نهاريا.. مدينة فلسطينية عريقة استوطنها يهود ألمان
تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT
مدينة ومستوطنة إسرائيلية ساحلية تطل على البحر الأبيض المتوسط شمالا وتتبع قضاء عكا، وتبعد مسافة 10 كيلومترات عن شمالها وشمالها الشرقي، ويعني اسمها بالعبرية "ذات النهر"، تتميز بموقعها الجغرافي لقربها من الحدود اللبنانية ولوقوعها على مفترق طرق.
سميت القرية نهاريا نسبة إلى نهر جعتون (المفشوخ) الذي يمر بها ويصب بالبحر الأبيض المتوسط، ويسكنها قرابة 60 ألفا، معظمهم يهود، واستوطنها يهود ألمان هاجروا إليها هربا من ألمانيا النازية عام 1935.
تقع المدينة شمال شرق عكا التي تبعد عنها مسافة 10 كيلومترات وعن حيفا 30 كيلومترا شمالا، وتمتد على مساحة 10 آلاف كيلومتر مربع، وتتميز بموقعها الجغرافي لقربها من الحدود اللبنانية الفلسطينية، حيث تبعد عن رأس الناقورة الواقعة جنوب لبنان مسافة 8 كيلومترات.
وتتميز المدينة أيضا بوقوعها على مفترق طرق تؤدي إلى عكا وحيفا جنوبا ورأس الناقورة شمالا وصفد شرقا، إضافة إلى مرور خط سكة حديد حيفا-بيروت التي تنتهي عندها بعد أن دمرها اليهود إبان النكبة، وكذلك لوجود مطار قريب منها.
السكانيتراوح عدد سكان مدينة نهاريا بين 54 ألفا و60 ألف نسمة تقريبا عام 2023 حسب موقع جمعية "أو آر" الإسرائيلية، وهي جمعية استيطانية هدفها "تشجيع الاستيطان في مناطق النقب والجليل".
نما عدد سكانها من 1400 نسمة عام 1934 إلى 1722 عام 1948، وواصلت النمو حتى احتضنت 5 آلاف عام 1950، ليرتفع 3 أضعاف ويصل 20 ألفا بحلول عام 1966 وحتى بداية الألفية وصل عدد مواطنيها إلى أكثر من 45 ألفا.
ساحل البحر الأبيض المتوسط في مدينة نهاريا (غيتي) التاريختقول الاكتشافات الأثرية إن أول ظهور للحياة البشرية في المنطقة يعود إلى قرون عدة قبل الميلاد، إذ تم العثور على بقايا معبد كنعاني بالقرب من موقع المدينة، إضافة إلى أدوات تعود للعصر البرونزي وآثار أخرى يعود تاريخها إلى عهد الفينيقيين.
وتدل آثار أخرى لا تزال تعرض في المدينة على أن أرضها احتضنت مسيحيين قبل الفترة الصليبية بناء على تاريخ كنيسة بنيت في القرن السادس الميلادي وتعود إلى العصر البيزنطي.
ونشأت فيما بعد قرية على مصب نهر مفتوح يسمى "جعتون" (وعند العرب المفشوخ) فوق رقعة منبسطة من سهل عكا، استوطنها يهود ألمانيا الذين هاجروا إليها عام 1934 هربا من ألمانيا النازية، لتكون أول قرية ذات مزارع خاصة في الجليل.
وجعلها موقعها الساحلي ميناء لاستقبال يهود أوروبا الذين جلبتهم عصابة البالماخ الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية، وأبرزها عملية النقل التي تمت عبر سفينة هانا سينيش التي نقل فيها أكثر من 200 يهودي من ألمانيا.
عمل البالماخ مع سكان الكيبوتس في المنطقة على استقبال أعداد كبيرة باستمرار من مئات اليهود المهاجرين من حول العالم، وبدؤوا نشرهم في القرية وفي المناطق المجاورة لها.
