كانت ابنة 11 عاما، حين حدث العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر، إثر قرار عبدالناصر بتأميم قناة السويس، ردا على سحب الولايات المتحدة تمويلها لبناء السد العالي.
رأت عيون الكاتبة المصرية المعروفة سكينة فؤاد الحياة في بور سعيد عام 1945، لتكتب ما اكتنزتها ذاكرتها تلك الأيام حين دخلت العشرينات من العمر، فكانت فؤاد من كاتبات الستينيات والسبعينيات، لكنها اشتهرت في حقبة الثمانينيات، ككاتبة ركزت على الأمن الغذائي بمصر، لكن شهرتها ظهرت بشكل خاص بعد تحويل قصتها «ليلة القبض على فاطمة» عام 1982 إلى مسلسل تلفزيوني من تمثيل فردوس عبدالحميد ويوسف شعبان وفاروق الفيشاوي، ومن إخراج محمد فاضل، وإلى فيلم من تمثيل فاتن حمامة وشكري سرحان وصلاح قابيل، ومن إخراج هنري بركات.
كنت ابن 15 عاما، يهمه من المسلسل ما كنا نتشوق له من أحداث، وما زلت وملايين العرب يتذكرون فاطمة، التي أدّت دورها فردوس عبدالحميد، التي اتهمها أخوها بالجنون، وهي تبوح بما كان من سرّ يتعلق بأخيها الذي ارتقى المناصب (والمال) على مجد صنعته فاطمة، حين غدر بالمقاومة المصرية في منطقة قناة السويس؛ فقد استلم ثمن السلاح على أن يوصله لهم، ليفكوا الطوق عن مقاومين هناك، والتي ما كان منها إلا حمل السلاح للمقاومين، مجتازة «المعدية» في عملية تهريب فدائية للمتفجرات.
هل هي الجينات؟
كان ما كان ويكون، نتيجة خلاص النخب الفردي، أكان نبتا شيطانيا أم صار كذلك؛ فتتبع حياة من قرون، وليس فقط من عقود، يؤشّر على ما سلكته منظومات الحكم من الاستئثار بقطف ثمار أي (نبت رحماني) أنبتته ماء السماء وسواعد الشعوب.
ترى ماذا قصدت سكينة فؤاد من قصتها غير التحولات في مجتمع منطقة قناة السويس، والمجتمع المصري التي حدثت في حقبتي الخمسينيات والستينيات، بعد فشل العدوان الثلاثي؟
لم تكد حلقات المسلسل تنتهي، حتى ذاعت شهرة أغنية المسلسل الشهيرة «بتغني لمين يا حمام» التي أدتها الفنانة فردوس عبد الحميد.
لا أدري كم هي عدد المرات التي شاهدنا فيها الأغنية من خلال التلفزيونات العربية، وفيما بعد من خلال منصة اليوتيوب.
من أجمل الأغاني التي تجمع تراث بورسعيد والإسماعيلية من خلال الآلات الموسيقية المحلية، والرقصات، وما زلنا نتذكر تلك القماشة التي كان يحركها أحد الفنانين، بما يجعلها تحاكي راقصة رقص شعبي. لقد اشتهر فريق الأغنية من الراقصين، الذين وجدوا فرصا في المشاهد الاستعراضية في الأعمال الدرامية فيما بعد. كان وجه فاطمة وهي تغني مشرقا، وكذلك خطيبها حسن الذي قام به يوسف شعبان، فيما اعتراه الكدر حين أطلّ أخوها المتسلق الفاسد الذي أدى دوره فاروق الفيشاوي.
كنت أدندن بكلمات الأغنية، فلمن تغني الطيور والعصافير والمغنين اليوم في ظل ما نعيشه من آلام؟ قلت لنفسي تلك روح سيّد حجاب. تأكدت من ذلك حين «جوجلت» العنوان.
بتغني لمين يا حمام؟ يا ورد على فل وياسمين
يا عود ريحان زان البستان
بغني للناس الحلوين متجمعين أهل وخلان
بغني للي سنين البين ما علمتهوش النسيان
المُرّ.. مَرّ.. وع القلبين جاي الزمان صافي وحليان
يا سنين تمر.. تجر سنين يا مشتَّته شمل الإخوان
يا مين يلملم شملنا مين؟!
غنت إذن فردوس عبدالحميد، ما كتبه سيد حجاب الذي وجد ما وجد محمود درويش «ما يستحق الحياة»: الأوفياء، ثم ليكتفي محمد فاضل المخرج بهذه الفقرات، مختتما بالدعوة للمّ الشمل.
