أثار قرار الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، حظر تطبيق "تليغرام"، السبت، غضبا واسعا لدى حلفاء إيران، وتحديدا المليشيات المسلحة، التي وصفت الإجراء بأنه ضد "إعلام المقاومة".

قرار السوداني تسبب بتعطيل عشرات المنصات التابعة للمليشيات الولائية في العراق، والتي بدورها شنت حملة إعلامية ضد وزيرة الاتصالات هيام الياسري، ورئيس هيئة الإعلام والاتصالات، علي المؤيد، القريبين من رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم.



لكن وزارة الاتصالات العراقية أكدت، الأحد، أن قرار حظر تطبيق "تليغرام" صدر من جهات عليا في الدولة، لمحددات تتعلق بـ"الأمن الوطني"، و"حفاظًا على البيانات الشخصية للمواطنين"، التي خرق التطبيق المذكور سلامة التعامل بها خلافًا للقانون.

"غلق مفتعل"
وتعليقا على أسباب غلق التطبيق، قال أستاذ الإعلام في العراق، الدكتور غالب الدعمي لـ"عربي21" إن "الفصائل ومن معها تعتقد نفسها هي الدولة، وليس الدولة بعنوانها الحالي التي يرأس حكومتها محمد شياع السوداني، رغم أن الأخير هو ابن قوى الإطار التنسيقي، والفصائل المسلحة من مكوناته".

وأعرب عن اعتقاده أن "حظر تليغرام قد يكون أمر متفق عليه داخل الإطار التنسيقي، وله أهداف ورسائل عديدة، فضلا عن أنه ربما يكون محاولة لرسم صورة مفادها بأن السوداني ليس مع الفصائل أو الإطار، حتى تقترب منه الجهات المعارضة لهم سواء المحلية منها أو الدولية".

ورأى الدعمي أن "قرار حظر تيلغرام هي محاولة للتغطية على قضية مدينة أم قصر في البصرة، والجدل الذي حصل حول الموضوع، الأسبوع الماضي، والاتهامات بخصوص إعطائها لدولة الكويت".

وتابع: "أما الحديث عن تسريب وثائق رسمية، فإن كل شبكات التواصل الاجتماعي لن تقوى على نقل أي معلومة من دون فاعل بشري، فهل أوقفت الحكومة هذا الفاعل عندما حظرت تيلغرام؟ لذلك ما فعلته ليس له مبرر".

وأكد الدعمي أن "الحكومة الحالية هي تابعة للإطار التنسيقي بإيجابياتها وسلبياتها، وبالتالي أستبعد أن تكون هذه القنوات التابعة لهم على تيلغرام قد تسببت بإحراج للحكومة، وبالتالي جرى غلق التطبيق على هذا الأساس".


وفي المقابل، رأى الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي، الدكتور إياد العنبر أن "موضوع دخول السوداني في مواجهة مع قوى تنتمي إلى الإطار التنسيقي بغلقه تيلغرام هو أمر مستبعد، وإنما أصل المشكلة يتعلق بتسريب المعلومات، وبدلا من محاولة معالجة الأمر أقدموا على حجب التطبيق".

وأضاف العنبر لـ"عربي21" إن "الحجب لم يكن بطريقة الإغلاق، لأن يمكن تجاوزه عبر إجراءات تقنية، لذلك هي مسألة أمنية جرى تضخيمها، كون المتضررين اعتبروها مسألة استهداف وتكميم لهم".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "بعض المعترضين اعتبر غلق قنواتهم على تيلغرام كونها تعتبر شبكة يجري من خلالها نقل المعلومات وتجييش الجيوش الإلكترونية وتحشيد الرأي العام وتسويق ما يرغبون به".

ولم يستبعد "الربط بين إغلاق تيلغرام وقضية أم قصر التي أثيرت قبل أيام، على اعتبار أن القوى السياسية بدأت تلجأ إلى إشغال الرأي العام عن قضايا مفصلية أساسية مثل مشاكل المياه والكهرباء".

وأردف: "ما يؤكد الربط بين قضية أم قصر والموضوع الأمني في غلق تيلغرام هو انزعاج الحكومة من تسريب وثائق خطرة ومهمة وسرية، ثم الحديث عن الاستدعاء القضائي الذي حصل للواء جمال الحلبوسي (الخبير البحري) بعد انتقاده قضية ترسيم الحدود مع الكويت".

"ضغط أمريكي"
على وقع القرار الحكومي بحظر "تيلغرام"، عبرت شخصيات سياسية وأخرى تنتمي إلى مليشيات منضوية في الإطار التنسيقي الشيعي، عن رفضها لحجب ما أطلقوا عليه "تطبيق المقاومة"، فيما اتهمت منصاتها الولايات المتحدة بالوقوف وراء القصة والضغط على الحكومة العراقية لغلقه.

وقال زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي عبر "تويتر"، الاثنين، إن "العراق بلد ديمقراطي يؤمن بحرية الإعلام والتعبير، ويعدّ ذلك حقا أساسيا، لكنه ليس مطلقا، لذلك".

وأضاف: "قرار حجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي لدواع أمنية يجب أن يفرق بين المنصات الداعمة للدولة والحكومة وتلك التي تحرض على الكراهية والعنف والتعدي على خصوصية الآخرين".

من جهته، قال القيادي في مليشيا "عصائب أهل الحق" سند الحمداني، عبر "تويتر" الاثنين، إن التضييق على تيلغرام خطأ يحتاج لمراجعة، فهو ميدان مناصري الإطار والمقاومة، والسوداني، لأن الفيسبوك حجبهم ومنعهم"، في إشارة إلى حظر مواقع التواصل للمعاقبين أمريكيا ومدرجين ضمن قوائم الإرهاب فيها.

وتساءل الحمداني، قائلا: "هل هناك إرادة لحجب الفيسبوك الأميركي وإيقاف عبثه؟".

وفي تغريدة ضمت أسماء كل القنوات التابعة للمليشيات الموالية لإيران على تيلغرام، كتب زعيم مليشيا "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، قائلا: كونوا "صابرين" ولا تقولوا "شعجب" فقد "ترى" "هنا الخبر" ويصبح "ذكريات" ولا تنسوا أنكم "اولاد الشايب" و"توثية الشيعة" المنتمين الى "محور المقاومة" الذي يشع "شهد" للانتصارات.

وتابع: لسانكم "الذواق" للأنباء سيردد "تغريدة الحشد" و"سيدة الخضراء" بملوحة "ابو مزيعل" ستبقى "حناطة" الأخطار، وساعدكم "الكاشف" للكرب سيبقى "الگورنيت" المنتصر بإذن الله. لكم ولكل من لم يُذكر.. إنما الزرع زرعكم فاصبروا وصابروا ورابطوا وانتظروا، إني معكم من المنتظرين.

واتهمت قناة "صابرين" على تيلغرام التي وردت في تغريدة الولائي، الولايات المتحدة بالوقوف وراء قرار غلق التطبيق، وأطلقت على وزيرة الاتصالات ورئيس هيئة الإعلام، بأنهم "أمة رومانوسكي"، في إشارة السفيرة الأمريكية في بغداد.

ولم يقف الأمر عند الساسة العراقيين، بل حتى أن إيران أبدت موقفا ضد القرار، عبرت عنه منصة إيران بالعربية المقربة من الحكومة الايرانية ورأت أن حجب تيلغرام بالعراق جاء بناء على ضغوطات أمريكية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات العراقية إيران العراق إيران الحشد الشعبي سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإطار التنسیقی

إقرأ أيضاً:

لماذا أراد صدام حسين قتل حافظ الأسد؟ لبنان ضمن القصّة المثيرة!

نشر موقع "الجزيرة نت" تقريراً جديداً تحت عنوان "لماذا أراد صدام حسين قتل حافظ الأسد؟"، وجاء فيه:     في أواخر ستينيات القرن الماضي، سأل الرئيس المصري جمال عبد الناصر المقربين منه مندهشا؛ لماذا لم يتمكَّن البعثيون من الوحدة عندما حكموا بغداد ودمشق؟ وهو سؤال محوري اختزل العلاقة بين سوريا والعراق؛ فقد حكم حزب البعث العربي الاشتراكي كلًّا من العراق وسوريا، وعلى مستوى الأفكار والمنطلقات الفكرية، كان يأمل البعث في نهضة عربية قومية اشتراكية، ولكن على مستوى السلوك السياسي بين بغداد ودمشق، كان الفريقان متصارعين.    
وكان من عجائب الأقدار أن كلًّا من صدام حسين وحافظ الأسد قد جاءا إلى سُدّة الحكم من بيئة ريفية هامشية بعيدة عن العاصمة، وأن كليهما استطاع الوصول إلى الرئاسة وقيادة رئاسة الحزب والسلطة بعد انقلابات عسكرية، ولعل هذه السلطوية والمركزية في الحكم هي التي جعلت الصراع بين الرجلين على أشدّه طوال عقدين كاملين فيما بعد، وفوق ذلك الطبيعة الدينية لكلٍّ منهما، فهذا سُني بعثي، وذلك علوي بعثي، هذه الخلفية الدينية كانت مؤثرة في سلوك الإخوة الأعداء ولا شك.   صراع البعثينِ   كان كلٌّ من العراق وسوريا تحت حكم فصائل بعثية متصارعة، فقد اعتنق العديد من المدنيين والعسكريين في البلدين أفكار حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أنشأه ميشيل عفلق وصلاح البيطار منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين، ورأوا في أفكاره أملهم للغد.


ورغم نجاح انقلاب البعث السوري عام 1963 ووصوله إلى سُدّة الحكم، وفي العراق عام 1968، فإن انقلاب البعث السوري الثاني بقيادة العلويين وعلى رأسهم حافظ الأسد، ومطاردتهم لرفاقهم القدامى، بل ومنهم مؤسسو الحزب نفسه وعلى رأسهم ميشيل عفلق، جعل الصراع بين بعث سوريا وبعث العراق يشتد ويشتعل.


ورغم محاولات المصالحة بين البعثينِ الحاكمين للعراق وسوريا في عامَيْ 1969 و1972، ودعم العراق لسوريا ضد إسرائيل خلال حرب تشرين الأول 1973، فإن العلاقات الثنائية تدهورت مجددا منذ عام 1975 بسبب انعدام الثقة بين الجانبين.
ولكن بعد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، رأى حافظ الأسد أن التقارب مع العراق هو الملجأ الوحيد له لإعادة التوازن الإستراتيجي في المنطقة، وفي خلال زيارة دولة قام بها إلى بغداد في تشرين الأول 1978، وقّع الرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس العراقي أحمد حسن البكر بشكل مفاجئ على "ميثاق العمل الوطني المشترك"، الذي شمل بشكل رئيسي أهداف التعاون والتكامل الاقتصادي والعسكري بين البلدين.
كان البكر ينقم على رفيقه ونائبه صدام حسين، ويبحث عن وسيلة للتخلص منه، فلم يجد إلا مشروع الوحدة مع سوريا، ومع هذا المشروع كان ستُرفَع متطلبات جواز السفر والتأشيرات بين الدولتين، وتُفتح الحدود التي كانت مغلقة منذ سنوات، وفي 7 تشرين الثاني 1978، أعلن الطرفان أنه ستُتخد إجراءات فورية نحو التوحيد الكامل بين البلدين الشقيقين.
ولكن رغم الأهمية الكبرى للتعاون العسكري بالنسبة لسوريا، فقد فشلت اللجنة الفرعية المعنية في البداية بسبب الاختلافات وانعدام الثقة المتبادل، إذ لم تكن سوريا راغبة في أن تتمركز القوات العراقية دائما على أراضيها، ولم تكن مستعدة لحل كتائب النخبة التي كانت مخصصة لحماية نظام البعث السوري، كما اختلفت وجهات النظر بشأن شكل الوحدة المنشودة؛ حيث فضَّلت سوريا تحالفا أو كونفدرالية فضفاضة، بينما دفع العراق نحو اتحاد أو تكامل كامل بين البلدين.
وفي 15 كانون الثاني 1979، وافقت سوريا والعراق رسميا على تأسيس اتحاد مشترك، وكان من المقرر أن يكون لهذا الاتحاد اسم علم مشترك، ورئيس مشترك أو مجلس رئاسي، وحكومة اتحادية مشتركة. كما اتُّفِق على أن يتناوب العراقيون والسوريون على منصب الرئيس، حيث تولى البكر منصب الرئيس في البداية، بينما تولى الأسد منصب قائد الحزب في القُطرين ونائب الرئيس.   وكانت الحكومة الفيدرالية ستتولى مسؤولية السياسة الخارجية، والدفاع، والثقافة المشتركة، وكان من المتوقع أن يتكوّن الجيش المشترك للدولتين من 380,000 جندي، و4300 دبابة، و730 مقاتلة، ومع ذلك، ظهرت خلافات بشأن توجهات السياسة الخارجية لهذا الجيش، حيث سعت سوريا لتحقيق توازن عسكري مع إسرائيل ومصر، بينما كان يطمح العراق لرد الثورة الإيرانية وزيادة نفوذها في الخليج العربي.
كان أحمد حسن البكر قد وافق على رئاسة حافظ الأسد للاتحاد الجديد، ويبدو أن هذا السبب هو الذي سرّع من الانقلاب الأبيض الذي قام به نائبه صدام حسين الذي كان يسيطر عمليا على الجيش وقتها، حيث ضغط على البكر لتقديم استقالته بحجة كبر سِنّه في تموز 1979.


عشرون عاما من الصراع   ورغم ذلك، في البداية تمسّك صدام حسين بفكرة التكامل التدريجي، ولكن في 28 تموز، كشف عن مؤامرة مزعومة للإطاحة بالحكومة العراقية، متهما "قوة أجنبية" بالتورط، ورغم أن سوريا لم تكن متهمة مباشرة، فإن عملية التطهير داخل حزب البعث العراقي أسفرت عن إعدام العديد من الأعضاء الداعمين للوحدة مع سوريا.
لقد رأى صدام حسين وحافظ الأسد أن كلًّا منهما الأحق بالزعامة في الوطن العربي، ولم يكن يقبل أحدهما أن يكون الآخر زعيما عليه، ولهذا السبب خرج صدام حسين في خطاب تلفزيوني يقول: "هل مسموح لصدام حسين وحافظ الأسد التنازل عن الرئاسة أمام الشعبين العراقي والسوري، ويجرون انتخابات ديمقراطية لمَن هو مرشّح بإشراف ممثلين عن العرب ككل، ومن يمثل صدام حسين وحافظ الأسد، يفرزون صناديق الاقتراع ككل، هذا أكثر ديمقراطية".


وبسبب الاختلاف دخل العراق وسوريا في مشكلات أخرى فوق الانشقاقات الحزبية، والمنافسة السياسية الجغرافية، فقد وقع الشجار بين الرجلين على مسائل اقتصادية، وحصص كلٍّ منهما في مياه الفرات، وحول أنابيب النفط التي كان كل واحد منها يمر عبر الأراضي السورية ويسيطر عليه الأسد، الأمر الذي أثار حفيظة صدام، وكان العراق قد بنى أنبوبا آخر عبر تركيا مما أثار غضب الأسد.
هذا التنافر الشخصي والفكري والطائفي بين الرجلين جعل كلًّا منهما عدوا للآخر، ومتوجِّسا منه، حتى قرر حافظ الأسد دعم إيران في أثناء الحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980-1988، وهو الأمر الذي يرصده باتريك سيل في كتابه "الأسد، الصراع على الشرق الأوسط"، ويعدّه الشيء الأكثر جرأة في سياسة الأسد الخارجية، فقد أدى وقوفه مع الثورة الإيرانية إلى إنشاء محور شيعي يمتد من طهران عبر دمشق إلى جنوب لبنان.
وكان الأغرب الذي يرصده سيل أيضا أن حافظ الأسد اعتبر مصادقة الخميني من مقتضيات المصلحة العربية العليا، بل حتى قبل قيام الثورة الإيرانية مدّ حافظ الأسد يد المساعدة إلى بعض مساعدي الخميني، مثل إبراهيم يزدي ومصطفى شمران وصادق قطب زاده، الذين قُدِّر لهم لاحقا أن يعملوا وزراء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد أعطى لكلٍّ منهم جوازَ سفرٍ سوريًّا مَكَّنهم من القيام بنشاطهم بحرية ضد نظام الشاه.
وقد اعتبر صدام حسين مصادقة وتحالف الأسد ودعمه الكبير للخميني والثورة الإيرانية إعلانا للعداء بين سوريا والعراق، وحين انطلقت الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر/أيلول 1980، شجب الأسد حرب صدام واعتبرها خاطئة، بل وحماقة ستؤدي إلى تمزق العرب أمام إسرائيل، ولكن وفقا لبتريك سيل فإن "الهم الذي كان يُقلق الأسد في السر هو أن يحصل العراق على نصر سريع، فهذه نتيجة ستكون وخيمة وَبيلة".


ولهذا السبب أسرع الأسد إلى السفر نحو موسكو، ومن هناك أعلن مع بريجنيف، زعيم الاتحاد السوفياتي وقتها، تأييد "حق إيران الثابت في أن تقرر مصيرها بنفسها بصورة مستقلة وبدون أي تأثير أجنبي".     وأمام موقف الأسد العلني في تأييده لإيران في إبان الحرب مع العراق، أمرَ صدام باقتحام القوات العراقية السفارة السورية في بغداد في آب 1980، وطرد معظم موظفيها بتهمة تهريب بنادق ومتفجرات لأعداء صدام، وفي 12 تشرين الأول من العام نفسه قطعت بغداد علاقتها مع دمشق وسط سيل من التهجّمات والشتائم.
وشرع صدام فيما اعتبره فضح ممارسات نظام حافظ الأسد على الملأ في الإعلام العراقي، حين قال إن الأسد طلب من العراق الذي كان يشارك في الجبهة السورية وقف إطلاق النار بـ"جُبنٍ" في اليوم الثاني من حرب تشرين الأول سنة 1973، وإنه تدخّل في الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1976، وكل ذلك بالتواطؤ والاتفاق مع واشنطن وإسرائيل، وإن حافظ الأسد هو المسؤول الأول عن مجزرة الفلسطينيين في تل الزعتر بلبنان، وإنه المتآمر الأول لتدمير مشروع الوحدة بين سوريا والعراق عام 1979.
وفي القمة العربية التي عُقدت في فاس بالمغرب في أواخر عام 1981، حدثت مناوشة بدأها صدام حسين حين عيَّر الأسد بوقوفه مع إيران ضد دولة عربية، بل وصل الأمر للسّباب العلني، وهو الأمر الذي شهده مصطفى الفقي، سكرتير الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وكادت الأمور تصل بين الرجلين إلى ما لا يُحمد عقباه لولا تدخل الملك الحسن الثاني ملك المغرب، الذي أصر على تهدئة الأمور بين الرجلين.


ولهذا السبب في العام التالي 1982، قرر حافظ الأسد إغلاق حدود سوريا مع العراق، وكذلك -وهو الأشد- إغلاق الأنبوب الذي ينقل النفط العراقي عبر الأراضي السورية صوب البحر المتوسط، ومنع السوريين من السفر إلى العراق، بل كُتب على جواز السفر السوري ممنوع السفر إلى إسرائيل والعراق، وفي الوقت نفسه عقدَ مع إيران اتفاقا تجاريا واسعا كان يضمن لسوريا الحصول على النفط الإيراني طوال سنوات عديدة وبأسعار تفضيلية، وقد سهّلَ حافظ الأسد من استقبال الإيرانيين والإيرانيات لزيارة مقام السيدة زينب في دمشق، وزيادة التعاون الثقافي والسياسي والاقتصادي بين البلدين.


في دراسة أعدّتها المخابرات الأميركية عام 1984 لفهم جذور الخلافات السورية العراقية، تناولت واشنطن التشابه الكبير في المسيرة السياسية لكلٍّ من حافظ الأسد وصدام حسين، خاصةً في نشأتهما الريفية المشتركة، حيث يعتقد الباحث والمؤرخ الأميركي توماس شوارتز أن "شخصية الرجلين كانت ذات تأثير كبير، حيث كان كلاهما قاسيا ويفتقر إلى الثقة في الآخرين". كما يشير شوارتز إلى أن "الأسد وصدام كانا يعشقان السيطرة والهيمنة، مما جعل أي تعاون بينهما أمرا مستحيلا".
ولكن في مسعى من الملك حسين، عاهل الأردن، لسد الفجوة بين الأسد وصدام، فقد أصر على إجراء لقاء سري يجمع بينهما في الأردن. ووفقا لمذكرات عبد الحليم خدام، نائب الأسد وقتها، اقترح صدام حسين على حافظ الأسد مناقشة عدة قضايا، شملت الموقف السياسي من اتفاقية كامب ديفيد، وفكرة الوحدة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، وإعطاء الطرفين حق التدخل العسكري إذا تعرض أيٌّ منهما لاحتلال، وأشار خدام إلى أن الأسد أبلغ الأردن بأن الاجتماع سيُعقد في موسكو يوم 21 شباط 1987.
وبعد أيام، وافق صدام على عقد الاجتماع، لكنه طلب أن يُجري مندوبان من الجانبين السوري والعراقي لقاء تمهيديا لتحضير جدول الأعمال. وبالفعل، اجتمع وزير الخارجية السوري فاروق الشرع مع نظيره العراقي طارق عزيز في آذار من العام نفسه لمناقشة التحضيرات لقمة تجمع صدام والأسد.
وقد جرى لقاء آخر عُقد في أيار من العام نفسه في الأردن بين صدام والأسد بحضور الملك حسين لمحاولة الصلح بين الطرفين، وإيجاد تفاهمات مشتركة بخصوص مصالح كل دولة، بل وعقد وَحدة مشتركة بين الدول الثلاثة بما فيها الأردن، حتى قال صدام قبل اللقاء: "ماكو مصافحة وأنا رئيس العراق وسوريا والأردن"، ولكن الاجتماع بين صدام والأسد باء بالفشل بسبب انعدام الثقة بينهما، وبسبب رفض الأسد إدانة الجانب الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية الدائرة وقتها، واعتقاده أن صدام يبحث عن مصالح العراق فقط دون مصالح سوريا.


الأمر اللافت أن رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق، نزار الخزرجي، ذكر في شهادته لأحد البرامج الحوارية أن لقاء آخر كان يُرتَّب للجمع بين الرئيسين صدام والأسد على الحدود العراقية السورية في أواخر الثمانينيات لتقريب وجهات النظر، وطي خلافات الماضي بينهما، وقد حذَّر الخزرجي صدّام حسين بأن حافظ الأسد سليط اللسان وقد يتطاول أثناء كلامه، فما كان من صدام إلا أن وجّه أمره لأحد مرافقيه قائلا: "إذا تطاول حافظ الأسد فاعتقله على الفور، وإذا قاوم فأطلق عليه الرصاص"، الأمر الذي يكشف أن العلاقة بين الرجلين بلغت إلى حد الثأر الشخصي بينهما، وأن صدام كان مستعدا لقتل الأسد لمجرد التطاول عليه.


غزو الكويت والنهاية   استمر العداء كما هو حتى وقع زلزال كبير في المنطقة، ففي 2 آب 1990، استفاق العالم العربي على حدث ضخم، حين قرر صدام حسين غزو الكويت بعد سلسلة من الخلافات المتصاعدة، مما أدى إلى انهيار علاقاته مع دول الخليج وخسارة كل التعاطف الذي ناله أثناء الحرب مع إيران.
وفي الشهر نفسه، انطلق حافظ الأسد للقاء الرئيس الإيراني وقتها علي أكبر رافسنجاني، وبحسب كتاب عبد الحليم خدام نائب الأسد "التحالف السوري الإيراني والمنطقة"، فإن كلًّا من إيران وسوريا كانتا تستشعران القلق الشديد من هجوم صدام حسين على الكويت، ليس بسبب مناهضته للقانون الدولي، وتعدّيه على حقوق الغير فقط، بل وخوفا من زيادة سطوة صدام ونفوذه في المنطقة مع سيطرته على البترول الكويتي، وأيضا بسبب ردة فعل الدول الغربية التي ستأتي وتستقر في المنطقة مما يهدد كلًّا من إيران وسوريا.
ولكن حافظ الأسد، نكايةً في غريمه وعدوه اللدود صدام، قرر أن ينضم إلى التحالف الدولي الذي رعته واشنطن لطرد القوات العراقية من الكويت، فقد التقى الأسد مع جورج بوش في جنيف، ومن ثم قررت دمشق رسميا المشاركة في التحالف الدولي، وهُزم العراق في حرب الخليج في العام التالي، كما واجهت بغداد حصارا اقتصاديا وسياسيا مؤثرا في التسعينيات بسبب العقوبات الدولية، وهو الأمر الذي جعل الأسد يشعر بالراحة والطمأنينة من انكسار غريمه صدام.


وبعد سنوات من الشكوك والمؤامرات والعداوة، شهد منتصف التسعينيات عودة التواصل بين الرجلين عبر قنوات غير علنية ولقاءات سرية على مستوى السفراء، حيث تبادلا رسائل سرية كشفت عن رغبة بغداد الشديدة في استعادة العلاقات بين البلدين.
لكن عودة العلاقات جاءت في الوقت بدل الضائع بعد وفاة حافظ سنة 2000، حيث كان نظام صدام حسين يوشك على السقوط، وهو ما حدث في عام 2003 حين انهار نظامه، وتَشكَّل نظام جديد كان لإيران فيه النفوذ الأكبر، الأمر الذي عزَّز من نفوذ وقوة محور طهران – دمشق – جنوب لبنان.
كل ذلك كان قبل أن تندلع الثورة السورية في عام 2011، التي أدت في نهاية المطاف بعد 13 عاما إلى سقوط نظام الأسد الابن، في إعادة لمشهد سقوط نظام صدام حسين، فكان من عجائب الأقدار أن يشهد صعود نظام صدام والأسد المقدمات نفسها، وأيضا يواجه النظامان النتائج عينها، وذلك السقوط والاندثار. (الجزيرة نت)

مقالات مشابهة

  • الحكومة التي تسيِّر دولاب العمل الآن لا علاقة للكيزان بها، بل هي حكومة الآتي (..)
  • الإطار التنسيقي يشيد بحكومة السوداني.. ويؤكد على ضرورة إقرار الأحوال الشخصية
  • لماذا أراد صدام حسين قتل حافظ الأسد؟ لبنان ضمن القصّة المثيرة!
  • الإطار التنسيقي يعقد اجتماعاً لمناقشة آخر التطورات
  • خاص.. إيران تمنح السوداني ضوءاَ اخضر للتصرف بمستقبل الفصائل
  • لماذا أراد صدام حسين قتل حافظ الأسد؟
  • إيران ترد على فريق ترامب وتستعد لاستقبال السوداني
  • ‏السوداني: الحكومة العراقية استطاعت تجنيب العراق امتداد النار التي اشتعلت في المنطقة
  • إيران تستثمر النفط العراقي المسروق من قبلها بموافقة السوداني
  • السوداني: الحكومة وفرت كل ما يلزم لتأمين صناعة دوائية متطورة في العراق