تقرير: هل تزايد الجريمة في مدينة عدن مجرد جرائم فردية عابرة أم جرائم تتنامى بشكل خطير؟
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
(عدن الغد)خاص:
تقرير يسلط الضوء على تزايد الجريمة بعدن وأهمية الإحصاءات الأمنية الأسبوعية في الحد من معدل الجريمة..
كيف أسهم الانقلاب الحوثي واستمرار الصراع السياسي في زيادة معدل الجريمة؟
ما أهمية الإحصاءات الأمنية الأسبوعية في الحد من معدل الجريمة؟
ما أسباب ودواعي الجريمة ومخاطر تناميها وما الحلول العاجلة للحد من تزايد معدل الجريمة؟
الجريمة تهدد عدن الآمنة
(عدن الغد)- القسم السياسي:
يتزايد معدل الجريمة في العاصمة المؤقتة عدن، في ظاهرة باتت مقلقة للجميع، وخلال العام الجاري وثقت عدسات الكاميرات العديد من جرائم القتل في عدة مديريات من المدنية.
وفي اللحظة الراهنة يعكس تنامي الجريمة في العاصمة المؤقتة عدن صورة مصغرة من حالة المجتمع الذي عصفت به الحرب التي أشعلتها المليشيا الحوثية بانقلابها على الدولة 2014م، علاوة على الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة التي تعيشها المدينة منذ دحر مليشيات الحوثي في يوليو 2015م.
وفي وقت سابق نفذت مجموعة نسوية تسمي نفسها "نساء من أجلك يا عدن" وتحت شعار "نحن هنا" بالعاصمة المؤقتة عدن، وقفة احتجاجية أمام مبنى إدارة الأمن، تنديداً بتزايد معدل انتشار الجريمة بالعاصمة المؤقتة عدن.
ورفعت المجموعة النسوية في الوقفة شعارات تطالب بمنع حمل السلاح ودعم استمرارية تنفيذ التعميم الصادر من قبل إدارة أمن عدن، بتاريخ 29 يونيو 2023م.
ووفق مختصين، في علماء الاجتماع والنفس والقانون، فإن لكلّ جريمة أسبابها ودوافعها ودواعيها المتعدّدة التي قد تحدث في أي بيئة وأيّ زمان وتحت أي ظرف وفي أي مكان.
> الجريمة في يوليو
ذكرت آخر التقارير لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن شخصا واحدا من خمسة أشخاص في اليمن مرشح لارتكاب جريمة، إما تحت تأثير الاضطرابات النفسية أو تحت تأثير تعاطي المخدرات.
فلا مدينة يمنية تخلو من الجرائم الجنائية في أيامنا هذه، وبالطبع لم تكن مدينة عدن حالة استثنائية من وقوع الجريمة فيها.
وطبقا لوكالة الأنباء اليمنية سبأ الناطقة باسم الحكومة المعترف بها دوليا، فقد بلغ عدد الجرائم الجنائية التي رصدتها الأجهزة الأمنية في المحافظات المحررة خلال يوليو المنصرم نحو 1295 جريمة جسيمة وغير جسيمة، منها 90 حادثة غير جنائية خلال الفترة نفسها.
وأوضحت "الوكالة" أن التقارير الصادرة عن الأجهزة الأمنية لشهر يوليو تفيد بضبط 855 جريمة جنائية والكشف عن أسبابها وملابساتها الحقيقية وضبط مرتكبيها، فيما ما زالت إجراءات البحث والتحري حول بقية الجرائم مستمرة لكشف ملابساتها ومرتكبيها لضبطهم وتقديمهم للعدالة.
وأشارت "الوكالة" إلى ضبط الأجهزة الأمنية خلال نفس الفترة 1029 مطلوبا أمنيا وجنائيا على ذمة تورطهم بقضايا وجرائم جنائية خلال فترات سابقة، مؤكدة أن معظمهم كانت أسماؤهم مدرجة ضمن القوائم السوداء، فيما عمم على جميعهم في مختلف النقاط والمراكز والمنافذ الأمنية.