ثم لأقرأ باقي القصيدة الذي لم يحظ بالغناء:
مال تجيبه الريح.. يروح.. تاخده الزوابع
ياما فضة.. انفض سوقها في ثواني
يا زمان الغربة.. يا ملفلف خصورنا
ياللي بتدور فوق عششنا وفوق قصورنا
طول ما بنحب الحياة.. ونحب ناسها
لا الجدور ح تبور.. ولا تنهار جسورنا
ويتابع سيد حجاب:
الحقيقة نار تعيش تحت الرماد
في ضياها يا هندي لحلمي وخيالي
والمحبة تفجر الروح في الجماد
وبمحبة قلبي ح اقدر ع الليالي
دعوة للمحبة، بعد تجربة زمن الغربة، والتمسك بالأمل
يا زمان الغربة.. مهما ح تكاسرنا!
حلمنا ح نحققه.. مهما خسرنا!
طول ما خيرنا لغيرنا.. حتى لو رحلت
في الحياة ح نمد لينا جدور.. مسيرنا
من حنان الحب.. هل الغِلّ جانا!
من مرارة الغل.. جلجل صوت رجانا!
نبكى م الغل اللي بيزلزل حياتنا؟!
ولاّ م الحب اللي هدهدنا وشجانا؟!
يا زمان الغربة ليلك بيحاصرنا وف ظلامه المر طاوينا وعاصرنابس طول ما الحب بيرفرف علينا
الجدور ح نمدها ونصنع مصيرنا
دعوة رومانسية إنسانية للتمسك بالمحبة وسط التحولات العاصفة بالناس والمبادئ، لأن المحبة هي التي تضمن استمرار الحياة.
لم أستطع الوصول لنص قصة سكينة فؤاد، لكن من خلال الاطلاع عرفت أنه ليس بعيدا عن السيناريو والحوار؛ فقد تمحورت القصة على فاطمة التي توفي والداها فعاشت لترعى إخوتها الصغار، حيث يسافر خطيبها لتأمين دخل للإنفاق على أسرة خطيبته اليتيمة، أصبح أخوها كما قلت أحد الانتهازيين، يستغل قيامه المزعوم بعملية تهريب السلاح للمقاومين، والذي يودع فاطمة أخته مستشفى المجانين كونها تسيء إليه. خلال سردها لما كان وهي تهدد برمي نفسها من علو. تستدعي فاطمة ما كان من أحداث زمن الاحتلال البريطاني لبور سعيد، وبعد ذلك، وصولا لمقدمات سياسة الانفتاح.
اختارت الكاتبة سكينة فؤاد والمخرجان، مخرج المسلسل محمد فاضل ومخرج الفيلم بركات، بوح فاطمة الأسلوب المسرحي، المنبري؛ فقد دارت الأحداث الفعلية في ليلة واحدة في مدينة بورسعيد حين حاول رجلان القبض على فاطمة، حيث تستعيد فاطمة ما كان، لتكون شهادة على الفاسدين في كل الأوطان، أولئك الذين قطفوا ثمار أشجار لم يزرعوها.
وبعبارة منحتها فردوس عبدالحميد ما لديها من طاقة شعور وشجن وعتاب، خاطبت فاطمة الجيران الذين تجمعوا على محاولة القبض عليها:
«انتو دايما بتنسوا ولما جيت أفكركم قلت عني مجنونة».
وما زال النسيان داء الشعوب!
ولكن ثمة ضوء من هناك يُطل، يتبعه قرص الشمس لا محالة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فردوس عبدالحمید من خلال ما کان
إقرأ أيضاً:
إسبانيا تقبل المساعدة التي عرضها جلالة الملك في فيضانات فالنسيا إلى جانب فرنسا والبرتغال
زنقة 20. الرباط
وافقت السلطات الإسبانية بشكل رسمي على المساعدة التي عرضها الملك من خلال دعوة جلالة الملك وزارة الداخلية للتهيئ لتقديم المساعدة للجارة إسبانيا في الفيضانات التي شهدتها مدينة فالنسيا.
و أعلنت الداخلية الإسبانية أن الحكومة الجهوية لفالنسيا وافقت على عرض المساعدة المغربية إلى جانب كل من المساعدة المقترحة من البرتغال و فرنسا.
وستباشر السلطات المغربية حسب الجانب الإسباني خلال الساعات المقبلة نقل عدد من التجهيزات و الخبراء المغاربة في مجال المساعدة في حالات الكوارث الطبيعية، كما سبق للجانب المغربي أن أعطى دروساً في زلزال الحوز.
وعلى إثر الفيضانات التي اجتاحت عدة مناطق بإسبانيا، أعطى جلالك الملك محمد السادس، تعليماته السامية لوزير الداخلية بإجراء اتصال هاتفي مع نظيره الإسباني.
وأوضح بلاغ لوزارة الداخلية أنه خلال هذا الاتصال، أخبر الوزير نظيره الاسباني أن المغرب، طبقا للتعليمات الملكية السامية، على أتم الاستعداد لإرسال فرق إغاثة وتقديم كل المساعدة الضرورية لإسبانيا من أجل مواجهة هذه الكارثة الطبيعية.
كما جدد الوزير بحسب البلاغ، تقديم عبارات التعازي والتضامن للسلطات الإسبانية ولعائلات الضحايا.