“اليمن موطن العسل”.. مهرجان يحتفي بتراث العسل وجودته الفريدة
تاريخ النشر: 9th, August 2024 GMT
يمانيون – متابعات
تحت شعار “اليمن موطن العسل”، شهدت حديقة السبعين بأمانة العاصمة انطلاق فعاليات المهرجان الوطني للعسل اليمني ومنتجات النحل في “موسمه الثالث” يوم الأحد الماضي، لتسليط الضوء على جودة العسل اليمني الفائقة وفوائده المتعددة، والترويج لهذا المنتج المحلي.
وفر المهرجان، الذي تنظمه وحدة العسل في اللجنة الزراعية والسمكية العليا ووزارة الزراعة والري، منصة متميزة للنحالين والمنتجين لعرض منتجاتهم والتفاعل مع الخبراء والزوار، فضلاً عن تعزيز الروابط مع القطاع الخاص والجهات المعنية.
وشهد المهرجان مشاركة واسعة من جمعيات ومنتجي العسل والنحالين والمسوقين والمهتمين من مختلف المحافظات، ويعكس هذا التفاعل مدى أهمية العسل اليمني في الثقافة المحلية والدور الكبير الذي يلعبه في الاقتصاد الوطني.
وأوضح نائب رئيس اللجنة الزراعية والسمكية العليا – نائب وزير الزراعة والري الدكتور رضوان الرباعي، أن المهرجان وسيلة مهمة للترويج للعسل، حيث تشارك فيه جمعيات ومنتجو العسل والنحالون والمسوقون والمهتمون من مختلف المحافظات.. مؤكداً في الوقت ذاته أنه مثل فرصة ذهبية لتبادل الخبرات والمعرفة، مما يسهم في تطوير صناعة العسل في اليمن.
وأشاد بما شمله المهرجان من فعاليات وندوات لمناقشة تطوير تربية النحل وإنتاج العسل، وكيفية مواجهة التحديات التي تواجه هذا القطاع مثل الاحتطاب العشوائي للأشجار التي تُعتبر مراعٍ للنحل ومصدر لتغذيته.
وأشار إلى ما يمثله إغراق السوق بالعسل المستورد من تحد كبير، مما يستدعي التعاون مع القطاع الخاص والمستوردين للتركيز على دعم وشراء العسل اليمني وتقليل الاستيراد الخارجي.
وأكد الدكتور الرباعي أن المهرجان الوطني للعسل ومنتجات النحل عكس روح التعاون والمشاركة المجتمعية، وعزز الحفاظ على بقاء العسل اليمني في صدارة التميز مقارنة ببقية الدول، والذي يُعرف بجودته وفوائده العلاجية والغذائية الفريدة.
بيئة نقية
أثبتت الدراسات العلمية أن العسل اليمني من أفضل أنواع العسل في العالم، حيث يُنتج في بيئة طبيعية نقية ويتنوع حسب نوع الأزهار التي يتغذى عليها النحل. يحمل العسل اليمني فوائد صحية عديدة منها تحسين الجهاز الهضمي وتعزيز جهاز المناعة ومكافحة الأمراض، كما يستخدم في العديد من الوصفات العلاجية والتجميلية.
ويؤكد خبراء وأكاديميون ضرورة تحقيق استدامة هذا القطاع ودعمه، والعمل على توفير الدعم اللازم للنحالين والتجار، وتطوير سبل التسويق المحلية والدولية.. لافتين إلى أهمية تحسين جودة العسل اليمني ودعمهم في تسويق العسل وتعريفهم بالممارسات العلمية لرعاية النحل وإنتاج العسل بالمواصفات التي تمكن النحالين من تحقيق عائد اقتصادي مناسب من خلال عملية التسويق في الأسواق المحلية والعالمية.
قفزة نوعية
واعتبر أستاذ تربية النحل والباحث الأكاديمي بجامعة ذمار الدكتور جماح أحمد الجماح، المهرجان قفزة نوعية لجميع النحالين المتواجدين في اليمن.
وقال: “الهدف الأول والأخير من المهرجان هو إشهار العسل اليمني، وإيصال الثقافة النحلية العسلية إلى جميع أنحاء العالم بأن العسل اليمني يتميز بقدرة شفائية عالية”.
وأشاد بالجهة المنظمة، ممثلة بوحدة العسل في اللجنة الزراعية ووزارة الزراعة ، في جودة الأداء والتنظيم للمهرجان في نسخته الثالث، وما بذلته من جهود في سبيل إنجاح المهرجان.
وأشار إلى أن العسل اليمني له تاريخ قديم، بالشهرة العلاجية والدوائية، لأنه متنوع من نباتات عديدة مثل السدر والطلح والقرض والجعدن وأشجار العسقة، وكذلك مراعٍ متنوعة جبلية في كل جبال اليمن، وهذا ما يشهر جودة العسل كونه من عدة ثمار.
وأضاف: “يجب أن أشير هنا أيضاً إلى بعض الشائعات المتعلقة بأن العسل إذا تبلور يعتبر عسلاً مغشوشاً، وهذا لا صحة له، لأن العسل الجيد هو الذي يتبلور نتيجة اجتماع أكثر من زهرة داخل العسل الواحد، وأيضا هي عملية فيزيائية تحدث تفكك في السكريات الموجودة داخل العسل، لذلك يبدأ العسل بالتبلور، وهذا دليل على جودة العسل اليمني”.
