???? حتى لا نكسب الحرب ونخسر الوطن‼️
تاريخ النشر: 9th, August 2024 GMT
???? حتى لا نكسب الحرب ونخسر الوطن‼️
✍???? *د. الدرديري محمد أحمد*
_*٢٤ يوليو ٢٠٢٤م*
*بدت بشارات النصر المؤزر تلوح في الافق.. نصر عزيز حققته قواتنا المسلحة بسالةً في الحرب، وحنكةً في الدبلوماسية ..*
_*فكسرت قوةً أكثر نفيرا*
_*ودرأت وساطاتٍ من ذئاب تنكروا في جلود الحملان.*
*وهو نصر حققه أيضا الشعب بوقفة نادرة خلف جيشه.
_*فلم يراهن إلا عليه رغم تخذيل المخذلين.*
_*ولم يتزلزل رغم الثمن الباهظ الذى دفعه خوفا وجوعا ونقصا في الأموال والأنفس والثمرات.*
*غير انه ايضا بدت نُذُر خسارة الوطن؛*
*نعم انكسرت “التشريقة” وعاد عربان الشتات، ممن كتبت لهم الحياة، من حيث أتوا يثكلون دنياهم ونعيمها الزايل..*
_*فقد انهار الحلم الكبير في الاستيطان بأرض النيلين* _*ورضوا من ذلك بأن ينقلوا الخرطوم لأم قرون بوكسي بوكسي في مضاربها البعيدة.*
*إلا انهم خلّفوا وراءهم ذلك الظل الطويل الذي يوشك أن يسد الأفق. فكيف نضمن بعد ان كسبنا الحرب أننا لن نخسر الوطن.. نخصص هذا المقال لهذه الغاية.*
*في الاسابيع الأخيرة للحرب انقشع تدريجيا “الصفر الرقاق” كما سَمَّتهُم مُغنّيتهم، ورجعوا لبلادهم محمّلين بما غلا وخف وما غلا وثقل.*
*ومن بعدهم تصدّر الرقصة المروِّعة macabre dance مَن هُم من بني وطننا فساروا فينا سيرة الغزاة ذاتها، بل أشد.*
*وحين رجعوا لأهليهم بما سرقوه .. أستقبلهم البعض بالترحاب والزغاريد..*
*هذا رغم ان الغالبية قد استنكرت ذلك الفعل منهم وسمعنا خطيب العيد في الفولة وهو يشدد عليهم النكير.*
*وانبرى بعض (الثوريين) “ويصح في هؤلاء ما قاله الدكتور منصور خالد من انهم ينسبون الى ثور ..وليس الى ثورة”، يقولون إن المال المسروق هو حق البسطاء، سرقته منهم النخبة وهم الآن يستعيدونه!*
*وقد أذهل البعض هذا التفاوت في القيم بين ابناء الشعب الواحد لدرجة ان ..*
_*ما يُعدُّ عارا هنا، يعتبر هناك شهامة وشرفا،*
_*وما يراه البعض عيبا يعتبره آخرون فعلا ثوريا.*
*فتساءلوا كيف يمكننا والحال هذه ان نتعايش في وطن واحد.؟!*
*بل مِن هؤلاء من طالب جهرة بفصل دارفور! ..!*
_*ولا أدري لماذا دارفور وحدها، فأنحاء واسعه من غرب كردفان وجنوبها متهمة ايضا بالمشاركة في ما جرى..
ومثلها الجزيرة و(كيكل) والنيل الازرق و(البيشي) واجزاء من النيل وعمدة (القطينة) حتى الشمال وقائد اول عملية لاحتلال مطار مروي المقدم المحكوم عليه بالإعدام بعد بتر رجله، بل يشمل ذلك بعض نواحي الخرطوم!
_*ولا أدري لماذا دارفور (كلها) وارجاء واسعة منها كانت الضحية وليست الجلاد!.بعد ان فرضت عليهم جيوش الأمر الواقع هناك التبعية او القتل والاعتقال والسلب والاغتصاب.
