونائب رئيس الجمهورية السابق الحاج آدم يوسف، وعبد الماجد عبد الحميد، ووزير الشباب والرياضة  السابق حاج ماجد سوار، الذي كان يشرف على أمانة التعبئة السياسية في الحزب، وعبد القادر محمد زين المنسق العام للخدمة الإلزامية.

وشمل القرار كذلك تعيين أميرة كمال ممثلة لقطاع المرأة، وحافظ الجبوري ممثلًا لقطاع الطلاب، وعبد الباقي موسى ممثلًا لولاية الخرطوم، وسفيان حسن ممثلًا لقطاع الشباب، ود. مصطفى محمد نور يمثل قطاع العاملين، وحسن الحويج يمثل قطاع التنظيم، وفرح مطر تمثل القطاع الاجتماعي، وجمال الأمين هو مقرر القطاع.

وسمى القرار أعضاء الخبرة الذين هم: د. الدرديري محمد أحمد، عثمان قسم، علي محمود، عمار باشري، جهاد حمد، الطيب سوركتي، السلطان سعد بحرالدين، آدم الفكي الطيب، عبد القادر محمد زين، فرح مصطفى، عبد الماجد عبد الحميد، خميس كجو كندة، تجاني مصطفى، محمد طاهر أوشام، محمد عمر البدين، سامي عبد الله، حليمة حسب الله، بدور إبراهيم، نفيسة خليل، ورضا حسين.

تنصل السلطان

فيما تنصل سلطان المساليت سعد بحر الدين من البيان وقال إن ما جاء فيه غير حقيقي، واتهم جهات لم يسميها بأن تريد البلبة في ظل الحرب التي أدت إلى مقتل وتشريد المساليت”.

وشغل خبر التعيينات الجديدة لقيادة الحزب المحلول مواقع التواصل الإجتماعي في الأيام الماضية دون أن تقوم الجهة التي أصدرت هذا القرار توضح للرأي العام”.

فرقعة إعلامية

فيما أكدت مصادر داخل الحزب المحلول أن ما تم الترويج له لا يعدي فرقعة إعلامية تقوم بها جهات معينة، لتأكد أن هناك خلافات مكتومة داخل الحزب”.

وقالت المصادر إن الحزب في أفضل حالاته ويعمل مع القوات المسلحة في خندق واحد من أجل الانتصار على مليشيا الدعم السريع ويعيد المواطنين إلى منازلهم”.

صوت وصورة

ويقول الأكاديمي والمفكر دكتور النور حمد، إن ما شغل المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية الإلكترونية حول الانشقاق داخل حزب المؤتمر الوطني الذي يقوده الوزير السابق إبراهيم محمود ليس في وجهة نظري بذي اهمية.

مثل القرار الذي جرت نسبته للسيد إبراهيم محمود و كان ينبغي أن يصدر عبر مؤتمر صحفي (صوت وصورة) وليس عبر نصوص مكتوبة أو عبر تسريبات.

ويضيف حمد لـ”التغيير”: “صدوره بهذه الصور الغامضة المتخفية التي ظهر بها يجعله غير ذي قيمة، بل ربما جعل المرء يضعه في خانة الفرقعة الإعلامية أو بالونة الاختبار التي لا غرض لها سوى الإلهاء (مجرد علف للاستهلاك الآني).

المؤتمر الوطني، فيما ارى، غارق حتى أذنيه في جريرة هذه الحرب الكارثية اللعينة. جميع الإسلاميين؛ عسكريين ومدنيين كانوا يظنونها نزهة قصيرة يعودون بعدها إلى كراسي الحكم.

