يتقلب الأنسان اليوم في صنوف كثيرة من النعم لا تحد ولا تحصى، فقد فتحت الدنيا على مصراعيها، وأصبح الفقير من الناس في هذا العصر يتوفر لديه من المأكل والملبس والمشرب ما لم يكن يحلم به الملوك والأمراء في العصور السابقة، فصنوف الفواكه والأطعمة واللحوم أصبحت تعبر القارات وتجلب من خلف البحار البعيدة، فأنت إذا ذهبت إلى السوق ستجد أصناف اللحوم بأناعها تعرض عليك منها ما أتى من أستراليا التي كانت مجهولة في العالم القديم، ومنها ما جيئ به من دول أفريقيا، منها ما أحضر من نيوزلندا وتشتريها وتذهب بها إلى البيت، وإذا أتيت إلى أصناف الفاكهة فتجد في محل الخضار الذي في قريتك كل صنوف الفاكهة الطازجة نظيفة مغلفة وهذا ما كان صعب المنال عند الملوك في العصور السابقة، وأنت تركب سيارتك وتجلس في مقاعدها المريحة ويهب عليك نسيم جهاز التكييف البارد في فصل الصيف وعندما تنزل منها وتدخل بيتك المكيف المبرد تدرك أنك في زمن أصبح فيه المعيشة ممكنة ومتوفرة رغم تفاوتها بين البشر.
ولكن مع هذا النعيم الذي وفرته هذه الحياة العصرية، انفتحت معه أبواب الفتن، وأصبحت المجتمعات تطفوا على بحار من الشبهات والشهوات، وأصبح فيها المسلم القابض على دينه مثل القابض على الجمر، وهذا يتفق مع الأحاديث النبوية التي أخبرت بانتشار الفتن في نهاية الزمان، فالمسلم في هذا العصر يفتن في دينه ونفسه وماله وعرضه، ولكن يجب عليه أن يتحلى بالصبر ويغلق أبواب الشيطان ويستقيم على دينه فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: "إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين ممن يعمل مثل عمله" قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: " بل أجر خمسين منكم" وهذه بشارة للمؤمنين الذي استمسكوا بالعروة الوثقى من دينهم، فقد بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلـم بالفضل العظيم والثواب الجزيل، فمن يصبر يعطى من الأجر على العبادة والعمل أجر خمسين رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسـلم، وذلك لأن الرسول الكريم هو بين ظهرانيهم يعينهم على الطاعة يأمرهم بالمعروف وينهاههم عن المنكر ويوجههم لما فيه الخير، أما في عصر الفتن فقلما يجد المؤمن من يعينه على الخير، كما أنه يتعرض للفتن في كل لحضة من لحضات حياته.
وأبسط مظهر للفتنة الداعية إلى الغفلة هي فتنة الأجهزة العصرية الحديثة وما بها من برامج ووسائل للترفيه، وكثير من الناس يقضي سحابة يومه وليله في مطالعة هاتفه الذي لا يكاد يفتر عنه ساعة، فأصبح يفوته الكثير من الخير، وليت أنه يتابع من البرامج ما يعينه في الخير ويفيده في أمر دينه ودنياه، ولكن أكثر هذه البرامج تخرج من المباحات لتدخل في المحضورات، فتتراقص أمام ناضريه الفتن، وتدعوه الى الغفلة، وقسوة القلب لما يشاهده ويتابعه في برامج التواصل الإجتماعي التي أصبحت تموج بالمعاصي والمنكرات وأصبح فيها دعاة يدعون يأفعالهم وأقوالهم ومظاهرهم إلى النار كما اخبرنا الروسل صلى الله عليه وسلـم في الحديث الشريف عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: "تكون فتن على أبوابها دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها".
ولكن يتسائل المسلم اليوم كيف ينجو من كل هذا، وكيف يستبرئ لدينه وعرضه، والجواب يتصل بصلاح القلب والحرص لعى أن لا تشوبه شائبة وذلك بتجفيف منابع الفتن وغض البصر، والإبتعاد عن الشبهات والحرام، فالحلال بين واضح والحرام بين واضح وكل ما ما يتشته عليه إجعله في خانة الحلال استبراء للذمة فقد قال صلى الله عليه وسلـم في الحديث المتفق على صحته: " إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ".
وصلاح القلب ونقائه وجلاؤه لا يكون إلا بتقوى الله أولا، ثم الإرتباط الوثيق بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا واطلاعا وتطبيقا، فالقرآن يصلح القلب ويجلوه وهو ما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلـم حيث قال: " إنَّ هذه القلوبَ تصدأُ كما يصدأُ الحديدُ، قيل: يا رسولَ اللهِ فما جلاؤُها ؟ قال: قراءةُ القرآنِ".
فأهل القرآن همخ أهل الله وخاصته، فالقرآن كفيل بإصلاح القلوب، وتبديد قسوتها وجلاء صدئها، وجعلها مشكاة منيرة تصلح الجسد كله.
وقد وصف لنا الرسول صلى الله عليه وسلـم سبيل النجاة من الفتن بقوله في الحديث الشريف الذي رواه لنا علي بن أب طالب كرم الله وجهه حيث سمِعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ ألا إنَّها ستَكونُ فتنةٌ. فقلتُ ما المخرجُ منها يا رسولَ اللَّهِ قالَ كتابُ اللَّهِ فيهِ نبأُ ما قبلَكُم وخبَرُ ما بعدَكُم وحُكْمُ ما بينَكُم وَهوَ الفصلُ ليسَ بالهزلِ من ترَكَهُ من جبَّارٍ قصَمَهُ اللَّهُ ومن ابتغَى الهدى في غيرِهِ أضلَّهُ اللَّهُ وَهوَ حبلُ اللَّهِ المتينُ وَهوَ الذِّكرُ الحَكيمُ وَهوَ الصِّراطُ المستقيمُ هوَ الَّذي لا تزيغُ بهِ الأهْواءُ ولا تلتبسُ بهِ الألسِنةُ ولا يشبَعُ منهُ العلماءُ ولا يخلَقُ عن كثرةِ الرَّدِّ ولا تنقَضي عجائبُهُ هوَ الَّذي لم تنتَهِ الجنُّ إذ سمعَتهُ حتَّى قالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ من قالَ بهِ صدقَ ومن عمِلَ بهِ أُجِرَ ومن حَكَمَ بهِ عدلَ ومن دعا إليهِ هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلـم رسول الله رسول الل
إقرأ أيضاً:
سلاح الجو النوعي الذي أرعب الحركة الإسلامية
لأول مرة يرتعب جنرالات الحركة الإسلامية سافكو دم شعبهم، بعد أن علموا بأن الله قد منّ على المستهدفين بالبراميل المتفجرة الساقطة على رؤوسهم، بسلاح نوعي يحميهم، جعل القلوب الخافقة تهدأ والنفوس الوجلة تستقر، فالرب قد استجاب لتلك المرأة المسكينة، التي رفعت كفيها بالدعاء على من أحرق زرعها وضرعها وبيتها، بأن يحرقه، وهي امرأة وحيدة وضعيفة ومسكينة على أعتاب التسعين، أبرها الله الذي وصفته بأنه (ليس ابن عم أحد)، في تضرع صادق خارج من صميم قلب مكلوم مهيض الجناح لا يلوي على شيء، هذه الحرب أدخلت مجرمي الإسلام السياسي في جحر ضب خرب، وكشفت عن بشاعة النفس التي بين جنبيهم، وأبانت كيف أن النشأة الأولى لم تكن على أساس ديني قويم، وإنّما كانت بناء على انحراف خلقي واخلاقي، وإلّا لما جاءت النتيجة بعد ثلاثين عاماً من تجربة الحكم استهدافاً قاسياً للمسلمين الفقراء الكادحين الذين لا حول لهم ولا قوة، جرمهم الوحيد أنهم يسكنون هذه الأرض، وما يزال القاتل الأكبر يتربص بهم كيف أنهم أنجبوا هؤلاء الرجال الأشداء المقاتلين من أجل الحق؟، الذي استمات الحركيون الإسلاميون في تمييعه، بين نفاق الإعلام الكذوب وإفك فقهاء الجنرال الظلوم الجهول "مدّعي الربوبية"، الذي ذُعِر أيما ذُعر وهو يتحدث عن حصول (الرجال) على السلاح النوعي، المانع لآلته المجرمة والقاتلة من أداء مهمتها الجبانة والقذرة، ألم يتلو آيات الذكر الحكيم القائلة أن الباطل لابد وأن يزهق، كيف بربك يتلوها وهو القاتل الغاصب الفاسق الرعديد؟.
من ظن أن السودانيين سيواصلون صمتهم الخجول الممتد لسبعة عقود، عن المجازر المخطط لها بعناية ودقة فائقة وممنهجة من زمان "حسن بشير نصر" و"أبو كدوك" إلى زمان المختبئين وراء المليشيات الإرهابية، يكون غائب عن الوعي وغير مدرك لحتميات حركة التاريخ، وكما في حياتنا الرعوية مقولة "قصعة الجرّة"، التي تعني اجترار الحيوان لكل ما التهمه من عشب النهار ليلاً، بدأ مجرمو مؤسسة الموت والهلاك والدمار يطرشون ما اختزنوه من خطيئة سفك دماء الأبرياء، فجميع من ترونهم من لواءات وعمداء وعقداء يسقطون من السماء على الأرض، ويرقص حول جثثهم المحترقة الأحرار في حفلات شواء ناقمة، ما هي إلّا عملية استفراغ لما ارتكبوه من جرم بشع وعمل شنيع لا يشبه فعل إبليس. على المستوى الشخصي حينما سمعت خبر مقتل العقيد وليد ابن اخت الجنرال الهارب، أيقنت أن القصاص لن يترك فرداً ولا جماعة ولغت في دم عشيرة الغبراء التي أقسمت على الله فأبرها، هذا "الوليد" هو مهندس مجازر الجنينة كما كان (خاله) وجده "اللواء الدابي"، هل تعلمون أن الملازم وليد في تسعينيات القرن المنصرم ارتكب مجزرة بحق سكان قرية بدارفور، شهودها جنود في "جيش (العشب) الواحد"؟، روى تفاصيل الجريمة النكراء "رقيب معاش" ما زال حياً، وأنا على يقين من أنه قد رفع كفيه للسماء بعد أن علم بالخبر وقال "الحمد لله"، إنّ جند الجيش "الكتشنري" سوف يتذوقون ذات طعم الحنظل الذي أذاقوه للسودانيين ما دامت الأكف مرفوعة بالدعاء.
يقول المثل "المصيبة ليست في ظلم الأشرار ولكن في صمت الأخيار"، وانا أقول "المصيبة ليست في صمت الأخيار ولكن في عدم وجود (أخيار) من الأساس"، لأن الرجل الخيّر لن يصمت عن قول الحق، ولن يتسامح مع المجرمين والمنافقين والمدلسين والمزورين والكذابين والأفّاكين، وطالما أن هنالك بيننا من يعتقد في أن الجنود السودانيين الذين يعملون تحت راية (القوات المسلحة)، والمرسلين لليمن من معسكر "سركاب" أنهم "متمردين"، ويتجاهل كونهم نائمين على أسرة (معسكر الجيش) وهم منزوعي السلاح، داخل بيت ضيافة (القوات المسلحة)، تأكد من حقيقة واحدة لا ثاني لها، هي حتمية انتصار كل من رفع البندقية في وجه هذا (الجيش)، الذي فقد الزخم المصطنع الذي عاشه السودانيون مائة عام، إذ كيف لجيش عمره قرن يورث الناس الحرب والدمار والخراب؟، لماذا لم يؤد دوره الوطني المنوط به؟، لقد أعاد "جيشنا جيش الهنا" الخرطوم للعهد الذي بدأ بدخول "كتشنر" حيث عربة "الكارو" الناقلة لماء الشرب، التي يسحبها حمار لتقوم بمهمة سقيا الناس قبل قرن وربع القرن، إنّه (فرض عين) على الشعب السوداني أن يثور ثورته الأخيرة القاضية، ليقضي على العصابة المنحرفة المتواجدة في بورتسودان، وإلّا ستشهد بورتسودان نفسها ما شهدته "نيالا" و"الفاشر"، على أهل الشرق أن يكونوا كما قال المثل " السعيد يشوف في أخوه"، إنّ شر الإخوان قد أوصل مصر لدرك سحيق خلال حقبة حكم لم تتجاوز السنة الواحدة، أما الشعب السوداني فليس في مقدوره إخراج (الأذى) إلّا بعد أن يستعين بصديق، فإن لم يفعل ولن يفعل، فليبشر بطول أمد المعركة الدائرة الآن بين حق السودانيين في الحياة الكريمة، وباطل الحركة الإسلامية (الإخوان) في استعباد السودانيين.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com