*ان مثل هذا الحديث لا يقوم على منطق متماسك. وهو في النهاية لن يؤدي الى فصل دارفور.. لكنه يوغِر الصدور ويولِّد “حديث الكراهية”.*
*وحديث الكراهية هو الحديث الذي يعبّر عن البغض او يدعو لاستخدام العنف ضد مجموعة عرقية او جهوية او ما يشبه.*
*وحتى نعلم خطر حديث الكراهية دعونا نتوقف قليلا عند ما حاق برواندا:*
_*لم يشعل مذابح رواندا الشهيرة الا حديث الكراهية. ففي اثناء حربهم الاهلية تفاقم حديث الكراهية ضد اقلية التوتسي. وقد تساهل الهوتو، وهم الاغلبية، مع ذلك واستساغوه غير مدركين خطره.*
_*فلما سقطت طائرة الرئيس جوفينال هابريمانا الذي هو من الهوتو في ٦ ابريل ١٩٩٤ انطلق القتل الجماعي في اليوم التالي مباشرة، بل أطلقه الجنود والشرطة من الهوتو..*
▪︎ *وبدأوا بقتل ضباطهم من الهوتو.*
▪︎ *ثم الحقوا بهم كبار السياسيين من معتدلي الهوتو.*
▪︎ *وانقلبوا بعدها على زملائهم من التوتسي.*
_*وبعد ان انهار الجيش والشرطة كوَّن الهوتو ميليشيات تسلحت بالسواطير لقتل جيرانهم وانسبائهم من التوتسي في كل حي وقرية.*
_*وخلال مائة يوم سوداء امتدت حتى ١٥ يوليو تمت ابادة 77% من قومية التوتسي وقتل الالاف من معتدلي الهوتو.*
_*بعد انهيار الدولة وجدت ميليشيا التوتسي المتمردة الرابضة بيوغندا الفرصة مواتية فدخلت العاصمة كيقالي دخول الفاتحين*
_*وتولّى قائدها بول كاقامي السلطة واصدر دستورا جديد منع التحزب على اساس العرق.*
_*وبسبب ذلك الدستور تحولت رواندا عمليا لدولة حزب واحد يسيطر عليه التوتسي ولايزال كاقامي يقوده.*
_*وانزوت الاغلبية فلا تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا.*
_*وتعذر إحداث تحول ديمقراطي في البلاد رغم ما اصابت من نهضة اقتصادية.*
_*ان بول كاقامي قائد حكيم، فقد تعرفت عليه عن قرب. غير انه لن يستمر في الحكم الى الابد. فمن المؤكد انه حين يغادر سيترك وراءه بلادا ليس فيها من التقاليد الديمقراطية الشيئ الكثير.*
_*فحديث الكراهية والابادة التي اعقبته قد اعاقا تجذر الديمقراطية.*
_*ولن نتأكد ما اذا كانت محاكم “القاجاجا” التي قادت عمليات المصالحة هناك قد نجحت فعلا في تجاوز اسباب الكراهية بين الهوتو والتوتسي الا بعد مغادرة كاقامي المشهد.*
_*حينها نرى هل ستنتقل السلطة سلما ام ستنفجر الاوضاع مجددا مثلما حدث بعد موت هابريمانا.*
*والسودان ليس غريبا على الكراهية وحديثها.. وكأني بمن يشاهدون ما يجري يسترجعون شريطا لذكريات شبيهة مرت بهذه البلاد من قبل.. فما يحدث اليوم يستدعي ما وقع إبان عهد الخليفة عبدالله التعائشي*
*وللفرنسيين كلمة تصف استدعاء حالة سالفة بسبب تشابهها مع حالة ماثلة.. فهم يقولون deja vu .. ومعناها الحَرفي؛ “لقد شاهدت هذا قبلا”.. وقد دخلت هذه الكلمة بقية اللغات اللاتينية وصارت مصطلحا..*
*فعندما توقظ أحداثا جديدة ذكرى أحداث سابقة فان ذلك يضاعف من أثر الأحداث الجديدة في ذاكرة الفرد او الجماعة.*
*تمت معالجة أثار ما حدث في عهد التعائشي بطريقة سلطوية. ذلك أن البلاد قد سقطت بأكملها بعده في قبضة المستعمر الانجليزي فأدارها بالحديد والنار..*
_*فكممت الافواه ولم تتطرق الصحافة لتلك الأحداث*
_*وأغفلتها مناهج التعليم.*
*وهكذا حوصر ما جرى. وعلى مدى جيلين لم يكن له مجال الا مرويات الجَدّات.*
*رويدا رويدا تعافى المجتمع ظاهريا من عقابيل تلك الفجيعة:*
_*فذهب الشماليون لغرب السودان وعاشوا فيه آمنين تجارا وموظفين.*
_*وجاء أهل الغرب للوسط والشمال وتعايشوا مع أهله وتصاهروا وتراحموا.*
_*وجاءت الاحزاب الكبرى فخرجت بالجميع من ضيق القبيلة .. لسعة الوطن ورحابة الفكرة.*
*الا انه بسبب ان هذه المعالجة قد تمت.. بتجاهل ما جرى، وليس بمواجهته؛ فقد خلّفت الكثير من الرواسب.*
*ومن ثم يمكن لما يحدث اليوم ان يؤدي الى ان تستدعي الذاكرة الجمعية ما تمت مشاهدته قبلا. ثم ان المعالجة القديمة أيا كان ما لها او عليها فهي غير واردة هذه المرة. فما يجري اليوم توثقه كاميرات الموبايل وتتناقله لحظيا وسائل التواصل الاجتماعي فيبلغ خبره الجميع ويؤثر في نفوس الكثيرين ممن لم يشهدوه.*