وأشار الدكتور جماح الجماح، إلى أن الإقبال على المهرجان في هذا العام مميزة، وهناك وعي ملحوظ من قبل المجتمع.. لافتاً إلى تنوع العسل اليمني وإمكانية الشراء بأسعار رخيصة ما يتيح تواجده على موائد جميع أفراد المجتمع.
تلاقح التسويق
بدوره تحدث رئيس الدائرة الإعلامية بالاتحاد التعاوني الزراعي الدكتور محمد السقاف عن القصور في التوعية على مستوى الداخل في اليمن، قائلاً :” المهرجان له أهمية كبيرة لاستعادة سمعة العسل اليمني، وتعريف المواطن بأهمية العسل، لأنه على مستوى الخارج معروف بقيمته، ربما هناك تقصير بتعريف الناس بقيمة العسل اليمني على مستوى الداخل”.
وأشار إلى أن المهرجان يمثل تلاقح عملية التسويق والاستفادة من إقامة شراكات، كون المشاركين تجار وجمعيات تعاونية، وغيرها، وعلى اعتبار أن كل المنتجات المرتبطة بالثروة النحلية في مكان واحد فإن ذلك يمثل أهمية كبيرة سيما مشاركة المزارع نفسه عبر الجمعيات التعاونية الزراعية.
شهرة عالمية
من جانبه أشار مدير إدارة النحل وإنتاج العسل في وزارة الزراعة المهندس نبيل العبسي إلى أهمية إقامة مثل هذه المهرجانات للنحالين والتجار، والترويج للعسل، وإبراز قيمته الغذائية والعلاجية، وكذا نشر الوعي بأهميته.
وقال: “جودة العسل اليمني مشهورة عالمياً منذ القدم، وقد جاءت هذه الشهرة من عدة صفات ومميزات تميزه ومن ذلك انتشار شجرة السدر، على سبيل المثال يتم إنتاج العسل من زهرة السدر بحيث يكون العسل صافي بنسبة 90%، كما أن هناك أنواع متعددة من العسل مثل عسل الطلح والسمر وغيرها”..
وبين أن مثل هذه المهرجانات فرصة لرفع مستوى الوعي لدى النحالين بجودة الإنتاج والحفاظ على سلامة خلايا النحل وتكاثرها.
منتج أصيل
من وادي دوعن بمحافظة حضرموت يؤكد سالم السومحي من جناح “سدر حيد الجزيل”، أن هذه المهرجانات تبرز الطبيعة اليمنية والمنتجات الأصيلة سواء للداخل أو الخارج، ويمتاز اليمن بأجود أنواع العسل، مثل السدر الحضرمي، والسدر الشبواني والعصيمي، وغيرها.
ويشير إلى أن مثل هذه المهرجانات تمثل عامل تحفيز للارتقاء بجودة المنتجات اليمنية، وتبادل الخبرات بين النحالين، وتطوير هذا المنتج.
وأوضح أن الأشجار في حيد الجزيل بحضرموت تمتاز بأنها من أقدم أشجار السدر، وأكثرها تنوعاً، ولهذا السبب يمتاز العسل الدوعني عن غيره من الأصناف بجودة استثنائية.
من محافظة حضرموت أيضاً أشاد سالم السعدي “مركز وادي حضرموت”، بتنظيم المهرجان، وأهميته للترويج داخلياً وخارجياً، وتشجيع الناس على شراء العسل اليمني والإقبال على المنتج المحلي، لما يمتاز به من جودة عالية وأسعار رخيصة.
وتطرق إلى القيمة الكبيرة للعسل اليمني خصوصاً العلاجية والدوائية.. لافتاً إلى أن العامين الأخيرين شهدا انخفاضاً ملحوظاً في أسعار العسل.
فحص الجودة
يوافقهما الرأي عمرو الأشموري “مناحل آزال للعسل ـ محافظة عمران” .. ويضيف:” المهرجان في هذا الموسم ناجح بكل المقاييس، ومستوى الإقبال عليه كبير ورائع”..
وتطرق إلى مستوى التنسيق الرائع للمهرجان، الذي امتاز بوجود لجنة لفحص العسل ودخول عسل ذي جودة عالية.. داعياً إلى تكرار مثل هذه المهرجانات بشكل مستمر، وفي أكثر من منطقة.
من محافظة عمران أيضاً تطرق أسامة علي الضلعي “كوكب النحل”، إلى أهمية المهرجان للتعريف بجودة وقيمة العسل اليمني، وما يمثله من قيمة كبيرة وفوائد صحية وغذائية تمتاز عن كثير من البلدان في هذا الجانب.
ودعا إلى مضاعفة جهود الدور الرسمي في تشجيع وتحفيز النحالين لزيادة الإنتاج، والحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر والحد من ظاهرة الاحتطاب خصوصاً الأشجار المزهرة، وكذا العمل على الحد من الاستيراد للعسل الخارجي دعماً للنحالين في البلاد.
وبين أن الإنتاج من العسل يمكنه تغطية السوق المحلي والتصدير للخارج لوفرة ما يتم إنتاجه.
تجارب ناجحة
في تجارب ناجحة من خلال جهود ذاتية للجمعيات التعاونية، يتحدث علي محمد جابر من وحدة النحل والعسل بجمعية بني سعد التعاونية الزراعية بمحافظة المحويت، حول ما بذلته الجمعية من جهود لتوحيد النحالين تحت إطارها من أجل إشهار العسل ومنتج المنطقة، والظهور بجودة تبرز القيمة الغذائية للعسل.
وبين أن النحالين المنضوين بالجمعية 1100 نحال يديرون 25 ألف خلية، مشيراً إلى أن أنواع العسل في بني سعد تشمل السدر، الضبة، الضهي، بكاء، المراعي، وتبلغ كمية الإنتاج قرابة 5 أطنان سنوياً.
واستعرض مخاطر ظاهرة الاحتطاب الجائر وقطع الأشجار التي تهدد الغطاء النباتي كمراعٍ طبيعية للنحل.. لافتاً إلى أن الجمعية عملت على توعية المواطنين للحد من هذه الظاهرة وتم إنشاء محميات نحلية لتتكاثر فيها أشجار السدر ومراعي النحل.
وأشاد بمستوى الإقبال على المهرجان.. مبيناً أن الجمعية حرصت على تقديم نموذج مميز لجودة العسل الأصيل في المديرية.
غذاء ملكي
في سياق عرض التجارب، تحدث من جمعية النحالين، عبد الرحمن عبد القادر، مبيناً أن الجمعية مجموعة تتكون من عدة نحالين، وقد نجحت في تكوين محميات متعددة تضم حالياً تسع مناطق محميات.
وقال:” نجحنا في إنتاج الغذاء الملكي في اليمن، ويعتبر ذلك نجاحاً كبيراً، لما يمثله الغذاء الملكي من أهمية غذائية وعلاجية”.
ويعتبر الغذاء الملكي مادة هلامية ينتجها نحل العسل لإطعام ملكة النحل وصغارها، ويستخدم كمكمل غذائي لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض لما يحتويه من عناصر غذائية عديدة، وله تأثير على النمو والتكاثر.
وبين أن الغذاء الملكي بمزايا وقيمة غذائية وعلاجية ومنها منشط عام للجسم والذاكرة، ويفيد في الأمراض الجلدية ويقي من الشيخوخة المبكرة بالإضافة إلى العديد من الفوائد الأخرى.
تحديات
حول التحديات التي يواجهها تجار العسل والنحالون، ذكر أحمد عوض شايع “باب مكة للعسل اليمني” أن المهرجان في نسخته الحالية والذي شهد إقبالاً كبيراً مقارنة بالمهرجانات السابقة، مثل فرصة مهمة لمناقشة التحديات وإمكانية الوصول إلى حلول ناجعة.
وأكد أن الوطن يمتلك إمكانيات كبيرة لتطوير تربية النحل وإنتاج العسل، لكنه يواجه تحديات منها الاحتطاب العشوائي للأشجار التي تعتبر مراعٍ للنحل كما أن تدفق العسل المستورد إلى السوق يشكل تحدياً كبيراً، مما يتطلب تعزيز التعاون مع القطاع الخاص والمستوردين للتركيز على دعم العسل اليمني وتقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة.
ونوه بجهود الجهات المختصة لمقاطعة العسل الخارجي وعدم استيراده، والذي من شأنه دعم العسل المحلي.
وقال: “من التحديات التي تواجه تجار العسل والنحالين أيضاً، الضرائب المرتفعة، وإشكالية الزكاة ابتداء من النحال وصولاً إلى المحلات، ونأمل أن تتم مراعاة هذا الجانب من قبل الجهات المعنية، والتي ستسهم بشكل كبير في تشجيع النحالين على زيادة الإنتاج”.
وتطرق إلى خطورة استخدام المبيدات الكيميائية بشكل عشوائي وتأثيرها السلبي على قطاع تربية النحل وإنتاج العسل.
وأوضح أن المبيدات لا تقتصر أضرارها على القضاء على الآفات الزراعية فقط، بل تتسبب أيضًا في تدمير النحل الذي يلعب دورًا حيويًا في عملية التلقيح وإنتاج العسل.
وبين أن استخدام المبيدات الكيميائية بشكل مفرط يؤدي إلى تلوث البيئات الطبيعية وفقدان التنوع البيئي، مما ينعكس سلبًا على جودة العسل ويهدد بقاء سلالة النحل الفريدة التي تميزه.
ودعا إلى تبني ممارسات زراعية مستدامة والابتعاد عن استخدام المبيدات الكيميائية للحفاظ على البيئة والنحل على حد سواء.
ولفت إلى ما يمتاز به العسل اليمني من جودة استثنائية غذائياً ودوائياً يستدعي التوعية بأهميته على مستوى الداخل، والترويج لشهرته في الخارج.
تكدس العسل
علي صالح سالم العولقي، تاجر عسل جملة من محافظة شبوة، أشار إلى أن المهرجان يلعب دوراً حيوياً في مساعدة النحالين على تسويق عسلهم في ظل انخفاض القوة الشرائية وتراكم المخزون، مما يعرقل حصولهم على تكلفة الإنتاج.
وأوضح قائلاً: “أعرف أكثر من 700 نحال تركوا هذه المهنة بسبب ضعف الإقبال في السوق وارتفاع تكاليف الإنتاج، خصوصاً في النقل، فالطريق الذي كنت تعبره في ست ساعات، يحتاج الآن إلى يومين أو ثلاثة أيام، مما يزيد التكاليف بشكل كبير، ومع زيادة التكاليف، يتعرض النحال للخسارة حتماً”.
ودعا العولقي وزارة الزراعة والجهات المعنية إلى اتخاذ خطوات فعالة لمنع استيراد العسل الخارجي، مشيراً إلى أن بعض التجار يقومون باستيراد العسل الخارجي ثم يعيدون تصديره على أنه يمني، مما يؤثر سلباً على سمعة وجودة العسل الأصيل.
ويُعتبر العسل اليمني من أجود أنواع وأصناف العسل في العالم، ويحظى بإقبال واسع لجودته العالية وسمعته وشهرته منذ القدم.
وهناك أنواع متفاوتة ومتنوعة من العسل اليمني منها السدر والسمر والضبي والصال والمراعي وغيرها، ويمتاز بتنوعه المناخي من حيث الأعسال الجبلية والوديان والصحارى.
ويدخل العسل في صناعة العديد من المستحضرات الطبية ومستحضرات التجميل وله قيمة غذائية كبيرة، فضلاً عن استخداماته في معالجة العديد من الأمراض.
وبحسب بيانات الإحصاء الزراعي فقد بلغت إنتاجية اليمن من العسل خلال العام 2021م ما يقارب ألفين و886 طناً، فيما وصل عدد خلايا النحل إلى مليون و317 ألفا و755 خلية.
وذكرت البيانات أن محافظة حضرموت تصدرت قائمة المحافظات إنتاجا لعسل النحل خلال 2021 م بكمية تزيد عن ألف و9 أطنان فيما وصل عدد خلايا النحل فيها إلى نحو 369 ألفا و404 خلايا.
وأشارت البيانات الإحصائية إلى أن محافظة الحديدة احتلت المرتبة الثانية بإنتاجية 351 طناً من العسل تلتها محافظة شبوة بـ341 طناً تقريبا ومحافظة أبين في المرتبة الرابعة بـ335 طناً.
سبأ
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: النحل وإنتاج العسل تربیة النحل أن المهرجان العدید من على مستوى من العسل العسل فی فی الیمن وبین أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
دور اليمن في “طوفان الأقصى” .. التأثيرات والمكاسب الاستراتيجية
يمانيون – متابعات
منذ الوهلة الأولى لمشاركته في ملحمة طوفان الأقصى، قلب اليمن طاولة الحرب والمخططات الأمريكية الإسرائيلية رأساً على عقب، بعد أن نجح في تغيير المعادلة العسكرية الإقليمية لصالح بندقية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ورجّح كفة وميزان دول وقوى محور المقاومة في مواجهتها المفتوحة مع محور الشر الصهيوني الغربي، وذلك عقب تمكنه من فرض حصاراً بحرياً شبه كاملاً على الملاحة الإسرائيلية والقوى الداعمة للكيان المجرم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وبمسيرة عملياتية نوعية وخمس مراحل عسكرية تصعيدية، بدأت من قيام المسيّرات اليمنية بقصف مدينة أم الرشراش المحتلة “إيلات” رداً على مجزرة الاحتلال في مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر 2023، ومن ثم الاستيلاء المباشر على سفينة “جلاكسي ليدر” الإسرائيلية من عمق البحر وجرها إلى السواحل اليمنية، ليبدأ مسلسل الحصار اليمني على الملاحة الإسرائيلية في ثلاث بحار ومحيط على حدود ثلاث قارات بدءاً من البحرين الأحمر والعربي غرب آسیا إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح في أقصى أفريقيا وإلى البحر المتوسط جنوب أوروبا، انتهى بإغلاق ميناء إيلات بشكل كامل، قبل أن تنتقل القوات المسلحة اليمنية إلى تكثيف وتوسيع الضربات العسكرية في العمق الصهيوني والوصول إلى قلب “تل أبيب”، وذلك استجابةً لتطورات العدوان على غزة ومسار التصعيد على مستوى المنطقة.
وتلك مسارات مختلفة ومغايرة واستراتيجية، أتقن اليمن بفضل الله تعالى ورجاله المؤمنين المخلصين، من خلالها في إدارة شكل الصراع وتفاصيل المعركة التي يخوضها تحت راية طوفان الأقصى، على نحو فعّال وغير مسبوق؛ ما منح اليمن دوراً كبيراً في هذه المعركة كجبهة مؤثرة في عمليات الدعم والإسناد لغزة وعموم جبهات المقاومة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال مراحله التصعيدية السابقة، حيث باشرت القوات المسلحة اليمنية أولاً باستهداف الاقتصاد الإسرائيلي من خلال فرض الحصار البحري على موانئ الاحتلال، قبل أن تتجه مؤخراً إلى فرض الحصار الجوي على سماء الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودك الأهداف العسكرية للكيان.
وبفضل الله تعالى وعونه ونصره وتأييده، حققت الجبهة اليمنية المساندة لغزة طوال عام من العمليات العسكرية المستمرة بمختلف مساراتها ومراحلها التصعيدية وميادينها البحرية والجوية؛ إنجازات كبيرة ومتنوعة على كافة الأصعدة العسكرية والأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، والتي صبت أولاً في صالح الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في قطاع غزة، وفي صالح دول وقوى وشعوب محور المقاومة بشكل عام، وهي إنجازات نوعية تجسدت من خلال حجم التأثيرات البالغة لهذه الجبهة على الداخل الإسرائيلي من جهة، وعلى النفوذ الأمريكي الغربي على مستوى المنطقة من جهة أخرى.
وفيما يلي، نحاول أن نستعرض أبرز هذه التأثيرات التي شكلتها الجبهة اليمنية المساندة لغزة، إضافة إلى أهم المكتسبات الرئيسية التي حققتها وباتت في جعبة اليمن وفلسطين، وجميع قوى ودول محور المقاومة وشعوب الأمة العربية والإسلامية، من جراء المشاركة العسكرية اليمنية في ملحمة طوفان الأقصى :
■ أولاً، ضرب مقدرات الاقتصاد الإسرائيلي
تمكن الحصار اليمني المفروض بالنار والحديد على الملاحة الإسرائيلية منذ قرابة عام، من إلحاق أضرار كبيرة وبالغة في اقتصاد الكيان الصهيوني، خاصةً بعد نجاح الحصار في إغلاق ميناء “إيلات”، والذي يعد أهم شرايين التجارة الحيوية للاحتلال، فقد أدى الحصار إلى عرقلة خطوط الإمداد الداعمة لاستمرار حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الكيان الصهيوني، وذلك بعد تأخُر وصول الشحنات سواء الغذائية أو العسكرية إلى الكيان، وارتفاع أسعار الشحن والنقل إلى عشرات الأضعاف، إضافة إلى تعطيل حركة التصدير من الداخل الإسرائيلي؛ ما تسبب بشلل شبه تام في السوق الإسرائيلية وفجّر أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة داخل المجتمع الصهيوني ومؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية.
ووفقاً للإحصائيات الرسمية، فقد تمكنت القوات المسلحة اليمنية منذ مشاركتها في معركة طوفان الأقصى دعماً لغزة في منتصف أكتوبر 2023 وحتى مطلع أكتوبر 2024، من اصطياد وإغراق نحو 199 سفينة إسرائيلية ومرتبطة بالاحتلال، بينها أمريكية وبريطانية وفرنسية، وذلك في عدة بحار ومحيطات أبرزها البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي؛ وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحروب والمعارك البحرية على الإطلاق، ناهيك عن عشرات العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في العمق الإسرائيلي واستهدفت أهداف حيوية للاحتلال، الأمر الذي يجعل الجبهة اليمنية المساندة لغزة، من أكثر الجبهات فتكاً وتأثيراً على الاقتصاد الإسرائيلي.
وقد تضررت معظم القطاعات الحيوية والمؤسسات الاقتصادية في الكيان الصهيوني، لأضرار بالغة جراء الحصار اليمني، ومن بينها الموانئ البحرية والنفط والبورصة، كما ساهمت في ارتفاع معدلات الانفاق الحكومي.. ويمكن تحديد حجم ونوع هذه الأضرار من خلال النقاط التالية :
1_ قطاع التجارة البحرية والموانئ
أدى الحصار اليمني إلى إغلاق ميناء “إيلات” بشكل كامل، وتعطيل التجارة الإسرائيلية القادمة من البحر الأحمر كلياً، فأسهم ذلك في رفع تكاليف الشحن مع استخدام طرق بديلة أطول، وهو ما أقرت به الأوساط الإسرائيلية الرسمية، وما صرح به أيضاً الرئيس التنفيذي لميناء إيلات “غدعون غولبر” الذي أكد على لسانه في لقاء تلفزيوني مع إحدى القنوات الإسرائيلية، أن العمل في ميناء إيلات توقف كلياً لعجز السفن عن الوصول إلى الميناء بسبب الهجمات اليمنية في البحر الأحمر، وأنه تم تسريح العمال بعد عجز إدارة الميناء عن دفع مرتباتهم، مشيراً إلى أن حجم خسائر الميناء بلغ 50 مليون شيكل (14 مليون دولار)، وهي قابلة للزيادة إذا استمر الحصار.
وبعد إغلاق ميناء إيلات، انتقلت القوات المسلحة اليمنية لحصار كافة الموانئ الإسرائيلية، واستهداف كل سفن الشركات المتعاونة مع موانئ الاحتلال في أي مكان كانت، الأمر الذي أدى إلى خسائر باهظة في موانئ الاحتلال الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، وعلى رأسها ميناء أسدود الذي فقد أكثر من 63 % من أرباحه بعد انخفاض حركة الملاحة من وإلى الميناء خوفاً من الاستهداف اليمني.
2_ لقد ساهم الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية، في استهداف قطاع الاستثمار في الداخل الإسرائيلي، وذلك نتيجة تأخر وصول البضائع وارتفاع أسعار الشحن والنقل بشكل كبير، ما أثر على القدرة الشرائية، خاصةً مع انهيار الوضع الأمني جراء الحرب المستمرة في غزة وتهديدات الجبهة اللبنانية، الأمر الذي تسبب بشكل مباشر في إغلاق نحو 46 ألف شركة إسرائيلية أغلقت أبوابها منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر الماضي، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 60 ألف شركة بحلول نهاية العام الجاري.
ووفقاً للإعلام الإسرائيلي، فإن قطاع الشركات الناشئة في الداخل الإسرائيلي، يعد القطاع الثاني الذي تضرر من تداعيات الحرب القائمة بعد هروب ما يعادل 44% من إجمالي الشركات الناشئة من الكيان الصهيوني.
3 _ التأثير على الهجرة العكسية للمستوطنين من الكيان الصهيوني لا شك أن الأزمة الاقتصادية التي خلفها الحصار اليمني في الداخل الإسرائيلي، إلى جانب تداعيات حرب غزة، وتأثيرات جبهة لبنان على نزوح المستوطنين من المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة؛ تربك حسابات الاحتلال الإسرائيلي وجميع داعمي استمرار العدوان على غزة، وتشكل ضغطاً كبيراً على حكومة الاحتلال، خاصةً في ظل تصاعد حالة الغليان والسخط أوساط المستوطنين، جراء الأزمات والتحديات الاقتصادية والأمنية التي يعيشونها، وبدء انتشار حالة فقدان الثقة بحكومة الاحتلال، وبدولة “إسرائيل” بشكل عام.
وهذا ما يمكن ملاحظته، من خلال تزايد نسبة الهجرة العكسية للمستوطنين من الكيان، في المقابل انخفاض كبير في نسبة المهاجرين إلى “إسرائيل”، وذلك خلال الأشهر الماضية التي لحقت بطوفان الأقصى وتداعياتها الإقليمية المصاحبة لها من خلال تأثيرات جبهات الدعم والإسناد وعلى رأسها اليمن ولبنان والعراق.
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة “زمان الإسرائيلية” مطلع العام الجاري، استناداً لمعلومات صادرة عن هيئة السكان والهجرة في حكومة الاحتلال، فإن “470 ألف إسرائيلي هاجروا بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى، وليس معلوما ما إذا كانوا سيعودون إلى البلاد أم لا، علما بأن هذه الأرقام لم تشمل آلاف العمال الأجانب والدبلوماسيين الذين غادروا البلاد منذ اندلاع الحرب”.
من جانبها، كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن نصف مليون مستوطن إسرائيلي غادروا بالفعل دولة الاحتلال، ولم يعودوا في الأشهر الستة الأولى من الحرب، ولا يُعلم ما إذا ما كان ذلك قرارا مؤقتا أم أنه سيتحول إلى هجرة دائمة.
كما كشفت الأرقام التي ينشرها الإعلام الصهيوني والغربي، أن عدد المهاجرين اليهود إلى الكيان قد انخفض مع الشهر الأول بعد أكتوبر 2023، بنسبة 50% مقارنة ببداية العام، ثم انخفض العدد بنسبة 70% في نوفمبر 2023.
■ ثانياً، تداعيات العمليات اليمنية على اقتصاد القوى الغربية الداعمة لاستمرار العدوان الصهيوني على غزة
لم تقتصر تأثيرات الحصار البحري اليمني على الاقتصاد الإسرائيلي فقط، بل وصلت هذه التأثيرات بشكل مباشر إلى عمق اقتصادات كبرى الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، وهذا حدث نتيجة لسببين رئيسيين، هما :
• السبب الأول يتعلق بتأثير الحصار اليمني على الشركات الأوروبية والأمريكية المرتبطة بموانئ الاحتلال، وعلى رأسها كبرى شركات الشحن الأجنبية التي فقدت العميل الإسرائيلي بعد امتناعها عن تحميل بضائعه من وإلى موانئ الاحتلال، وذلك خوفاً من الاستهداف اليمني.
• السبب الثاني، توسيع اليمن حصاره على الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب والمحيط الهندي، ليشمل الملاحة الأمريكية والبريطانية وبعض الدول الأوروبية، وذلك بعد انخراطها في التحالف الأمريكي الذي يشن عدواناً عسكرياً على اليمن منذ يناير 2024، رداً على العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة.
وتكشف التقارير الصادرة من بعض سلطات الدول الغربية، عن حجم تأثيرات الحصار اليمني على اقتصاد هذه الدول، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقاً لدراسة نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية، نقلاً عن دراسة استقصائية أجرتها غرف التجارة البريطانية (BCC) في فبراير الماضي، فإن “أكثر من (53٪) من المصنعين وتجار التجزئة في بريطانيا قد تأثروا بأزمة البحر الأحمر، فيما ارتفعت أسعار استئجار الحاويات بنسبة 300%، وإضافة أربعة أسابيع إلى مواعيد التسليم”.
ويتداعى الاقتصاد البريطاني بشكل شبه يومي بعد قرار المملكة المتحدة مشاركتها في التحالف الأمريكي للعدوان على اليمن، ومثله اقتصاد الولايات المتحدة وفرنسا واليونان وغيرها من الدول سواء المشاركة في الحرب على اليمن أو المرتبطة بموانئ الاحتلال.
■ ثالثاً، تطوير القدرات العسكرية اليمنية والإطاحة بقوة الردع الأمريكية والإسرائيلية
لقد نجحت القوات المسلحة اليمنية من خلال عملياتها العسكرية المساندة لغزة، من إسقاط نظرية قوة الردع الأمريكية والإسرائيلية معاً، وذلك بعد تمكن الصواريخ والمسيّرات اليمنية من تجاوز الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية أكثر من مرة والوصول إلى قلب الكيان الصهيوني، إضافة إلى نجاح التكتيكات العسكرية اليمنية خلال المعركة البحرية مع الأساطيل الأمريكية والأوروبية، من إفراغ قدرات هذه الأساطيل وإخراجها خارج دائرة المواجهة، كما حدث مع حاملات الطائرات الأمريكية وبوارجها الحربية التي فشلت في التصدي للعمليات اليمنية قبل أن تتحول إلى أهداف مباشرة للقوات اليمنية والتي أجبرتها على مغادرة مسرح العمليات الواحدة تلو الأخرى.
ولعل هذا ما دفع نائب قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقائد الأسطول الأمريكي الخامس، براد كوبر، للقول بأن المواجهة مع القوات المسلحة اليمنية هي أكبر معركة بحرية تخوضها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
يذكر أن موقع “اكسيوس” الأمريكي، قد نشر بتاريخ 29 أغسطس 2014، صوراً التقطت بواسطة الأقمار الصناعية، وتظهر خلو البحر الأحمر من أي سفينة حربية أمريكية، وذلك للمرة الأولى منذ عقود، حيث يكشف ذلك حجم مخاوف القوات الأمريكية من تعرض قطعها الحربية لضربات يمنية، في ظل فشل أمريكي بالتعامل عسكرياً مع هذه الضربات.
إلى ذلك، فإن الصدق والإخلاص الذي جسده اليمن شعباً وقيادةً وجيشاً في مساندة الشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته الباسلة في قطاع غزة، والانتصار للقضية الأولى للأمة العربية والإسلامية؛ فتح الأفق أمام السواعد والأدمغة اليمنية لتطوير الأسلحة والقدرات الصاروخية للجيش اليمني، حتى تمكنت من الوصول إلى تقنيات حربية متقدمة وتصنيع أسلحة ردع استراتيجية كما حدث مع مسيّرة “يافا” التي دكت عمق الكيان الصهيوني في “تل أبيب”، خط الدفاع الأول والمتقدم للاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب صاروخ الفرط صوتي “فلسطين 2″ الذي يواصل ضرب الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد تجاوزه الدفاعات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية على حد سواء.
إضافة إلى ذلك، فقد نجحت القوات المسلحة اليمنية في نسف التفوق الجوي للقوات الأمريكية، وذلك عقب الإسقاط المتكرر لطائرات MQ-9 في سماء اليمن، والتي تُعد أحدث المسيّرات التجسسية المقاتلة في العالم، وتصل قيمة الواحدة منها إلى نحو 30 مليون دولار أمريكي، حيث تمكنت القوات اليمنية من إسقاط نحو 11 طائرة أمريكية من هذا النوع منذ مشاركتها في معركة طوفان الأقصى، وهي أكبر خسارة يتعرض لها سلاح الجو الأمريكي على مر التاريخ، الأمر الذي يؤكد التطور الهائل في الدفاعات الجوية اليمنية.
بالتالي، إن امتلاك اليمن تقنيات حربية وعسكرية متطورة دفاعية وهجومية كهذه، خاصةً بعد أن بات أول دول تسقط هذه الكم الهائل من الطائرات الأمريكية في معركة واحدة، كما بات أيضاً أول دولة عربية تمتلك وتصنع صواريخ الفرط صوتية، ومن ضمن 5 دول فقط حول العالم لديها هذه الأسلحة الاستراتيجية؛ يضع اليمن في مصاف القوى الكبرى في المنطقة والإقليم والعالم، ما يساعده في تفكيك كل المعادلات العسكرية والأمنية والاقتصادية للقوى الغربية المناهضة لدول وقوى وشعوب محور المقاومة، ولعل هذا ما يفسر الجنون الأمريكي البريطاني والإسرائيلي على مستوى المنطقة بعد فشل المنظومات الدفاعية والهجومية للقوات الأمريكية وحلفائها في وقف العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة أو تحييد جبهة اليمن، والتي لم تتوقف، وتتصاعد بوتيرة عالية كلما تصاعدت التطورات في غزة وجبهات الدعم والإسناد.
■ رابعاً، انعاكسات إنجازات الجبهة اليمنية على مستقبل المشاريع الصهيونية والنفوذ الأمريكي في المنطقة
لا شك أن الإنجازات العظيمة التي حققتها السواعد والعقول اليمنية خلال مشاركتها في معركة طوفان الأقصى، والوصول إلى امتلاك أسلحة نوعية واستراتيجية في خضم الحرب؛ سيكون لها تأثيرات عميقة في فرملة المشاريع الصهيونية التوسعية على مستوى المنطقة، فوجود قوة جديدة فاعلة في إطار محور المقاومة يعظم من قوة الردع الاستراتيجي للمحور في مواجهة هذه المشاريع، وهو ما قد تجسد فعلاً اليوم في الميدان من خلال نجاح التدخل اليمني العسكري المباشر لمناصرة غزة، وما أعقبه من معادلات ردع استراتيجية كنتاج مباشر عن هذا التدخل، والتي عصفت بقواعد الاشتباك وغيّرت توازنات القوى برمتها على امتداد الخارطة العربية والإسلامية والإقليمية، وهي معادلات تُشكل في أساسها حائط صدّ أمام المشاريع والأطماع التوسعية التخريبية للاحتلال وعلى رأسها، مشروع التطبيع ومشروع الحلف الأمريكي الجديد في المنطقة.
ببساطة متناهية، فإن نسف اليمن لقواعد الردع العسكرية والأمنية التي كانت تتكئ عليها الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” لفرض أشكال الهيمنة والوصاية على المنطقة؛ ينسف مشروع التطبيع الذي أعدّه الأمريكي لضمان توغل الكيان على مستوى المنطقة باعتباره يملك أسبقية الردع لحماية أنظمة التطبيع، وهو الأمر نفسه الذي حدث مع الحلف الأمريكي الجديد “ناتو عربي “، والذي كان الأمريكي يعُدّه أيضاً لإدراج الكيان الصهيوني على رأس هذا الحلف لإعادة تشكيل المنطقة وفق المصالح الأمريكية والأهواء الإسرائيلية، لكن هذه المشاريع والأحلاف قضت عليها طوفان الأقصى منذ وهلتها الأولى في 7 أكتوبر، وأكدتها لاحقاً التطورات الإقليمية المصاحبة لها وتداعيات جبهات الدعم والإسناد وعلى رأسها الجبهة اليمنية.. فمن هي الدول أو الأنظمة الحمقاء التي قد تنخرط في مسار التطبيع مع كيان هش غير قادر على حماية نفسه، أو الدخول في حلف لا يستطيع قادته حماية أنفسهم؟!.
علاوة على ذلك، فإن هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية في المعركة البحرية أمام القوات المسلحة اليمنية، التي نجحت في تجسيد مبدأ “وحدة الساحات” بين دول وقوى محور المقاومة، على أكمل وجه؛ سيكون لها تداعيات وانعكاسات واسعة وبالغة على مستقبل النفوذ الأمريكي الغربي في المنطقة؛ وهذا يعود إلى تهتك أسلحة الردع الأمريكية البحرية والجوية وكل وسائلها الدفاعية والهجومية الواحدة تلو الأخرى أمام الضربات العسكرية اليمنية التي فضحت هشاشة “سيدة البحار” وعرت قدرتها على الحفاظ على هيمنتها ووصايتها في أهم مناطق العالم حيوية، خاصةً بعد إحكام القوات المسلحة اليمنية سيطرتها على أبرز وأهم الممرات البحرية في العالم، وعلى رأسها مضيق باب المندب والمحيط الهندي والبحرين الأحمر والعربي، في ظل انسحابات واسعة للقطع البحرية الأمريكية من هذه الممرات بشكل غير مسبوق؛ ما يعني أن أي اتفاقات دولية قد تطرأ مستقبلاً بشأن طرق الملاحة الدولية في مضيق باب المندب والبحرين الأحمر والعربي، سيكون لليمن الأولوية والكلمة الأولى والأفضلية لفرض شروطه على هذه الاتفاقات وفقاً لمصالحه الوطنية.
■ خامساً، تأثيرات الموقف اليمني على مستقبل النظام العالمي الحالي “نظام القطب الواحد”
لا شك أن تأثيرات المشاركة العسكرية لليمن في ملحمة طوفان الأقصى، قد ساهمت بوضوح في تراجع الهيمنة الأمريكية الغربية في المنطقة العربية، وهي واحدة من أهم المناطق الحيوية التي يتحقق بها موازين القوى الدولية، ما قد يُنذر بسقوط مرتقب للنظام العالمي الحالي، نظام القطب الواحد الأمريكي، ويعزز إمكانية تغيير النظام العالمي برمته في المستقبل القريب.
فالأساطيل الأمريكية التي تضم حاملات الطائرات وعشرات البوارج والمدمرات الحربية، والتي فشلت اليوم في وقف العمليات العسكرية اليمنية البحرية والجوية، على مدى عام كامل؛ بالتأكيد لن تكون قادرة على حسم أي مواجهة مستقبلية سواءً مع اليمن أو أي جبهة أخرى في المنطقة، ناهيك عن مقارعة النفوذ الروسي الصيني الذي بدأ يتوسع على حساب المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة والإقليم والعالم.
واستناداً لكل ما سبق، يمكن التأكيد بأن التدخل اليمني المؤثر والفعّال في مساندة غزة وأخيراً لبنان، إلى جانب جبهات الدعم والإسناد في محور المقاومة؛ سيشكل بفضل الله تعالى، أحد عوامل الضغط الرئيسية التي ستُجّبر الكيان الصهيوني والقوى الداعمة له على التراجع وإيقاف العدوان على غزة ولبنان، والقبول بشروط المقاومة بمختلف جبهاتها ومحاورها، كما سيكون لليمن المقاوم دوراً بارزاً في تقرير مصير النظام العالمي، وإعادة رسم الخارطة الدولية وفق عالم متعدد الأقطاب بعيداً عن الوصاية الأمريكية، والذي بدأ يتشكل في الأفق، وتحديداً منذ زلزال طوفان الأقصى في 7 أكتوبر.
————————————
حلمي الكمالي