ووفقا "للوكالة" فإن الأجهزة الأمنية قد رصدت وقوع 90 حادثة غير جنائية خلال يوليو من العام الجاري توزعت بين حوادث حريق وماسات كهربائية، وحوادث سقوط وغرق، وإصابات عمل، وقضايا انتحار، واختناق. ونورد هنا إحصاءات للإدارة العامة لشرطة محافظة تعز عن المستجدات الأمنية خلال أسبوع من الفترة 28 يوليو - 3 أغسطس 2023م تحت عنوان "الإيجاز الأسبوعي لمعرفة الحالة الأمنية للمحافظات القريبة من العاصمة المؤقتة عدن".
وحسبما نشرته إدارة عام شرطة محافظة تعز في صفحتها الرسمية، فقد تلقت الإدارة (118) بلاغا واردا بقضايا جنائية مختلفة، وبنسبة ضبط بلغت 88 في المائة.
وأوضحت "شرطة تعز" أن عدد القضايا المضبوطة 103 قضايا، وعدد القضايا رهن المتابعة 15 قضية، مشيرة إلى أن إجمالي المتهمين بلغ 129 شخصا، وعدد المضبوطين 107 أشخاص، والفارين من وجه العدالة 18 شخصا وعدد المجهولين أربعة متهمين.
وتنوعت الجرائم حسب "الإيجاز الأسبوعي" للشرطة ما بين قتل عمد وشروع في القتل والاختطاف، وحوادث مرورية وأضرار سرقات منازل ودراجات وممتلكات عامة، بالإضافة إلى الاعتداء على الممتلكات العامة وقضايا أخرى.
وتكمن أهمية الإحصاءات الأمنية الأسبوعية عن القضايا الجنائية الجسيمة وغير الجسيمة في معرفة الحالة الأمنية، لمعرفة تزايد معدل الجريمة والعمل على الحد منها أولا بأول واتخاذ الإجراءات المناسبة بالشراكة مع المجتمع.
> الجريمة في عدن.. فردية أم ظاهرة خطيرة؟
بالنظر إلى الجرائم التي وقعت في العاصمة المؤقتة عدن، فهي في نظر الكثيرين جرائم فردية تم التعامل معها أمنيا وقضائيا.
فعلى سبيل المثال حادث تصادم بسيط لسيارتين عشية عيد الأضحى أدى إلى جريمتين جنائيتين في مديرتي المنصورة وكريتر.
وفي مطلع أغسطس الجاري وقعت جريمة قتل أخرى في مول في مديرية المنصورة حين أقدم شاب بطعن فتاة بسكين حتى الموت، وبحسب الاعترافات الأولية للقاتل تبين أنها اضطرابات نفسية وقضية عاطفية.
وفي يوم الخميس الماضي قالت مصادر محلية لـ(عدن الغد) إن مشادات كلامية في ساعات الفجر الأولى نشبت بين مسلح ومجموعة شباب أثناء تعاطيهم القات في مدينة الصالح بمنطقة بئر أحمد، قبل أن يتطور هذا الخلاف بين الشباب والمسلح، ليقدم بعدها المسلح على استخدام القنبلة ورميها على الشباب قبل أن يلوذ بالفرار.
وفي أوائل الأسبوع الحالي وجدت امرأة مشنوقة في حي الروزميت بكريتر في الثلاثينات من عمرها وأم لطفل واحد قيل إن زوجها توفي في التفجير الانتحاري الذي استهدف بوابة مطار عدن الدولي ثم توفي والدها قبل ثلاثة أشهر.
تبدو هذه الجرائم الجنائية، وفق مراقبين، فردية إما نتيجة لظاهرة حمل السلاح المنفلت أو نتيجة للوضع الاقتصادي والمعيشي السيئ أو تعود إلى اضطرابات نفسية وعاطفية.
وحذر الكاتب السياسي صلاح باراس في مقال لموقع (عدن الغد) من استغلال هذه الجرائم وتوظيفها في الأجندات السياسية المتعارضة في هذه المرحلة التي الكل فيها بلا "سيادة "، حد تعبيره.
ويخشى "باراس " من هذا الاستغلال الذي لا علاقة له بمعالجة الجريمة وتقصّي أسبابها والحد منها أو القضاء عليها والحرص على السكينة العامة، بل هو مسار يستغل الجريمة ضد "الانتقالي" الذي تخضع له العاصمة عدن، من أجل خلق بلبلة في المجتمع بأن الجنوبيين ليسوا رجال دولة ولا يستطيعون إمساك الورقة الأمنية ولا غيرها، حد قوله.
ويضرب "باراس" مثالا لانتشار الجريمة في الدولة الأولى عالميا وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك سيادتها ويعتبر اقتصادها الأقوى وأمنها يغطي مساحة العالم، وطبقا لموقع (إيه بي سي نيوز)، فقد قُتل حتى الآن أكثر من أحد عشر ألفا وخمسمائة شخص في أعمال عنف مسلح في عام 2023م.
> أسباب الجريمة والوقاية منها
يرى علماء الاجتماع وعلماء النفس أن الجريمة والانحراف ظاهرة اجتماعية ونفسية سلبية في كل المجتمعات البشرية على اختلاف ثقافتها وأسسها الاجتماعية والثقافية ودرجة نموها وتقدمها الاقتصادي، فهي حاضرة في المجتمع البدائي ومجتمع التقنية والمجتمع الفقير والغني وفي المجتمع الذي يتمتع بالسلم والمجتمع الذي يعاني من الصراعات السياسية والحروب.
وللجريمة أسبابها ودواعيها ونتائجها المدمرة على المجتمع، وتتعدد أسباب هذه الجرائم ما بين عامة وأخرى خاصة، فالعامة تتمثل في أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ونفسية، بينما الخاصة تتمثل في التنشئة الاجتماعية والأسرية.
ووفقا لتقارير دولية فإن ارتفاع معدل الجريمة في اليمن نتيجة وصول السلاح إلى كل بيت، إذ أصبح في متناول الجميع بما فيهم الأطفال والشباب، فضلا عن عدم التوعية بمخاطر السلاح.
ومن الأسباب الرئيسة لزيادة معدل الجريمة، فائض العنف الذي تولد في المجتمع، نتيجة الحرب المستمرة وانتشار ظاهرة حمل السلاح والتفكك الأسري والاجتماعي وتعاطي المخدرات.
وحسب مراقبين فإن ما زاد من معدل الجريمة هو التدهور في العملة الوطنية وغلاء الأسعار والتراجع في مستوى الحياة المعيشية، عوضا عن غياب الاستقرار السياسي في البلاد حتى، ويرى مختصون أن غياب الثقة في المؤسسات الأمنية والعدلية، بالإضافة إلى تعطيل عمل المحاكم والنيابات في المدينة، قد يكون أسهم بشكل كبير في انتشار الجريمة.
وما يضاعف من معدل الجريمة في نظر الكثيرين هو ضعف الوازع الديني والتفكك الأسري، وخطاب الكراهية والتعبئة ضد الآخر مع غياب التثقيف السياسي والتوعية الأمنية.
ويرى مواطنون أن الحلول تكمن بضرورة تفعيل القضاء وسرعة تنفيذ أحكامه كأحد أهم الروادع لمنع الجريمة، بل تجعل المجرم يفكّر في مصيره قبل أن يقدم على جريمته.
ويرى خبراء أمنيون أن من الحلول في المجال الأمني، تفعيل مبدأ الثواب والعقاب وعدم المهادنة تجاه الجهات الأمنية والقيادات والأفراد المقصرين في مهامهم وتحفيز الناجحين وترقيتهم وتمكينهم من مهام تليق بقدراتهم ونجاحهم، بالإضافة إلى ضرورة التعامل بشفافية ومصداقية مع المواطن والمتابع وعدم نشر أي أخبار أو تطمينات أمنية غير صادقة، وبالمقابل لابد من نشر اعترافات ومحاكمة المتهمين سواء كانوا أشخاصا أو من أي شبكات تم اكتشافها والقبض عليها عبر وسائل الإعلام وفقا للقانون، حتى يطمئن المواطن لدور تلك الأجهزة وتستمر في نجاحها.
كما أنه لابد أن يكون للمواطن والمجتمع دور هام إلى جانب المؤسسة الأمنية ومساعدتها في تنفيذ مهامها ومدها بالمعلومة التي يمتلكها وتساعدها في تنفيذ مهامها.
خلاصة القول: لا جريمة في اليمن أكبر من جريمة اختطاف الدولة والعاصمة اليمنية صنعاء من قبل المليشيات الحوثية، فأي جريمة تقع في اليمن سواء في صنعاء أو عدن أو أي محافظة يمنية أخرى فالمتسبب الأول فيها الانقلاب الحوثي الطائفي، فهم الذين أسقطوا منظومة الدولة والأمن والقيم والأخلاق ومزقوا نسيج المجتمع ونشروا الجهل والفوضى والفقر والهمجية في المجتمع- يقول مواطن.
وبالطبع هذا القول لا يعفي الحكومة المعترف بها دوليا وسلطاتها الأمنية والعسكرية وأجهزة الضبط القضائي وإنفاذ القانون، القيام بواجبها بحفظ حياة المواطنين ودمائهم وأعراضهم وممتلكاتهم وسكينتهم العامة.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: العاصمة المؤقتة عدن الأجهزة الأمنیة فی المجتمع الجریمة فی فی الیمن جریمة فی عدن الغد
إقرأ أيضاً:
العدالة الانتقالية (2/2)
دائماً ما يثور الجدل حول أولويات تطبيق العدالة الإنتقالية في بلد ما في أعقاب الحرب ، هل العمل على تحقيق الهدوء والاستقرار بعد الحرب أولاً أم محاكمة منتهكي الحقوق ومرتكبي جرائم الحرب؟
علي كل فإن الداعي الأساسي للعدالة الانتقالية هو قدرتها علي ملاحقة المتورطين والتصدي للانتهاكات بكل أنواعها، ومعالجة آثارها ، وهو ما تعجز عنه -أحيانا – العدالة التقليدية.
ورغم حداثة فكرة العدالة الانتقالية نسبياً ، إلا أن عدة دول شهدت أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، أحداثاً مؤسفة، مما جعلها تستعين بالعدالة الانتقالية لتجاوز آثار تلك الأحداث ، ومن التجارب التي نتجت عن تطبيق العدالة الانتقالية في تلك الدول تكونت مرجعية دولية واضحة المعالم مثلما حدث في كل من الأرجنتين وتشيلي وجنوب أفريقيا وبيرو و السلفادور وغواتيمالا و الهندوراس والبرازيل وبوليفيا وبارغواي والاكوادور وبنما وكوستاريكا وكولومبيا ورواندا وسيراليون وأوغندا وبولندا والمجر و ليبيا وسوريا مؤخراً، وقد أعطت كل هذه التجارب ثراء في نهج التطبيق للعدالة الانتقالية على أرض الواقع.
والعدالة الانتقالية ليست نوعاً خاصاً من العدالة ، إنما هي مقاربة لتحقيق العدالة بعد فترات حرب أو قمع من أجل إحقاق الحق ، وهي حزمة ترتيبات بغرض تهدئة النفوس مما حدث من جرائم انتهاكات وتهيئتها لمرحلة جديدة ، و تتطلب أيضاً استقلال القضاء لتطبيق القانون وحماية الشهود وحماية إجراءات المحاكمة وإعلانها للجميع ولا توجد فيها حصانة لمجرم ولا تسقط العقوبات في الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب بالتقادم ، وذلك بغرض إعادة الثقة في الأجهزة العدلية والقانون ، وتتطلب أيضا تكوين لجان الحقيقة ولجان تقصي الحقائق ، ولجان المصالحة.
و بالإضافة لما سبق، هناك بعض الدول أخذت بالسرد الشفهي على أساس أن السرد وقول الحقيقة والاعتراف بالجرم من الجاني أداة لمداواة الجراح للضحايا و تحقيق المصالحة على أساس من العفو بين الأطراف ، وهذا في حد ذاته تحدٍ .
لكن التحدي الحقيقي للعدالة الانتقالية يكمن في التطبيق الصحيح والسليم لها وفق تلك التجارب بالأخذ بنتائجها الايجابية والبعد عن القصور أو السلبيات في التطبيق .
لذلك اهتم فقهاء القانون الدولي بتطوير مفهوم العدالة الانتقالية وأقبلوا على البحث بشغف شديد لما له من ألق فكري وجاذبية بحثية ، فظهرت عدة نظريات قديمة وآخرى حديثة ، منها نظرية (جون رولز) صاحب نظرية العدالة، والذي يرى أن العدالة الانتقالية هي القدرة على تأهيل الناس لأجل تجاوز محنة مر بها المجتمع ، وسعي المجتمع والسلطة معا إلى تجاوز هذه المحنة بتدابير سريعة ، بينما (امارتيا صن) وهو ( أمريكي من أصل هندي) أعطى للعدالة الانتقالية رؤية أوسع بقوله “إننا لا نحتاج لنظريات مثالية في تطبيق العدالة الانتقالية بل نحتاج إلى خطط وقوانين وتدابير (ممكنة) وبطريقة موضوعية لتجاوز المحنة”.
