فيلم الملحد.. بين الأزمات القضائية والدعوات لمنع عرضه
تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT
فور طرح الإعلان الدعائي لفيلم "الملحد" المقرر عرضه في 14 أغسطس/آب الحالي اندلعت أزمات جديدة بشأنه، مما أثار جدلا واسعا بين حملات ودعاوى قضائية وشكاوى تطالب بمنع عرض الفيلم واتهامه بالتحريض على الإلحاد.
في المقابل، دعا صناع العمل إلى التريث ومشاهدة الفيلم قبل إصدار أي أحكام مسبقة.
دعوى قضائيةوكانت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة المصرية قد حددت السبت 24 أغسطس/آب الجاري موعدا للنظر في الدعوى التي قدمها رئيس نادي الزمالك السابق المستشار مرتضى منصور لوقف وسحب تراخيص الفيلم داخل مصر وخارجها.
واتهم المحامي المصري في الدعوى كلا من وزير الثقافة أحمد فؤاد ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية خالد عبد الجليل ومؤلف الفيلم الكاتب إبراهيم عيسى والمنتج أحمد السبكي بالتحريض على الإلحاد وهدم ثوابت الدين الإسلامي وحمل الرسائل السلبية لهدم كل القيم الدينية في المجتمع.
وجاءت الدعوى بالتزامن مع حملات عبر منصات التواصل الاجتماعي تطالب بمنع عرض الفيلم.
وعلى الجانب الآخر، دافع صناع "الملحد" عن العمل ضد الحملات التي يتعرض لها، إذ قال أحمد حاتم بطل الفيلم في تصريحات صحفية إن كل من هاجم الفيلم لم يشاهده ولكن بنى الهجوم على الأخبار التي ترددت على منصات التواصل الاجتماعي أو مشاهد مقتطعة من الإعلان الخاص بالفيلم، وطالب المهاجمين بالانتظار إلى حين عرض الفيلم ثم يقررون ما يريدون.
وقال المخرج ماندو العدل إنه سيرد على جميع المنتقدين، لكن بعد عرض الفيلم، خاصة أنه توقع الهجوم منذ الإعلان عن الفيلم.
ودافعت بطلة الفيلم شيرين رضا عن العمل، وقالت إنه يتضمن رسائل توعوية مهمة لجيل الشباب لأنهم يمرون بمراحل مختلفة من التفكير ويتأثرون بأفكار الغرب، مثل فكرة الإلحاد التي تسيطر على البعض لعدم الفهم الجيد للدين.
وتابعت أن الفيلم يناقش كيف يستطيع الأهل التعامل مع الشخص الذي يحمل هذه الأفكار بشكل جيد كي لا يصلوا إلى نتيجة عكسية.
أما منتج الفيلم أحمد السبكي فمن خلال مداخلة لبرنامج "علامة استفهام" وردا عما إن كان تمت مراجعة الفيلم من قبل مؤسسة الأزهر الشريف قال إن العمل لا يوجد فيه ما يخالف الدين الإسلامي، وإن هناك شخصيات من الأزهر راجعت الفيلم، كما أن الرقابة لن تسمح بعرض أشياء مخالفة لقواعد الدين الإسلامي.
وأشار إلى أن اسم الفيلم "الملحد" هو السبب وراء هذه الأزمة، لكن إذا حمل الفيلم اسما آخر فلن يتعرض لهذه الحملات دون مشاهدته وقبل عرضه.
وأكد أن الفيلم يناقش قضية مهمة مع الدين وليس ضد الدين.
وفي تصريحات للسبكي، أشار إلى أنه حصل على كل الموافقات، سواء من الرقابة أو مشيخة الأزهر، لذلك فهو على يقين أن المحتوى الذي يقدمه الفيلم فيه رسالة سوف يعرفها الجميع لدى مشاهدته، وأكد على أن الفيلم سيعرض في الموعد المحدد له دون تغيير.
بالمقابل، نفى مصدر من الأزهر الشريف أن الفيلم تم عرضه على لجنة لإبداء الرأي في عرضه سينمائيا.
وكشف المصدر في تصريحات لأحد المواقع المحلية أن ما يروجه البعض بشأن حصول الفيلم على موافقة من الأزهر غير صحيح.
"الملحد 2014".. أزمة رقابيةيواجه الفيلم أزمة أخرى تتعلق باسمه بعد أن قدم المؤلف والمخرج نادر سيف الدين إنذارا رسميا للمنتج أحمد السبكي لتغيير اسم الفيلم قبل عرضه تجاريا، إذ سبق أن عرض فيلم بعنوان "الملحد" من تأليفه وإخراجه عام 2014، ويقوم سيف الدين باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لإيقاف عرض الفيلم.
وقال سيف الدين في بيان "قمت بتوجيه إنذار رسمي على يد محضر للمنتج أحمد السبكي قيد برقم 21576 بتاريخ 30 يوليو/تموز الماضي لوقف عرض الفيلم بعد الاستيلاء والتعدي الصارخ على حقوق ملكيتي الفكرية لاسم الفيلم وفكرته".
