نقل الحرب إلى روسيا.. هل يجلب السّلام؟
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
الخشية من طبيعة الرد الروسي هي ما يحمل بايدن على التردد في تلبية طلبات كييف
المواجهات الدائرة في البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا، ومحاولة كييف نقل العمليات العسكرية إلى داخل الأراضي الروسية، وانسحاب موسكو من اتفاق الحبوب، هي ثلاثة تطورات تواكب الهجوم الأوكراني المضاد الذي لم يحقق اختراقاً يعتدّ به على جبهة طولها أكثر من 600 كيلومتر.خرق هذه السخونة اجتماع في مدينة جدة السعودية لممثلي أكثر من 40 دولة (في غياب روسيا)، لوضع رؤية للسلام بين موسكو وكييف. لكن الكرملين، أعلن أنه يراقب عن كثب ما ستسفر عنه النقاشات.
كما أن هناك سعياً حثيثاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعودة إلى اتفاق الحبوب الذي كانت الجهود التركية العامل الحاسم في التوصل إلى نسخته الأصلية في آب (أغسطس) 2022.
تجدر الإشارة إلى أن أردوغان وحده من بين قادة حلف شمال الأطلسي الذي لا يزال على تواصل مع بوتين، رغم الانعطافة التي قام بها الرئيس التركي نحو أميركا وأوروبا في الأسابيع الأخيرة، في محاولة لانتشال الاقتصاد التركي من الركود.
وسط كل هذه التطورات، تواصل الولايات المتحدة إطلاق الكلام التصعيدي حيال روسيا، وتزيد الرهان على أن أوان الدبلوماسية لم يحن بعد. ولا تزال واشنطن تعتقد أن الحوار لن يكون مجدياً من دون تحقيق اختراق رئيسي على الجبهات، من شأنه أن يرغم بوتين على القبول بشروط الغرب للسلام.
هذا يفترض مزيداً من الدعم العسكري والاقتصادي الأميركي لأوكرانيا. والتردد الذي يبديه الرئيس جو بايدن الآن، بإزاء تزويد أوكرانيا بمقاتلات "إف-16" وصواريخ بعيدة المدى، قد يزول إذا ما رأى صانعو القرار في البيت الأبيض أن لا مجال لاختراق الخطوط الدفاعية الروسية، إلا بالدفع بمزيد الأسلحة إلى كييف.
يخلق هذا بالطبع إشكالية كبيرة، كونه يعجل بنقل الحرب إلى الأراضي الروسية، وفق ما ينادي به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ أشهر، ولا يرى سبيلاً لتحقيق النصر على روسيا من دون تحقيق هذا الشرط، بصرف النظر عن طبيعة رد موسكو على توسيع العمليات العسكرية الأوكرانية لتشمل أهدافاً على نطاق واسع في الداخل الروسي. ومعلوم أنه حتى الآن كانت الضربات الأوكرانية بواسطة المسيرات على موسكو ذات طبيعة "رمزية". لكن ماذا سيحدث إذا بدأت تتساقط صواريخ بعيدة المدى على العاصمة الروسية وغيرها من المدن؟ حتى الآن، يشعر معظم الروس أنهم بمنأى عن الانعكاسات المباشرة للحرب. لكن ماذا سيحصل إذا ما غدت يوميات الحرب جزءاً من حياة الروس العاديين؟
لعل الخشية من طبيعة الرد الروسي، هي ما يحمل بايدن على التردد في تلبية طلبات كييف لجهة الصواريخ البعيدة المدى ومقاتلات "إف-16". لا يعني هذا أن ثمة استحالة في تغيير القرار الأميركي إذا كان هو السبيل الوحيد لإحداث تغيير ميداني يرغم بوتين على تجرع كأس الهزيمة.
ليس بالضرورة أن يتطور الموقف إلى هذا الحد الخطير، الذي لا تؤمن معه عاقبة توسع الحرب ودخول أميركا طرفاً مباشراً فيها. وهذا أيضاً كان خطاً أحمر رسمه بايدن. أما التجارب فتدل إلى أن التطورات العسكرية وحدها هي التي تقرر في نهاية المطاف الطريقة التي يمكن أن تتجه إليها الحرب، وانفلات الأمور ليس في حاجة سوى إلى حادث واحد، تدفع مضاعفاته إلى التورط المباشر.
التطورات الجارية حالياً في البحر الأسود والضربات الأوكرانية ضد موسكو والهجمات الروسية على موانئ الحبوب في أوديسا وعلى نهر الدانوب، تنذر بتصعيد أكبر.
والأخطر أن الجهود الدبلوماسية لاحتواء التصعيد لا تزال متواضعة، فيما تبقى أنظار الجميع مركزة على الجبهة في انتظار خرق ما قبل حلول الخريف والشتاء.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي ثريدز وتويتر محاكمة ترامب أحداث السودان مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الحرب الأوكرانية
إقرأ أيضاً:
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
بقلم: إبراهيم سليمان
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
عند الحديث عن خسارة أمرٍ ما، لابد من توضيح الحساب بكافة المعطيات، ورصد الناتج والمحصلة النهائية التي لا تقبل الجدل، ورغم ذلك هنالك تقديرات، يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة، ولا يحمد السوق إلا من ربح. وقديما قيل، "الجمرة بتحّرق واطيها" وقيل أيضا "من يده في الماء ليس كمن يده في النار"
يبدو أن حكومة بورتسودان، بقيادة الجنرال البرهان، تشمر، للتعري من ثيابها، وتستعد للخروج عن طورها، من خلال اتخاذها عدة إجراءات تعسفية، تنم عن اليأس وعدم المسؤولية الوطنية، منذ اندلاع الحرب الحالية، قطعت خدمات الاتصالات عن أقاليم غرب السودان، وحرمت مواطنين على الهوية من الأوراق الثبوتية، حظرت عليهم خدمات السجل المدني، وأخيراً عمدت الإتلاف الإجمالي للعملة والوطنية في حوالي أكثر من ثلثي أقاليم البلاد، من خلال تغيرها في مناطق سيطرة الجيش على ضآلتها، حرمان الآخرين منها، وأخراً الإصرار على إجراء امتحانات الشهادة السودانية لحوالي مائتي ألف طالب طالبة، وحرمان حوالي أربعمائة آخرين في بقية أرجاء البلاد!
بهذه الخطوات المتهورة، وغير المسؤولة، لم تترك حكومة بورتسودان، للمستهدفين من أبناء الشعب السوداني، الذين يمثلون الغالبية العظمي، سوى المضي قدماً ودون التردد أو الالتفات إلى الوراء، في المناطق التي تقع خارج سيطرة الجيش، والمحررة من عنف وظلم دولةـــ 56 لتضلع بمهام توفير الخدمات الضرورية لحياتهم اليومية والملحة لأن يعيشوا بكرامة وعدالة. وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للذين يستحقونها، بدلاً من المتاجرة فيها من قبل تجار الحرب في بورتسودان.
لماذا يدفع أبناء الولايات، التي يستهدفها الطيران الحرب لحكومة بورتسوان، وتحرمها من حقوقها الإنسانية والدستورية، تكاليف بقاء السودان موحداً؟ طالما أن هذه الحكومة غير الشرعية تدفع بعنف وإصرار لتمزيق وحدة البلاد!، وما هي قيمة الوحدة الوطنية، التي تزهق أرواح عشرات الملايين من مكونات بعينها؟ وطالما أن هنالك خمس ولايات فقط، بإدارة مواطنيها أو بغيرها، غير مباليين، بهموم وآهات بقية الإقليم، فلينفصلوا هم إن أرادوا ويتركوا الآخرين وشأنهم.
وليس هناك ما هو أغلى من أرواح الأبرياء، والحفاظ عليها، وحقن دماء أبناء الشعب السوداني مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها والوحدة الوطنية القسرية. لذا نرى أن تشكيل حكومة مدنية في المناطق المحررة والتي هي الآن خارج سيطرة الجيش، وهي المناطق التي لا تعني شيئا لحكومة بورتسودان الانقلابية، ضرورة حياتية، ويعتبر التقاعس عنه، أو التردد فيه حماقة، وخذلان في حق عشرات الملايين المستهدفين، من قبل الحكومة العنصرية في بورتسودان، وجيشها القاتل.
المنوط بالحكومة المدنية المرتقبة، توفير خدمات التربية والتعليم، وخدمات السجل المدني والأوراق الثبوتية، وفتح معابر تجارية لتصدير المنتجات واسترداد كافة الضروريات المنقذة للحياة، وطباعة عملة وطنية مبرأة للذمة، استباقاً للكارثة الاقتصادية التي تلح في الأفق، ونزع الشرعية من حكومة بورتسودان التي تصر على استمرار الحرب، وترفض كافة النداءات الوطنية الدولية للجلوس للتفاوض بشأن وقف الحرب وإحلال السلام في البلاد، وتقول أنها مسعدة لمواصلة الحرب مائة عام!
وطالما أن هنالك صراع بين قوتين عسكريتين، فليكن هنالك تنازع بين حكوميتين، لتتعادل الكفتتين، وربما يسرع ذلك إيجاد حلول للحكومتين، لكن لا ينبغي أن تتوقف حياة أغلبية الشعب السوداني، من أجل خاطر الحفاظ على وحدة البلاد، التي لم يحرص عليها دعاة الحرب.
ولا نظن أن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة في الخرطوم، ستضر بوحدة البلاد، أكثر حرب كسر العظام الدائرة حالياً، وتأجيج نيران خطاب الكراهية الممنهجة، من دعاة دويلة النهر والبحر، الذين يعادون كافة مكونات البلاد، يرفضون المساواة بين مكوناتها!
ليس هناك ما يمكن خسارته، من تشكيل حكومة موازية مرتقبة بالخرطوم، حتى إن لم يعترف بها أحد، يكفي أن المأمول منها، فك ارتهان مصير غالبة مكونات الشعب السوداني، لمزاج ورعونة حكومة بورتسودان غير المسؤولة. ومما لا شك فيها أن الأوضاع الإنسانية في ليبيا واليمن، وحتى جمهورية أرض الصومال، أفضل ألف مرة منها في معظم أرجاء البلاد. تمزيق وحدة السودان المسؤول عنه حكومة بورتسودان بإجراءاتها التعسفية وقائد الجيش، الذي أعلن على رؤوس الأشهاد، استهداف حواضن قوات الدعم السريع، ويظل يمطرهم بالبراميل المتفجرية بشكل يومي.
وفي الحقيقة، فإن حكومة بورتسودان المعزولة دولياً، قد مزّقت وحدة البلاد فعلياً، بالتصعيد المنتظم من قبلها بشأن اتخاذ إجراءات مست جوهر قومية الدولة السودانية، وأن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة ما هو إلا تحصيل حاصل.
والغريق لا يخشى البلل.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 181//