وحسب الصحف الإسرائيلية، فقد اشترى مؤسسو القرية (المهندس يوسف ليفي والمهندس المعماري زيليج سوسكين والمهندس شمعون رايخ) 2400 دونم من أراضيها من آل تويني اللبنانيين مقابل 34 ألف جنيه فلسطيني، وكان الهدف جعلها منطقة زراعية.
فشلت خطة تحويل نهاريا إلى منطقة زراعية، فقرر مالكوها جعلها منطقة سياحية، فأقاموا فيها الفنادق والمقاهي، وكان أول زائريها من أبناء عائلات الجنود البريطانيين.
وفيما بعد أقيم مصنعان صارا من أكبر مصانع إسرائيل في مجال الغذاء، في وقت تزايد فيه عدد سكانها من المهاجرين اليهود، مما خولها أن تحصل عام 1941 على مكانة "مجلس محلي" من سلطات الانتداب البريطاني.
وبعد قرار تقسيم فلسطين وضعت نهاريا ضمن "المنطقة العربية" الخاصة بالفلسطينيين، إذ كانت محاطة بمدن وقرى فلسطينية عربية، ومع إعلان الخطة في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة بدأ السكان يتوافدون إليها تمهيدا لإعلان إقامة جهاز حكم ذاتي.
ومع حرب النكبة عام 1948 حاولت القوات العربية إحكام السيطرة على نهاريا، لكن القوات اليهودية بقيت ترسل لها المؤن من حيفا عبر البحر حتى خضعت للسيطرة الإسرائيلية تماما في مايو/أيار 1948، ومن يومها بدأ اليهود يتوافدون عليها من كل العالم.
ومع بداية عام 1951 أقيم على شاطئها مصنع "إيتانيت" لمواد البناء من مادة الأسبستوس، وصار أحد أهم مصادر الدخل لسكانها إلى أن اكتُشف أن هذه المادة سامة فأغلق المصنع عام 1997، وبقيت البلدة تحاول محو بقايا هذه المادة التي تسببت بأمراض لسكانها وسكان المدن المجاورة.
عام 1961 أعطت إسرائيل القرية مكانة "المدينة"، وخلال تلك الفترة توافد عليها الكثير من يهود الاتحاد السوفياتي، ومع بداية السبعينيات من القرن الـ20 وتصاعد التوترات في المنطقة صارت منطقة صراع ساخنة ومهددة بالقصف، ومع بداية الألفية بدأ يهود أميركا يتوافدون إليها.
قلب مدينة نهاريا (غيتي) عمليات المقاومةتسلل 3 مقاومين ينتمون إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) يوم 25 يونيو/حزيران 1974 إلى مستوطنة نهاريا من لبنان عن طريق البحر، في عملية استمرت نحو 7 ساعات متواصلة كان الهدف منها تنفيذ عملية فدائية في إحدى دور السينما، ولكن كشف أحد المارة هوياتهم وبدأت عملية تبادل إطلاق النار، الأمر الذي أدى إلى مقتل عشرات الجنود الإسرائيليين واستشهاد منفذي العملية.
وفي 22 أبريل/نيسان 1979 نفذ 4 أفراد ينتمون إلى جبهة التحرير الفلسطينية عملية أطلقوا عليها اسم جمال عبد الناصر.
واستخدم المقاومون زوارق مطاطية للوصول إلى المستوطنة واقتحموا إحدى البنايات وأسروا إسرائيليين، الأمر الذي أدى إلى اشتباكهم مع قوة إسرائيلية قرب الشاطئ واستشهاد اثنين من المقاومين وقتل 4 إسرائيليين.
توترات حدوديةلقرب المدينة من الحدود اللبنانية صارت عرضة لصواريخ حزب الله اللبناني لوقوعها ضمن أهداف عملياته التي أعلنها ضد "أهداف إسرائيلية في الجليل الأعلى والجليل الغربي وتلال كفر شوبا".
وعقب عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 -والتي تلاها عدوان إسرائيلي على القطاع استمر شهورا- أصبح حزب الله وفصائل فلسطينية يقصفون بشكل شبه يومي مواقع في شمال إسرائيل، بينها نهاريا.
وفي أبريل/نيسان 2024 قالت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إن حزب الله أطلق 14 صاروخا من لبنان باتجاه نهاريا ومستوطنات في الجليل الغربي شمالي إسرائيل، اعترض منها الجيش الإسرائيلي صاروخين، في حين سقطت 7 في مناطق مفتوحة، وعلى إثر ذلك دوت صفارات الإنذار في المدينة.
وشن حزب الله سلسلة من الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ في أغسطس/آب 2024 على ثكنات ومواقع إسرائيلية وقعت إحداها شمال مدينة عكا، وأصيب عدد من الجنود الإسرائيليين، وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن 19 شخصا أصيبوا جراء هجوم بمسيّرة على نهاريا.
وطلبت بلدية نهاريا من السكان "التقليل من الأنشطة غير الضرورية والبقاء قرب المناطق المحمية وتجنب التجمعات في المناطق المفتوحة قدر الإمكان".
الاقتصادخطّط أوائل المستوطنين لجعل المستوطنة أول منطقة مزارع خاصة نظرا لقربها من مصب نهر جعتون وتميزها بخصوبة تربتها ولكنهم فشلوا بإقامة المزارع، بسبب فيضان مياه النهر على شوارع المدينة في فصل الشتاء، فتوجه السكان لجعلها موقعا سياحيا.
أما جزؤها الشرقي فقد شغل مساحات زراعية واسعة تتميز بتربتها الخصبة ومياهها الوفيرة، مما جعلها تعتمد في اقتصادها على إنتاج مختلف المحاصيل الزراعية من فواكه وخضراوات، وأيضا يعمل السكان على تربية الدواجن والمواشي.
بعد هجرة اليهود إليها عام 1948 تحولت المستوطنة من مدينة زراعية إلى صناعية ثم سياحية وكثرت فيها الفنادق والمنتجعات.
وأقيم على أراضيها مصنعان غذائيان، الأول "شتراوس" لصناعة منتجات الألبان، والثاني "زوغلوفك"، وهو متخصص في اللحوم المصنعة، وأصبح المصنعان فيما بعد من أكبر المصانع الغذائية الإسرائيلية.
جدران منازل قديمة مبينة من الطوب في نهاريا (شترستوك)
المعالم متحف برج المياهيعد رمزا للمدينة ويبلغ ارتفاعه 27 مترا، أقيم على قمة تل صغير ارتفاعه 10 أمتار، وعقب عام 2003 تعاونت البلدية مع إحدى جمعيات الحفاظ على المواقع التراثية وأعادت فتحه، واعتبرته معرضا فنيا للبلدية.
كنيسة من العصر البيزنطيتقع في حي كاتزينلسون، وهي كنيسة مفتوحة غير مسيجة بنيت في القرن السادس الميلادي، تتميز بأرضيتها المكونة من الفسيفساء التي تظهر بعض الحيوانات والطيور، إضافة إلى مشاهد صيد.
شاطئ البحررغم موقع المدينة على شاطئ البحر المتوسط فإنها لا تمتلك ميناء بحريا لعدم صلاحية شواطئها لهذه الوظيفة كما في مدينة نتانيا جنوب مدينة حيفا.
لكنه يعتبر أحد أهم الأماكن السياحية في المدينة، لما يقدمه من أنشطة ترفيهية، إضافة إلى الجانب الجمالي له.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات إضافة إلى حزب الله
إقرأ أيضاً:
بلدية رفح الفلسطينية تطالب بتوفير 40 ألف خيمة ووحدة إيواء عاجلة لسكان المدينة
طالبت بلدية رفح الفلسطينية بتوفير 40 ألف خيمة ووحدة إيواء عاجلة لسكان المدينة المنكوبة، معلنة أن نقص الآليات يعيق فتح الطرق، كما أن المدينة تواجه أزمة إنسانية خطيرة، وذلك حسبما أفادت قناة القاهرة الإخبارية في نبأ عاجل لها.
وأعلنت الأمم المتحدة في وقت سابق، أن أكثر من 10 آلاف شاحنة مساعدات دخلت إلى قطاع غزة منذ بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار.