رمد غامض في العيون يفاقم معاناة أهل دارفور من الحرب
تاريخ النشر: 9th, August 2024 GMT
أصيب المئات من المواطنين في عدة مدن بدارفور، أبرزها نيالا والضعين وبرام، بمرض غامض يصيب العيون. أثارت هذه الظاهرة المخاوف والتساؤلات حول أسبابها وانتشارها في أكثر من مدينة وقرية، وما إذا كانت لها علاقة بمخلفات الحرب أو أسباب أخرى، خاصة في ظل غياب الرعاية الصحية وأدوات الفحص
منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
اعداد وتحرير : راديو دبنقا
نيالا : الضعين : برام : 9 أغسطس 2024
أصيب المئات من المواطنين في عدة مدن بدارفور، أبرزها نيالا والضعين وبرام، بمرض غامض يصيب العيون.
وبحسب إفادات مرضى وأسر مصابة وأطباء لا يزالون في هذه المدن والقرى تحدثوا لراديو دبنقا، فإن الأعراض تتمثل في احمرار وتورم في العين مصحوب بآلام شديدة وصداع وتشويش في النظر وصعوبة في مواجهة الضوء.
وناشد نشطاء وعاملون في القطاع الصحي بهذه المدن والقرى المتأثرة في دارفور منظمة الصحة العالمية والمنظمات العالمية الأخرى والمحلية العاملة في مجال الصحة والبيئة بالتحرك الفوري لتشخيص الظاهرة وتقديم المساعدة. ومن جانبه أفاد الدكتور عبد الوهاب السيسي، استشاري الطب وجراحة العيون الذي عرض عليه راديو دبنقا الحالة إفادات المرضى، أن الحالات هي حساسية مرتبطة بمخلفات البيئة الناجمة عن الحرب.
شهادات من نيالا
في السياق، قال محمود مصطفى، وهو مواطن من مدينة نيالا أصيبت زوجته وأطفاله، لراديو دبنقا إن المرض ظهر خلال الأسبوعين الماضيين، وتبدأ الإصابة بظهور ورم على العينين، مصحوب بصداع شديد وحمى. وفي اليوم الثاني يسيطر المرض على العينين ما يؤدي لاحمرارهما وانتفاخهما وحجب الرؤية. وتابع: "المرض يظل مع بعض المرضى ثلاثة أيام والبعض يستمر معهم إلى أربعة أيام"، وأشار إلى أن المريض بعد أن يتعافى يظل مشوشًا في النظر، ويواجه صعوبات عند تعرضه للضوء. وعبر عن اعتقاده أن أسباب المرض ربما تكون مرتبطة بقنابل الطيران التي يلقها على المدن والقرى بدارفور أو مخلفات الدانات والأسلحة الثقيلة التي تم استخدامها خلال الحرب في هذه المدن.
من جانبها، قالت سهام سراج، وهي ربة منزل من مدينة نيالا لراديو دبنقا، إن كل الأطفال في أسرتها أصيبوا مع مجموعة من أطفال الحي بالمرض. وأوضحت أن المرض سبب معاناة كبيرة للأطفال لأنه يأتي دائمًا مصحوبًا بآلام حادة.
شهادات أخرى من الضعين وبرام
وفي مدينة الضعين، عاصمة ولاية جنوب دارفور، انتشر المرض أيضًا. ورددت حنان عمر، ربة منزل أصيبت مع أسرتها بالرمد، نفس أعراض التي أشار إليها المصابون في نيالا وبرام. وقالت لراديو دبنقا: "لم نجد علاجًا له في الضعين، لكنه استمر معنا لمدة 5 أيام ثم أختفى".
وفي مدينة برام بولاية جنوب دارفور، قال عثمان أبو عصاية إن مرض الرمد انتشر أيضًا بصورة كبيرة هذه الأيام في سوق برام وعدد من الأحياء وفي مناجم الذهب. وأوضح لراديو دبنقا من برام أن الإصابات شملت كل الفئات العمرية لكنها أكثر عند الكبار.
ماذا قال الأطباء
من جهته، قال الدكتور إدريس جلاب، الطبيب بمستشفى برام التعليمي، لراديو دبنقا إن المستشفى يستقبل خلال هذه الأيام عددًا من حالات الإصابة بمرض الرمد بأعراض تتمثل في احمرار في العيون وحكة وسيلان الدموع. وأشار إلى أن الحالات تتراوح ما بين 5 إلى 6 حالات في اليوم، وأضاف: "لاحظنا أن الحالة لها انتشار واسع، لذلك نناشد المنظمات العاملة في المجال الصحي بأن تتقصى لمعرفة طبيعة هذا المرض". وأبان أنهم يتعاملون مع المرض بعلاج أعراضه عبر القطرات أو المضادات الحيوية، لكنه شدد على أن الحالة تحتاج إلى تحقق وتحليلات أكبر.