وتابع: “لو لم يكن إبراهيم محمود وإبراهيم غندور موافقين اصلا على قرار الحرب، لماذا لم يقولوا شيئا عن الإفطارات الرمضانية المتتالية التي قرعت طبول الحرب قبل اندلاعها ببضعة أسابيع؟ وإذا كان قرار الحرب هو سبب انشقاق مجموعة ابراهيم محمود المزعوم، لماذا عين ابراهيم محمود في مجموعته المنشقة المزعومة، الحاج آدم الذي كان من ضمن الذين قرعوا طبول الحرب في الإفطارات الرمضانية؟

حجز مقعد

وأردف: “هذا في تقديري جزء من (الأعلاف) التي ينشرها المؤتمر الوطني ليقتاتها قليلي الإدراك من العوام المغيبين. ولو صح خبر الانشقاق فهو ليس سوى محاولة لحجز مقعد في المستقبل بإدعاء أن هناك فصيلا من المؤتمر الوطني لم يكن مع قرار الحرب، وهو ادعاء كاذب”.

وزاد: “من وجهة نظري، لا ينبغي قط أن يكون للإسلاميين وعسكرييهم مكانة في الفترة الانتقالية القادمة. بل يجب أن تحاكم قياداتهم العسكرية والمدنية وكذلك صحفيوهم الذين روجوا للحرب وأصروا على استمرارها، بوصفهم مجرمي حرب و ان توقع عليهم عقوبات رادعة ويمنعوا من ممارسة العمل السياسي بالمطلق”.

منح فرصة

وشدد النور حمد، على ضرورة أنه لا ينبغي إطلاقا منح من أشعل الحرب وتسبب في هذا الدمار الشامل والمأساة الإنسانية التي فاقت كل تصور فرصة لممارسة السياسة من جديد.

وقال “لقد أشعلوا الحرب بظن أنهم سيكسبونها ويفرضون بها أنفسهم على الجميع. أما الآن وقد فشلت خطتهم، فشلا ذريعا، مخزيا، فليس أمامهم سوى أن يواصلوا فيها حتى يكسبوها تماما، أو يأتون إلى التفاوض بجناح مهيض مكسور، لتقوم فترة انتقالية يديرها المدنيون بلا وجود لأي عسكري فيها. عقب الفترة الانتقالية التي سوف تقتص من مجرميهم وفاسديهم وصحفيي الشر، يمكنهم أن يشكلوا من الأحزاب ما يشاءون وفقا لقواعد اللعبة الديمقراطية في دولة تخلصت تماما من سيطرتهم على المال والسلاح.

ويرى حمد أن  كلفة هذه الحرب الكارثية للشعب والبلاد فوق ما يمكن احتماله. وقال “لكن لم تحدث الاختراقات التاريخية الكبيرة في كل بقاع الأرض، عبر التاريخ الطويل، إلا بعد الحروب الطواحن. فالعقل البشري والنفس الإنسانية لا زالا متخلفين، فهما لا زالا يتعلمان بالنغم أكثر مما يتعلمان بالنعم. سوف نخرج من هذه الكارثة، التي لازالت فصولها تتوالى أوضح رؤية، واكثر تقديرا للسلم، واكثر طاقة على البناء، وأكثر يقظة للمحافظة على الاستقرار”.

خلافات وتباينات

وفي السياق يقول عضو تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” ماهر أبو الجوخ، لا اعتقد أن التوصيف الصحيح أن هناك إنقسام لأن إثبات هذا الأمر يتم من داخل المؤسسة نفسها ففي الانقسامات السابقة في الحزب المحلول في العام 2000م مع الراحل دكتور حسن الترابي أو في العام 2013م مع مجموعة الإصلاح الآن بقيادة الدكتور غازي العتباني، نجد أن تلك الانقسامات جاءت بعد إجراءات مباشرة إما بحل الأجهزة والمؤسسات وتكوين أجهزة حزبية موازية تنازعت الشرعية كما حدث في مفاصلة القصر والمنشية في العام 2000م أو إجراء تنظيمي بإصدار قرارات الفصل في العام 2013م لمجموعة الإصلاح الآن وبالتالي ما يحدث الأن لم يصل لمرحلة الإنشقاق ولكن يمكن وصفه بأنه مؤشر على وجود خلافات وتباينات قد تفضي في حال تطورها لحدوث انقسام وهذا في تقديري يعني أن الإنقسام لم يحدث بعد.