*ومن ثم فانه لا سبيل هذه المرة للصمت والتجاهل.*
*ولابد من ان يُقبِل أبناء السودان على بعضهم البعض يتصدون لمعالجة ما جرى بشجاعة ورباطة جأش.*
*فإن الأمواج المتلاطمة من حديث الكراهية التي تحتوشنا الآن تنذر بشرٍّ مستطير . .وقد تغرِق الوطن كله.*
*وهكذا نكون كسبنا الحرب وخسرنا الوطن. فماذا نحن فاعلون لتفادي ذلك ؟!*
*هناك واجبات ثلاثة تترتب على فئات ثلاث يتعين عليها المواثبة الى النهوض بها:*
1️⃣ *اول هذه الواجبات هو ما يترتب على القبائل الكبرى التي شارك ابناءها في ما جرى.*
*نعم هذه القبائل لم تستشر، ولم تكن طرفا في حلف مع عربان الشتات، او مع الدعم السريع..*
*وحين التحق بعض ابنائها بالدعم السريع فانما فعلوا ذلك لأن الدعم السريع كان قوة نظامية وفق القانون الساري في البلاد.*
*فالمسئولية لا تأتيهم من هذه الأبواب.. وانما تأتيهم من باب آخر..*
*اذ ان بعض المارقين من أبناء هذه القبائل سرقوا ونهبوا وعاثوا فسادا؛ هؤلاء لصوص وقطاع طرق ومعتدون آثمون.*
*ووفقا لعرف هذه القبائل ذاتها فإن “الحرامي” لا قبيلة له ومن ثم لا ينبغي ان يُحمى او توفر له أي درجة من درجات الحصانة المجتمعية.*
*وما دام هؤلاء اللصوص قد رجعوا لديار هذه القبائل محملين بمسروقاتهم، فقد دخل هذه القبائل “درب”.*
*ففي العرف المحلي حين يدخل أثر “الحرامي” قرية يتوجب على أهلها..*
_* إما أن “يمرقوا الدرب” عنها، أي يشيروا الى أثر اللص الخارج عن القرية،*
_*او ان يسلموا اللص ومسروقاته.*
*هذا هو الذي يتوجب على هذه القبائل الكبرى فعله. وهذا هو ما تنتظره منها قبائل السودان الاخرى. فعليهم تسمية:*
_*كل من عاد اليهم وهو يحمل مسروقا.*
_*وكل من قتل مدنيا بعيدا عن العمليات الحربية.*
_*ثم تسليمه فور استتباب الأمن للقضاء والنيابة والشرطة.*
*فان هم فعلوا برئت بذلك ذمتهم ..*
_*أمام الله وأمام رسوله أولا*
_*وأمام إخوانهم في الوطن ثانيا.*
*وعندما يتعلق الامر بالقبيلة تكون المسئولية الأولى مسئولية الناظر وادارته الاهلية؛*
*فهي مسئولية تتعين على الناظر محمود موسى مادبو ناظر عموم الرزيقات. وتتعين على الناظر مختار بابو نمر، والناظر عبدالمنعم موسى الشوين، والناظر الصادق الحريكة عزالدين، وهم نظار المسيرية. و لئن افتقدت البلاد في هذا الوقت العصيب الناظر بقادي حماد أسوسا ناظر الحوازمة المحنك، حيث توفي قبيل الحرب بقليل، فإن الأمل معقود على خليفته وزملائه.*
*وكل من ذكرنا من النظار أهل خبرة ودراية بالاعراف وبسياسة القبائل. ومن ثم فهم أعرف بواجبهم في هذه المرحلة. فهذه هي حوبتهم وهم فرسانها.*
*وبالطبع يقف الى جانب النظار كبراء هذه القبائل وزعماؤها وقياديوها.*
*وتساندهم الدولة بسلطتها وصولجانها ويدها الطويلة.*
*فإذا سلّمت هذه القبائل القاتل والسارق وما حمل من مسروقات؛ برئت ذمّتها وانتفت عنها تهمة التواطؤ مع المتمردين والقتلة واللصوص.*
*اما اذا لاذت بالصمت واستعصمت بالتجاهل؛ فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله ودقّوا بينهم وبين مواطنيهم عطر منشم.*
2️⃣ *ثم يأتي بعد هذا الواجب الثاني الذي يترتب على قبائل السودان الاخرى ممن تضرر بنيها. وهي ايضا بواجبها اخبر وادرى؛*
*فعلى زعماء هذه القبائل ان يحملوا هذه الظلامات (وفقا للتقاليد المرعية في أدب الخصومة والتقاضي العرفي) ويذهبوا بها للقبائل المعنية في بواديها “ويشيلوها لومها” ويسمعون ما تقول.*
*ومثلما هو العرف الساري، فإنه اذا جاءك من يشيلك لومك، فإنما جاء يبحث عن “المَحنّة” والمودة والتصافي. وانما يعني تكبّده وعثاء السفر ومشقته للقدوم اليك انه يبحث عن حقه بالتي هي أحسن.*
*ومن ثم يتوجَّب عليك ألا ترجعه الى دياره الا معززا مكرما وهو مزود بأضعاف ما كان ينشد. فلا يعود منك الا وقد وهبته من كرائم ما لديك من بهيمة الأنعام، الإبل والبقر والضأن والماعز. ومن الثمار والزروع.*
*فمن افقرته “الرزايا” يُغنى من “العطايا”.*
*هذا فوق ما أخذه منه اللصوص .. وبالطبع لا يعودون الا واللصوص والقتلة قد:*
_*سُلِّموا لولي الأمر..*
_*او نُفوا عن القبيلة*
_*ورفِعت عنهم حصانتها اذا كانت لا تزال لهم شوكة.*