في السياق، قال مصدر طبي بمدينة نيالا إن الاجتماع الأخير للقطاع الصحي بالولاية الذي عقد خلال الأيام الماضية ناقش انتشار مرض الرمد بالولاية، لكنه أشار إلى أنه لم يتم التحقق من ماهية المرض.
رأي اختصاصيي وخبراء أمراض العيون
في الأثناء، قطع الدكتور عبد الوهاب السيسي، استشاري الطب وجراحة العيون، بأن الأعراض التي يعانيها المواطنون جراء إصابتهم بهذا المرض لها علاقة بالأضرار التي لحقت بالبيئة جراء الحرب التي دارت في الإقليم والذخائر التي تحمل موادًا سامة. وقال: "هذا النوع من الرمد قد تكون له علاقة بمخلفات الحرب، وأن هذه الذخائر قد تؤثر على أجزاء أخرى من الجسم مثل الصدر والرئتين، مثل الاحتقان في الشعب الهوائية بسبب استنشاق الهواء الملوث بمخلفات الحرب".
وقال السيسي، الذي أجرى أكثر من 300 عملية عيون في المخيمات العلاجية بمدن في ولايات دارفور الخمس، لراديو دبنقا إن مرض الرمد هو نوعان: (الربيعي أو الحساسية المزمنة، يصيب العيون بالحكة والاحمرار، وقد يكون وراثيًا أو حساسية مرتبطة بطبيعة المنطقة والمناخ وهو غير معدي)، بينما النوع الثاني يسمى بالرمد الصديدي وهو مرتبط بنوع من أنواع البكتيريا.
وأكد السيسي، حسب وصف الحالات التي عرضها عليه راديو دبنقا، أن الرمد الموجود الآن في مناطق دارفور هو (حساسية غير معدية ومرتبطة بالبيئة المتأثرة بمخلفات الحرب). وأضاف: "استنشاق الهواء الملوث عبر الأنف يصل مباشرة إلى العيون، وبالتالي يؤدي إلى الرمد الذي من أعراضه احمرار العيون".
إرشادات صحية لمعالجة الحالات
دعا الدكتور السيسي المواطنين، عندما يشعرون بأعراض هذا الرمد، إلى غسل وجوههم ما بين 6 إلى 7 مرات في اليوم بماء بارد وصابون غير معطر، والابتعاد عن الحيوانات الأليفة إن وجدت في المنزل. ودعا الذين يستخدمون الأعشاب مثل (الشاي والقرض) إلى استخدامها باردة بعد غليها في النار. وأضاف: "إذا أحس المرضى بأن هناك تأثيرًا على البصر، فعليهم أن يراجعوا أطباء العيون".
واتصل راديو دبنقا بوزير الصحة التابع للإدارة المدنية بجنوب دارفور، الدكتور الهادي عبد الرحيم، الذي أكد وصول معلومات عن انتشار هذا المرض، لكنه طلب مهلة لمزيد من التقصي قبل الإدلاء بأي تصريحات في هذا الشأن.
حرب وجوع ومرض
فاقمت الحرب في مدن وقرى دارفور من انعدام الرعاية الصحية وخدماتها بالإقليم بعد خروج مستشفياتها الكبرى من الخدمة، مع ندرة في الأدوية والمعدات الطبية، وانتشار الإسهالات المائية، بالإضافة إلى المجاعة التي ضربت الإقليم مع ندرة في السلع الضرورية وارتفاع أسعارها لأضعاف مضاعفة بسبب الحصار وإغلاق الطرق. هذا إلى جانب ترسانة القيود والشروط التي يضعها طرفا الحرب في وصول الطعام والأدوية والخدمات العلاجية للمدنيين في مدن وقرى وأرياف الإقليم.
