أعلن حزب الله اللبناني مرارًا عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله، أن الحزب ولبنان هما جبهة تضامن وإسناد للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وأكد أن الحزب لا ينشد حربًا موسعة، ولكنه مستعد لها إذا فُرضت عليه.

تقاطعت طهران مع الحزب في موقفه، مؤكدةً ضرورة وقف العدوان والإبادة الجماعية في قطاع غزة، وبذلت دبلوماسيتها جهدًا لتحقيق ذلك بالتشاور مع الصين، وروسيا، ودول المنطقة، والوسطاء في مصر، وقطر.

وحذرت من جرّ المنطقة إلى حرب إقليمية موسّعة يسعى لها الاحتلال بسياساته الرعناء.

كانت الإدارة الأميركيّة تأمل في بداية معركة "طوفان الأقصى" أن يقضي جيش الاحتلال على حركة حماس ويهجّر الفلسطينيين من قطاع غزة، لكن بعد الفشل الإستراتيجي، فضّلت واشنطن المقاربة السياسية بوقف إطلاق النار، والنظر لاحقًا في كيفية تنحية حماس، أو القضاء عليها بالتعاون مع إسرائيل، تحت ما يُسمى بـ "اليوم التالي في غزة".

فشل مسعى الإدارة الأميركية؛ لأنها لم تستطع إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم تمارس عليه ضغوطًا مؤثرة لتغيير موقفه الرافض لوقف الحرب؛ حتى لا تُغضب جماعات الضغط الصهيونية والشرائح الأميركية المناصرة لإسرائيل، قُبيل الانتخابات الرئاسية.

لماذا اغتال الاحتلال هنية وشُكر؟

سياسة الاغتيالات ليست جديدة على الاحتلال فقد انتهجها طوال عمر المقاومة الفلسطينية، وصولًا إلى حركة حماس التي قدّمت شخصيات كبرى كالشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة، وإبراهيم المقادمة، ويحيى عيّاش، وأحمد الجعبري، وآخرين. بيدَ أن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس الحركة، والمسؤول العسكري في حزب الله الشهيد فؤاد شُكر في طهران وبيروت خلال أقل من 24 ساعة، كان له وقع خاص وأهداف مهمة في سياق المعركة المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومنها:

أولًا: محاولة رسم صورة النصر، واستعادة الهيبة المكسورة

بعد عشرة أشهر، ما زال الاحتلال يتجرّع مرارة الفشل الإستراتيجي في قطاع غزة؛ فلم يحقق أيًا من أهدافه بالقضاء على حركة حماس أو استعادة الجنود الأسرى بالقوّة. وتحوّل المشهد إلى حرب استنزاف حذّر من كارثيتها العديد من الجنرالات والخبراء. وجاءت عمليات الاغتيال في محاولة لاستعادة كبرياء إسرائيل وهيبتها وردعها المتآكل.

ثانيًا: استعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي

يعاني بنيامين نتنياهو من تراجع التأييد وثقة الجمهور الصهيوني فيه، بعد فشله في تحقيق أهداف الحرب على غزة، مما يسبب له شعورًا بالعجز والنقص، لا يتناسب مع نرجسيته كقائد تاريخي لإسرائيل. فنسبة من أيّدوا اغتيال هنية بلغت نحو 65%، مما يدل على فهم نتنياهو لطبيعة المجتمع الصهيوني وتطرفه، والأشياء التي تسبب له نشوة ولو مؤقتة، عبر محاكاة أيام مجد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

ثالثًا: إطالة الحرب حتى الانتخابات الأميركية

سعى نتنياهو طوال الأشهر الماضية إلى استدامة العمليات القتالية في قطاع غزة، عبر وضع المزيد من الشّروط والعراقيل أمام اتفاقية وقف إطلاق النار؛ لأنه يرى في وقف إطلاق النار قبل تحقيق الأهداف وصفة لتغييبه وسقوطه عن سدّة السلطة، وانهيار حكومة الائتلاف الحالية.

وهو، إذن، يحتاج إلى استمرار الحرب لحماية مستقبله السياسيّ، وحكومته من السقوط، عبر البحث عن صورة انتصار تكتيكي، مثل اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، مادام حسم المعركة مستبعدًا.

وهذا يحقق له إطالة المعركة حتى الانتخابات الأميركية؛ أملًا في أن تشكل له عنوانًا جديدًا لإدارة مشهد العلاقة مع الفلسطينيين، لا سيّما إذا كان المرشّح دونالد ترامب هو القادم الجديد إلى البيت الأبيض، وهو الذي تماهى في فترته السابقة مع أهداف بنيامين نتنياهو في نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وقام بإعداد صفقة القرن؛ لحسم الصراع على قاعدة أن تصبح إسرائيل دولة قائدة في المنطقة العربية، مع منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا تحت السيادة الإسرائيلية.

