بين حديث العطا ومؤتمر جنيف.. هل من مقاربة؟
تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT
كعادته في كل مرة، يطلق الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة، تصريحاته التي تثير فضولنا – نحن معشر الصحفيين والكتاب – ثم ينصرف إلى الإشراف على العمليات العسكرية، تاركاً وراءه، ليس صدى أحاديثه فحسب، وإنما غبار المعارك التي يثيرها المحللون والمتحدثون وهم يحاولون تفسير أقواله أو الرد عليها !!
لكن ردود الأفعال في المرة الأخيرة، جاءت أوسع نطاقاً وشغلت اهتمام الكثيرين داخل السودان وخارجه، وتسابقت الفضائيات والمواقع الصحفية في البحث عن تفسيرات، ربما لكونها – ومعها في ذلك حق – رأت في التوقيت والسياق والوسيلة شيئاً مختلفاً إن لم نقل جديداً.
حديث العطا، محل تعليقنا هذا، هو ما أدلى به لتلفزيون السودان، وبما أنه لم يكن منقولاً على الهواء مباشرة، وقد جاء عبر التلفزيون الرسمي للدولة، فلا جدال في أن ما حمله من رسائل كان مقصوداً، بغض النظر عن الطريقة التي عبّر بها العطا عن تلك الرسائل وكيف فهمها الذين تلقوها، ومن ذلك – على سبيل المثال – قوله أن الفريق أول البرهان أبلغه عن رغبته في التنحي، الأمر الذي جعل بعض المحللين، ووسائل الإعلام الأجنبية تذهب إلى أن تغييراً على مستوى قيادة الجيش والدولة ربما يقع قريباً !!
ومما التبس في أذهان بعض المحللين كذلك، حديث العطاء عن قرب استكمال انضمام السودان إلى محور دولي جديد، وأن قيادة القوات المسلحة والدولة قد حسمت أمرها في هذا الإتجاه، الأمر الذي فهمه الكثيرون أن القيادة السودانية ستنضم، أو هي انضمت بالفعل، إلى المحور الروسي الصيني، المنافس أو المعارض للمحور الأمريكي الغربي.
غير أن الحقيقة التى لا ينبغي أن يتجاهلها أي محلل لما قاله مساعد القائد العام للقوات المسلحة لتلفزيون السودان هي أن السودان ظل أصلاً محور تنافس وصراع بين الأقطاب الدولية، فهو منذ أكثر من ثلاثة عقود ظل مسرحاً للتنافس بين الصين من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وذلك بسبب أساسي هو موقعه الجيوسياسي وموارده الهائلة والمتنوعة، فضلاُ عن أسباب أخرى ثانوية، وزادت حدة هذا التنافس عندما دخلت روسيا على الخط في وضع أفرب الى الحلف مع الصين، في مقابل حلف غربي تتزعمه الولايات المتحدة و بريطانيا والنرويج.
وبسبب الحصار الإقتصادي والمقاطعة الدبلوماسية الغربية، اللذين كان يعاني منهما نظام الرئيس البشيرلأكثر من ربع قرن، اتجه النظام شرقاً وبنى علاقات متينة مع الصين، وبدأ في تأسيس علاقة مشابهة مع روسيا.
عقب سقوط نظام الإنقاذ، بدعم غربي واضح، ظن الكثيرون أن التوجه الأساسي للنظام الإنتقالي الجديد، بجناحيه العسكري والمدني، سيكون غربياً، وأن القطيعة التي ظل يعاني منها النظام السابق والحصار الإقتصادي الخانق، ستسقطان بسقوط النظام، وأن المًن والسلوى ستهبطان عليهم، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، بل ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تفرض شرطاً بعد آخر لتطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم، ومن ذلك الاعتراف بإسرائبل وتطبيع العلاقات معها مقابل رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية لمساندة الإرهاب، ودفع تعويضات مالية ضخمة من خزينة خاوية في قضية ملفقة.
كانت قيادة الجيش التي انقلبت على البشير، أو تلك التي انقلبت على الانقلابيين، تتصور أنها ستكون محل تقدير وتبجيل الولابات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، لكنها بعد أربع سنوات من عمر الانتقال، تيقنت الأمر مختلف تماماً، وأن الأمر برمته لم يكن سوى مراحل، لكل مرحلة متطلباتها، بحيث تنتهي كلها في نهاية الأمر تفكيكها وإعادة هيكلتها، وجعلها شرطي حراسة لمجموعة مختترة من المدنيين غير المنتخبين، الذين طلب إليهم تنفيذ خطة وبرنامج محددين، ليس هنا محل تفصيلهما !!