*و يا حر قلباه في فقد المك عجيب الهادي في هذا الزمان الصعيب! .. فقد كان فينا مُدّخرا ومرجوا لمثل هذه المواقف. وكأني به في”توبه” الأبيض الفضفاض وهندامه الأنيق يصول ويجول في عرصات غرب السودان وبواديه، لا يقوم مقاما الا ويُكرَم ولا يقول كلاما الا ويُمضى.. فهو الخطيب المفوّه، والمك سليل المكوك، وهو زعيم الادارة الأهلية بالخرطوم كلها.*
*غير أن هناك أخوة له يسيرون سيرته والأمل كله فيهم معقود. فهناك الناظر سيد الأمين ترك والناظر سرور محمد رملي والسلطان سعد عبدالرحمن بحرالدين.*
*وهناك نظار الجعليين والشايقية والشكرية.*
*وهناك نظار ومكوك وسلاطين كبار في قبائل كبرى.*
3️⃣ *ومن بعد هذا كله يأتي دور الفئة الثالثة؛*
*الفئة التي تزن الأمور بموازين العلم التجريبي وبمعايير المعارف الانسانية وتقرأ خصوصيات واقعنا السوداني على خلفيات وخلاصات افضل ما بلغته التجربة البشرية المعاصرة من شأو في التعافي والتصافي والتصالح.*
*هؤلاء هم السياسيون والمثقفون والوطنيون وعلماء الدين ومشائخ الطرق والإعلاميون والأدباء والشعراء والنساء والشباب والأكاديميون والمهنيون والقانونيون والاداريون ورجال الأعمال. “فالحصة وطن” بحق وحقيق.*
*فعلى هؤلاء جميعا ان يسكبوا في هذا المسعى عصارة فكرهم وجهدهم ويبذلوا فيه من عَرَقهِم ومالهم وطاقاتهم ما هو به جدير.*
*وعليهم ان يطوروا انجع السبل لرد الحقوق لأهلها ولرتق النسيج الاجتماعي وتحقيق التعافي الوطني الشامل.*
*ليس ذلك فحسب، بل عليهم أن يبصّرونا بالسبل المفضية الى الحيلولة دون وقوع “التشريقة” الجديدة لعربان الشتات ولصدّها بفاعلية أكبر ان هي جاءت.. ليس عسكريا، فذلك شُغل جيشنا، وانما اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا.*
*ولا غرو، فهؤلاء هم النخبة من مختلف ابناء السودان شرقا وغربا وشمالا ووسطا.*
*وهؤلاء هم الذين يرسمون المبادئ الحاكمة للمرحلة القادمة ويحدّدون الأُطُر الكلية لسياستها.*
*وهؤلاء هم من يشيّدون المؤسسات والصروح التي تجعل كل ما تقدّم ذكره ممكنا وناجعا.*
# *ختاما ..*
*مما هو معلوم من طبائع البشر ان الحروب والأوبئة تخرج أسوأ ما في النفوس.. _فتذهب بالانتماء الجمعي للوطن وتجعل محله الانتماء للقبيلة، ثم العشيرة،*
_*ثم يندفع المرء في النهاية للبحث عن الخلاص الفردي.*
*قال ذلك ابن خلدون في القرن الرابع عشر في عبارة مستقصية مستبصرة. وقد انتشر ما قال بعد الربيع العربي بسبب ان الظواهر التي تحدث عنها كانت تتكرر بحذافيرها كل ما تفشل احدى الدول. ومن ذلك قوله انه عندما تنهار الدول “يصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقاً، والى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان”*
*وقال بذلك ايضا الفيلسوف البريطاني توماس هوبز في القرن السابع عشر. فنبه الى ان الحروب والاوبئة تنشئ حالة سماها “حرب الكل ضِد الكل”.. وقال انه في مثل هذه الظروف لايتردد الانسان في ان يبادر بالاعتداء على الاخرين للحصول على مافي ايديهم.*
*وشهدنا ذلك بأعيننا عند اندلاع جائحة كورونا.. فرأينا كيف ان الناس قد تهافتوا على تخزين السلع وأفرغوا رفوف المتاجر.*
*وتطور الأمر في بعض البلدان ليصل إلى الاشتباك بالأيدي.. فنقلت لنا فيديوهات الانترنت مشاجرة حدثت في سيدني باستراليا بين نسوة ثلاث على لفافة من ورق المرحاض!*
*وفي بريطانيا حدثت اعتداءات على الممتلكات وتحطيم للمركبات وواجهات المحلات لسرقة ما فيها.*
*وحدث مثل ذلك في الغرب عام ١٩٦٢ حين خشي الناس من ان تؤدي ازمة خليج الخنازير في كوبا الى اندلاع حرب نووية. وقد رأينا هنا في السودان اثناء هذه الحرب مظاهر كثيرة من شح النفس مما استبشعناه.*
*فاذا تعاملنا مع ما حدث من بعض ابنائنا باعتباره مظهرا من مظاهر الضعف البشري، لصيقٌ بالانسان من حيث هو انسان وليس بعِرق ما او عنصر معين، أحسَنا تشخيص ما جرى ووفِّقنا في الاهتداء للسبيل المُفضية للتعافي منه.*
*اما اذا أخذنا بالتفسيرات ضيقة الافق فانها ستلهب “حديث الكراهية” وتبعدنا عن الحقيقة ولن تزيد وطننا إلا ضعفا وهشاشة وستضاعف من فرص العدو المتربص بنا.
