أثير – ريما الشيخ

من روح محافظة ظفار، حيث يتداخل عبق التقاليد مع حيوية العصر، تنبثق قصة ملهمة للدكتورة فاطمة بنت أحمد الراعي، التي تجسد رحلة فريدة من الإرث العائلي العريق إلى الإبداع والتميز في العصر الحديث.

تعود بداية الحكاية إلى عام 1970، حين بدأت والدتها (جمعة بنت عوض الراعي) مشروعها في صناعة البخور الظفاري، الذي أخذته عن والدتها والخبرات النسائية الأخرى، لتطور وتبتكر في هذه الحرفة العريقة التي لم تكن مجرد مهنة بالنسبة لها، بل كانت امتدادًا تاريخيًا عميقًا يربطها بجذور العائلة وبتقاليد الوطن.

بدأت رحلة الدكتورة فاطمة الراعي في عالم البخور والعطور من صميم عائلتها، حيث نشأت في بيت تعود جذوره إلى الحرف التقليدية العمانية، في أسرة رائدة بحرفة مميزة، التي كان لها الفضل الكبير في تشكيل شخصيتها ومسيرتها المهنية، وتعد الدكتورة واحدة من الأسماء اللامعة في مجال الأعمال والإدارة في سلطنة عمان، حاملة معها إرثًا غنيًا من الحرفية والمثابرة.

تعلمت الدكتورة أسرار الحرفة من والدتها، التي كانت تشجعها على الابتكار وتقديم الاقتراحات، ففي تلك الأوقات، كانت والدتها تواجه تحديات كبيرة، منها صعوبة الحصول على مكونات البخور والعطور، بسبب قلة الاستيراد وصعوبة السفر للحصول على المواد اللازمة، رغم هذه الصعوبات، واصلت العمل، مما أكسبها احترامًا وتقديرًا كبيرين، بما في ذلك السيدة الجليلة ميزون المعشنية والدة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراهما، وبفضل ثقة السيدة الجليلة، تمكنت والدتها من تقديم أجود أنواع البخور، مما منحها دعمًا وتشجيعًا من الأوساط الرفيعة.

توفيت والدة الدكتورة فاطمة في عام 2022 عن عمر يناهز 83 عامًا، بعد أن تركت خلفها إرثًا كبيرًا من الإتقان والإبداع في صناعة البخور، لكن هذا الإرث لم يتوقف عند هذا الحد، فقد استلهمت الدكتورة من رحلة والدتها واستمرت في تقديم أعمالها وإبداعها في هذا المجال.

وعلى الرغم من أن الدكتورة أكملت دراستها الجامعية وعملت كمعلمة للغة العربية في وزارة التربية والتعليم، ثم تدرجت في الوظائف الإدارية حتى تقاعدت عام 2021، لم تتخل عن حرفة البخور التي تعلمتها من والدتها، وقد حصلت على بكالوريوس تجارة من جامعة عين شمس، ودبلوم تسويق من الجامعة العربية المفتوحة، وماجستير من جامعة ظفار، ودكتوراه من جامعة المنوفية، وكل ذلك في مجال التجارة والإدارة، استعدادًا لتحقيق خطتها التي وضعتها منذ عام 2007.

ومن أهم إنتاجها بخور العود والصندلية والهيل والحوافير، وتحرص أن يكون من صنعها، لأنها تؤمن أن سر النجاح والاستدامة في أي مشروع يكمن في الإتقان، وهو ما كانت والدتها حريصة عليه وحرصت على نقله إليها، فقد حافظت الدكتورة فاطمة على جودة العمل باتباع الطرق التقليدية في صناعة البخور وطرق التعتيق للعطور، مما جعلها توازن بين استشاراتها وحرفتها وتجارها.

قبل وفاة والدتها، قامت الدكتورة فاطمة بتسجيل فيلم وثائقي يتحدث عن مسيرة والدتها في مجال صناعة البخور والعطور منذ عام 1970 إلى 2021، وتأمل الدكتورة فاطمة في عرض هذا الفيلم على قناة عمان الوثائقية؛ ليكون مصدر إلهام لكل رائد أعمال وصاحب مشروع، مؤكدة أن الفيلم يحمل دروسًا قيمة عن استدامة المشاريع التجارية وأهمية العمل الحرفي.

بالإضافة إلى كل هذه النجاحات، أسست مبادرة “عهد المستقبل” لتمكين المرأة العمانية، وهي مبادرة تطوعية توعوية تهدف إلى تعزيز قدرات النساء في إقامة مشاريع ناجحة ومستدامة، تضم المبادرة أكثر من 810 عضوات، وما زالت تسعى بشكل فردي إلى تطويرها وتوسيع نطاقها، وتأمل في الحصول على دعم الجهات المعنية لتقديم دورات تدريبية وورش عمل، وتعليم الصناعة الحرفية للبخور الظفاري في كافة ولايات محافظة ظفار وتدريب رائدات الأعمال على كيفية إقامة مشاريع ناجحة في مختلف المجالات.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: الدکتورة فاطمة البخور والعطور صناعة البخور

إقرأ أيضاً:

السيدة الجليلة.. نور عُمان

 

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

 

ليست الكلمات وحدها التي تُعبِّر عن الامتنان، وليست الأحرف هي التي تصوغ المقام الرفيع، وليس محرك قلمي المواقف التي تُولد في لحظات، وإني وعندما أرى الفخر بالرموز، فإني أقرأه على مسار الحضارات اقتسامًا للفخر والمجد والعزة بين الشعوب المتحضرة ورموزها، وإن التاريخ وحده يشهد، ويُعيد رواية المجد، حين تُشرق شخصية استثنائية في وجدان الوطن، وتُصبح المرأة عنوانًا للنور، وامتدادًا للحكمة، ورفيقةً في مسيرة النهضة.