نتيجة لهذه النظريات الحديثة أقبلت الدول التي مرت بحروب طاحنة على الأخذ بالعدالة الانتقالية ومبادئها في متون قوانينها وذلك لرد الحقوق وجبر الضرر والتعويض للضحايا ،بل و (دسترة) بعض المبادئ كمبادئ دستورية لقطع الطريق على من يريد العودة للماضي المؤلم ، حدث ذلك في تجربة رواندا حيث تم إجراء اتفاق استدامة السلام والأمن، ولضمان ذلك اتفق على أن يكون المسار الحقيقي للبلاد نحو التعافي من الحرب؛ ونصّ تقرير مفوضية حقوق الإنسان على ضرورة عقاب مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وسن تشريعات بذلك ، وبناء نصب تذكاري لتخليد ذكرى ضحايا جرائم الإبادة الجماعية التي حدثت ، كما حددت خطة العدالة الانتقالية التي اعتمدت في 2019م معايير مشتركة لعمليات العدالة الانتقالية وتقدم مبادئ توجيهية حول كيفية استخدام الحكومات لهذه العمليات بشكل فعال لمساعدة الدول الأفريقية على تخطي ماض مؤلم .
وقد أكدت التجربة الرواندية على خطة العمل المشتركة للاتحاد الأفريقي على الالتزام المشترك بإدانة ورفض الإفلات من العقاب .
في قارة آسيا كانت تجربة كمبوديا حاضرة باستيلاء الخمير الحمر بزعامة (بول بوت) عام 1975م على السلطة ، حيث قتل حوالي مليون وسبعمائة ألف كمبودي بسبب الجوع والقتل الجماعي الذي ارتكبته هذه الجماعة، وفي العام 2006م قامت محاكم مختلطة مدعومة من الأمم المتحدة بمحاكمة كبار قادة الخمير الحمر لمسؤليتهم عن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي وقعت ووضع قوانين تمنع العودة لمربع العنف والحرب مرة اخرى .
من هذه النماذج يصبح السؤال الذي يطرح حين التطبيق، هل هي عدالة انتقالية أم سياسة انتقالية ؟؟
في كل الأحوال فالفهم الصحيح للعدالة الانتقالية يتبعه تطبيق صحيح حتى يمكن الوصول إلى نتائج مرضية، من حالة الاحتلال إلى الاستقلال ومن حالة الاستبداد إلى الحرية ومن وضع جبر الضرر إلى مرحلة المصالحة وتجانس المجتمع وتهيئة الجميع للعبور لمرحلة البناء والتنمية.
وهذا يقتضي أن تحدث خطوات أساسية
1/ القبض على المتورطين في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وتوجيه التهم لهم .
2/إعلاء النزاهة ومحاربة الفساد في أجهزة الدولة .
3/الإشراف على إنشاء آليات وطنية للعدالة الانتقالية بغرض العفو والمصالحة وبناء دولة القانون .
4/الإصلاح القانوني والدستوري للدولة وتفعيل الأجهزة العدلية الوطنية.
5/نزع السلاح من المدنيين الذين مروا بتجربة الحرب المريرة .
6/الاهتمام بتقديم رسالة إعلامية وطنية تحمل مبادئ العدالة الانتقالية لتوطيد دعائم و ثوابت المجتمع والدعوة للمصالحة الوطنية والبعد عن العنف و تأجيج الصراعات وإنهاء حالة العداء وانعدام الثقة بين مكونات المجتمع مع الاعتراف بحق الضحايا وتعويضهم .
في كل التجارب الدولية للعدالة الانتقالية كان السعي دائما نحو الوضع المستقر والعمل على بناء المجتمع والدولة معاً وتحقيق التنمية والأمن والأمان ، وطي صفحة الماضي المؤلم .
لكن ،، ماذا عن بلادنا ؟ هل يحتاج السودان (لعدالة انتقالية) بعد فترة الحرب المريرة التي خاضها ويخوضها الجيش والشعب معا ؟
ما شكل ونوع العدالة الانتقالية المطلوبة ، والتي تصلح للسودان وشعبه ؟
في كل الأحوال، لا تبنى الأوطان إلا بأيدي أبنائها ، ولا تضمد جراحها إلا بالسلام والأمن والأمان
.د.إيناس محمد أحمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب