الخواطر مدعاة تأمل لكل ما عسانا نفكر فيه ونمضى لأجله، ومن أجله، وهى بذرة التفكير فى مسائل الدنيا ومسائل المصير، يبدأ الخاطر لمحة عابرة فيختلط بأجواء النفس وسرعان ما يتحوّل إلى عمل بعد مروره فى أطواء نفوسنا بمراحل من العمل الباطن، أولها: الخواطر وهى حديث النفس، ثم الميل ثم الاعتقاد، ثم حكم القلب، ثم العزم على الفعل.
ومراقبة الخواطر عمل القلب الباطن لأن الخواطر تسبح فى ملكوتين ليس بينهما ثالث، أمّا ملكوت الله أو ملكوت الشيطان، ومن راقب خواطره الباطنة عصمه الله فى جوارحه الظاهرة.
وهنالك خواطر تأتى من لمّة الشيطان ويقابلها خواطر ترد من لمّة الملك الرحمن، الأولى إيعاذ بالشر، والثانية إيراد بالخير. وأكثر ما يمنع خواطر الشر ويُدنى من خواطر الخير قطعاً ويوظف حركة القلب الباطنة توظيفاً فى صالح العبد هو أسهل العبادات وأكملها، كثرة الصلاة والتسليم على خير الأنبياء والمرسلين. وإذا وردت الخواطر على هذه الصفة فمن بينها كلمة أقولها لنفسى لعلها تنقاد :
أجهل كل شيء، أغفل عن كل شيء، أترك التفاهات، أترك هاتفك المحمول الذى يضيع وقتك، والوقت عمر والعمر لحظة، واجعل تلك اللحظة حاضرة مع الله، واشغل وقتك كله بكثرة الصلاة والتسليم على خير الأنبياء والمرسلين.
هنالك ترى العجب العجاب من رب الأرباب..
ترى الرحمة تتنزل عليك من فورها.
فإنّ ثورات الغضب الإلهى تنطفئ بكثرة الصلاة والتسليم على سيد الأنبياء والمرسلين، لأن الله تعالى يصلى عليك، وصلاته رحمة والرحمة مقدّمة على الغضب، والانشغال بالصلاة على خير المرسلين انشغال بالرحمة وهو صلوات ربى وسلامه عليه رحمة للعالمين.. الإكثار يفوق الآلاف ليحدث التوحد مع الذات المحمدية مجلى الأنوار البهية، ثم اجعل لسانك هو الذى يُذكّرك إذا غفلت، وخاطرك على الحضور هو ممدك، وقلبك هو مددك، أبحث عن الحب فى هذا الكنز الثمين.
دع عنك مقاطع الهواتف التى تشاهدها ونصائح المشايخ التى تلاحظها، واعكف على خير عبادة وأسهل عبادة ينفتح بها مغاليق القلوب إلى رب الملكوت.. استغرق وتفرد، وكلما استغرقت تفردت، وذقت حلاوة المحبّة وجاءت الأنوار المحمديّة لتنقذك من الضلال.
لا حاجة لك إلى دليل شرعى تسمعه من أفواه الناس، بل اسمع دليك من نفسك، وأبحث عن الوصلة، لعلها ضعُفت فيك من أغلال الدنيا وقيود العوائق فيها، واستشرف نوره الباقى، حتى تدركه، فإذا ادركته وصلت، واذ ذاك انفتحت لك طاقات المعارف والأسرار بمفتاح واحد لا مزيد عليه : هو كثرة الصلاة والتسليم على خير الأنبياء والمرسلين مع الاستغراق والحضور.
استغرق فالدنيا فانية
والزمن فيها أنفاس معدودة
ولن تنال الرحمة وانت خطاء ابن خطاء ابن خطاء، ولك فى الخطيئة نسبٌ عريق إلا أن تعرف نبيك بكثرة الصلاة عليه ليعرفك ويحاجيك، ويتم نعمته عليك، ويواليك.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم الأنبیاء والمرسلین على خیر
إقرأ أيضاً:
ما سبب ترتيب آيات القرآن الكريم؟ ومن الذي رتبها؟
فقد وصف الله تعالى القرآن الكريم بقوله "وإنه في أم الكتاب لدينا لعليٌّ حكيم"، والحكمة كما يقول الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور محمد الخطيب هي وضع كل شيء في موضعه.
ويدل وصف "عليٌّ" على أن كل آية من آيات القرآن قد نزلت في موقعها المحدد الذي لا يصح لها موضع غيره وأن هذا الترتيب لا دخل لأحد فيه لأنه جاء من قبل الله عز وجل، كما يقول الخطيب في الحلقة التي يمكن مشاهدتها في هذا الرابط.
ووفقا للخطيب، فإن هناك ما يعرف بـ"علم المناسبات" الذي يبحث أسباب وضع آيات القرآن في مواضعها والحكمة من ترتيبها على نحو لا يمكن الإخلال به دون الإخلال بالمعنى.
صلاح العبادة من صلاح العمل
ففي سورة البقرة على سبيل المثال، جاءت آية "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" بين آيات تتناول قضية الطلاق وموت الأزواج والوصية، وهو سياق يبدو منفصلا عن الصلاة.
وقال الخطيب إن علماء توقفوا عند هذه الآية ولم يفهموا سبب الإتيان بها في هذا الموضع، ومنهم الشيخ سيد قطب الذي أورد في "ظلال القرآن" أنه لم يعرف سببا لموضع هذه الآية تحديدا.
والسبب في هذا -كما يقول الخطيب- أن الناس يعتقدون أن الحياة عبارة عن معاملات وعبادة بينما هي عبادة فقط، فمن لم يقم بمعاملاته على النحو المطلوب فسدت عبادته.
إعلانلذلك، فقد خلص قطب في سبب موضع هذه الآية إلى أن كثيرا من الرجال يعتادون المساجد ويحافظون على الصلوات، لكنهم يسيئون معاملة زوجاتهم وأولادهم والمجتمع المحيط بهم على نحو يفقد هذه الصلاة معناها، حسب الخطيب.
ولأن الصلاة هي العبادة الأهم في حياة المسلم، فقد قرنها الله تعالى في هذه الآية بحسن المعاملة مع الزوجة والانصياع لما أمر به في هذه العلاقة تحديدا لأنها أهم العلاقات في حياة الإنسان، وفق تعبير الخطيب.
ربط الصلاة بحقوق الغير
وبناء على هذه النظرة، فإن المقصود من هذه الآية في هذا الموضع أن الحفاظ على حقوق الأسرة والزوج لا يقل أهمية عن علاقة المسلم بربه من خلال الصلاة، وأن من يفرط في الأولى لن يستقيم في الثانية.
والأمر نفسه في سورة الماعون التي يتحدث فيها الله عن معاملة اليتيم والمسكين ثم ينتقل فجأة إلى الساهين عن الصلاة، وهو انتقال مرده -وفق الخطيب- أن الصلاة هي التي تدفع الإنسان لحسن معاملة اليتيم والمسكين، ومن ثم فإن من لم يقم بهذين الأمرين يعتبر ساهيا عن صلاته وإن أدَّاها لأنه غفل عن معناها.
ومن هنا، يقول الخطيب إن قبول الصلاة مقرون بشروط صحتها المعنوية المتعلق بالالتزام بأوامرها ونواهيها وليس فقط بشروطها المادية من طهارة ونية واستقبال للقبلة، وهو ما جعل الصلاة في هاتين الآيتين مقرونة بحقوق الزوجات واليتامى والمساكين.
ومن المواضع اللافتة للآيات في القرآن، موضع قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم ترحمون، واتقوا النار التي أعدت للكافرين، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" في سورة آل عمران، والذي جاء بين حديث عن معركة بدر وآخر عن معركة أحد.
ويأتي موضع هذه الآيات على هذا النحو، وفق الخطيب، ليؤكد أن حياة المسلم كلها عبادة، وليست معاملة وعبادة، لأن المعاملات جزء من العبادة وليست مسألة مستقلة عنها.
إعلانلذلك، فإن المقصود من الآية السابقة -برأي الخطيب- أن من يهزم أخلاقيا سيهزم عسكريا لا محالة، وهو ما حدث للمسلمين في غزوة أحد عندما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين انتصروا نصرا مؤزرا قبلها في غزوة بدر عندما لم يخالفوه.
وبناء على هذا، فإن الحديث عن الربا في هذا الموضع مرده إلى أن الانتصار في معركة المال لا يقل أهمية عن الانتصار في الحرب لأن حب المال واحدا من أشد المعارك التي يخوضها المسلم بحثا عن الحلال وتجنبا للحرام على سهولته، كما يقول الخطيب.
26/3/2025-|آخر تحديث: 26/3/202505:20 م (توقيت مكة)