ويضيف أبو الجوخ في مقابلة مع (التغيير)، بالعودة لهذين الانقسامين نجد أن مذكرة العشرة في أواخر 1998م مؤتمر الحركة الإسلامية وإنقلاب 2012م الشهير بإنقلاب العميد محمد إبراهيم “ود إبراهيم” المتزامن مع مؤتمر الحركة الإسلامية لم يكونا هما الإنقسام ولكنهما أخرجا التباينات والصراعات للعلن قبل تفجرها بشكل العلني والنهائي كما حدث في العام 2000م بتكوين المؤتمر الشعبي بقيادة دكتور الترابي و2013م بالإعلان عن حركة الإصلاح الآن بقيادة الدكتور غازي العتباني.

خلافات عميقة

وأوضح ماهر، أن هناك مؤشرات تظهر وجود خلافات عميقة وحقيقية في المستوى القيادي للحزب المحلول وهذا يظهر في الإعلان عن أسماء قيادات القطاع السياسي على خلاف المعتاد منذ إسقاط نظامهم في أبريل 2019م مع خلو تلك القائمة من أسماء معروفة ومعلومة من غير المطلوبين للمحاكم الدولية أو المحلية وهو ما يشير لوجود أمر غير طبيعي مصاحب لهذا الإجراء كعدم الاتفاق على هذه التشكيلة ومحاولة فرضها كأمر واقع بإعلانها، ومن الممكن تدارك هذا الخلاف ونزع فتيله لكن يبقي مؤشر على وجود أوضاع غير طبيعية داخل أسوار الحزب المحلول.

حدوث انقسام

ولفت ماهر إلى أنه من المؤكد أن تفاقم هذه الخلافات واستمرارها تحت الرماد لفترة من الزمن في حالة تجاوز الأزمة الحالية بأي شكل من الأشكال سيفضي لحدوث انقسام بين تلك المجموعات المتباينة وهى حتى اللحظة غير معروفة العدد أو التصنيف من يقود أو يصطف في أي تيار وضد وما هي القضايا الخلافية”.

واستدرك قائلاً: “لكن حسب قناعتي ومتابعتي لتجربة الإسلاميين في الخلاف والحكم عموماً فأعتقد أن طبيعة التنظيم غير الديمقراطية على مستوى الأفكار تجعل أي خلافات تبرز حتى إذا تراجعت حدتها تظل كامنة في إنتظار اللحظة المناسبة للاشتعال والانفجار وهذا ما حدث في الانقسامات التي شهدها الحزب المحلول منذ تسعينات القرن الماضي الطبيعة الأيديولوجية في التنظيم الذي ينظر للخلاف باعتباره منقصة بوصفه “تمرد وشق عصا الطاعة” وعدم إعتباره هذا التباين مصدر إثراء وقوة بتعدد الآراء”.

وتابع: “أما على مستوى الأفكار فهو يتأسس على موقف ثابت رافض لأي توجه ديمقراطي ولذلك انفجار أي خلاف وسط هذه المجموعة لن يكون في صالح إنهاء الحرب أو تحقيق الانتقال الديمقراطي أو لنقد تجربة الماضي وإنما لصالح تعزيز دور هذا الحزب والمحلول وعناصره في إستخدام الحرب بهدف عودتهم للسلطة واستمرار تقويضها للإنتقال المدني الديمقراطي والحكم المدني”.

