في سياق سعيها لملشنة مؤسسات الدولة، وبخاصة المؤسسات المدنية، لم تتوقف مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، عن إجبار منتسبي هذه المؤسسات على الانخراط في حملة التعبئة القتالية للجماعة تحت شعار مناصرة القضية الفلسطينية أو ما تسميه "الفتح الموعود والجهاد المقدس".

وبعد أن طالت حملات التعبئة القتالية للمليشيا باسم غزة والقضية الفلسطينية كافة المؤسسات المدنية للدولة في صنعاء، وسعت هذه الحملات لتشمل القطاع الصحي ممثلا بكوادر وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية في مناطق سيطرتها.

وأعلن الإعلام الحوثي الرسمي الخميس، عن تنفيذ ما سماها "مناورة عسكرية" لكوادر هيئة المستشفى الجمهوري بصنعاء، مشيرا إلى أن هؤلاء الكوادر أضيفوا إلى ما تسمى "قوات التعبئة" التي خصصتها المليشيا الحوثية للملتحقين بالدورات الطائفية التي تستقطب من خلالها مقاتلين جددا إلى صفوفها مستغلة اسم العملية الهجومية التي نفذتها حركة حماس في ال7 من أكتوبر الماضي ضد إسرائيل: "طوفان الأقصى".

وبحسب وكالة الأنباء "سبأ"- النسخة المختطفة من قبل مليشيا الحوثي، بلغ عدد كوادر هيئة المستشفى الجمهوري المشاركين في هذه المناورة 40 موظفا على رأسهم المعيّن بمنصب رئيس الهيئة محمد جحاف. وقد تلقى هؤلاء الكوادر الطبية تدريبات قتالية مليشاوية وتعبئة طائفية على مدى شهرين، فيما أكدت الوكالة أنهم تلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة المتوسطة والخفيفة وعمليات القنص والرماية والهجوم ومهارات قتالية ميدانية.

وكان الإعلام الحوثي ذكر أن المعيّن من قبل الجماعة بمنصب رئيس هيئة المستشفى الجمهوري بصنعاء، محمد طاهر جحاف، دشن هذه الدورة لمنتسبي المستشفى في ال8 من يونيو الماضي، مشيرا إلى أن عدد المشاركين فيها آنذاك كان 50 موظفا. مما يعني أن 10 من المشاركين على الأقل انسحبوا من هذه الدورة الطائفية وقد يتعرضون بسبب هذا الانسحاب لانتهاكات متعددة من قبل مشرفي الجماعة، خاصة أن تدشين هذه الدورة أقيم -بحسب الإعلام الحوثي- بحضور قيادي حوثي يدعى عبدالله البناء، عينته الجماعة مديرا عاما للعمليات المركزية والتعبئة العامة بوزارة الصحة والجهات التابعة لها، إضافة إلى مشرفين آخرين بالوزارة.

وتعتبر وزارة الصحة التابعة لسلطات المليشيا الحوثية من أوائل مؤسسات الدولة التي عملت مليشيا الحوثي على إفراغها من مهمتها الإنسانية والخدمية للمواطنين، وحولتها إلى بؤرة لنشر الأفكار الطائفية والانشغال بإقامة فعاليات لتحقيق هذا الغرض بدلا من الانشغال بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين، وإعداد وتنفيذ الخطط لمعالجة الأوبئة والأمراض المتفشية، وآخرها الكوليرا.

وزجت وزارة الصحة التابعة لسلطات الحوثيين بمئات الكوادر الطبية في هذه الدورات الطائفية منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، وقد أعلنت في أواخر يونيو الماضي عن تدشين المرحلة الثالثة من الدورات المفتوحة لمنتسبي الوزارة بعدد 70 موظفا ما زالوا يتلقون التدريب على القتال واستخدام مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، كما يتلقون تعبئة طائفية لاختبار أو تعزيز ولائهم لزعيم المليشيا عبدالملك الحوثي كحاكم مطلق لليمن، وموالاة من يسمونهم (آل البيت) على حساب الولاء لله والوطن والمواطنة المتساوية.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

رفع أنقاض الماضي

حتى بعد دخول الحرب عامها الثالث لا يزال السودانيون يخوضون حروبا كلامية على جبهات جدلٍ عقيم بحثاً عمّا يُكسِبها عقلانيةً ، مشروعيةً أو على الأقل تبريرًا سياسيًا. على غير مظهرها هي حربٌ معقّدة . من ذلك أنها ليست بين أعداء - كما هي الحروب - بقدر ماهي حرب حلفاء داخل معسكر واحد . مع ذلك هي حربٌ تستهدف خصما خارج جبهات الاقتتال تفوق خسائر ه الفردية والجمعية كلفة خسائر المتقاتلين . هي كذلك حربٌ خارج القاموس السياسي التقليدي إذ لا تستهدف إعادة رسم الجغرافية السياسية، بدوافع فكرية أو سياسية. بل منطلقها وغايتها فقط احتكار السلطة وغنائمها .كذلك هي لا تستهدف تثبيت السلم الاجتماعي بين ثقافات وأعراق متنازعة بل تُمعن في تحطيم المعمار الاجتماعي . لذلك لن تبدأ مهام السلام برفع أنقاض المباني بل من عند كنس الماضي السياسي والاجتماعي برمته تكريسا لسلام مستدام
*****
نعم توجد تناقضات تأخذ طابعَ الصراعات داخل المجتمع السوداني. أحيانًا تبلغ السطح .لكنها ظلت دائما تحت مظلة الدولة ،ليس فقط بتفعيل هيمنة السلطة .بل بفعل هيبتها كذلك خوفاً من خروج الصدام عن سيطرة الفرقاء أو توريط الدولة فيه. فالقبائل المتنازعة ظلت تنظر إلى الدولة كيانا فوقياً محايدا لا ترغب في كسر حياديته. لذلك ظل مألوفا إسكات تلك الصدامات القبلية فئ بداياتها بجهود سلمية (الجودية) .في ظل فقدان الجنجويد مشروعا سياسيا لجأ (متفذلكون )إلى محاولة تلبيس تورط الميليشيا في الحرب الرعناء رداءً قبلياً بغية اكساب تلك الحماقة مشروعية زائفة. أكثر فذلكات خطابهم السياسي السابق لقاء نيروبي بلاغة استهدفت تأكيد امتشاقهم السلاح اضطرارا للدفاع عن حقوق مهدرة .
*****
اجتماع نيروبي محاولة باهتة من الجنجويد وحلفاء لتصميم مشروع سياسي للخروج من كنف القبيلة إلى رحاب الوطنية. لكن جوهره تبرير التورط في الحرب أكثر من تأطيره مشروعًا سياسيا. لذلك اخفق الميثاق رغم فصاحته السياسية عن تخليق آلية تحويله مشروعا فسقط في مهده كسيحًا . مما زاده بؤسًا ارتداد صانعيه بالدولة من الوحدة إلى التجزئة. .هذا الانسلاخ القسري عن الدولة الموحدة لا يُحدِث صدىً إيجابياً في دوائر الفكر السياسي او الصعيد الشعبي.من مفارقات الردة المحزنة إعداد هذا المشروع بأيد كتبةٍ عاقين جاحدين . فأكثر طهاة طبخة نيروبي بريقاً ليسوا فقط من ثمار (دولة ٥٦). بل هم من قطاف الفاكهة المحرّمة على شعب ( ٥٦) نفسه ! لكنهم يستبدلون العقوق بالامتنان أو على الأقل الاعتداد ! صورة شائهة أخرى لمحاولات الاستثمار في الأزمة !

*****
إذ يصدق مصطلح الانسلاخ في متن حروب الكلام فهو انسلاخ حميدتي عن معسكر دولة الانقاذ. ذلك هو المبرر المنطقي ليس لاشعال الحرب فقط بل من أجل توسيع جبهاتها. الحرب اشتعلت في سياق الصراع المسلح على السلطة . هذه ظاهرة شاخصة في العالم الثالث. لذلك تسقط محاولات تلبيس الحرب أقنعة جاذبة. فوراء هذه الحرب تبقى شاخصة الدوافع الأربعة الوارده في كتاب ريشارد ليبو (لماذا تتحارب الأمم)وهي الخوف، المصلحة،المكانة والانتقام. فهاجس الخوف ظل حمىً تسكن أجنحة الانقاذ مثلما تسري بينها .كل شهود العيان من الداخل يتحدثون عن تربص الفرقاء قبيل الانفجار. تسريبات حديثة تفضح اصرار المتطرفين على استرداد السلطة كاملة إبقاءً على المصالح . العمليات العسكرية المتصاعدة تكشف اصرار كل طرف على تركيع الآخر .مع ذلك لا تستبعد مصادر نافذة عبور المتقاتلين فوق كل هذا الدم و الركام إلى التصالح مجددًا( إذا جنح الجنجويد إلى السلام ).لذلك عند اعمال النقد الفكري تنتفي عن هذه الحرب أي عناصر سياسية تبرر العديد من الحروب الأهلية ،مثل التناحر الطبقي أو الديني. رفع شعار التهميش يبقى مثل التلويح بالقتال من أجل الديمقراطية هراءٌ فاضح.
*****
على وقع هذه المؤشرات يمكن بسهولة فهم الحرب الراهنة فصلا ًمتوحشا في سيرة الانقاذ المتوحشة. فدوافع الحرب وغاياتها احتفاظ أجنحة الإنقاذيين بامتيازات السلطة .ذلك هدفٌ مشرّبٌ بالدم و عنف مألوف منذ سطوهم على الدولة في ٨٩ ١٩. هناك فاصل إعدام الضباط الجماعي، فصل محرقة التقتيل في الجنوب ثم فصل التخلي عنه .فصول الاغتصاب والإبادة في دارفور. فاصل المفاصلة السياسية بين الأجنحة .فصل انقلاب اكتوبر على الثورة . كل تلك الفصول الدامية ليس فيها ما يجعلها مشروعًا اصلاحيا للدولة . فجميع محاورها الصراع على غنائم السلطة. الحرب الراهنة حلقة اكثر توغلاً في الدم تفضح جنون الافتنان باحتكار السلطة ولو على ركامات الجثث و البنى التحتية. وَسمُها بحرب الكرامة تزييف متعمد لصراعات الانقاذ الدموية. فثمة بونٌ فاضح بين كرامة الشعب وأجندة مصالح أقطاب الانقاذ.
*****
إن استوجبت حرب فرقاء الانقاذ أولوية إعادة البنى التحتية في الوطن فإن حروب الكلام تقتضي حتمية إعادة تأهيل البنى الفوقية للشعب ؛النخب السودانية عامةً والسياسية خاصة. ربما هذه أولوية تستبق مهمة البنى التحتية . الشعب يحتاج إلى رفع أنقاض الماضي بأسره في ضوء دليل سلوك اجتماعي يجعله أكثر صرامة تجاه الشارع العام،الحق العام والمال العام. النخب تحتاج إلى إعادة بناء أدمغتها وأفئدتها على نسق أخلاقي مغاير يجردها من الأنانية ، الذاتية والانتماءات الضيقة، ويكرس إعلاء مصالح الوطن و الشعب. تلك مهام تبدأ من اعادة البناء المعرفي ،بل إعادة هيكلة البناء نفسه بغية التخلص من كل التشوهات السائدة وسط النخب .تلك مهمة حتمية من أجل إعادة تشييد معمار اجتماعي حداثي .بناء وفق مشروع قومي تتكامل فيه جميع الاثنيات والقوميات ،فترفع أنقاض العداوات والتنافر المتراكمة .هذه أجندة يتصدرها اصلاح العملية التعليمية أولا وبرمتها.

aloomar@gmail.com

نقلا عن العربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • بوركينا فاسو بين مطرقة الإرهاب وسندان الانتهاكات.. حملة تجنيد عسكري تُشعل فتيل الأزمة الطائفية
  • مبادرات وتطوير المستشفيات.. خطة وزارة الصحة للقضاء على الدرن عام 2030
  • الحوثيون: واشنطن نفذت ألف غارة على اليمن منذ آذار الماضي
  • بو صعب من عين التينة: هناك إصرار على ألا يحصل أي تأجيل في الانتخابات البلدية
  • نائب وزير الصحة يطلع على سير العمل بمشروع التوسعة في مستشفى باجل المحوري
  • الاطلاع على سير العمل بمشروع التوسعة في مستشفى باجل المحوري
  • رفع أنقاض الماضي
  • رئيس جامعة أسيوط يؤكد على جاهزية المستشفيات الجامعية بكامل طاقتها خلال عيد شم النسيم
  • مدير المستشفيات الميدانية للجزيرة نت: غزة تواجه كارثة الوفاة الجماعية للجرحى
  • تركيا.. حظر الولادة القيصرية في المستشفيات الخاصة