*والأسوأ ان نسترخي وننتظر من الأمور ان تعالج نفسها بنفسها..فنهملها ونتجاهلها ونصمت عنها ونظن اننا أحسنا صنعا. *
*ربما يكون ما جرى في رواندا بعيدا عنا فلم نطلع عليه الا من بطون الكتب. لكن هناك الكثير من العبر التي يمكن ان نتعظ بها اذا نظرنا حولنا.*
*فنزاع الدينكا والنوير لم يتفاقم ليقضي تماما على حلم دولة الجنوب وهي في مهدها، الا بسبب اهماله وتجاهله.. ومثل ذلك يقال عن صراع الامهرا والتيجراي.*
*فالبدار البدار !*
*”فإذا ادّخـرتَ إلى الصباح بسالـةً*
*فاعلمْ بأن اليومَ أنسبُ من غـد”!*
*هذه هي الخطة التي يتعين علينا أن نهرع اليها سراعا إن أردنا أن نكسب الوطن بعد أن كسبنا الحرب❕*إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: هذه القبائل ن الهوتو هؤلاء هم بعد ان ومن ثم ما جرى
إقرأ أيضاً:
سوريا.. حنين لا يغادر محبيها
حلم الرجوع يداعب أقلام الطيور المهاجرة
أدب العودة.. أمل تحقق أم سيظل طريدا؟
هذى دمشق.. وهذى الكأس والراح
إنى أحب... وبعـض الحـب ذباح
أنا الدمشقى.. لو شرحتم جسدى
لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح
و لو فتحـتم شرايينى بمديتكـم
سمعتم فى دمى أصوات من راحوا
زراعة القلب.. تشفى بعض من عشقوا
وما لقلـبى –إذا أحببـت جـراح
مآذن الشـام تبكـى إذ تعانقـنى
و للمـآذن.. كالأشجار.. أرواح
هنا جذورى.. هنا قلبى... هنا لغـتى
فكيف أوضح؟ هل فى العشق إيضاح؟
خمسون عاماً.. وأجزائى مبعثرةٌ..
فوق المحيط.. وما فى الأفق مصباح
تقاذفتنى بحـارٌ لا ضفـاف لها..
وطاردتنى شيـاطينٌ وأشبـاح
هكذا عبر نزار قبانى فى قصيدته الدمشقية عن ذلك الحنين الساكن فى حنايا قلوب المغادرين لأوطانهم قهرا..
نعم، إنه الوطن، جرح غائر، تستبيحه الغربة وتمد فى عمقه نصلا من نار، لا يشعر به إلا كل ذى وطن مستلب، باحتلال كان أو تهجير قسرى، أو حتى ظلم داخلى..
ولأنه الأنشودة الخالدة فى دماء العرب، ستظل العودة إلى الوطن أو إعادته حلم كل حالم، وزائرا دائما فى منامات العاشقين، وفوق أقلام المبدعين، لا يغادر ما يسطرون ولا تنساه أفئدتهم مهما ذاقوا استقرارا أو هدوءا فى بلاد الغربة.. فالوطن يقبع هناك، بين أدمى ربوة فى القلب.
منذ اندلاع الثورة السورية فى 15 مارس 2011، وما صاحبها من حرب ظلت نيرانها مستعرة لسنوات، وراح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى، فقد شهدت السنوات التالية على تلك الثورة عملية نزوح واسعة للمبدعين السوريين، الذين هاجروا لبلدان عربية وأوروبية، ليأمنوا فيها على أنفسهم وعائلاتهم، ويمارسوا إبداعهم الأدبى بحرية، ولمعت أسماء الكثيرين منهم فى سماوات الأدب وشقوا طريقهم بقوة إلى العالمية، عبر أعمالهم التى ألقى الواقع السورى الراهن بظلاله عليها.
ويعد الأدب السورى أعظم شاهد على المرحلة الأهم والأخطر من تاريخ سوريا المعاصر، فلا تكاد تخلو الأعمال من ثيمات الحرب والحلم والحب والموت والغربة والهجرة ومعاناة اللجوء.