الفكر الأيديولوجي

وقال ماهر أبو الجوخ، تبدو أزمة مجموعات وتيارات كثيرة جداً داخل الحزب المحلول بل وسط مجموعات إسلامية أخرى مرتبطة بفكر الإسلام المدرسي الأيديولوجي الحركي –في ما عدا فئة قليلة- هو عدم قدرتهم على إحداث قطيعة حقيقة بين الماضي وحصيلته والندم على ما فات وتحمل المسؤولية الاخلاقية قبل القانونية عليها وإحداث قطيعة كاملة مع الماضي وممارستها وعلى رأسها ملازمة ممارسة العمل السياسي بإستخدام العنف بجانب الرفض المطلق للحكم المدني الديمقراطي، ولعل هذا ما يفسر إختيار كثير منهم في مواضع كثيرة لخيار الإصطفاف مع المتوافقين معهم فكرياً بغض النظر عن الخلاف السياسي والتنظيمي السابق وهذا شهدناه حتى من إسلاميين قدموا نفسهم كجزء من ثورة ديسمبر المجيدة قبل أن يختاروا لاحقاً الانخراط بكل همة في جهود تقويض الانتقال الديمقراطي والمشاركة في إنقلاب أكتوبر 2021م و تأطير وتقنين شمولية ما بعد الإنقلاب وأخيراً الانخراط في حرب أبريل 2023م.

استيعاب الأزمة

وخلص عضو تقدم إلى أن المجموعات الموجودة في الحزب المحلول في حالتي اتفاق أو حتى إختلاف الموجودين داخله يمثلون غلاة أهل ذلك المنهج المكابر والرافض للإقرار بالأخطاء والتجاوزات لكونهم غير قادرين حتى هذه اللحظة على إستيعاب أن أزمتهم الحقيقية ليست مع القوى السياسية والمدنية أو حتى مع الدعم السريع الذي صنعوه بيدهم ومدحوه بأضعاف مضاعفة أكثر من نقدهم الراهن للقوى السياسية والمدنية بعد حرب أبريل 2023م، وإنما أزمتهم الحقيقية أعمق من ذلك فهي مع الشعب السوداني والذي عُبر عنه فعلياً وعملياً بانتزاع السلطة منهم عبر ثورة شعبية تراكمت وصمدت وإنتصرت، وقال لذلك هم يعلمون علم اليقين أن فرصتهم للحكم مجدداً غير واردة أو ممكنة إلا بالقوة الخشنة المستبدة وهو ما دفعهم لإشعال هذه الحرب على أمل تحقيق إنتصار يمكنهم من العودة للحكم بفوهة البنادق والدبابات.

مراجعات محدودة

وبدوره يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل أن تراجع موقف الجيش على الأرض، مع تنامي الضغوط الدولية، وفرض ما يشبه الحصار الدبلوماسي على حكومة الأمر الواقع، فضلا عن انحسار شعبية الحرب بعد دخولھا العام الثاني مع اتساع نسبي متدرج لجبھة رفض إستمرار الحرب”.

ويقول الفاضل في مقابلة مع (التغيير)، “كل ھذه العوامل مجتمعة أدت لمراجعات وإن جاءت محدودة داخل صف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، وتبع ذلك صدور انتقادات علنية من إسلاميين بارزين لفكرة المضي في الحرب دون وجود بوادر انتصار محتملة.

ويضيف: “الاسلاميون يواجھون أمرين احلاھما مر في النھاية، أمر الاستمرار في حرب ربما تقود التيار إلى ھزيمة ساحقة بعد انھيار الجيش المترنح”.

أو القبول بمبدأ التفاوض الذي يخرجھم عن معادلات مرحلة ما بعد الحرب، ومواجھة شبح المساءلة والمحاسبة عن الحرب.

مع الذھاب في إجراءات أكثر صرامة تسعى لتفكيك بنية نظامھم وشبكاته وواجھاته التي اھترأت بفعل الحرب”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسومإنشقاق الحزب المحلول المؤتمر الوطني خلافات

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إنشقاق الحزب المحلول المؤتمر الوطني خلافات

إقرأ أيضاً:

هل تنزلق أوروبا إلى الحرب؟

فلنبتعد قليلًا عن ضجيج ما حدث للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، لنستعيد ونحلل حادثة سبقتها بأيام كان بطلها أيضًا جي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي.

في ميونخ، على منصة القاعة الكبرى في فندق بايرشه هوف، وقف جي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي ترامب، وألقى خطابًا مطولًا ومتعاليًا.

