في عالم يتغيّر… لماذا لا تتغيّر أفريقيا؟
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
ليس في أفريقيا ما يدعو إلى التفاؤل بالمستقبل وقد دخلت معظم دول القارة نفقاً مظلماً
ليس الانقلاب الذي وقع في النيجر وأطاح بالرئيس الشرعي محمد بازوم سوى تتويج للفشل الفرنسي في أفريقيا، وهو فشل على كلّ المستويات. في أساس الفشل عدم استيعاب الرئيس إيمانويل ماكرون أنّ بلده لم يعد تلك القوة التي تمتلك القدرة على تنفيذ سياساتها، خصوصا في أفريقيا.
في مرحلة ما بعد الانقلاب النيجيري، تواجه فرنسا، التي فقدت قبل ذلك مالي وبوركينا فاسو، تحديات كبيرة تتعلّق أوّلا بموقعها الأفريقي المميّز والدفاع عنه مباشرة أو بالواسطة. هل سينفع التدخل العسكري في النيجر ومن سيكون المستفيد الأوّل منه؟ يطرح السؤال نفسه على الرغم من استيعاب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، في مقدّمتها نيجيريا، خطورة الوضع في البلد الفقير الذي يمتلك ثروات كبيرة، بينها اليورانيوم من جهة، وانعكاسات انقلاب النيجر على القارة السمراء كلها من جهة أخرى.
ماذا إذا فشل التدخل العسكري في النيجر وما هي انعكاساته على الصعيد الأفريقي وعلى التوازنات القائمة في القارة حيث التنافس الحقيقي بين الولايات المتحدة من جهة وكلّ من الصين وروسيا، التي صارت تابعة للصين، من جهة أخرى؟ تبدو كلّ المخاوف مشروعة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن منطقة الساحل الممتدة من موريتانيا إلى البحر الأحمر تعجّ بالحركات المتطرفة التي تدفع في اتجاه نشر الإرهاب الذي يهدّد كلّ دولة من دول المنطقة، بما في ذلك نيجيريا.
يصبّ في مصلحة الموقف الفرنسي كون رأس الحربة في أيّ تدخل عسكري يستهدف إعادة بازوم إلى موقع رئيس الجمهوريّة سيكون أفريقيا وليس فرنسيا. لا شكّ أنّ احتمال حصول مثل هذا التدخل وارد. لذلك، قرّر المجلس العسكري الانقلابي في النيجر إغلاق المجال الجوي للبلد.
لن يكون قرار التدخل العسكري الأفريقي في النيجر سهلا، خصوصاً أن موقف دول مجموعة إيكواس ليس متماسكاً. ما على المحكّ كبير جدا في قارة تشهد غير منطقة فيها تجاذبات أخذت طابعاً دموياً. في نيجيريا نفسها، توجد انقسامات. فقد حضّ سياسيون كبار في نيجيريا الرئيس بولا تينوبو على إعادة النظر في التهديد بالتدخل عسكرياً. دعا مجلس الشيوخ النيجيري رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية بصفته رئيساً للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى "تشجيع القادة الآخرين في المجموعة والعمل على تعزيز الخيارات السياسية والدبلوماسية".
وفق دستور البلاد، لا يمكن للجيش في نيجيريا المشاركة في عمليات خارج الحدود من دون مصادقة مجلس الشيوخ، باستثناء حالات "التهديد الداهم أو الخطر" على الأمن القومي. كان الرئيس النيجيري حضّ هذا الأسبوع على إيجاد “حلّ شامل وودّي للوضع في النيجر”. لم يحدّد كيف يمكن التوصل إلى حلّ “شامل وودي” في ظلّ إصرار الانقلابيين على التخلص من الرئيس المنتخب الذي يبدو أنّه يعاني من مشاكل كثيرة، بينها أن سلفه محمد يوسفو يريد تصفية حساباته معه، فضلا عن أنّه ينتمي إلى الأقليّة العربية في البلد.
كان لافتا أيضا موقف النظام الجزائري الذي يكشف رغبة في ممارسة ضغوط على فرنسا مستغلا الحدث النيجري. حذّرت الجزائر من أيّ تدخل عسكري في جارتها الجنوبية الشرقية التي تتشارك معها حدودا بطول ألف كيلومتر. قال الرئيس عبدالمجيد تبون في مقابلة تلفزيونية أجريت معه قبل أيّام “نرفض رفضا تاما وقطعيا التدخل العسكري في النيجر. ما يحدث في النيجر تهديد مباشر للجزائر”.
هل عودة الشرعيّة في النيجر تهديد للجزائر، فيما استيلاء العسكريين على السلطة ورفع أعلام روسيا في نيامي وإحراق العلم الفرنسي مساهمة في الاستقرار في هذا البلد وفي المنطقة؟
قد يكون تبون على حقّ عندما يقول إن “التدخل العسكري لا يحل أيّ مشكلة بل يجعل الأمور أكثر تعقيدا… الجزائر لن تستعمل القوة مع جيرانها”. نسي تبون أن بلاده تشنّ حرب استنزاف على الجار المغربي عبر أداة اسمها “بوليساريو” منذ العام 1975 وأن مثل هذا النوع من الحروب بالواسطة جزء من سياسة تعتمدها المجموعة العسكريّة، الحاكمة فعلا في الجزائر، والتي ليس عبدالمجيد تبون سوى واجهة لها.
يكفي ما يحدث في السودان حيث حرب داخلية من دون أفق سياسي مستمرّة منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي للتأكّد من أن القارة الأفريقية دخلت مرحلة جديدة. من النيجر إلى السودان، ليس ما يشير إلى وجود حلّ ممكن. لا يلوح في الوقت الحاضر أيّ أمل في السودان. يبدو البلد مقبلاً على المزيد من التفتت في المستقبل المنظور في ضوء عناد الجنرالين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) المصرّين على استمرار الصراع بينهما.
إلى أين سيأخذ عناد جنرالات النيجر ذلك البلد؟
كلّ ما يمكن قوله أن ليس في أفريقيا ما يدعو إلى التفاؤل بالمستقبل، هذا إذا وضعنا جانبا استثناءات قليلة. دخلت معظم دول القارة نفقاً مظلماً في وقت تظهر فيه فرنسا في كلّ يوم يمر مزيداً من الضعف. فرنسا في مأزق. يزداد هذا المأزق تعقيداً. لا يدلّ على ذلك أكثر من سؤال في غاية البساطة: هل التدخل العسكري في النيجر ممكن وما النتائج التي ستترتب عليه؟
مثل هذا التدخل ممكن وغير ممكن. إذا حصل تدخل ليس معروفا كيف سيكون الرد عليه داخل النيجر وفي المنطقة المحيطة بها. هناك دعم من مالي وبوركينا فاسو، حيث العسكر في السلطة، للانقلاب العسكري على محمد بازوم… وهناك دول مثل الجزائر تسعى إلى الانتهاء من أيّ وجود فرنسي في أفريقيا مستغلة الانقلاب العسكري في النيجر. هناك أخيرا الصين وروسيا ومجموعة فاغنر التي لا يهما سوى دعم أنظمة مارقة ونهب دول أفريقية وتخفيف الضغط على روسيا في أوكرانيا في عالم يتغيّر بسرعة كبيرة. العالم يتغيّر لماذا لا تتغيّر أفريقيا أيضاً؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي ثريدز وتويتر محاكمة ترامب أحداث السودان مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة انقلاب النيجر التدخل العسکری فی النیجر فی أفریقیا من جهة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يغلق حاجز جبع العسكري شمال القدس
القدس المحتلة - صفا أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، يوم الأحد، حاجز جبع العسكري شمالي القدس المحتلة. وأفادت مصادر محلية بأن قوات الاحتلال أغلقت البوابة الحديدية التي وضعتها على الحاجز، ومنعت المركبات من الدخول عبرها، ما تسبب بأزمة مرورية خانقة في الرام، ومخيم قلنديا، وكفر عقب. ومنذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تتعمد قوات الاحتلال إغلاق حاجز جبع صباحًا. وتعمل القوات على تسهيل مرور المستوطنين عبر شارع (60) الاستيطاني إلى مدينة القدس، بينما تعيق تنقل المواطنين. وفي سياق منفصل، اقتحمت قوات الاحتلال حي البستان ببلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، دون أن يبلغ عن اعتقالات، أو مواجهات.