ولا شك أن الأدب المهجرى السورى قد أسهم مساهمة جلية فى التعبير عن معاناة الشعب السورى فى ظل ثورته، حيث نجد كتّابًا توزعوا فى بلدان العالم حاملين معهم همهم الوطنى، وأحلامهم المؤجلة، وحنينهم الذبيح وظلّوا مخلصين فى كتاباتهم لما آمنوا به، رغم أوضاعهم النفسية الموسومة بالإحباط والوحشة، ومع ذلك بقيت قلوبهم معلقة فى وطنهم تقطر ألمًا جسدوه من خلال أقلامهم التى ما فتئت تبث الظلم والقهر الممزوجين بأمل الانتصار وحلم العودة.
* سوريا حاضرة فى أقلام أبنائها
هكذا تناول الأديب السورى فى مغتربه موضوعات شتى، لكن الأغلب الأعم طغى عليه المضمون (الاحترابى السياسى) وما خلفه من تداعيات، تبدى هذا جليا فى الكثير من الأجناس الأدبية التى اتخذها أدباء سوريا أداة لتعبيرهم، وبرزت على سطح الأدب أسماء مهمة، ربما لم تنل من الشهرة على أرض الوطن ما نالته فى بلدان المهجر، وربما استطاعوا التعبير بحرية أوسع وبأقلام أكثر انطلاقا من تلك التى وصمتهم بالتقييد والخوف والارتعاش تحت سماء الوطن المستلب.
وقد تبدى ظل الوطن حاضرا بين إبداع ما بعد ثورة سوريا، نذكر على سبيل المثال القليل، رواية «باب الأبواب» ليوسف دعيس، ورواية «الخميادو» لإبراهيم جبين، ورواية «حتى إذا بلغت الأربعين» لليندا الشبلى، ورواية «اغتصاب الياسمين» لرشا الحسين، وكذلك ديوان «فراشة ونور» لسمية علونى، وديوان «أناشيد ميونخ المؤجلة» لفواز القادرى، رواية «جمهورية العبث» لفواز العلو، و«صداع فى رأس الزمن» لعواد الجدى، رواية «أرمان»، مجموعتا «جرح الفينيق»، «الشهيد الحى» لريتا بربارة.، روعة سنبل «دو يك»، ناهدة شبيب».
فأغلب هذه النصوص الأدبية مهما تشعب سردها، أو اختلفت طريقة تناولها وزاوية ولوجها، يبقى الناظم الجامع لها، والمحور الأساس الذى تدور حوله هو الوطن ولا شىء سواه... ولنا أن نطالع بعض تلك النماذج:
ريتا بربارة:
قاصة وروائية سورية، مقيمة بمصر، لها العديد من الإصدارات، أحدثها رواية «أرمان»، تتناول فيها ذوى الشهداء ومعاناتهم لفقدانهم أولادهم، كما تتطرق الرواية إلى الحرب وإفرازاتها من فساد وفقر وعهر.
كما تتناول رواية ريتا بربارة، ظهور تنظيم داعش فى مدينة الرقة والإرهاب الذى حدث فى سورية.. والرواية تتحدث عن بعض الشهداء الأبطال بأسمائهم الحقيقية مثل البطل الشهيد كريكور وعن والدته أمل التى حولت ألمها وحزنها إلى حالة إجابية رائعة.
تأخذنا الكاتبة ريتا بربارة من خلال روايتها أرمان، لنحيا معها لحظات وأحداث قد عايشتها بألم ووجع لا يدركه إلا من عايش الحرب فى وطنه.
لا تفقد ريتا الأمل فى العودة والانتصار، فهى تؤكد عبر «أرمان» أن سوريا ستنهض وتنفض عنها غبار الفقد والوجع والألم لتحيا من جديد كما طائر الفينيق وهذا ما أظهرته لنا من خلال مسيرة بطلتها «أمل».
* روعة سنبل
روائية وقاصة ومسرحية سورية، تعبر مجموعتها القصصية الأحدث «دو. يَك» عن شعور الفقد والاغتراب، وتحاكى الحياة بوصفها لعبة يكون فيها الربح والخسارة محكومَين بالحظ والمصادفات. وتشتمل المجموعة التى تقع فى 104 صفحات، على 15 نصًّا، بعدد الأحجار المخصصة لكل لاعب نرد. و«دو. يَك» هى رمية مرتبطة غالبا بالخسارات، التى هى الهاجس الأساسى للمجموعة القائمة بأكملها على فرضية أن عشر سنوات ثقيلة ومنهكة مر بها بلدها كافية ليكون الجميع خاسرين حتى من «نَجا» منهم.
وتدور القصص فى ثلاثة فضاءات، هى: «ذاكرة»، و«دروب»، و«ليل». وتعتمد سنبل تقنيات متنوعة فى القصّ، من دون أن تنتمى بصرامة إلى الواقعية، إذ تنطلق أحيانا نحو فضاءات المتخيل الفانتازى، فى محاولة لمجاراة عبثية الراهن وغرائبيته. وتتناول القصص ثيمات مختلفة تدور فى فلك الخسارات، مثل: الأحلام التى دُفنت، وأزمات الذاكرة التى خسرها أصحابها طوعا أحيانا للتخلص من عبء ما حملوه، أو كرها، لأن هناك من يشوهها ويطمسها، وكذلك الأزمات الوجودية لشخصيات خسرت ذواتها، وتحولت إلى كيانات أخرى لا تشبهها، أو خسرت كرامتها التى هُدرت فى طوابير طويلة بانتظار كفاف اليوم، أو سُفحت ثمنًا للخوف الذى يتنفسه الجميع.
ويمكن القول: إن الفقد والوحدة والاغتراب هى الثيمات الحاضرة فى أجواء المجموعة، وإن الذاكرة والأغنيات والحكايات تشكل عناصر متلاحمة مع السرد.
ناهدة شبيب
شاعرة سورية، تتضمن مجموعتها الشعرية الأحدث «أجراس الحنين» 38 قصيدة على الشكلين العمودى والتفعيلة،، تتنوع قصائد الكتاب بين الوجدانية والوطنية نزفت فيها الشاعرة من جرح الوطن صهيلا موجعا.
عرجت الشاعرة بروحها على المخيمات وحالة الفقر والجوع وترجمت معاناة المهاجرين فى البحر على متن سفن الموت وفى قصيدتها المزاد شرحت واقع الحال وماآلت إليه البلد من الخراب وراحت على رأيها تهرول فى صحراء الروح باحثة عن الخلاص بالكثير من الحسرة.
* أيا سوريا جرح لا يغادر منذ الأقدمين
ولأن تاريخ سوريا يحفل بالاستلاب والظلم، يظل الهم السورى البطل الأوحد والأهم فى إبداع من أبدعوا، منذ الرواد والأقدمين، ليس فقط فى سطور المعاصرين والحداثيين، من برزوا بعد ثورة سوريا، بل هو ضارب فى عمق أقلامهم، كما يضرب حلم استعادة فلسطين فى عمق سطور كل عربى، فمن الشعراء السوريين الذين حملوا راية الوطن نذكر: محمد البزم خير الدين الزركلى.. خليل مردم بك..شفيق جبرى بدوى الجبل..نزار قبانى، سليمان العيسى، عبد الباسط الصوفى، على كنعان.. أدونيس.. فايز خضور، ممدوح سكاف، وآخرون.
ومن الروائيين والقصاصين والمسرحيين: حنا مينة ونبيل سليمان وعبد النبى حجازى وعبد السلام العجيلى وفارس زرزور ووليد إخلاصى وأحمد يوسف داوود وهانى الراهب وغادة السمان وناديا خوست وخليل النعيمى وحيدر حيدر.
فواز حداد ونهاد سيريس ومحمد أبو معتوق وممدوح عزام وعلى عبد الله سعيد وخليل الرز وعبد العزيز الموسى، سعيد حورانية وعبد الله عبد وزكريا تامر وجميل حتمل وإبراهيم صموئيل وغادة السمان وهيفاء بيطار)، سعدالله ونوس، حمدى موصللى ووليد فاضل ومحمد الماغوط وعبد الفتاح قلعه جى ورياض عصمت، الذين اعتمدوا على جهود سابقة قدمها ممدوح عدوان ووليد إخلاصى.
* ألفت الإدلبى
ومن الروائيين والقصاصين الذين اتخذوا من الوطن هما لا يغادر، الروائية السورية ألفت الإدلبى، والتى تعد إحدى أشهر رواياتها “صبرية: دمشق يا بسمة الحزن” التى كتبتها عام 1980، وتصور معاناة فتاة سورية شابة بين يدى المحتل الفرنسى وضغوط المجتمع المتمثل بعائلتها وبحثها عن هويتها الشخصية والوطنية، وتمتْ كتابتها لتلائم عملاً تلفزيونياً سورياً، وأصبحت واحدة من الآثار الكلاسيكية الهامة فى الأدب السورى.
* خالد خليفة
أما خالد خليفة فهو الروائى والكاتب الحاصل على جوائز عديدة، والذى أحدثت أعماله جدلاً كبيراً فى بلده الأصلى، واجه خليفة من خلال أدبه وقائع المجتمع السورى المعاصر والحكومة.
أحد أهم موضوعاته وأكثرها تكراراً هو التوتر القائم بين الفرد والنظام السياسى ومعاناة الأول على يد الأخير، ولذلك قد منعت كتبه بشكل متكرر فى بلده سورية.
* حنا مينة:
كان لتصريحه الشهير: «ستصبح الرواية فى القرن الحادى والعشرين للعرب مكان ما هو عليه الشعر اليوم». الفضل فى أن يُنسب ل»حنا مينة» الريادة فى التقاليد الروائية السورية، وتعتبر روايات مينة أمثلة بارزة على الواقعية الاجتماعية، وتستكشف رواياته صعوبات وصراعات المواطنين العاديين الذين يعيشون فى المجتمع السورى.
أحد أهم أعماله «المستنقع» الذى استوحى من طفولته فى الاسكندرونة، والذى يعد مثالاً حياً على الفقر، الصراعات الطبقية والمرونة البشرية.
سعد الله ونوس:
على غرار كتّاب المسرحية الأوروبيين مثل «بيرتورت بريخت – Bertolt Brecht»، تدور أعمال ونوس حول العلاقة بين الهياكل الفردية والاجتماعية والسلطات، مستخدماً المسرح كمنصة لإشراك الجمهور بالأسئلة السياسية المثيرة بشأن المجتمع العربى المعاصر.
بهذه الطريقة، فإن مسرحياته تمثل نقد وردّ على الأدب والثقافة التى تسيطر عليها الحكومة.
لا يسعى ونوس لصنع السياسة اليومية، بل بدلًا من ذلك يسعى لاستجواب السياسة فى الحياة اليومية.
* سمر يزبك
الوعى السياسى والاجتماعى العميق الجذور المتشارك مع القضايا المعاصرة، والذى تنسجه فى أعمالها، هو ما يجمع كل إبداعها، ويعد كتابها «امرأة فى تبادل إطلاق النار: يوميات الثورة السورية 2012» أبرز مثال لذلك، وهو قصة مشاركتها فى الاحتجاجات ضد النظام السياسى فى سورية قبل هروبها النهائى والنفى إلى باريس، وحصل الكتاب على جائزة «PEN Pinter»، والتى تمنح سنوياً لكاتب دولى تعرض للاضطهاد بسبب أعماله.
* محمد الماغوط
احترف محمد الماغوط الفن السياسى، وقام بتأليف العديد من المسرحيات الناقدة. وتعتبر مسرحية غربة، ومسرحية خارج السرب، ومسرحية العصفور الأحدب، ومسرحية المهرج من أهم مسرحياته.
* نزار قبانى
رغم رومانسيته التى اشتهر بها، إلا أن شعره يواجه قضايا اجتماعية عميقة وخطيرة، جامعاً جمال وبساطة الأسلوب مع الحديث عن الثقافة والقومية العربية، ومكانة المرأة فى المجتمع، الأمر الذى جعل منه واحداً من أبرز الأصوات التقدمية المناصرة للمرأة فى سورية.
* حيدر حيدر
كثير هو إبداعه المقاوم والثائر، لكن يمكن اعتبار المجموعة القصصية «الفيضان»، أحد أشكال أدب المقاومة، فهى على تصويرها لمآل الدول العربية التى اُحتلت فى فترات ما من التاريخ الحديث، والإشارة سواء ضمنيًا أم مباشرة لتلك الحروب التى عانى ويلاتها وطننا العربى، إلا أن تجاوزها لمجرد الرصد الشكلى، وعبورها إلى الانعكاسات النفسية والاجتماعية، ودعوتها الضمنية للمقاومة والثورة على الظلم، كل ذلك إنما يرجح كفة انتمائها لأدب المقاومة فى معناه الأشمل والأعمق.
ففى مجموعته تلك تتمثل ذات حيدر الثائرة، وكأننا نراه فى ظلال أبطالها، فهو إذن ذلك السورى الذى غادر دمشق إلى الجزائر ليشارك فى ثورة التعريب، وهو نفسه من لحق بالمقاومة الفلسطينية مع بدايات الحرب اللبنانية.
إنه ذلك الأديب الثائر، الذى لم يكتفِ بالقلم سلاحًا، بل تجاوزه لفعل المشاركة، إنه العروبى القومى الذى أبى إلا أن يفنى عمره مقاومًا ثائرًا ضد الظلم أينما كان ووجد.
هكذا، توحد الكاتب مع أبطال قصص المجموعة، ففى كل قصة منها نلمح جيفارا العرب، الناقم الثائر على كل ضيم، والباحث الدائم عن حرية الشعوب وخلعها عباءة الاستسلام والمداجنة.
إذن، إذا كان الأدب الذى كُتِبَ فى سنوات الحرب السورية، بأقلام كتّاب وكاتبات أجبروا أو آثروا النزوح عن سوريا منذ أول رصاصة شهدتها التظاهرات التى عمّتِ البلاد، فهل بعدما تغير المشهد الآن، وما تشهده سوريا من عودة أبنائها إلى أرضها، وفرحتهم التى لا ينكرها شاهد، هل ننتظر أدبا من نوع آخر، قد يغادره حلم العودة والحنين إلى الوطن وبكاء التهجير والظلم والاستلاب؟ هل ننتظر أدبا يتغنى بواقع الاستعادة، ويرفل طربا بين ذراعى دمشق وحلب وغيرهما؟ هل يتحول حلم العودة الذى تحقق إلى أغنيات فرح وهزيج طرب فوق ربوع الوطن؟ أم أن القراءة الواقعية للمشهد السياسى تجعلنا نتريث فى انتظارنا هذا.. وربما أجلناه طويلا؟ ربما.