تحدث إلى الأوروبيين كمُعلّم وعاب ديمقراطيتهم التي "تكمّم الأفواه وتواجه احتمال انهيارها من الداخل". لم يذهب الناخبون في بلدانكم إلى صناديق الاقتراع، قال فانس، لمنحكم تفويضًا كي تفتحوا بوابة الفيضان Flood Gates وتغرقوا القارة باللاجئين. ستفعل أميركا النقيض من ذلك تمامًا، بحسب كلمات الرجل.

وحتى يبلغهم، بما لا يدع مجالًا للشك، أن سياسة أميركا تجاه أوروبا ذاهبة في اتجاه لم يألفوه فقد استخدم تعبيرًا من أصول الثقافة الأميركية:

"هناك شريفٌ جديد في المدينة".

يعود التعبير إلى ما قبل القرن التاسع عشر، ويراد به القول إن البلدة – في الغالب سيئة السمعة- مقبلة على تغيير جوهري في السياسة، وثمّة قسوة وشيكة استحقتها.

أغلب الأميركيين يتذكرون التعبير الأثير من الفيلم الكلاسيكي Blazing Saddles، أو السروج المشتعلة، من أفلام السبعينيات. إذ ترسل السلطات شريفًا جديدًا أسود اللون – أي مخالفًا للقواعد والتوقعات- إلى بلدة سيئة السمعة. سيعيد الشريف، في سياق كوميدي، للسلطة هيبتها، وسيؤدب المذنبين من كل صنف ونوع.

إعلان

تنفّس الأوروبيون قليلًا من الهواء حين أعقبه وزير دفاع ألمانيا على المنصة نفسها، وقال بوضوح إن خطاب نائب الرئيس الأميركي "غير مقبول".

في اليوم التالي صعد المستشار أولاف شولتس، وقال: "لن نقبل أن يتدخل الغرباء في ديمقراطيتنا، أو في انتخاباتنا، أو في تشكيل الرأي الديمقراطي لصالح ذلك الحزب. إن الشأن السياسي الألماني يحدده الألمان لا سواهم".

أحال شولتس، كعادة كل سياسي ألماني، إلى الدرس الذي تعلمته البلاد من تاريخها الخاص، وإلى العقيدة الفاشية التي لا يزال "ذلك الحزب" (البديل من أجل ألمانيا)، يحملها في جيناته السياسية.

تلقت ألمانيا نصيبًا خاصًا من خطاب نائب الرئيس الأميركي الذي استمرّ لما يزيد عن نصف ساعة. بدت سخريته من "جدار النار Firewall" مزعجة لأحزاب الوسط الألمانية التي تحاول عزل "ذلك الحزب"، من خلال جدار ناري يجرّم التقارب معه. على هامش المؤتمر ذهب فانس للقاء أليس فايدل، زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، وتجنّب مستشار ألمانيا.

لم يتأخر "الشريف الأميركي" كثيرًا، إذ أعلن من واشنطن تزكيته المطلقة لما ورد في خطاب نائبه في ميونخ.

المستوى الثقافي في ألمانيا، على مختلف الميديا المحلية، رأى فيما يجري صدعًا لم يعد ممكنًا إصلاحه. نصف ساعة من الاستماع إلى ملخص الصحافة على راديو ألمانيا، السابعة صباحًا، تكفي لرؤية الصدع الغربي، وحتى للتنبؤ بمآلاته.

تخوض الديمقراطية الألمانية نزالًا صعبًا مع الراديكالية اليمينية، حيث يحل حزب البديل في كل استطلاعات الرأي ثانيًا. وبحسب دراسة لبيو سنتر، 2024، فإن 26% من "رجال" ألمانيا أصبحوا راضين عن الحزب.

تحاول أحزاب الوسط إخراج الوحش من اللعبة، وسبق لفريدريش ميرتس، مستشار ألمانيا المنتظر، أن وعد ناخبيه بأن يدفع حزب البديل إلى هامش الحياة السياسية، إلى "حيث ينبغي له أن يكون"، بحسب كلماته.

إعلان

لحظة التقارب- ربما غير المقصودة، التي حدثت مؤخرًا بين الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب البديل المتطرّف، أثناء التصويت على مشروع "ميرتس" المتعلق باللجوء- أثارت موجة من الغبار في كل الفضاء الألماني.

حتى إن الكنيسة، التي تنأى بنفسها عن الصراع السياسي، التحقت بالنقاش، واحتجت بكلمات حازمة على ما جرى. فاينبيرغ، المعمّر اليهودي- الألماني والناجي من الهولوكوست – أعاد إلى الرئاسة الألمانية وسام الشرف الذي منحته إياه تقديرًا لجهوده في التعليم. على منصات كثيرة قال الرجل الذي يبلغ من العمر 99 عامًا إن اقتراب حزب من أحزاب الوسط، المسيحي الديمقراطي، من حزب البديل أعاده إلى الأيام الأولى من العام 1933.

لم توفر الدولة الألمانية شيئًا في المواجهة مع اليمين المتطرّف. في عدد من الولايات الألمانية وضع الحزب، بأكمله، تحت رقابة جهاز حماية الدستور (أمن الدولة)، كما صُنف جناح "شباب البديل" التابع للحزب بوصفه كيانًا متطرفًا.

وفي يونيو/ حزيران من العام الماضي حظرت وزارة الداخلية، مجلة Compact المعروفة بخطابها المتطرف. سابقة غير مألوفة في الديمقراطية الألمانية الحديثة نسبيًا، وقفت أمامها المحكمة الإدارية الاتحادية، أغسطس/ آب 2024، حائرة.

علّقت المحكمة قرار وزارة الداخلية وجاء في بيانها "هناك أدلة على أن محتوى المجلة ينتهك كرامة الإنسان، لكن الحفاظ على حرية الصحافة له الأولوية"، كما نقلت رويترز في حينه.

أجواء الصراع هذه تعدّ في نظر فانس ونجوم الماغا (اجعل أميركا عظيمة مجددًا) انتهاكًا لحرية التعبير، يرفضه دافع الضرائب الأميركي.

الأميركي مواطن ديمقراطي لا يقبل أن يذهب جنوده لحماية نظام ينتهك الحريات ويقوض القيم المشتركة، كما ألمح فانس بعد عودته من ميونخ. فانس نفسه، كما سخر كتاب أميركيون عديدون، يرفض الاعتراف بنتائج انتخابات 2020، ولا يرى في اقتحام مؤيدي ترامب مبنى الكابيتول في واشنطن، 2021، خطرًا على الديمقراطية.

إعلان

الغرام المفاجئ بين حزب البديل الراديكالي وإدارة ترامب لا يعكّره برنامج الحزب المنادي بطرد القوات الأميركية من الأراضي الألمانية وجعل البلاد خالية من السلاح النووي الأميركي المهدد للسلام، كما يقول برنامج الحزب 2024.

يؤكد حزب البديل على هذا المطلب منذ العام 2016، وتقع فكرة إبعاد ألمانيا عن الهيمنة الأميركية في صلب خطابه القومي.

كما لا تؤثر عليه وعود ترامب بفرض تعريفات جمركية على الصادرات الأوروبية قد تضر على نحو عميق بالاقتصاد الأوروبي. شكل من الغرام المتطرف يصعب تخيله خارج أجواء الشك والكراهية وانعدام الثقة بالنظام الديمقراطي.

لا يمثل حزب البديل كيانًا متجانسًا بالمعنى الفلسفي والثقافي. هو أقرب إلى حشد من الغاضبين يعيش أغلبهم في شرق البلاد. في المجمل فإن 54% من الناخبين الألمان لا يثقون بالأحزاب السياسية، كما كشف استطلاع لمؤسسة فورسا الألمانية في العام الماضي. تداني هذه النسبة نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد الدراسات السياسية في باريس، شمل ناخبين من فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبولندا، حيث قالت النتائج إن 60% من المشاركين لا يثقون بالمؤسسات السياسية. النسبة نفسها، ستون في المائة، رأت في الديمقراطية نظامًا منخفض الكفاءة.