"السيدة الجليلة" ليست مجرد لقب يُطلق على من حظيت بمكانة إلى جوار القائد؛ بل هي رمزٌ للرصانة، وللثقة، وللأثر المُمتد في تفاصيل الحياة اليومية، وهي الوجه النبيل الذي تمشي خلفه الكلمات بكل إجلال، وتنعكس منه صورة المرأة العُمانية التي كانت منذ فجر التاريخ صانعةً للحضارة، لا مُتفرجة عليها.

عُمان، تلك الأرض التي احترفت الكرامة، وعاشت على نهج العدل، لم تكن يومًا بعيدةً عن تمكين المرأة، بل سبقت زمنها في منحها المكانة التي تستحق. من السيدة موزة بنت أحمد بن سعيد البوسعيدية، إلى السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية حرم جلالة السُّلطان المعظم- حفظها الله ورعاها- في يومنا هذا، سارت المرأة في درب المجد بثباتٍ وبصيرة، دون ضجيجٍ أو مطالبات، فقط بالإيمان الراسخ بأنها قادرة، مؤثرة، ومشعة كالنور.

وما السيدة الجليلة- حفظها الله ورعاه- إلا امتداد لهذا الإرث المجيد؛ فحضورها البهيّ، وسمتها الوقور، لا يحتاج إلى كثير من التعريف؛ فهي التي لامس أثرها قلوب العُمانيين، دون أن تنطق كثيرًا، لأنها تحدثت بلغة الرقي، وعبّرت عن حبها لهذا الوطن بصمتٍ مهيب، وفعلٍ راقٍ، وابتسامةٍ تسكن الذاكرة.

لقد رسمت السيدة الجليلة صورةً حديثة للمرأة العُمانية، تلك التي تحمل في قلبها حب الأرض، وفي ملامحها وفاءً للشعب، وفي سكونها عمقًا يُفهم بلا كلمات؛ هي النور الذي أضاء البيت العُماني الأول، وامتد ليشعل قناديل المحبة والفخر في كل بيت عُماني.

نراها حاضرة في تفاصيل الحياة، في المناسبات، في المبادرات، في دعمها لقضايا المرأة والأسرة والتعليم، في رعايتها للفنون والثقافة، وفي تلك النظرة التي تُشعر كل عُمانية أن لها ظلاً تستظل به، وأن لها قدوة تسير على خطاها، بثقة واعتزاز.

إنَّ الحديث عن السيدة الجليلة، هو حديث عن شخصية مُلهِمة تُمثِّل القيم الأصيلة لعُمان: الحياء في موضعه، والقوة في موضعها، والوفاء في كل موضع؛ هي النعمة التي مَنَّ الله بها على هذه الأرض الطيبة، لتُكمل الصورة البهية لنهضة مُتجددة يقودها بحكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه.

وفي قلوب العُمانيين، ستبقى السيدة الجليلة نور عُمان، سيدةً أولى ليس فقط بالمكانة؛ بل بالفعل، بالحضور، وبما زرعته من محبةٍ وإجلالٍ في نفوس هذا الشعب الوفي، وإني اليوم أُبارك لكل عُمانية؛ ذلك التكريم بأوسمة الشرف من ملك هولندا إلى السيدة الجليلة، ولست أراه إلّا وسامًا لكل عُمانية؛ فبارك الله في أمهات عُمان جميعًا.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • نقل الجولة الثانية من المحادثات الأمريكية الإيرانية إلى روما برعاية عمانية
  • وسائل إعلام إيرانية: الجولة الثانية من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة ستُعقد السبت في روما بوساطة عمانية
  • وزارة الخارجية تعرب عن إشادة المملكة بالإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية في الأردن لإحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بأمنه وإثارة الفوضى
  • هل البخور يطرد الجن والشياطين أم يستحضرهم؟.. انتبه لـ20 حقيقة
  • الدكتورة أريج النائب: أسلوبي هو تحويل المعلومة الطبية إلى قصة لا تُنسى!
  • الدكتورة دينا أبو الفتوح لـ«الفجر»: الجامعة الأمريكية ملتقى للثقافات وطلابنا سفراء لهويتهم
  • السيدة الجليلة.. نور عُمان
  • حلقة دولية تستعرض آلية انضمام 3 محميات طبيعية عمانية للقائمة الخضراء
  • حكم استخدام البخور لمنع الحسد وطرد الطاقة السلبية من المنزل
  • الدكتورة أمل جمال تكتب: سحر الواقع وشخصيات من لحم ودم.. قراءة في حكايات ياسر الغبيرى "ليالي الطين"