بوابة الوفد:
2024-09-10@07:05:52 GMT

عهد مسيلمة

تاريخ النشر: 9th, August 2024 GMT

الكذب.. آفة من آفات السلوك الإنسانى.. عادة ما يلجأ إليه الإنسان إما للخوف.. أو ادعاء شىء غير موجود للشعور بالنقص.. لذا تأباه النفوس الكريمة.. ويترفع عنه الرجال.
لكن التاريخ الإنسانى سجل حالات شديدة الشذوذ والانحراف للكذابين.. حتى بلغ بالبعض ادعاء النبوة أو الألوهية.... فهو أول من يعلم بضعفه واحتياجة..

للطعام والنوم والشراب والاخراج.. ويتذكر جيدا كيف كانت امه تنظفه بعد قضاء حاجته.. ومع ذلك يجد بداخله من الجرأة والوقاحة أن يدعى أنه إله وأنه من خلق امه هذه وامها وكل البشر.. لكنه بالطبع يعجز أن يقول متى ولا كيف ولا اين خلق هؤلاء.. فهو أول من يعلم أنه كاذب.. بدءا بالنمرود ووصولا إلى آخر مدعى العصر.
حالة مرضية معقدة ومستفحلة لدى هؤلاء الكذابين.. فهو لا يكتفى بأنه كذب على نفسه ومن حوله فقط.. بل هو على أتم الاستعداد لقتل وحرق جميع من حوله إن لم يؤمنوا بكذبه ويهللوا له ويبادروا بالسجود.
علم النفس يرجع ذلك المرض المعقد إلى أسباب مختلفة تتراوح ما بين الاحساس بالتفوق كالنمرود الذى قتلته بعوضة.. أو إحساس بالضعف والحاجة للسيادة كالسامرى ومسيلمة الكذاب.. ويصف هذه الحالات بالاضطراب الوجدانى ثنائى القطب أو الفصام.
وعادة ما تتميز شخصية الادعياء بالجهل الشديد وضيق الافق وقلة المعرفة.. وإن حاولوا دايما اظهار العكس.. والتأكيد فى كل مناسبة على قدراتهم الخارقة واتصالهم بالسماء..
ورغم النهايات المأساوية لهؤلاء المرضى.. إلا أن جهل كل مدعٍ يحجب عنه ما حدث لسابقه وكيف كانت نهايته.. هينة ومهينة.. وكيف حوله التاريخ إلى أعجوبة ومحط للسخرية.. وكيف صار مضربا للمثل فى الجنون والتفاهة من حيث أراد الرفعة والعظمة.. ولا يعرف التاريخ الانسانى نهاية طبيعية أو سعيدة لأى من هؤلاء المدعين.. وقد عرفت مصر القديمة ثمانية ملوك ادعوا الالوهية.. وستة ملوك ادعوا أنهم ابن الإله.. كانوا جميعا فى عصر الهكسوس.. فبادت أمتهم بأكملها ولم يترك أثر لهم حتى يومنا هذا.
دفع الحسد والبحث عن الاحترام والتقدير مسيلمة بن ثمامة الحنفى لادعاء النبوة.. وظن أنه أعد نفسه جيدا لإيهام من حوله بقدراته الخاصة.. فأمضى سنين من عمره يجوب المواسم والأسواق.. سعيا وراء تعلم الحيل وألاعيب السحرة وخفة اليد.. التى سيبهر بها اتباعه من الجهلاء.. لكن لسوء حظه أنه عاصر نبيا حقيقيا.. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولأن الهوان مصير كل مدعٍ.. كان الشؤم والخذلان مصاحبا لمسيلمة فى كل فعل يقوم به.. سمع أن رسول الله بصق فى بئر ففاضت مياهها.. فقال لقومه سأفعلها.. فشرب من بئر لديهم.. جف ماؤها تماما.. وامتد نحسه إلى كل شىء مسته يداه.. حاول تقليد النبى الأكرم فقام وتوضأ ومسح رؤوس قومه.. فمنهم من قرع رأسه.. ومنهم من لثغ لسانه.. ودعا لرجل أصابه وجع فى عينيه فعمى الرجل.. وكان إذا دعا لمريض مات، وإذا شرب من بئر جفت.
والعجيب هنا لم يكن فى أمر ذلك المدعى المريض.. لكن فى اتباعه.. فقد صوروا خذلانه معجزات وكرامات.. فاعتبروا جفاف البئر كرامة وأمرا يستحق التقديس.. والتف حوله الاتباع حتى قتل وقتل اغلبهم فى موقعة اليمامة.. كذلك مدعية النبوة سجاح بنت الحارث التميمية.. استطاعت جمع ٤٠ ألف مقاتل خلفها.. وانتهى أمرها بواقعة أكثر خزيا وعارا مع مسليمة الكذاب.. الغريب فى أمر هؤلاء هو الاستماتة والمجاهدة فى الدفاع عن كذب وأطماع المدعى.. فإن كان اتباع المدعى يسعون لمكاسب دنيوية.. أو يحلمون بمال أو جاه من وراء ذلك الدجال.. فما الذى يدفع بمجموعة من نكرات العصر (أصحاب الكيانات المشبوهة فى الخارج).. لتقليب مزابل التاريخ لاخراج مسيلمة الكذاب من جديد.. ويقول أحدهم عنه.. إن مسيلمة ظلم.. وينفى كل ما روى عنه من مخازٍ.. بل ويصل بأحدهم الضلال إلى القول بأن مسيلمة لم يكن كاذبا وظلم لأن التاريخ يكتبه المنتصر.. وهكذا يستمر الافك ويبقى عبر العصور لا يكل ولا يمل فى التشويش على الحق ومحاربة أهله.. ليبقى الباطل والمبطلون فى مواجهة الخير إلى قيام الساعة.. فهى سنة الحياة وقانون الثنائيات.. خير وشر.. ليل ونهار.. حق وباطل.. أحرار وعبيد.. فإن تكاسل فريق علا الآخر وساد.. الأهم ألا يظن أهل الحق أن الحق وحده يضمن لهم البقاء.. طالما بقى بيننا اتباع مسيلمة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: لوجه الله مصر القديمة

إقرأ أيضاً:

أحاديث عن التاريخ ومُفارقاته!

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

"وأنّ تأريخ أيّ أمّة كانت، في قراءته لا يخرج عن العناصر الثّلاثة: الماضويّة البشريّة المطلقة، والظّرفيّة التّأريخيّة، والسُّننيّة الكونيّة المجتمعيّة، فهو ماضٍ من حيث الأصالة، قد تستمر بعض آثاره إن كانت قريب الذّاكرة" بدر العبري.

*******

 

أحاديث التاريخ لا تنتهي، ولايكل منها المهتم ولا يمل، سيكون البحث في هذا المقال عن الشهادات الشفوية عن الأحداث بمختلفاتها وما مضى من الزمان، ولا شك لكل شهادة ظروفها وهي شهادة إنسان يفترض فيه الوعي العقلي، ولا بُد أنه يحب ويكره، ويؤيد ويرفض، ويستحسن ويمتنع ويمتعض، هنا أحدثك عن حالة إنسانية يفترض بها كل شئ من إشارات الإحساس .

قرأتُ كتبًا كثيرة عن التاريخ و تحليلاته ومتحولاته وظروفه وحسناته ومساوئه، لكني كنت أنشد القراءة الصحيحة للحدث- أقصد أي حدث تاريخي- ولأكون صريحًا فقد وصلت لانطباع قد يوافقه الكثير، وممكن يجد له من الاعتراض الشئ الكثير، وهو أن كتابة التاريخ صعبة مرهقة متعبة بل و خطرة، لذلك كنت أتعامل في القراءة وفي ذهني تقدير دقيق وفقا للظروف الزمانية والمكانية لكاتب التاريخ الذي كنت أقرأ كتابته، وكنت أحاول قدر الإمكان التوسع في قراءة الحدث المقصود من مصادر أخرى كي تتسع المدارك ويرتبط الفهم بعدة كَتَبةٍ، هنا ليس القصد الطعن بمصداقية، إنما تقدير للظروف الزمانية والمكانية للحدث كما أسلفت.

قبل سنوات، كنتُ في مهمة تتعلق بالدراسة وهي عن الشهادات الشفوية لأناس عاصروا حدثًا مُعينًا، والتاريخ الشفوي هو التاريخ المروي من المعاصرين لحدث ما يقصد تأريخه، وأثناء البحث في هذه الدراسة قابلت عددًا قليلًا من المعاصرين للحدث الذي كنت أنوي تأريخه وتدوينه، وغني عن الذكر أن الذين اخترتهم هم من يملكون العقل الواعي، والذاكرة المنضبطة، إنما وجدتُ أن شهادة كل شخص من هؤلاء مختلفة ليست في التفاصيل وحسب؛ بل حتى في بعض الخطوط العامة للحدث!

بالطبع هناك قواسم مشتركة مُتفقٌ عليها في كل حدث، الوقت والمكان وعناصر الحدث، غير ذلك يبدأ الاختلاف حوله، أتذكرُ أني أوقفت الدراسة لإن الإخلال بها بدأ منذ شهادة الشهود المعاصرين، هذا الأمر لحدث لم يتعد زمنيا نصف قرن، فما بالك وتصور الأحداث قبل هذا الزمان وكيف تم تأريخها.

التأريخ الشفوي من أكثر أنظمة التاريخ التي دار- ولا يزال- يدور حولها الجدل، لأسباب أهمها شخصية الشخص الذي تؤخذ منه الأخبار المراد تأريخها، وعلاقة ذلك بأمور كثيرة، وكذلك البنية الآيديولوجية لكاتب التاريخ، لها تأثيرها المؤثر.

المغزى هو في قراءة التاريخ أو بعضه على الأقل، لاتصدق كل شئ، ولاتكذب كل شيء، وشغل في نفسك خاصية التفكير النقدي، والبحث في المصادر والمراجع الموثوقة، وليتك تصل إلى نسبة معقولة من صحيح الحدث.

لا تنس أن الحاضر ممتد من الماضي، ويحمل إرهاصات لا ينبغي تجاهلها، والمستقبل هو استمرار للحاضر إن كان بنفس العقلية والفهم.

قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد: 11).

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • خبير: «الرقمنة» المفرطة تؤثرعلى الاستقرار النفسي
  • رئيس "حماية المنافسة" يكشف تفاصيل إحالة 21 من منتجي البيض للنيابة بتهمة رفع الأسعار (فيديو)
  • لوقف التصريحات المشاترة مطلوب تعيين ناطق رسمي محترف لكل مسؤول او وزارة او حزب
  • ”دور تهامة المحوري في ثورة 26 سبتمبر: من الإقصاء إلى صنع التاريخ”
  • ركن الغباء في التاريخ
  • بينهم ملياردير شهير.. هؤلاء في طريقهم لـنادي التريليونير
  • أما آن لكم أن تعترفوا بحقوق معلمات محو الأمية.؟!
  • مركز القبول الموحد وطلبة الدبلوم العام إلى أين؟ (2- 3)
  • أحاديث عن التاريخ ومُفارقاته!
  • فرقة مكافحة العصابات بالعيون تداهم منزلا حوله صاحبه إلى مصنع ماحيا