ثمّة بيانات كثيرة تقول إن اليمين الراديكالي يعتمد، في الأساس، على "أيديولوجيا خوفٍ" لا تعنى بالحقائق، بل بالمشاعر والمزاج العام.

تقدم الشعبوية الحقائق البديلة، أي الأوهام. ولأن الليبرالية السياسية توزع الوعود، والليبرالية الاقتصادية توزع اللامساواة، فإن فضاء واسعًا ينشأ بين السياسة والاقتصاد.

في داخل ذلك الفضاء تستثمر الشعبوية في أيديولوجيا الخوف، وفي إنتاج الحقائق البديلة. فقد كشفت دراسة أجريت على عينة من 1000 شاب ألماني تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عامًا أن مستويات القلق كانت أعلى بين الأشخاص الذين يضعون أنفسهم في خانة اليمين المتطرف، بخلاف من قالوا إنهم ينتمون إلى الوسط الديمقراطي.

إعلان

تنزلق أوروبا إلى حرب ثقافية داخلية، ومن نتائج تلك الحرب أن أحزاب الوسط أصبحت أكثر راديكالية أملًا في استجلاب رضا الناخبين، وتجنبًا للخروج من الحلْبة.

في غمرة الصراع الوجودي، كما يراه رجال الوسط السياسي، نجح حزب البديل المتطرف في القفز على جدار النار. وإن كان جدار النار السياسي لا يزال قائمًا، وإن بصورة أقل صلابة من قبل، فإن حضور الحزب في الحياة العامة صار حدثًا طبيعيًا يستهوي واحدًا من كل أربعة ألمان.

كيف يمكن لمؤسسة ديمقراطية أن تجرّم حزبًا يمثّل ربع السكان؟ تقف أحزاب الوسط أمام هذه الحقيقة الجديدة ولم يعد في متناول يدها الكثير لتفعله. ثمة إشارات خطرة قادمة من الماضي.

فقد منحت انتخابات برلمان ولاية تورنغن في 13 ديسمبر/ كانون الأول 1930 الحزب النازي (NSDAP) الفرصة للمشاركة في حكومة إقليمية لأوّل مرّة في تاريخه. انتخابات الصيف الماضي التي جرت في الولاية نفسها أعطت حزب البديل الراديكالي أعلى نسبة من الأصوات.

على هدي المؤتمرات الترامبية الحمراء، التقى قادة يمينيون متطرفون في مدريد، قبل أيام، وعقدوا مؤتمرهم تحت لافتة "لنجعل أوروبا عظيمة مجدّدًا MEGA". مرّة أخرى، يردد اليمين الأوروبي: هناك تهديد ثقافي محدق بأوروبا، وعلى القارة أن تتداعى للحفاظ على هويتها الثقافية. ولكن أيضًا عليها أن تقيم الحواجز بين دولها، وأن تتدبر كل دولة أمن حدودها. أي أن تصبح أوروبا عظيمة ونقية ومنقسمة في آن واحد.

يستلهم اليمين الألماني الحكاية الترامبية وبات يرى كل شيء ممكنًا. في مهرجان انتخابي بولاية ساكسن أنهالت، قبل وقت قصير، استضاف حزب "البديل من أجل ألمانيا" إيلون ماسك عبر شاشة كبيرة. تحدث ماسك إلى مضيفيه قائلًا إنهم أمل ألمانيا الوحيد، كما يفعل عبر حسابه على منصة إكس. أخذته نشوة اللحظة إلى دعوة "الألمان" إلى تجاوز "عقدة الحرب العالمية الثانية". فهمت نصيحته – التي حصدت تصفيقًا منقطع النظير- بحسبانها استهدافًا مباشرًا للهولوكوست، حرم السياسة الألمانية المقدس. تمنح زمرة الماغا أحزاب اليمين الأوروبية شهادة حسن سيرة وسلوك، وذلك هو التهديد الحقيقي الذي تراه أحزاب الوسط، لا ادعاءات فانس.