وكانت معارك عنيفة اندلعت في مدن دارفور، أبرزها الجنينة ونيالا وزالنجي، استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة والقصف الجوي. فيما شهدت برام معارك أيضًا وإحراقًا للمنازل وتناثرًا للجثث في الشوارع. بينما شهدت الضعين قصفًا متكررًا بالطيران أوقع قتلى وجرحى ودمر منازل. وتدور معارك منذ شهور وحتى اليوم على مدينة الفاشر المحاصرة التي تشهد تدوينًا بالأسلحة الثقيلة من قبل الدعم السريع على الأحياء السكنية. فيما تشهد مدن أخرى قصفًا جويًا بالطيران مثل كتم وكبكابية والزرق .
وكان رئيس منظمة "بلدنا" لإزالة مخلفات الحرب، محمد الزاكي، وجه يوم الأربعاء تنبيهًا لسكان حي الجير بمدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، بظهور كمية من الألغام بالقرب من القيادة العامة وطلمبة الطريفي وبركة "أم قليبا نار". ودعا الزاكي سكان أحياء الجير والسلام وتكساس وحي الوادي إلى ضرورة الانتباه لتحركات أطفالهم في تلك المناطق، خاصة بالقرب من القيادة العامة.
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan
Tarig Algazoli
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مدینة نیالا من مدینة
إقرأ أيضاً:
سوريا.. مسارات خادعة ومستقبل غامض
لم تستفق الأغلبية بعد من وقع الصدمة، وإن شئنا التخفيف سنكتبها "المفاجأة"، التي انتهى أحد أحد فصولها في 7 ديسمبر 2024، بسقوط النظام في دمشق، وسيطرة ما يسمى هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقا"، بقيادة الإرهابي أبو محمد الجولاني "أحمد الشرع حديثا"، إلى جانب جميع الفصائل المسلحة الأخرى.
دون الخوض في تفاصيل ما قبل تاريخ 7 ديسمبر 2024، والذي سيحتاج للكثير من الوقت لكشف كواليسه بدقة بعيدا عن "التخمين"، وبعيدا عن دوامة الدوران في "الماضي"، وهو المستنقع الذي وقعت فيه معظم الدول ولم تخرج للآن، فإن الأهم للشارع السوري والمنطقة الآن يتمثل في المستقبل القريب وليس البعيد على الأقل.
كثيرون من المقيمين بالخارج هم في حيرة من أمرهم، بشأن حلم العودة للوطن، وما إن كان المستقبل هناك للجميع أم لتيار أو فصيل دون غيره، وهل حقا ستنتقل سوريا للديمقراطية سريعا، أم أنها ستنزلق أسرع للمسارات التي اعتدناها في العراق وليبيا والسودان واليمن.
بوجهة نظر آنية قد تتغير لاحقا طبقا للمجريات، فإن تعقيد الوضع السوري وكثرة التداخل فيه ربما يذهب بالدولة نحو سيناريوهات مفاجئة أيضا كما حدث في عملية سقوط النظام، وفي ظل سيناريوهات متعددة محتملة، أشير هنا إلى مسارين ربما هما الأهم في الوقت الراهن.
المسار الأول الذي يتفق عليه عليه وربما ترجحه الأغلبية من المراقبين، أن الدولة ذاهبة نحو الحرب الأهلية والتقسيم، للإبقاء عليها دويلات متنازعة تخضع كل منها لنفوذ دولة ما، من الدول المتداخلة هناك، تحقيقا للهدف الأسمى لواشنطن وهو إضعاف محيط إسرائيل بشكل كامل لتبقى هي يدها التي تضبط بها إيقاع الشرق الأوسط بشكل كامل "وفق رؤيتهم ومخطط الشرق الأوسط الجديد"، غير أن هذا المسعى يصطدم بجدار مصر الصلب، رغم كل الحصار الاقتصادي، كما يصطدم برفض معظم شعوب المنطقة له.
المسار الأول تعززه العديد من العوامل، منها ما قمت به قوات الاحتلال من قصف وتدمير للمطارات والقوة الصاروخية والبحرية، وبشكل عام نزع سلاح سوريا، وما تقوم به تركيا من تحشيد لقواتها على الحدود السورية، والدعم الأمريكي لميليشيا سوريا الديمقراطية، والسماح لهيئة مصنفة على قوائم الإرهاب بالتحكم في المشهد، لضمان عدم تفوق فصيل على آخر وعدم وجود أسلحة ومعدات تضمن تفوق فصيل على الأخر وقد تستخدم مستقبلا ضد إسرائيل، في إطار "تكافؤ القوة يضمن استمرار النزاع"، وهو المسار الأسوأ الذي قد يقضي على ما تبقى من أمل في سوريا، ويزهق أرواح الآلاف مجددا.
أما المسار الثاني، والمحتمل فإنه مغاير تماما لكل الاستراتيجيات التي اتبعتها واشنطن سابقا، وأرى أنه الأخطر إن كانت التحركات الدقيقة التي يتم العمل عليها تهدف إليه، ويتمثل في تقديم ما يسمى "جبهة النصرة "كفصيل قادر على إحداث النهضة الاقتصادية، بدعم مالي كبير من دول عربية وغربية، بحيث تتمكن الجبهة "وفق السيناريو المخطط لها" من تحويل سوريا إلى مركز اقتصادي موالي بشكل كامل للغرب وإسرائيل، وهو مسار لن يضمن لسوريا أيضا سيادتها أو وحدتها بأي شكل من الأشكال، لكنه قد يبقى على العاصمة في هذا الإطار على الأقل.
رغم ضعف الاحتمالية ووجود الكثير من العوائق، إلا أن العمل على هذا السيناريو يستهدف أولا بعث رسالة للجماعات العقائدية والفئوية بإمكانية دعمها كما حدث مع ما يسمى "هيئة تحرير الشام".
الرسالة الثانية للشعوب في بعض الدول المتماسكة حتى اللحظة بأن الجيوش الوطنية القوية ليست شرطا لبقاء وتقدم الدول، بل يمكن لجماعات حتى وإن كانت متطرفة أن تبني الاقتصاد، وبذلك تحاول السيطرة على الرأي العام وتوجيهه مرة أخرى للخروج ضد الدولة، بعد أن أصبحت سياسة الغرب القديمة مرفوضة من الأغلبية في الشرق الأوسط.
العوامل المعززة للمسار الثاني كثيرة أيضا، ويأتي في مقدمتها أن الغرب الذي أتى بالتيار الشيعي للمنطقة ومكنه منها منذ العام 2003، يأتي اليوم بتيار مناهض للتيار الشيعي وهو تيار "سني متشدد"، في إطار "إدارة الصراع" على جثة المنطقة وشعوبها.
عوامل أخرى اقتصادية تعيد الخط القديمة للواجهة، إذ بدأت الصراعات على الجيبوليتيك السورية وخطوط الطاقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما سعت واشنطن ولندن في توسيع نفوذهما في الشرق الأوسط، وسعت واشنطن لوضع قاعدة أمريكية على الأراضي السورية، وهو ما تحقق بعد 2011.
فبعد استقلال سوريا عن الاحتلال الفرنسي عام 1946، تجلى الصراع على الجيبوليتيك السورية وخطوط الطاقة، حيث رفض الرئيس السوري آنذاك، شكري القوتلي، مشروع خط أنابيب التابلاين الذي كان يهدف إلى نقل النفط من السعودية والخليج إلى لبنان عبر سورية.
كما جاء رفض سوريا في عام 2000، خط أنابيب غاز طبيعي بقيمة 10 مليارات دولار بطول 1500 كيلومتر عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسورية ومن سورية يتفرع الخط إلى ثلاثة فروع فرع إلى طرابلس لبنان وفرع إلى اللاذقية السورية والفرع الثالث إلى تركيا، كان الهدف من الخط هو ربط قطر مباشرة بأسواق الطاقة الأوروبية، وهو مشروع يحاول الغرب التعجيل به في ظل الأزمة المتفاقمة مع روسيا التي قربت عامها الثالث.
كما يعززه أيضا دور الجانب الأمريكي الذي تأكد تناقضه، رغم إعلانه أن المكافأة الأمريكية البالغة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن الجولاني قائمة حتى الآن، في الوقت الذي ذهب وفد أمريكي رفيع المستوى ليلتقي بالجولاني في دمشق، وسبقه تنسيق المقابلة التلفزيونية معه لشبكة التلفزيون الأمريكي cnn.
في المجمل يمكن القول أن الشارع السوري في مفترق طرق الآن، وعليه أن يحدد مصيره برؤية وبصيرة مغايرة غير مبنية على انفعالات اللحظة، خاصة أنه من دفع الفاتورة الأكبر طوال السنوات الماضية في الداخل والخارج، وعليه الآن أن يحدد مستقبل أبناءه دون خوف أو مراهنة على احتمالات.. .مشاركة جميع التيارات السياسية والمكونات بشكل ديمقراطي دون أي إملاءات هو الذي يمكن أن ينقذ سوريا من المجهول.. .يجب أن تكون سوريا لكل السوريين غير تابعة لهذا أو ذاك.. .رغم صعوبة ذلك في الوقت الراهن.