الخرطوم- انطلقت في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا اليوم الجمعة الجولة الثانية من الاجتماع التحضيري لمؤتمر الحوار السوداني، الذي ينظمه الاتحاد الأفريقي، حيث يتوقع مراقبون إنتاج رؤية مغايرة لوثيقة أصدرتها قوى قريبة من الجيش في الجولة الأولى، وهذا ما يعزز الانقسام في المشهد السياسي.

وستستمر اجتماعات أديس أبابا التي مُنع الإعلام من حضورها 3 أيام، بمشاركة تحالف تنسيقية "تقدم"، و"الحركة الشعبية – شمال" بقيادة عبد العزيز الحلو، و"حركة تحرير السودان" بزعامة عبد الواحد محمد نور، وحزب البعث العربي الاشتراكي بالسودان.

وينتظر أن تجيب الاجتماعات عن 6 أسئلة تطرحها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى المعنية بالسودان برئاسة محمد بن شمباس، وتشمل مكان انعقاد مؤتمر الحوار السوداني، وموعده والأطراف المشاركة فيه، وأجندته وتمويله، وآليات تنفيذ مقرراته.

وسبق أن اختتم في العاصمة الأثيوبية مؤتمر تحضيري للقوى السودانية، خلال الفترة من 10 إلى 15 يوليو/تموز الماضي، شاركت فيه أكثر من 20 كتلة وحزب ومجموعات مدنية وشبابية، أبزرها "قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية" برئاسة جعفر الميرغني، وكتلة الحراك الوطني بزعامة التجاني السيسي، وكتلة التراضي الوطني برئاسة مبارك الفاضل المهدي، حيث يساند أغلبية المشاركين الجيش السوداني.

وقاطع المؤتمر التحضيري تحالف "تقدم" برئاسة عبد الله حمدوك، بسبب مشاركة قوى اعتبرتها واجهات لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، وعدم مشاورتها في أجندة المؤتمر وغياب الشفافية، بينما تُتهم "تقدم" من قبل خصومها بالتقارب مع قوات الدعم السريع.

رؤية ما بعد الحرب

وقال الناطق الرسمي باسم تنسيقية "تقدم" بكري الجاك إن اجتماعات أديس أبابا تأتي في إطار إطلاق عملية سياسية، تؤسس لواقع ما بعد الحرب، بالتزامن مع مباحثات وقف إطلاق النار.

وأوضح في تصريح صحفي أن القوى المشاركة في الاجتماعات -رغم ما قد يكون بينها من تباينات- "تظل القوى الحاملة لرؤية مغايرة لمستقبل البلاد، أساسها المواطنة المتساوية وحسن إدارة التنوع، عبر مشروع وطني تنموي يرى جل السودانيين أنفسهم فيه".

كما أشار الجاك إلى أن الهدف من الاجتماعات هو تطوير "رؤية مشتركة"، تمهد لتصورات حول الأجندة وأطراف العملية السياسية، "لتصحيح البداية الخاطئة التي صاحبت اجتماع الاتحاد الأفريقي في يوليو/تموز الماضي، والذي ضم مجموعة جلها مناصرة لرؤية الحرب وسلطة الأمر الواقع، وتحمل تصورات تعمل لشرعنة الحرب واستمرارها" حسب تعبيره.

من جانبها كشفت مصادر في الآلية الأفريقية المعنية بالسودان -طلبت عدم الإفصاح عن هويتها- أن الجولة الجديدة للاجتماع التحضيري يُتوقع أن تخرج ببيان ختامي ووثيقة تحمل رؤية القوى المشاركة بشأن مؤتمر الحوار السوداني، الذي يحدد قضايا ما بعد الحرب.

وتتوقع هذه المصادر في حديثها للجزيرة نت أن تكون الخلافات بين وثيقة هذا الاجتماع والاجتماع التحضيري الأول الذي استضافه الاتحاد الأفريقي ليست كبيرة، ومن الممكن أن يلعب رئيس الآلية محمد بن شمباس دورا لسد الفجوات بين الوثيقتين، لإقرار رؤية واحدة للفرقاء السودانيين تؤسس للمرحلة السياسية الجديدة.

التوافق أو العزلة

ويرى مدير السلام وحقوق الإنسان في السودان الدكتور أبو القاسم قور أن تحالف "تقدم" يتبنى رؤية إقصائية، لذا قاطع الجولة الأولى من الحوار، وأنه يريد الانفراد بتشكيل المشهد السياسي، بينما توجد تناقضات بين مكوناته، كما أنه فقد القوى الحية التي تمثل الثورة، مثل "لجان المقاومة" وقوى سياسية أخرى فاعلة.

وحسب حديث الخبير في دراسات السلام للجزيرة نت فإن القوى الأخرى المقابلة لتحالف "تقدم" باتت كتلة حرجة، ولا يستبعد أن يقدم التحالف تنازلات للتوافق معها للتوصل إلى رؤية سياسية موحدة، وفي حال رفض ذلك سيجد نفسه في عزلة حتى لو ساندته قوى خارجية.

أما الباحث السياسي إبراهيم علي يوسف، فيعتقد أن الخلاف بين مواقف القوى السياسية الموالية للجيش والمناهضة لها ليس جوهريا، ولكنها تتنافس على تشكيل المشهد السياسي، وجميعها تستبطن الاستئثار بالسلطة في مرحلة ما بعد الحرب.

واعتبر الباحث في حديثه للجزيرة نت أن تحالف "تقدم" رفض المشاركة في الجولة الأولى لأن عدد الكتل والقوى المشاركة أكثر منه عددا، وبالتالي فإنها تستطيع تمرير مواقفها وفرض رؤيتها، ويرجح أنه في حال لم تقدم جميع الأطراف تنازلات متبادلة فإن حالة الاستقطاب والانقسام السياسي ستستمر.

وأقرت الجولة الأولى من الاجتماع التحضيري رؤية تدعو لعقد حوار سوداني-سوداني في داخل البلاد، بعد الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وإجراء المشاورات اللازمة مع الاتحاد الأفريقي.

واعتمد الاجتماع إطلاق عملية الحوار على 3 مراحل، تتضمن تحديد المرجعيات الدستورية وشكل الحكم والمؤسسات، وتحديد مهام وصلاحيات الحكومة الانتقالية، إضافة إلى التوافق على فترة الحكم وصلاحياته.

وحددت المقترحات أن يكون الحوار سودانيا شاملا لا يستثني أحدا، إلا في حال صدرت بحقه أحكام بموجب القانون تحت طائلة جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإبادة الجماعية، أو بموجب الوثيقة الدستورية.

وفسر مراقبون هذه الفقرة بأنها تعني ضمنيا عزل حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا بزعامة عمر البشير، حيث إن لجنة تفكيك النظام السابق التي حلت الحزب وصادرت ممتلكاته استندت على الوثيقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاتحاد الأفریقی الجولة الأولى ما بعد الحرب

إقرأ أيضاً:

حول توصـيات لجنة تقصي الحقائق بحثاً عن حل سياسي للأزمة السودانية

الواثق البرير

خلص تقرير اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان إلى أن طرفي الحرب القوات المسلحة والمتحالفين معها، وقوات الدعم السريع والمتحالفين معها؛ ارتكبوا انتهاكات واسعة ضد المدنيين السودانيين وفق القانون الدولي الإنساني ترتقي لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بناءً على ذلك قدم التقرير جملة توصيات هي دعم جهود وقف القتال، وجلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات، والحث على التوصل لاتفاق سلام، ونشر قوة مستقلة ومحايدة لحماية المدنيين، وتوسيع نطاق منع الأسلحة، وزيادة دعم اللاجئين، وتمكين النساء والشباب من المشاركة في المفاوضات أو مبادرات سلام، وعدم الإفلات من العقاب، وتوسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتبني نهج للعدالة الانتقالية عبر حوار شامل ومشاورات حقيقية وإنشاء آلية قضائية دولية منفصلة وجبر الضرر وتعويض الضحايا.

حول هذه التوصيات أقول: 