إعلان

على المستويات الدنيا داخل جمهور حزب البديل ثمة "تطرف يميني، تلاعب بالتاريخ، وانعدام ثقة في النظام الديمقراطي"، كما لاحظت الصحفية جيسكا بيركا وهي تعدّ تقريرًا ميدانيًا لصالح "بي بي سي" عن شباب الحزب. إنكار المحرقة، مديح هتلر، وكراهية "أولئك الذين في الأعلى" هي المادة اليومية التي يتناولها شباب الحزب.

وبحسب فحص أجرته صحيفة دي تسايت الألمانية فإن أكثر من 80% من أعضاء الحزب الراديكالي لا يملكون شهادة ثانوية عامة. ثمة شعور واسع بالاستياء والخوف واللايقين، وبالنتيجة يندفع قطاع ممن فقدوا ثقتهم بالمؤسسة الديمقراطية وبكفاءة الدولة الليبرالية إلى الجماعة التي تنجح في استثمار استيائهم.

يدعي ساسة ألمانيا أن بلادهم تمثل آخر "مرج أخضر" للديمقراطية في العالم، وأن مؤسساتهم الديمقراطية محميّة بالعبرة التي تعلموها من التاريخ.

وهو اعتقادٌ لا يشاركهم فيه ترامب وماسك وفانس وبقية زمرة الماغا، ولا حتى القوى غير الليبرالية التي تجتاح القارة التائهة. وفيما يبدو فإن "زمرة الماغا" تحاول فرض نظام جديد على كل أوروبا يستهدف تفكيكها من الداخل، كقوة موحدة، من خلال سياسة "فرّق تسُد"، كما يذهب ستيف والت، أستاذ الدراسات الدولية بجامعة هارفارد في مقال على مجلة فورن بوليسي.

من المحتمل أن تفتح التجربة الترامبية الباب على حقبة أميركية ممتدة من التطرف والانعزالية و"الرجولة" السياسية. يدرك الأوروبيون واقع هذا الاحتمال وخطورته، وأنه بات عليهم ألا يفكروا بما سيفعلونه كي يكسبوا رضا ترامب، بل بما عليهم أن يفعلوه ليتدبروا شأن قارتهم.

تحديات خطرة، خطورتها حقيقة على كل الأصعدة. ومن المثير أن الشعوب الأوروبية، أمام صدمة ترامب، قلّبت أوراقها ولم تجد من حيلة سوى حيلة الشرق الأوسط، التي لطالما كانت مثار سخرية: مقاطعة البضائع الأميركية. فقد قال استطلاع رأي في الأيام الماضية إن 60٪ من الألمان يرفضون شراء سيارات تسلا، التي يصنعها إيلون ماسك، وإن 60٪ من البريطانيين قالوا إنهم سيشترون سيارات كهربائية صينية. بنسبة أعلى من الأوروبيين، قال الكنديون إنهم لن يشتروا البضاعة الأميركية.

إعلان

الأشياء تتداعى في العالم الغربي الذي لم يكف يومًا عن الزعم أن نموذجه في السياسة والثقافة يمثّل نهاية الكمال البشري.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • عن المؤتمر الوطني وواجهاته
  • "البام" ينتظر تقريرا من السكوري حول خارطة التشغيل الحكومية مع تصاعد حدة الخلافات
  • بورسعيد | استمرار أعمال تطوير منطقة الحزب الوطني بـ بورفؤاد
  • أعمال تطوير منطقة الحزب الوطني ببورفؤاد في بورسعيد.. صور
  • الدولة وسلاح حزب الله: تسوية او مواجهة
  • هل تنزلق أوروبا إلى الحرب؟
  • خيط الجريمة.. المخدرات تقود كبابجى لقتل زوجته بعدما حاولت منعه من تعطيها
  • المصريين الأحرار: مصر تقود معركة العدالة.. والسيسي يؤكدها في القمة العربية الطارئة
  • شاهد| معاناة نبي الله إبراهيم عليه السلام من الغربة لحالة الشرك التي وصلت حتى إلى محيطه الأسري
  • خيط الجريمة.. الخلافات المالية تقود النيابة لكشف المتهم بقتل نقاش بالقاهرة