الحرب الإقليمية وتداعياتها الوجودية

إذا كانت غاية نتنياهو هي شطب القضية الفلسطينية بالتعاون مع الإدارة الأميركية القادمة، فما علاقة اغتيال الشهيد فؤاد شُكر في بيروت، والشهيد إسماعيل هنية في طهران؟ ولماذا لم يُبقِ الاحتلال التصعيد في مستواه الحالي حتى الانتخابات الأميركية؟

لدى بنيامين نتنياهو رؤية إستراتيجية قديمة تتكوَّن من شقين:

الأول: إنهاء القضية الفلسطينية عبر السلام الاقتصادي، أو الحكم الذاتي للفلسطينيين تحت السيادة الإسرائيلية، بالتوازي مع اندماج إسرائيل في المنطقة العربية عبر التطبيع. الثاني: حرمان إيران أو أي دولة عربية أو إسلامية من امتلاك السلاح النووي، لأنه سيعني توازن الردع مع إسرائيل. وهذا مرفوض قطعًا لدى إسرائيل، الساعية لاحتكار الردع الإستراتيجي في الشرق الأوسط.

هذا يفسّر الهدف المزدوج الذي أراد تحقيقه عبر اغتيال رئيس حركة حماس في طهران، فعلاوة على استهداف حركة حماس وقياداتها، أراد دفع إيران لتكون طرفًا مباشرًا في حربه ضد الفلسطينيين، تمهيدًا لحرب موسّعة تُجبر فيها الولايات المتحدة على التدخل للدفاع عن إسرائيل في مواجهة إيران، ومحور المقاومة.

نتنياهو حاول سابقًا منع الرئيس باراك أوباما من توقيع الاتفاق النووي مع إيران وفشل، لكنه نجح في دفع الرئيس دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق من طرف واحد، لدفع واشنطن للصدام مع طهران.

في المقابل، نجحت إيران في تدوير الزوايا الحادة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، لكن اغتيال هنية في طهران، بعد أشهر من قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في أبريل /نيسان الماضي، وضع طهران في زاوية ضيقة لا خيارات فيها سوى الرد بقوة، مع الحرص على عدم الذهاب إلى حرب إقليمية، إلا إذا فرضها الاحتلال.

مع أن واشنطن تتجنّب الحرب الإقليمية، فإنها قد تجد نفسها طرفًا مباشرًا فيها دفاعًا عن إسرائيل، وهذا ما سيرفع تكلفة الحرب، ويعقد المشهد في الشرق الأوسط، مما ستكون له تداعيات على مستقبل إسرائيل ودول المنطقة.

بنيامين نتنياهو يُدخل إسرائيل في مقامرة وصفها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأنها حرب وجودية، وإذا كانت كذلك، فهي ستكون حربًا خاسرة له ولإسرائيل، وقد تكون بداية النهاية. لأن الحرب الإقليمية إذا بدأت فستواجه إسرائيل جبهات متعددة أقوى وأشرس من قطاع غزة، مما سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية وأمنية واجتماعية هائلة على الكيان الإسرائيلي، وقد تفضي إلى موجات من الهجرة المعاكسة هربًا من جحيم الحرب.

إذا ذهبت المنطقة لسيناريو الحرب الإقليميّة وطال عمرُها، فإن اللحظة الحاسمة في مستقبل الكيان الإسرائيلي تتعلق بالإجابة عن السؤال: إذا تعارضت مصالح الولايات المتحدة عالميًا (مواجهة الصعود الصيني والروسي) مع مصلحة حماية إسرائيل في شرق أوسط مضطرب، فأيهما أولى للولايات المتحدة، ريادتها للعالم أم حمايتها لإسرائيل؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بنیامین نتنیاهو الحرب الإقلیمیة إسرائیل فی حرکة حماس فی طهران قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

هل لا يزال نتنياهو يحلم بمشروع إسرائيل الكبرى؟

عادة ما يتلذذ نتنياهو بترديد، ما يشير إلى أنه مبعوث قوة "روحية/ خفية" مؤيدة وداعمة له لإنجاز مشروعه عن "الشرق الأوسط الجديد" ـ وهو المصطلح "الناعم" لمعنى إسرائيل الكبرى ـ وأن "رسالته" إلى العالم، كانت مرهونة بمآلات الحرب على الجبهة اللبنانية، فيما كان واثقًا وكأن "بطاقة ضمان" دسّتها تلك القوةُ الخفية في جيبه، مُرفقًا بها خريطة هذا "الشرق المزعوم" الذي يستخدمه نتنياهو كـ"مرهم" و"مُلطف" للجرح الإسرائيلي النازف منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، فيما يعتقد آخرون من حاضنته السياسية، الأكثر اعتدالًا ورصانةً، بأنه "يوتوبيا" ومثل من يطلب "لبن العصفور" كما يقول المثل الشعبي العربي.

إسرائيل ـ منذ هزيمتها في حرب "أكتوبر/ رمضان" 1973 ـ لم تحقق أي انتصارٍ إلا على المدنيين والمخيمات، وظلت عالقة بعد أكثر من 15 شهرًا من بربريتها في مخيم بحجم "جباليا" وبضعة أمتار في قرى جنوب لبنان، ومع ذلك ما انفكت تتكلم بوقاحة عن عدم رضاها بـ"إسرائيل الصغرى"، وأنها في سبيلها لإنجاز "نسختها الكبرى" تحت لافتة الشرق الأوسط الجديد.

وكما يقولون "الزَّنُّ على الوِدان/الأُذُن" أمرُّ من السحر، تصدَّرَ المشهدَ داخل الكيان، صحفيون ومعلقون، لإسالة هذه الديماغوجية إلى حقيقة متوهّمة، تجري في شرايين اليمين الشعبوي المتطرف مجرى الدم، ويتحدثون في صلف بأنَّ مرحلة ما "بعد حزب الله" ستكون مُدخلًا لتل أبيب، نحو إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وإحالته إلى "منطقة سلمية" قادرة على إدارة المصالح المتضاربة طوعًا أو بعصا إسرائيل الغليظة.

إعلان

لم يكن هذا التفكير المتفائل بالأمر الجديد، فبعد حرب الخليج عام 1991، واتفاقات أوسلو عام 1993، والربيع العربي عام 2011، روّج الخبراء الإسرائيليون لسيناريوهات وردية مماثلة، ولعلّ أشهرها كتاب شيمون بيريز صاحب الرؤية الذي ألفه في تسعينيات القرن العشرين حول "الشرق الأوسط الجديد"، وهي النبوءة التي قال عنها المفكر الإسرائيلي إفرايم أنبار: لقد تبين لاحقًا أنها "كلامٌ فارغ".

غاب لفترة ـ ليست بالقليلة ـ هذا الخطاب المتبجح، والمسلح بالحجج الدينية، وبغطرسة القوة على الأرض، ولعله قُمع وأحيل إلى "اللاوعي الإسرائيلي"، بفعل مرحلة الإحماء التدريجي والناعم التي شهدتها المنطقة ـ منذ سبعينيات القرن الماضي ـ تمهيدًا لإدماج إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة، وذلك إلى ما قبل طوفان الأقصى، الذي وضع العصا في عجلة التطبيع، فتعثر كلُّ شيء وتناثر المشروع مع بعثرة جثث الضحايا تحت أنقاض غزة المدمرة.

بيد أن صورةً لجندي إسرائيلي، التقطت له أثناء العمليات في غزة، في يونيو/ حزيران 2024 وهو يرتدي "شارة/ خريطة" إسرائيل الكبرى على زيّه العسكري ـ مطابقة لتصريح ثيودور هرتزل الذي مضى عليه أكثر من قرن من الزمان ـ أثارت غضبًا واسعًا في العالم العربي.

الخريطة ـ كما بدت على ذراع المقاتل الإسرائيلي ـ شملت مناطق من النيل إلى الفرات، ومن المدينة المنورة إلى لبنان، بما في ذلك أراضٍ من سوريا، والأردن بأكمله.

ومن المرجح أن ما أثار الغضب العربي هذه المرة، لم يكن وجود الخطة، بل ظهورها في الفضاء الأوسع لوسائل الإعلام الاجتماعي، إذ في مطلع العام 2024، وفي مقطع صوتي مسجل، قال السياسي الإسرائيلي آفي ليبكين: "… في النهاية، ستمتد حدودنا من لبنان إلى الصحراء الكبرى، ثم من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى نهر الفرات. وتساءل:

ومن الذي يقع على الجانب الآخر من الفرات؟ الأكراد! والأكراد أصدقاء. لذا، لدينا البحر الأبيض المتوسط ​​خلفنا، والأكراد أمامنا، ولبنان، الذي يحتاج حقًا إلى مظلة حماية إسرائيل، وبعد ذلك أعتقد أننا سنستولي على مكة والمدينة وجبل سيناء، ونطهر تلك الأماكن " بحسب أوهامه المريضة.

إعلان

ولم يلقَ هذا المقطع ـ آنذاك ـ ردود أفعال غاضبة، ولعل ذلك يرجع إلى أن الحرب كانت في مراحلها الغضة، بكل تجلياتها "المبهجة" من انهيار الأساطير المؤسسة لـ" الدولة التي لا تقهر"، وتنامي الانطباع المصاحب لـ"النصر الغزي"، بأن ثمة شرقًا أوسطَ، يتشكل في رحم الغيب قد يكون بدون "إسرائيل".

بيدَ أن مشروع "إسرائيل الكبرى/ الشرق الأوسط الجديد"، اكتسب زخمًا أكبر، واهتمامًا متجددًا، مع النجاح التكتيكي الذي حققه نتنياهو، في المراحل الأولى من حربه على حزب الله (تصفية غالبية قياداته السياسية والأمنية والميدانية).

وفي حين ظل التوسع الإقليمي الإسرائيلي، بمسوغاته الدينية/ التاريخية، ومدى موضوعيته، يعيد ـ في العالم العربي ـ إنتاج خطابه الشعبوي كأداة للحشد والتعبئة والتخويف من التطبيع بدرجاته، أو كأداة بيد المعارضة السياسية، تستخدمها في إدانة أنظمة عربية تراها "متسامحة" مع المشروع، فإنه كان يخضع ـ مع كل أزمة ـ لاختبارات قاسية داخل دوائر النخبة الإسرائيلية، أو يُدرج على رأس أجندة مؤسسات بحثية، معنية بمستقبل منطقة الشرق الأوسط، وتبدأ من جذور المشكلة وأصولها، مثل التساؤل بشأن تحديد درجة علمية مطالبات هرتزل بالأرض، وخلص بعضها إلى أن هناك اتفاقًا واسع النطاق بين الباحثين على أن الكتاب المقدس لا يمثل مصدرًا تاريخيًا علميًا، وبالتالي فإن رواية العودة إلى إسرائيل، أو إسرائيل الكبرى يمكن ربطها بخطاب جدلي، وليس تاريخًا مفصلًا للمنطقة أو الحقائق الديمغرافية على الأرض.

لقد أخضعت البروفيسور إيكاترينا ماتوي ـ مديرة برنامج الشراكة مع الشرق الأوسط  MEPEI ـ مقولات "هرتزل" والأصول التي أقام عليها بنيانه التوسعي لنقاش أقرب إلى اختبار صحة الأسانيد التي يستقي منها الشرعية التي تملك القدرة على الإقناع أو قياس المسافة التي تفصلها عن المشروع كحتمية تاريخية ومؤجلة.

إعلان

وتساءلت: إذا كانت هذه الأرض إسرائيلية، فلماذا يتم شراؤها من ملاك قانونيين قائمين؟ وإذا كانت أطروحة الأرض "القاحلة" التي روجت لها وسائل الإعلام، أو "الأرض الشاغرة" بحسب "هرتزل" فلماذا يشتريها الإسرائيليون؟

ليخلص البرنامج إلى القول: يمكننا أن نؤكد أن طبيعة مطالب هرتزل المتعلقة بالأرض ليست علمية، فبينما كانت هناك أسباب دفعت الحركة الصهيونية إلى التفكير في تأسيس دولة يهودية مستقلة، فإن موقع وطريقة تنفيذ مثل هذا المشروع كانا خاضعين لمفاوضات أطول مع ضامني القوة في تلك الأوقات، أي القوى الاستعمارية السابقة، ألمانيا، ثم الولايات المتحدة في وقت لاحق، وكانت هذه اتفاقات ذاتية.

وإذا كان قد تم تحقيق أهداف الحكم الذاتي والحماية الذاتية التي ذكرها هرتزل، فإن هذه الحماية الذاتية تعتمد بشكل كبير على المساعدات العسكرية الأميركية والأوروبية حتى يومنا هذا، ما يعني أن "إسرائيل الكبرى/ الشرق الأوسط الجديد" يظل قرارًا دوليًا وليس إسرائيليًا محليًا، وهو القرار المستحيل، بسبب المصالح الجيوسياسية للقوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.

في هذا السياق فإن معهد القدس للإستراتيجية والأمن الذي تأسس عام 2017 ويصر على أهمية القدس الموحدة كأساس لأمن الدولة والهوية الوطنية للشعب الذي يعيش في "صهيون" بحسب زعمه.. تهكم من فكرة "شرق أوسط جديد" ما بعد "حزب الله، وقال في لغة ساخرة: "من السذاجة الاعتقاد بأن حدثًا واحدًا قد يغير المشهد السياسي في منطقة بأكملها، فحتى النهاية الحاسمة للحرب الباردة والنصر الحاسم الذي حققته الولايات المتحدة على صدام حسين ـ وهما حدثان كان لهما تأثير دولي كبير ـ لم يحدثا إلا القليل لتغيير السياسة المحلية أو الدولية في الشرق الأوسط.

ويعتقد المعهد أن الشبكة المعقدة من الديناميكيات المحلية والدولية لا تشجع على التعايش السلمي، وإذا كان السعي إلى تحقيق شرق أوسط أكثر سلامًا يشكل مشروعًا نبيلًا، بحسب زعمه، فإنه يظل مهمة شاقة في الوقت الراهن.

إعلان

وينتهي إلى القول: " إن الدرس الذي يجب على إسرائيل أن تتعلمه هو أنها سوف تضطر إلى العيش على سيفها لسنوات عديدة قادمة، ورغم أن فترات انخفاض التوتر، مثل تلك التي تتمتع بها إسرائيل مع مصر والأردن، ممكنة بالتأكيد، فإنها لا تعكس علاقة ثنائية مختلفة نوعيًا، مثل العلاقة بين كندا والولايات المتحدة، وإن الانتقال من علاقة غير عنيفة إلى صراع مسلح قد يحدث بسرعة، ولا بد أن تكون إسرائيل مستعدة لهذا الاحتمال".

لا يوجد ما يشير بوضوح إلى أن إسرائيل قد تتخلى عن هذا الهدف، أو أنها قد تتنازل عن مشروع إسرائيل الكبرى، ومع ذلك، فإن الفكرة الرئيسية التي تظهر في الحجج التي تدافع عن مشروع إسرائيل الكبرى، أي العصر "الجديد" الدائم، قد تمثل بالفعل سببًا للتأمل.

فمع اقتراب العالم من نهاية عصر النفط الكبير، وتضاعف طرق التجارة على المستويين؛ العالمي والإقليمي، سوف تكون هناك حاجة إلى تغييرات نموذجية جديدة بالنسبة للقوى العظمى التقليدية من أجل التنافس سلميًا مع القوى الصناعية والتجارية الناشئة.

وفي حين تتمتع إسرائيل باستقلال نسبي ـ كما تدعي ـ وتزيد من حصتها في حماية نفسها، فإن أهمية الدعم الأجنبي قد تظل تشكل عنصرًا أساسيًا في سياستها الإقليمية، وعند تحليل مشروع إسرائيل الكبرى، يتعين علينا أن نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت دولة الحرب الدائمة المحتملة متوافقة مع التطلعات نحو التنمية الاقتصادية في زمن السلم، والتي من المفترض أن تنافس القوى الاقتصادية سريعة النمو في عصر جديد، ما يجعل فكرة "إسرائيل الكبرى/الشرق الأوسط الجديد" خرافة تصطدم مع أية قراءة رصينة وعاقلة، إن لم تكن حلمًا بعيد المنال، وبالتزامن مع تنامي نزعة الثأر من تل أبيب في المنطقة التي "عليها العين"، وبالتوازي أيضًا مع اختمار تيار إسرائيلي استشرافي بات أكثر قناعة بأن الشرق الأوسط الجديد.. قد يتشكل فعلًا على المدى البعيد، ولكن بدون دولة إسرائيل.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • هل لا يزال نتنياهو يحلم بمشروع إسرائيل الكبرى؟
  • حماس تلاعب إسرائيل بسلاح الحرب النفسية وكروت الأسرى
  • طهران: “الوعد الصادق 3” ستنفذ بالوقت المناسب وسندمر إسرائيل ونسوي تل أبيب بالأرض
  • هل ينجح نتنياهو في استغلال جثة بيباس لتفجير اتفاق غزة؟
  • بن جفير يطالب نتنياهو بالعودة إلى الحرب
  • نتنياهو: إسرائيل ستتحرك بكل عزم لاستعادة جثمان شيري بيباس
  • الرئيس الإيراني: نريد التفاوض مع أمريكا ودول المنطقة ولن نخشى إسرائيل
  • حماس تقصف نتنياهو بعنف وتوجه له رسائل موجعة خلال تسليم جثث الأسرى
  • قوات أوروبية بأوكرانيا.. تعكير للمفاوضات الأميركية الروسية أم للضغط على موسكو؟
  • «فتح»: ضغوط أمريكية على نتنياهو للوصول إلى المرحلة الثانية من مفاوضات غزة