ولهذا كان من الطبيعي أن يشعر الجيش السوداني بالخذلان والمرارة من موقف الغرب عموماً والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وقد زاد هذه الشعور بالمرارة والخذلان بعد الحرب الأخيرة والتي بدا فيها وكأن الغرب يساوى بين الجيش والقوات التي تمردت عليه، وارتكبت ما ارتكبت من الإنتهاكات والفظائع، وهو يدرك – الغرب – أنها في الأصل أقرب إلى المليشيا من كونها قوة نظامية.
في هذا السياق، وعلى هذه الخلفية، يأتي حديث الفريق ياسر العطا، وهو في جوهره لا يحمل جديداً إذ ليس أمام الجيش السوداني من خيار سوى البحث عن حلفاء أقوياء مقابل مَن تتقوى بهم قوات الدعم السريع المتمردة.. وفي هذه الحالة فإن خيار التوجه إلى كل من روسيا والصين، على المستوى الدولي، هو خيار حتمى ، لكنه لا يعني بالضرورة إعلان القطيعة مع الغرب، فما تزال القيادة العسكرية في السودان تبقي على باب الأمل موارباً، إن لم يكن لكسب الرضا الأمريكي في يوم ما فعلى الأقل عدم العداوة معها في الوقت الراهن.
وهنا من المهم أيضاً القول أن روسيا تحديداً تفضل أن تدخل على خط الأزمة في السودان، مدخلاً سياسياً، توظف فيه علاقاتها المتطورة مع الجيش السوداني وعلاقاتها السابقة مع متمردي الدعم السريع وعلاقاتها الممتازة كذلك مع الطرف الإقليمي والداعم الرئيسي لمتمردي الدعم السريع، وفي البيان الصحفي الصادر (الأربعاء) عقب لقاء مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف مع سفير السودان في موسكو إشارة قوية لذلك..
أما على المستوى الإقليمي فإن أمام السلطة في السودان أن تقوي علاقاتها مع كل من طهران وأنقرة، فضلاً عن العلاقات التاريخية مع القاهرة، دون أن تخسر المملكة العربية السعودية التي تشير أغلب التقديرات أنها قبلت بنقل الملف إلى جنيف نظراً لانشغالها بملفات أخرى أكثر سخونة في المنطقة، وجزء كبير منها مرتبط بنتائج الإنتخابات الأميركية في نوفمبر القادم.
والخلاصة في هذا الأمر، حسب ما هو متوفر من معلومات، هي أن الردود التي تلقتها السلطات السودانية من الإدارة الأمريكية بشأن تحفظاتها على الدعوة الأمريكية الأولى، كانت معقولة إلى الدرجة التي ترجح خيار قبول الذهاب إلى جنيف، لكن السؤال يبقى، حول مستوى التمثيل في الوفد المفاوض من حيث تنوعه (عسكري إنساني) ومن حيث المستوى البرتوكولي، ولئن كان من المستبعد أن يقود البرهان بنفسه وفد التفاوض، فليس من المستغرب أن يكون نائبه على رأس الوفد الذي سيذهب إلى جنيف، على أن هذا نفسه مرتبط بطبيعة الإتصالات التي جرت منذ تقديم الدعوة، وبنتائج الحركة المكوكية للمبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو في عواصم الإقليم خلال الأيام القليلة الماضية، والتي قد يختمها بزيارة خاطفة الى بورتسودان.
العبيد أحمد مروح
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
علي بلحاج: ثروات الجزائر في سوق النخاسة الأمريكية.. صمت مريب من السلطة
شنّ القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، الشيخ علي بلحاج، هجومًا حادًا على تصريحات السفير الجزائري صبري بوقادوم في واشنطن، والتي تحدث فيها عن استعداد الجزائر للتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الاستثمار في قطاع المعادن.
واعتبر بلحاج، في حديث خاص مع "عربي21" أن ما يحدث هو "بيع لثروات الجزائر في سوق النخاسة"، متسائلًا: "كيف يجرؤ سفير على عرض ثروات الأمة وكأنها ملك شخصي؟ وكيف يصمت الجميع: الرئاسة، وزارة الخارجية، الطبقة السياسية، والبرلمان؟!"
وأضاف: "هذا الصمت مريب، ويجب أن نندد به! بدل أن تقاطع الجزائر أمريكا بسبب جرائمها في غزة، نجدها تمد يدها لها وتعرض عليها ثرواتنا النفيسة! أليس هذا تناقضًا صارخًا مع الشعارات التي يرفعها النظام؟"
وذكّر الشيخ علي بلحاج بأن الجزائر كانت حتى وقت قريب "ترتمي في حضن بوتين"، وأعطته كل شيء، والآن "لم يبقَ لهم إلا المعادن التي تكتنزها الجزائر".
وأضاف بغضب: "هذه ثروات الأمة والأجيال المقبلة، وهؤلاء لا يفكرون إلا في أنفسهم!"
كما هاجم بلحاج بوقادوم، معتبرًا أنه جزء من "العصابة الغالبة"، حيث قال: "بوقادوم كان وزيرًا للخارجية في عهد بوتفليقة، ثم أعطوه سفيرًا في أهم سفارة! كيف يُترك شخص كهذا ليقرر في مصير المعادن الاستراتيجية للبلاد؟"
وحذّر بلحاج من خطورة "حرب المواد الخام النادرة"، معتبرًا أن ما يجري قد يكون جزءًا من "صفقات سرية" تمت بين الجزائر وقيادة الأفريكوم، مستشهدًا بالاتفاق العسكري الذي وقعه رئيس الأركان سعيد شنقريحة مع الجانب الأمريكي.
واستنكر حالة القمع السياسي في الجزائر، متسائلًا: "يُمنع الشعب من التظاهر والمسيرات، وتُكمم الأفواه، وبينما الناس منشغلين في هذا الشهر الفضيل بالعبادة والصيام يتم بيع ثروات الجزائر في الخفاء دون أي محاسبة!"
وأنهى تصريحه بالمطالبة بـ "سحب السفير فورًا"، وفتح تحقيق شفاف في هذه القضية، مؤكدًا أن: "هذا النظام مستعد لبيع خيرات الجزائر فقط ليبقى في الحكم، بينما الشعب الجزائري يعاني، وأهلنا في غزة يموتون جوعًا!"، وفق تعبيره.
وكان السفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، قد كشف النقاب في تصريحات صحفية مؤخرا عن أن الجزائر والولايات المتحدة بصدد تعزيز شراكتهما الأمنية، مع إمكانية عقد صفقات تسليح، وذلك في إطار مذكرة التفاهم العسكرية الموقعة في يناير الماضي. وأوضح أن التعاون سيشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية البحرية، البحث والإنقاذ، ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، بالإضافة إلى تشكيل ثلاث مجموعات عمل لتنفيذ الاتفاقية.
كما أشار بوقادوم إلى أن الجزائر مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة في مجال الموارد الطبيعية والمعادن الأساسية، لافتًا إلى أن الجزائر توفر بيئة استثمارية مناسبة لهذا القطاع.
على الصعيد الجيوسياسي، أكد السفير أن الجزائر تدرك تزايد نفوذ الصين وروسيا في إفريقيا، مشيرًا إلى أن العامل البشري الجزائري يشكل ميزة إضافية في التعاون مع واشنطن.
وفيما يتعلق بالعلاقات السياسية، شدد بوقادوم على أن الجزائر تحافظ على علاقتها مع جميع الإدارات الأمريكية، وأعرب عن ثقته في استمرار التعاون خلال الولاية الثانية المحتملة لدونالد ترامب، رغم التوترات التي شهدتها العلاقات خلال فترة حكمه، خصوصًا بسبب موقف الجزائر الرافض للتطبيع مع إسرائيل ودعمها لقضية الصحراء الغربية.
يذكر أن الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الجزائري، كان استقبل في كانون ثاني / يناير الماضي، قائد القيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم)، الفريق أول مايكل لانغلي، بمقر أركان الجيش الوطني الشعبي.
ناقش الطرفان التعاون العسكري بين الجزائر والولايات المتحدة، وتبادلا وجهات النظر حول القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما في مجالي الدفاع والأمن.
تميزت الزيارة بالتوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارة الدفاع الجزائرية ووزارة الدفاع الأمريكية لتعزيز الشراكة العسكرية الثنائية.
وتأتي هذه التصريحات الخاصة بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تعيش العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية توترا متصاعدا، منذ دعم فرنسا لمطالب المغرب في قضية الصحراء الغربية ورفض الجزائر التعاون في ملف ترحيل مواطنيها. كما أسهمت قضايا أخرى، مثل اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، في تأجيج الخلافات.