حفلات التخرج... «فرح بلدى» فى الحرم الجامعى

فيديوهات لطالبات يرقصن أمام الأساتذة وأولياء الأمور على وسائل التواصل الاجتماعىخبراء: بينت تراجع هيبة الأساتذة وفشل الجامعات فى الإدارة والسيطرة على الحرمد. جمال فرويز: مهاويس السوشيال ميديا سبب انتشار هذه الحفلات برلمانيون يطالبون بوضع ضوابط لحفلات التخرج وحظر الرقص الفاضح 

 

ظاهرة غريبة اجتاحت الجامعات المصرية ونقلتها السوشيال ميديا، وهى الرقص والغناء بطريقة مستفزة ومثيرة داخل الحرام الجامعى خلال حفلات تخرج الطلاب، هذه الظاهرة أثارت غضب قطاع عريض من المصريين خاصة الأكاديميين الذين قالوا إن للحرم الجامعى مكانته وقدسيته ولا يصح أن تقام مثل هذه الحفلات داخله، مؤكدين أن الشباب المهووسين بالشوشيال ميديا يفعلون ذلك لركوب التريند والحصول على الشهرة الزائفة.

فخلال الفترة الماضية شهدنا العديد من الفيديوهات التى تظهر فيها خريجات الجامعات بملابس تبرز مفاتن أجسادهن، ويرقصن على أنغام المهرجانات، أمام أساتذة الجامعة خلال حفلات التخرج، وتسابقت الطالبات فى تقديم وصلات رقص منها ما هو مثير أمام الكاميرات التى راحت تسجل هذه الاحتفالات الغريبة على مجتمعنا، وانتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعى لفتيات يرقصن أمام زملائهن الشباب وأولياء أمورهم، والاسم حفلة تخرج.

الغريب فى الأمر أن هذا النوع من الحفلات انتشر فى كل جامعات مصر كالنار فى الهشيم، وتساوت فيه جامعات العاصمة مع جامعات الأقاليم وحتى محافظات الصعيد، وبعد أن كانت حفلات التخرج التى تتم داخل الجامعة تتسم بالوقار وتكتفى إدارة الكلية بتسليم الشهادات للطلبة الذين يرتدون الروب الأسود وكاب التخرج الشهيرين، تحولت هذه الحفلات إلى «فرح بلدى» يتم إحياؤه عن طريق الدى جى وأغانى المهرجانات المبتذلة والرقص الخليع.

ونحن هنا لا ننكر على هؤلاء الخريجين فرحتهم بانتهاء سنوات الدراسة ولكن الشىء الذى يدعو للعجب هو وسيلة التعبير عن هذه الفرحة التى جاءت بما لا يتناسب مع الزمان ولا المكان ولا المناسبة أيضا.

وكان آخر تلك الحفلات، على غرار طالبة أسيوط، انتشر مقطع فيديو مصور خلال الساعات القليلة الماضية لأحد خريجى كلية التجارة جامعة الزقازيق وهو يتراقص على أنغام إحدى الأغانى الشعبية الصاخبة منذ لحظة تحركه من مكان جلوسه حتى وصوله إلى خشبة المسرح ومنصة التكريم لاستلام شهادة تخرجه، حيث كان أعضاء هيئة التدريس بالكلية متواجدين على خشبة المسرح وواقفين فى استقباله فى مشهد أثار الجدل على مواقع التواصل الاجتماعى.

رقص طالبة جامعة أسيوط

لم تكن واقعة طالب جامعة الزقازيق هى الأولى من نوعها، فالجدير بالذكر أن طالبة جامعة أسيوط أثارت ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعى حين قررت الاحتفال بتخرجها فى كلية التربية الرياضية بأسلوب مختلف، وظهرت فى فيديو تخرجها وهى تستلم شهادتها وتقوم بأداء حركات رقص مختلفة وسط زملائها وعدد من أساتذة الكلية وأسرتها.

وظهرت الفتاة بعد ذلك على أحد مواقع التواصل الاجتماعى لترد على منتقديها قائلة إنها كانت تعبر عن فرحتها بطريقتها الخاصة.

رقص طالبة كلية التمريض 

وبعد واقعة طالبة جامعة أسيوط، ظهر فيديو آخر لطالبة وهى ترقص لتعبر عن فرحتها بالتخرج فى كلية التمريض بأكاديمية قناة السويس للعلوم المتطورة فى الإسماعيلية، ما أثار ضجة كبيرة على حفلات التخرج فى السنوات الأخيرة.

مهاويس التريند

ولهذا استنكر الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسى، حفلات التخرج التى تحتوى على رقص خارج وتقاليع بعيدة عن ثقافة مجتمعنا، وقال فى حديثه مع الوفد إن ثقافة المجتمع مبينة على التربية والموروثات الثقافية، أما الآن فأصبح المهوسون بعالم السوشيال ميديا يبحثون عن التريند والشهرة المزيفة، فخرجت علينا حفلات الرقص التى لا تحترم قدسية الحرم الجامعى. قائلا: «مينفعش واحدة تطلع ترقص وواحد يغنى ويرقص أمام الأساتذة، الكل بيدور على التريند وده شىء كارثى».

وتابع استشارى الطب النفسى قائلا: من حقك تفرح ولكن بالحفاظ على الإطار المجتمعى والموروثات الثقافية الرشيدة.

وأضاف أن الحرم الجامعى له قدسيته مستشهدا بأيام وزير الداخلية الراحل زكى بدر عندما حاول دخول الحرم والقبض على الطلبة وهاجمه المجتمع حينها، فلا يصح أن تقام داخل الجامعة حفلات بها رقص وخارجة عن السلوك العام والتربية الرشيدة وهوية المجتمع، وإقامة مثل هذه الحفلات يعد نوعا من عدم الاحترام للجامعة.

وواصل فروزير حديثه مؤكدا أن كل شىء أصبح مباحا طالما يحقق تريند على السوشيال ميديا، «مهاويس السوشيال» ميديا باتوا يفعلون أى شىء للفت وجذب الانتباه.

واختتم حديثه مؤكدا أن العودة للصواب تأتى بعودة الوعى والثقافة الرشيدة ولا بد من احترام الحرم الجامعى، وعلى إدارة الجامعات منع أى حفلات تقام داخل أروقتها قائلا: «أى حفلة تتعمل داخل الجامعة تكون حاجة لها احترامها ولما تتعمل الناس كلها تكون مبسوطة».

هوس الشهرة

كما رفضت نورهان النجار الاستشارى النفسى والأسرى ومدرب التطوير الذاتى، ما يتم فى حفلات التخرج من رقص خارج وحركات لا تليق بالحرم الجامعى، وأكدت أن هوس الشهرة والسوشيال ميديا هو الذى يدفع هؤلاء الأشخاص للبحث عن التريند بحركات تجذب الانتباه لتحقيق شهرة خادعة.

وقالت النجار للوفد إن الشعب المصرى محب للاحتفال بصفة عامة ولكن فى إطار الموروثات الثقافية والعادات والتقاليد، وما يحدث الآن فى حفلات التخرج من رقص وحركات مستفزة يعكس مدى مستوى الثقافة الذى وصلنا له.

واضافت أن هيبة التعلم والمدرس والجامعة تراجعت عن ذى قبل، مؤكدة أنه لا بد من رفض إدارة الجامعات لتلك الحفلات المستفزة والعودة إلى الثراث الثقافى المصرى فى الرقى والاحترام.

وأوضحت أن العديد من النشء أصبحوا يبحثون عن الشهرة دون النظر إلى طريقة تحقيقها فباتوا يبحثون عن التفاهات لركوب التريند، مشيرة إلى انهيار المنظومة الأخلاقية، قائلة: بعض الجامعات بتستضيف مطربي مهرجانات وبلوجرز ويقدمونهم للطلبة على أنهم شخصيات ناجحة مؤثرة فى المجتمع، معلقة على ذلك أنه أمر كارثى لتصدير فكرة أن مطربى المهرجانات والبلوجرز أفضل من أصحاب العلم، وبالتالى أصبح الجيل الجديد ينظر إلى تلك الفئة من البلوجرز والمطربين الشعبيين على أنهم قدوة ويحاولون الوصول لشهرتهم واصفة نجاح هذه الفئة بأنه نجاح مزعوم.

وأكدت أن الفيديوهات المنتشرة على السوشيال ميديا لبنات يرقصن بطريقة مثيرة ومستقزة لم تكن بالصدفة أو خلسة، حيث إن عيون البنات ناظرة لعدسة الكاميرا وعلى علم بالتصوير وهذا يدل على انهيار الأخلاق فى سبيل «التريند».

وواصلت: «مبسوطة أن الناس زعلانة وبتهاجم الفيديوهات دى ولا بد من إعادة تقويم سلوك هؤلاء الشباب مرة أخرى»، وأضافت: «لا بد من تكاتف الجامعة ووسائل الإعلام لصنع صورة إيجابية ترفع شأن التعليم، قائلة: «بلاش استضافة ناس هابطة».

نصائح الأزهر

وبدوره وجه مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية عددا من النصائح للطلاب بعد انتشار مقاطع «احتفالات التَّخرج»، وقال المركز: افرح بإنجازك، وواصِل طلب العلم، ونمِّ مهاراتك، واصقل مواهبك، وإن كنت قد نجحت بتخرجك فى أهم مراحل طريقك، فالعلم بحر لا شاطئ له، وكلما استزدت منه رفعت درجة.

وتابع المركز: لا تنس فضل الله سبحانه وتعالى عليك، وفضل والديك، وفضل كل من علمك وشجعك وقدَّرك وقدَّر ملكاتك، واحمد الله على نعمته وتوفيقه، مؤكدا أن شكر نعمة الله يكون بالقول والعمل، فلا تكافئ فضل الله عليك فى يوم تخرجك الجامعى بمعصية أو إثم أو صخب أو أفعالٍ وأقوال يأباها ديننا الحنيف، والفطرة السوية، والذوق العام، ومنافية لآداب العلم، وحَرمَهِ، وأروقته، والقيم الدينية والمجتمعية.

كما أكد مركز الفتوى أن فرح الطلاب يوم تخرجهم هو فرح لآبائهم وأمهاتهم ومعلميهم لما بذلوه وذللوه لهم، وعليهم مسئولية تجاه أولادهم فى كل أحوالهم بما فيها أوقات فرحهم ليضبطوه بأخلاق وقيم الإسلام وتعاليمه.

واختتم مركز الأزهر للفتوى بيانه موجها نصيحة للطلاب: ابدأ حياتك العملية باحتفال خير، أو صدقة جارية، أو نشر سلام وصحة وحياة كريمة، وتوسل إلى الله سبحانه بعملك المُخلص الصَّالح.

ضوابط الحفلات

هذا وتقدم النائب محمود عصام، عضو مجلس النواب بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالى ووزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، لوضع ضوابط لإقامة حفلات التخرج بالجامعات والمدارس، وعدم إقامة أى حفلات تخرج للمراحل الدراسية والجامعية إلا بضوابط تحفظ هيبة العملية التعليمية وعدم تجاوزها مثلما يتم خلال الفترة الأخيرة.

وأكد النائب محمود عصام، أنه خلال الفترة الأخيرة أصبحنا أمام واقع دخيل على المجتمع المصرى بشأن إقامة حفلات التخرج للمراحل التعليمية بالمدارس أو الجامعات والتى تتم خارج الحرم المدرسى والجامعى ووصلت إلى قاعات الأفراح والمناسبات الاجتماعية بدون أى متابعة من جانب الإدارات التعليمية والجامعية، وهو أمر يشوبه كثير من الخروقات والتجاوزات تتطلب أن يتم ضبطها ومواجهتها بما يحفظ هيبة العملية التعليمية على مختلف المستويات.

ولفت إلى أن الأمر أصبح يتسبب فى حالة من الاستياء داخل المجتمع المصرى، خاصة أنه تحول إلى بيزنس على مستوى الدفعات الجامعية وبتكلفة مالية كبيرة تذهب لشركات خاصة تقوم على إقامة هذه الحفلات بدون ضوابط، ومن ثم الأمر بحاجة إلى المراجعة بأن تكون حفلات التخرج تحت إشراف الجامعة والكليات المعنية بشكل مباشر على أن تتولى وزارة التعليم العالى وضع لائحة تنظيمية بضوابط لهذه الحفلات ويتم تعميمها على مستوى الكليات بالجامعات المختلفة وأيضا وزارة التربية والتعليم يكون لديها لائحة تنظيمية أيضا بهذا الشأن.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن الخطوة تنظيمية أكثر من كونها تضييقا على أحد، خاصة أن الوضع إذا ترك بدون رقابة ستزداد حالة الغضب والاستياء تجاه كل ما يتم فى هذه الحفلات وخاصة على المستوى الجامعى.

 

هرج ومرج

كما توجهت آمال عبدالحميد، عضو مجلس النواب، باقتراح برغبة، إلى المستشار حنفى جبالى رئيس المجلس، موجه إلى الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالى، لإصدار قرار وزاري مُلزم للجامعات فى مصر، بحظر الرقص فى «حفلات التخرج» السنوية.

وقالت عضو مجلس النواب فى المذكرة الإيضاحية لمقترحها، «ينتشر من وقتٍ إلى آخر على مواقع التواصل الاجتماعى، مقاطع فيديو تُوثق ما يسميه الطلاب بـ«حفلات التخرج»، غير أن ما يصاحب هذه الحفلات من رقص وهرج ومرج بين الطلاب والطالبات واختلاط على أغانى المهرجانات، يحتاج من كل مهموم بحال المجتمع وبحال التعليم إلى وقفة جادة، فما نراه من رقص لطالبات يخالف قِيم مجتمعنا كمجتمع شرقى وعاداته وتقاليده وأعرافه الاجتماعية».

وتساءلت: «كيف تسمح إدارة الجامعات والكليات بمثل هذه المهازل؟! بأن تخرج طالبة تتراقص أمام زميلاتها وزملائها وأمام أساتذتها على منصة دائمًا ما تربينا أنها منصة مقدسة ولها خصوصيتها وحرمتها؟

وتابعت «نائبة البرلمان»: من حق الطلاب والطالبات أن ينظموا حفلات التخرج ابتهاجًا بانتهاء مرحلتهم الدراسية، إلا أنه فى الوقت ذاته عليهم مراعاة عادات وتقاليد مجتمعنا، واحترام الجامعة ومكانتها العلمية.

 

ودعت النائبة آمال عبدالحميد، رؤساء الجامعات لأن يتحملوا المسئولية ويصدروا قرارات صارمة بتنقية حفلات التخرج من المهازل الأخلاقية التى تسىء إلى التعليم الجامعى، كما يحدث فى جامعة الأزهر وحفلات تخرجها التى ستظل المرجعية والمرجع فى زمن الانفلات الأخلاقى والتدنى الثقافى، وأن ينظروا إلى الأمر بعين الاعتبار والحزم وألا يسمحوا بتكرار مثل هذه الظواهر، فمعظم النار يأتى من مستصغر الشرر.

ونوهّت عضو مجلس النواب إلى أن مجتمعنا المصرى خلال العقد الأخير نتيجة للكثير من المتغيرات والتطورات التى أصابته يشهد عددا من الظواهر، والتى تحتاج إلى التصدى لها، حفاظًا على قِيمنا وعلى أجيالنا الحالية والقادمة.

وشددت على ضرورة إصدار قرار وزارى بهذا الشأن يتضمن القواعد والضوابط التى ينبغى مراعاتها عند تنظيم حفلات التخرج، حتى لا تتحول قاعات الجامعات إلى مرقص تتباهى فيه الفتيات بإظهار مواهبهن فى الرقص، وهو أمر لا يليق أبدًا لا بمكان التعليم، ولا بالحياء والخجل الذى ينبغى أن تكون عليه الفتيات أمهات الغد، مشيرة إلى أن ما يحدث يكشف عن خلل فى دور الأسرة وتراجع دورها فى التربية.

المصدر: بوابة الوفد