استطالت معاناة الشعب السوداني خلال الـ 17 شهرا المتواصلة من الحرب، تشرد فيها الملايين داخل وخارج السودان فيما يعاني 25 مليوناً من السودانيين من درجات متفاوتة من الجوع، ومات كثيرون بالفعل، وسط انتشار الأوبئة والأمراض والاعتقالات والتضييق. أننا نرحب بأي جهود تضـع حداً لهذه المعاناة والمأساة الإنسانية الأخطر على مستوى العالم. وثق التقرير للانتهاكات الفظيعة التي ارتكبت، وكشف عن الفظائع والجرائم البشعة التي وقعت على الشعب السوداني جراء هذه الحرب، مما أعطى قضية الانتهاكات اهتماما متزايداً، ووضعها في إطارها الحقوقي والأخلاقي بعيداً عن الاستغلال السياسي والدعاية الحربية والانحياز لإدانة انتهاكات طرف دون الآخر. التوصية بنشر قوات دولية محايدة لحماية المدنيين يجب التعامل معها بحذر شديد لجهة أن هذه القوات، وفي ظل رفضها من أحد طرفي الحرب، يمكن أن تتحول إلى طرف ثالث في الحرب الحالية؛ الأمر الذي سيفاقم الصراع المسلح، هذا مع تأكيدنا على أن حماية المدنيين ووقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تمثل أولوية قصوى، تتطلب تعهدات واضحة من طرفي الحـرب والالتزام بإيصال المساعدات الإنسانية، والعودة إلى طاولة المفاوضات لوقف الحرب، فليس هناك وصفة سحرية لحماية المدنيين وسط استمرار الاقتتال بمختلف أنواع الأسلحة والقصف العشوائي. إن الطريقة الأمثل التي يمكن أن يتم عبرها وقف الانتهاكات هو وقف وإنهاء القتال الدائر عبر عملية سياسية شاملة يشارك فيها جميع السودانيين عدا الإسلامويين الذين أشعلوا هذه الحرب ويعملون على استمرارها. ظل موقف حزب الأمة القومي على الدوام داعماً للتدخل الدولي الحميد ومحذرا من التدويل الخبيث للقضية السودانية، والذي يجعل من السودان ساحة لصراع المحاور الإقليمية وتنافس النفوذ الدولي. إننا نؤكد ضرورة التدخل الحميد القائم على وساطة تسهل الوصول إلى اتفاق سلام، وتراقب تنفيذه، وتنسق وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين بالسرعة المطلوبة، وتعمل على حماية المدنيين بالحد من العنف وانتشار الأسلحة، ودعم إغاثة وعودة النازحين واللاجئين، ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان والحد من الانتهاكات، ودعم استعادة وتعزيز الحكم المدني الديمقراطي، ودعم برامج التنمية وإعادة الإعمار بموجب القانون الإنساني الدولي دون المساس بالسيادة الوطنية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول كمبادئ أساسية حاكمة. ما ذهب إليه تقرير لجنة تقصي الحقائق حول أن الإفلات من العقاب هو أحد الأسباب الرئيسة لعقود من الانتهاكات المستمرة هو كبد الحقيقة، لكن توسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية سيكون له تعقيدات سياسية، وقد يدفع جنرالات الحرب للتمسك باستمرارها ورهن مصير البلاد كلها بمصيرهم، عطفاً على أن عدم تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي لم تتمكن بعد مضي قرابة عقدين من الزمان من القبض على المتهمين في جرائم دارفور على رأسهم الرئيس المعزول يشير إلى تطاول هذا المسار، لذلك فإن مسار إنشاء آلية قضائية لمحاكم هجين من شأنه أن يوفق ما بين تحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب واستعادة الاستقرار، وهو مقترح تقدم به سابقا رئيس حزب الأمة القومي الراحل الإمام الصادق المهدي لتحقيق مقاصد العدالة وإنصاف الضحايا، وفي ذات الوقت يفتح الباب أمام المستقبل الوطني. في ذات الاتجاه، فإننا ندعم بقوة مقترح وضع مقاربة شاملة للعدالة الانتقالية بناء على حوار شامل ومشاورات حقيقية، ولا بد أن تنطلق هذه المقاربة من مبادئ وأسس الحقيقة والمصالحة والإنصاف وعدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار الجرائم وجبر الضرر وتعويض الضحايا وفق آليات الدعم النفسي والمادي. تمديد أجل البعثة مهم للغاية وسط استمرار القتال والانتهاكات مع مواصلة الطرفين في القتال وفشل مفاوضات سويسرا في التوصل لإطلاق نار؛ بسبب رفض مشاركة الجيش فيها. خلاصة القول؛ لا مخرج من هذه الأزمة المعقدة بكل أبعادها الإنسانية والحقوقية والسياسية إلا عبر حل سياسي شامل يخاطب جذور الصراع وقضايا اليوم التالي للحرب، وبمشاركة القوى المدنية والقوى العسكرية في عملية سلام عادل وشامل تضمن خروج العسكريين من السياسة والاقتصاد، وتؤسس لجيش مهني قومي واحد، وترسخ لعملية إصلاح سياسي وإصلاح مؤسسي، وتحقق العدالة وتضمن كفالة حقوق الإنسان، وتعزز المواطنة المتساوية وإدارة التنوع، وبلا شك فإن دور المجتمع الإقليمي والدولي مطلوب وضروري في الضغط على المتحاربين لوقف الحرب، وإغاثة الشعب السوداني وحماية المدنيين، ودعم جهود وحدة الصوت المدني الديمقراطي. الوسومالواثق البرير

مقالات مشابهة

  • حول توصـيات لجنة تقصي الحقائق بحثاً عن حل سياسي للأزمة السودانية
  • السوداني يشيد بقدرات القوات الأمنية العراقية ويدعو القوى السياسية للتكاتف لتحقيق أمن واستقرار البلاد
  • محلل سياسي: روسيا روّجت لمعلومات مغلوطة حول الحرب ضد أوكرانيا
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” ترحب بما ورد في تقرير بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) تعلن مشاركتها في الدورة الـ٥٧ لمجلس حقوق الإنسان بجنيف
  • برلماني: الحوار الوطني جمع كل القوى السياسية على طاولة واحدة من أجل الوطن
  • الجولة الاسيوية الأولى .. رؤية .. بعيدا عن الجانب الفني !
  • أعطال العقل السياسي السوداني
  • رئيس حزب الجيل: الحوار الوطني بلا خطوط حمراء وساهم في تحريك الحياة السياسية
  • سياسي إسرائيليّ لنتنياهو .. السَّنوار جعلك هباء منثورًا