«عمان»: نظم النادي الثقافي جلسة حوارية تناولت سيرة السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي -رحمه الله، وتجربة صالون الفراهيدي، أدارها الإعلامي خلفان الزيدي، بحضور عدد من المهتمين.

وأوضح الأديب أحمد بن عبد الله الفلاحي أن الحديث عن السيد عبد الله يمتد ويطول ويصعب علينا أن نفيه حقه، مضيفا: عرفناه عن قرب وكان صديقا التقيناه أوائل السبعينيات، وكان في صباه الأول، وكنا نزورهم في بيتهم بالحمرية في جوار بيت الشيخ أحمد بن عبد الله الحارثي، وكان والده الشيخ القاضي حمد بن سيف البوسعيدي ومعه أناس من القضاة والأعيان نعيش معهم التاريخ والشعر والأدب على مختلف أنواعه، وهو كان معنا بعمره الغض حيث كان أصغر منا سنا، ثم رأيناه في عمره ذاك موظفا في مكتب السيد محمد بن أحمد البوسعيدي وزير الإسكان وقتها، بمثابة سكرتير خاص له، يطبع رسائله وينسق شؤون مكتبه، وبعدها عمل في مكتب الشيخ أحمد بن عبدالله الحارثي رئيس هيئة المخطوطات، ومنها لوزارة العدل التي تدرج فيها حتى غدا مديرا عاما لها، وجاءنا إلى البحرين زائرا لنا في أوائل الثمانينيات لنمضي السهرات في أحاديث ممتعة شيقة.

وبعد عودته بفترة قصيرة صدر مرسوم تعيينه وزيرا للإسكان، وزرناه في مكتبه حين جئنا من البحرين، ولم يتغير مطلقا، ولم تتغير معاملته للناس، يستقبل الصغار مثل استقبال الكبار سواء بسواء، ومع الكل تبدو ابتسامته وإشراقة وجهه حتى عرفت وزارة الإسكان وقتها باسم وزارة الأخلاق الحميدة.

ويتابع مسترسلا: لم يطل مُكثه في الوزارة حتى صدر قرار تعيينه مندوبا لسلطنة عمان في الجامعة العربية حين كان مقرها في تونس، وبعد فترة قصيرة أصبح سفيرا في تونس، وأتيح له هناك نسج علاقات متينة مع العديد من المسؤولين ومع نظرائه من السفراء. وجاءنا في القاهرة يومها مشاركا في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد حينها في القاهرة. وعندما عادت مصر إلى الجامعة العربية، وعادت الجامعة العربية من تونس إلى القاهرة، تعين هو سفيرا في مصر، ومضت علاقتنا تتجدد وتتوطد.

وبدأت الوفود العمانية تتراسل على مصر وكان بيته في القاهرة ملتقى الجميع حيث الكرم الواسع، وفي أيام وجوده في القاهرة أسس صالون الفراهيدي الذي تواصلت ندواته الفكرية كل ثلاثة أشهر مرة، وفي كل دورة كان البحث مختلفا عما كان قبله، وتنوعت بين العلاقات العمانية المصرية، وقصائد المديح العماني في الشعر العماني والمصري، وعن علماء زاروا عمان وكتبوا عنها، وكان يتحدث في تلك الندوات أساتذة من مصر وسلطنة عمان. وكان هو من يلقي الكلمة التقديمية، ويحرص على اختيار نخبة من كتاب مصر ليستضيفهم في منزله باستمرار. كما كان يحرص على استضافتهم في منزله، ويلبي كل الدعوات التي تأتي إليه من أطياف الثقافة على اختلاف مشاربهم.

وفي أيام احتلال العراق للكويت في شدة التأزم، اجتمع في مجلسه سفير الكويت وسفير العراق، وكان مثل ذلك الموقف أشبه بالمستحيلات، لأنه من العجيب أن يحضر السفير العراقي والسفير الكويتي في مجلس واحد، وذلك لدوره وسماحة نفسه، وأذكر الصحف المصرية التي كتبت عن الموقف غير العادي.

وكان يحب حضور الفعاليات مهما كانت متواضعة، مستوعبا كل الأطياف، وكان يطلب مني رفقته أيام معرض الكتاب الدولي في مصر، فندخل أحيانا إلى ندوات المعرض، وكان محبا للقراءة ويسعى لاقتناء الكتب، ولديه قدرة على توزيع وقته، كما كانت لديه ثقافة متنوعة واسعة.

أما المكرم الشيخ حمد بن هلال المعمري فأشار إلى أن هذا النادي جمعنا كثيرا، ويعود بذاكرته ليقول: عرفته مطلع الثمانينيات، عندما التحقت بوزارة الخارجية، وكنا نلتقي عبر أصدقاء مشتركين، وربطتني معه الكثير من العلاقات الجميلة، وكنت دائما أنظر إلى ابتسامته التي تسبقه. وأذكر بـأنه تولى الوزارة في أكتوبر عام 1986، وفي بداية 1987 التحقت بإدارة النادي وأخبرني السيد خالد بن هلال بن سعود بن حارب، بأن السيد عبد الله يريد أن يتحدث إليك، وذهبت إلى هناك ولا أعرف ماذا يريد؟ وقال لي: إنه يريد أن ينقل بعض الشباب العمانيين إلى وزارة الإسكان، ووقع اختياره علي، واعتذرت بكل محبة وتفهم موقفي. وفي عام 1986، وكنت سفيرا بالسعودية كلما أعود من الرياض أمر عليه ونتحدث، وأذكر تشاركنا الغداء في المنطقة الممتازة، وبعدها بيوم صدر مرسوم بنقله سفيرا ومندوبا دائما لدى الجامعة العربية في تونس، وكان مدعوا لعقد قران في إبراء أصر أن يحضره تلبية للدعوة، وبعدها سافر إلى تونس.

كما أنني أذكر موقفه يوم غزو العراق للكويت، حيث اجتمعنا في مصر وكان حاضرا لمؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد في القاهرة وقتها، وكنا نتبادل الأحاديث والهموم العربية، وبعد عودتنا لغرفنا في الثالثة صباحا وقع الغزو، وأعلن الفندق بأن عملة الكويت غير مقبولة وكانت فاجعة للكويتيين الموجودين حينها، فما كان من السيد عبد الله إلا مبادرته بمواساة إخوتنا الكويتيين وتقديم الدعم المعنوي لهم، في موقف إنساني يعكس سماحته ودماثة أخلاقه.

وعندما كنت أنزل إلى القاهرة بعد نقله سفيرا هناك، كنت أرى اهتمامه الأدبي، ولمست هذا الشغف لديه، وكان يريد أن ينقل الفكر والثقافة العمانية وينشرها للآخرين، وهناك سفيرين آخرين في مصر اقتديا بفكرته، وهي سنة حميدة وأنا شخصيا اقتديت به، ففي الرياض كانت هناك مجموعة من الصالونات الثقافية، وعندما انتقلت من الرياض إلى عمّان، وجدت الساحة جيدة ولدي العديد من الطلاب ففكرت بإقامة صالون العوتبي في 1987 واستمر، وكانت اقتداء بشخصية المغفور له. ولم يغادر السيد عبد الله البوسعيدي عالمنا إلا بعد مساهمته في إنشاء صرح علمي كبير وهو «جامعة الشرقية» حيث كان همه إرساء الثقافة ونشر المعرفة، وبناء جامعة في منطقة كانت بحاجة إليها، وكان نتاج ذلك توافد آلاف الطلاب إليها، حيث حصد ثمرة جهده وفكره وتوجهه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجامعة العربیة السید عبد الله فی القاهرة حمد بن فی مصر

إقرأ أيضاً:

أكرم طيري: ليتني لم أطلب بخروج صوت رسمي من النادي الأهلي

أكرم طيري: ليتني لم أطلب بخروج صوت رسمي من النادي الأهلي

مقالات مشابهة

  • أكرم طيري: ليتني لم أطلب بخروج صوت رسمي من النادي الأهلي
  • أوقاف الفيوم تنظم فعاليات اليوم الثاني من الأسبوع الثقافي
  • مدير عام المرور يتفقد تجهيزات مواقف السيارات في ساحة الرسول الأعظم
  • نصر البوسعيدي: مواقف إضافية وتوزيع أكثر من 10 آلاف قميص للجماهير
  • سفير كوريا الجنوبية بالقاهرة يعلن دعم مبادرة «حياة كريمة» في تطوير المدن الذكية  
  • هل الدين ضروري لاستمرار حياة الإنسان؟
  • أزهري: النبي لم يسجد لصنم قبل البعثة.. وكان يطوف بالكعبة
  • نجل فؤاد المهندس لـ«بين السطور»: عشق الكوميديا منذ صغره.. وكان زملكاويا متعصبا
  • الغديري للوفد: اتظلمت في الزمالك وكان نفسي أخد فرصتي
  • بينار دينيز وكان يلدريم يستعدان الزواج في روما