وأوضح خلال البيان أن سيناريو "الملحد" مسجل رقابيا باسمه منذ 11 فبراير/شباط 2013، وقام بتجديد الرخصة مرة أخرى بتاريخ 20 أكتوبر/تشرين الأول 2013، وذلك في ملفات الرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة.
وتقدم أيضا بشكويين، الأولى للرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة التي قيدت فيلمه برقم وارد 354 بتاريخ 31 يوليو/تموز الماضي، وقدم شكوى أخرى إلى نقابة المهن السينمائية قيدت برقم وارد 916 بتاريخ الأول من أغسطس/آب 2024 ضد كل من المنتج أحمد السبكي والمؤلف إبراهيم عيسى والمخرج ماندو العدل.
وعلق المنتج أحمد السبكي على الأزمة لإحدى الصحف المصرية، وقال إنه لم يتلق أي إنذار، وإنه تم الحصول على موافقة الرقابة على المصنفات، وفي حال وجود أي اعتراض يجب مخاطبة المؤلف إبراهيم عيسى والمخرج ماندو العدل وليس المنتج.
أما مدير الشؤون القانونية في الرقابة جاسر وحيد فقال إن الشكوى سيتم فحصها خلال الأسبوع الجاري، وسيتم التعامل معها مثل أي شكوى.
أزمات متلاحقةويواجه فيلم "الملحد" -الذي يقوم ببطولته كل من شيرين رضا ومحمود حميدة وأحمد حاتم وحسين فهمي وصابرين وتارا عماد، وتأليف إبراهيم عيسى وإخراج ماندو العدل- أزمات عدة منذ سنوات، وتحديدا مع بداية التحضيرات الخاصة بالفيلم وتصويره، حيث تم تأجيل عرضه أكثر من مرة.
كما انسحب الفنان الراحل مصطفى درويش من المشاركة في بطولة الفيلم، بالتزامن مع تصريحات مؤلف الفيلم إبراهيم عيسى عن الإسراء والمعراج التي تسببت في جدل واسع عام 2022.
وكتب درويش في تدوينة له عبر حسابه على فيسبوك قال فيها "قررت أنا مصطفى درويش مقاطعة أي برنامج يقدمه إبراهيم عيسى، وأعتذر عن استكمال الفيلم الذي صوّرت منه بالفعل 4 أيام".
وأوضح أن سبب اعتذاره هو مؤلف القصة إبراهيم عيسى لرفضه أن يكون أداة للحرب ضد دينه.
تدور أحداث "الملحد" حول الطبيب الشاب يحيى الذي ينتمي إلى عائلة متشددة دينيا ووالده شيخ جماعة متطرفة، ويمر البطل بتغييرات في معتقداته الدينية قرر على إثرها المجاهرة بالإلحاد أمام الجميع، ويحاول عمه التدخل بمساعدة طبيبة نفسية من أجل حل الأزمة التي تتصاعد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات إبراهیم عیسى على المصنفات أحمد السبکی ماندو العدل عرض الفیلم أن الفیلم
إقرأ أيضاً:
عن الدين والدولة ملاحظات أوَّلية
العلاقة بين الدين والدولة مثيرة للاهتمام بسبب أهميتها البالغة عبر مسار التاريخ فيما يتعلق بنشأة الحضارات ونهضتها وأفولها، وربما يكون هذا أحد الدروس الكبرى التي يمكن أن نتعلمها من فيلسوف التاريخ الشهير أرنولد توينبي. ولكني أريد أن أقتصر هنا على إثارة بعض الملاحظات والتأملات حول دور العلاقة بين الدين والدولة في تحديد شكل الدولة ومكانتها ومدى تقدمها.
سيبادر هنا على الفور أصحاب التوجهات الدينية من الأصوليين والمتأسلمين على السواء إلى القول: حقًا إنها علاقة هامة وضرورية؛ فالدين هو سبب نهوض الأمم والدول التي تتقدم بسبب تمسكها بتعاليم الدين في كل مناحي الحياة والفاعليات الإنسانية، وسيرددون الشعارات التي يرفعونها دائمًا والتي تقول «الإسلام دين ودولة» و«الإسلام هو الحل»، وسيرددون دومًا كلام المولى عز وجل، من قبيل: «إنْ الحكم إلا لله». ولكننا عندما نمتحن مثل هذا الطرح للعلاقة بين الدين والدولة في ضوء وقائع التاريخ السابقة واللاحقة والراهنة، يتبين لنا على الفور عدم مصداقيتها باعتبارها توظيفًا بشكل مضلل لدور الدين ومقاصده. والحقيقة أن هذا لا يصدق فقط على ماضي الدولة الإسلامية التي كانت مترامية الأطراف، وإنما يصدق أيضًا على ماضي الدولة المسيحية في أوروبا: فمن المعروف أن العصور الوسطى في أوروبا قد شاعت تسميتها بالعصور المظلمة؛ لأن الكنيسة كانت مهيمنة على كل مناحي الحياة، بما في ذلك شؤون العلم والفلسفة والفكر عمومًا. وحتى إذا كان هناك إبداع فني فريد في هذه الحقبة يُعرف باسم «فن التصوير المسيحي»، فقد ظل الفن في معظمه محدودًا في إطار خدمة الدين. وفي مقابل ذلك، فإن الدولة الإسلامية (بمعناها الواسع) كانت متطورة في هذه الحقبة؛ بالضبط لأنها (على الأقل في فترات تألقها) قد تحررت من هذه العلاقة المريضة بين الدين والدولة، واستطاعت استلهام روح الدين التي تحث على العلم والفكر وإعمار الأرض؛ ولهذا أمكن لهذه الدولة أن تفسح المجال للعلماء والمفكرين والشعراء والمترجمين من غير العرب، بل من غير المسلمين؛ وأن تعمل على تشجيعهم بأن تجزل لهم العطاء نظير إنجازهم، استنادًا على مدى كفاءاتهم، وليس عرقهم أو دينهم. ولهذا لا غرابة في أن نجد إنتاجًا إبداعيًّا مثمرًا في تلك الحقبة في مجالات العلم والفكر والآداب والفنون (خاصةً فن العمارة).
هذه الرؤية نفسها تصلح لفهم علاقة الدين بالدولة في عالمنا الرهن، وتشهد عليها أمثلة لا حصر لها. وحينما نتأمل هذه العلاقة في عالمنا العربي المعاصر، فسرعان ما يتبين لنا أنه كانت هناك حالة من الاستقرار في هذه العلاقة التي يتعايش فيها طرفاها من دون أن تجور سلطة أحدهما على سلطة الأخرى، فلم يكن الدين يسعى إلى تجاوز سلطته الروحية بحيث يجور على السلطة الزمنية أو سلطة الدولة. وقد أدى هذا إلى نشوء مشروعات نهضوية مثمرة في كثير من بلدان العالم العربي التي عاشت عقودًا طويلة من التألق والازدهار (مثلما كان حال مصر- على سبيل المثال- خلال النصف الأول من القرن العشرين).
اقترن التدهور مع نشأة الحركات الإسلاموية والمتأسلمة، وغني عن البيان أن صفة إسلاموي Islamist تختلف عن صفة إسلامي Islamic، وهي صفة تمثل اشتقاقًا جديدًا أو دخيلًا على اللغة العربية، ولكنها أصبحت مستقرة ومتداولة الآن؛ لأن المتغيرات السياسية العالمية قد فرضت واقعًا جديدًا فرض استخدام هذه الكلمة لوصف الحركات الدينية التي تَدخل تحت عباءة الإسلام السياسي، بصرف النظر عن درجة تطرفها أو مدى استخدامها للعنف، وبصرف النظر عما بينها من خلافات واختلافات؛ ومنها على سبيل المثال: تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، وجماعة بوكو حرام.. إلخ. نعم، هناك اختلافات عديدة بين هذه الحركات أو الجماعات، ولكن ما يجمع بينها في إطار عام هو أنها تستخدم الدين كسلطة متماهية مع سلطة الدولة، ومن ثم كسلطة روحية وزمنية في آن واحد، وأحيانًا ما تستخدم الدين كوسيلة لاعتلاء السلطة الزمنية. وعلى هذا، فإن هذه الحركات والجماعات تتاجر بالدين حينما تريد أن تجعله (أو تتظاهر بأنها تجعله) بديلًا عن شؤون الدنيا ومهيمنًا عليها؛ وبذلك فإنها لا ينبغي أن توصَف بأنها «إسلامية»، بل بأنها «متأسلمة»: فهي لا تفقه قول رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، ولا تفهم روح الدين باعتباره قوة روحية وعلاقة بين العبد والرب، وليس أداة أو وسيلة لاعتلاء السلطة. وربما يكون من المهم في هذا الصدد أن نتذكر أن مثل هذه الجماعات الدينية هي صنيعة القوى الإمبريالية في الغرب؛ بالضبط لأنها تمثل الدين الإسلامي الذي تريد هذه القوى أن تراه في العالم الإسلامي، وبوجه خاص في العالم العربي؛ فبذلك يمكن استخدام أحد الأسلحة القوية في تفكيك دول هذا العالم وإضعافها من داخلها.
والحقيقة أنني لا أريد من خلال هذا الطرح اللجوء إلى نظرية المؤامرة بحيث نعفي الدول من المسؤولية عن أحوالها ومصائرها. كما أنني لا أريد اختزال أسباب التدهور في إطار الوضع السلبي الذي آلت إليه العلاقة بين الدين والدولة (وإلا كان هذا تبسيطًا للأمر)، ولكننا لا يمكننا إنكار أن هذا الوضع قد ساهم بقوة في حالة التدهور في كثير من البلدان. غير أن مجمل هذا الطرح له أبعاد أخرى متعددة ومثيرة للجدال، وهذا ما سوف نتناوله في مقال تال.
د. سعيد توفـيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة