عربي21:
2024-06-30@02:29:19 GMT

رسالة مفتوحة إلى حمدين صباحي

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

صديقي حمدين. لن يفاجئك كثيراً توجيهي هذه الرسالة المفتوحة لك، وإن كان من غير المألوف أن يتوجه أحد برسالة مفتوحة إلى صديق. لكنك سوف تدرك بلا شك، حتى قبل قراءة رسالتي، أنها تتعلق بالزيارة التي قمتَ بها قبل أيام لمقرّ الرئاسة في دمشق، حيث التقيت بالحاكم العربي الذي فاق حجم المجازر التي أشرف عليها، وبكثير، كل ما اقترفه زملاؤه الراهنون والسابقون في منطقة لا نُدرة فيها من السفّاحين، ماضياً وحاضراً، والحمد للنفط.



أظنّك أدركتَ موضوع هذه الرسالة حتى قبل قراءتها لأننا تناقشنا شفهياً أكثر من مرة في موضوع النظام السوري والموقف منه خلال لقاءاتنا. ولا أتذكرك مرة واحدة مدافعاً عن ذلك النظام، بل كنتَ في كل حين سائلاً ومستمعاً بلا إبداء أدنى ميل إلى الدفاع عنه. لذا لن تتعجب لو صارحتُك بأنني أسفتُ جداً من خبر زيارتك، ولو لم أتعجب كثيراً لعلمي أنك شديد التأثر بالضغوطات سياسية. والحال أنك انتُخبتَ في العام الماضي أميناً عاماً لما يسمى «المؤتمر القومي العربي» الذي يضم الكثيرين من الذين يعاملون النظام السوري وكأن دمشق ما زالت «قلب العروبة النابض» وأن المجرمَ بشّار الأسد حاميٌ للأمة في وجه إسرائيل، وذلك بالتغافل عن كون المذكور لم يقم بأي عمل ضد الاحتلال الصهيوني للجولان السوري، قد آثر فسح المجال أمام استباحة إيران وروسيا لوطنه على إجراء الانتخابات الحرّة التي طالبت بها المعارضة والانتفاضة الشعبية.

لا بل تجاهلتَ بزيارتك لدمشق زملاءك القوميين العرب الذين قبعوا أو لا يزالون قابعين في السجون السورية، كما تعاميتَ عن أن الحكم الاستبدادي الدموي القائم في سوريا إنما هو أبعد بكثير عن الحرية والديمقراطية اللتين تطالب أنت بهما النظام الذي تعارضه في مصر. ويكفي أن تسأل نفسك بصدق سؤالاً واحداً: هل تُفضّل حقاً نظام آل الأسد على نظام السيسي وتتمنى أن يحكم مصر رديفٌ للأول؟ طبعاً لا، ولا يجوز لأحد ادّعاء العكس سوى نفاقاً، إلا إذا كان من المستفيدين من النظام السوري أو من نظام الملالي الإيراني، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبما أنك لستَ من أحد هذين الصنفين، اللهمّ إلا لو أصابك الانحطاط وقبلتَ بتلقي التمويل من إحدى الجهتين المذكورتين (معاذ الله) فسوف يتبيّن لك مدى تعارض الزيارة التي قمتَ بها مع المبادئ التي تنادي بها، وقد تسببت لك بتعليقات صحافية بعناوين مثل «القومي العربي المستبد» و«قومية عربية مغموسة بالدم».
وكي لا أجحف بحقك، يا حمدين، فإن ما ارتكبتَه إنما يندرج في تقليد طويل من مغازلة قوى عربية محسوبة على اليسار للأنظمة الاستبدادية، التي تبرّر سحقها العنيف لأبسط الحريات السياسية بحجة وقوفها موقفاً «قومياً» مناهضاً لإسرائيل. وقد ذهبت منظمات المقاومة الفلسطينية نفسها إلى أبعد حد في هذا السلوك، بما فيها يسارها الذي لم يتورّع عن نسج العلاقات مع أنظمة مجرمة كالنظامين البعثيين المتخاصمين في بغداد ودمشق، اللذين تلطخت أياديهما بدماء اليساريين العراقيين والسوريين، فضلاً عن سائر المعارضين.

وقد تبعت «الحركة الوطنية اللبنانية» التقليد ذاته، هي التي ضمّت في صفوفها أتباعاً للنظامين البعثيين السوري والعراقي إلى جانب قوى ادّعت انتهاج فكر كارل ماركس، ألدّ أعداء الاستبداد في عصره، وذلك في حالة قصوى من التعارض بين المبادئ والأفعال. والحقيقة أن التعارض هذا لم يكن سوى إحدى ثمار التعارض الأكبر الذي كان قائماً بين الحكم البيروقراطي البوليسي الذي ساد في الاتحاد السوفييتي، ومبادئ ماركس التي انتحلها.

وما دام هذا التقليد المشؤوم سارياً، ستبقى القوى المحسوبة على اليسار في منطقتنا فاقدة للمصداقية في دفاعها عن الديمقراطية. فلا سبيل إلى بناء بديل تقدمي اجتماعياً، وطني سيادياً وديمقراطي سياسياً يستقطب الجماهير، لاسيما الشابة منها، سوى بإثبات الوفاء الكامل للمنطلقات الثلاث. وهذا ما خبرتَه أنت بالذات، يا حمدين، في تجربة كانت وتبقى الأكثر سطوعاً في الاقتراب من تجسيد البديل الموصوف. كان ذلك في خوضك للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية في عام 2012، عندما بلغ نجمك الذروة وقد بدوتَ حاملاً للتراث الذي جسّده جمال عبد الناصر في الحقلين الاجتماعي والوطني، لكن مع انتصارك للديمقراطية والحريات السياسية وتنصّلك من دكتاتورية النظام الناصري، مُعزياً إياها إلى المرحلة التاريخية التي نشأت فيها.

في ذلك الحين، بدوتَ، يا حمدين، وكأنك تجسّد «الربيع العربي» خير تجسيد، والحال أنك نصبتَ نفسك ناطقاً باسم جماهير الانتفاضات التي عمّت المنطقة العربية، مندداً بكافة الأنظمة التي واجهَتها، بما فيها بالطبع النظام السوري ذاته الذي صافحتَ رئيسه قبل أيام. وفي مايو/أيار 2012، فاجأت مصر والعالم ببلوغك المرتبة الثالثة بعد محمد مرسي وأحمد شفيق، بفارق محدود في الأصوات بينما لم تكن لديك سوى إمكانات تنظيمية ومالية هزيلة للغاية مقارنة بمكنتي «الفلول» والإخوان. فقد صوّت لك ما يناهز خمسة ملايين، أي خُمس الناخبين والناخبات، لا بل حصلتَ على النسبة الأكبر من الأصوات في كل من القاهرة (٪28) والإسكندرية (٪32) وبور سعيد (٪40) وكفر الشيخ (٪62).

وقد أضعتَ هذا الكنز من التعاطف الجماهيري بوقوفك خلف الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، فاقداً بذلك القسط الأكبر من المصداقية التي كنتَ قد حزتَ عليها في العام السابق. بل ساهمتَ، يا للأسف، في زرع الأوهام حول السيسي وإضفاء الشرعية على انقلابه. أما جرأتك اللاحقة بالوقوف ضده، فجاءت بعد فوات الأوان وبعد أن فقدتَ معظم رصيدك الشعبي. وأخشى، يا حمدين، أن زيارتك لدمشق لن يكون مفعولها سوى تكريس تلك الصورة من الارتداد على ما جسّدتَه في العام الأول من «الربيع العربي».

(عن صحيفة القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المجازر بشار الأسد حمدين صباحي المجازر مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام السوری

إقرأ أيضاً:

مواصلة مناقشة تحديات التحول الديمقراطي (3/4)

صديق الزيلعي

نواصل إعادة نشر المقالات كتبتها من 21 والي 24 يونيو 2020، وقد تفضل قوقل بتذكيري بها. النضال لانهاء الحرب، لا ينفصل عن الحوار حول مستقبل ثورتنا ومستقبل قضية التحول الديمقراطي وإقامة دولة مدنية مستقرة.
تحديد اهداف المرحلة الانتقالية مهمة ضرورية حتى تكون الرؤية واضحة امام الجميع. اهدافنا الأساسية هي بناء نظام ديمقراطي تعددي، تفكيك دولة التمكين، حل المشاكل الاقتصادية وتحسين معاش الناس، سياسة خارجية متوازنة. وهي نفس الأهداف التي تواثقنا عليها في ميثاق تحالف قوى الحرية والتغيير. ومن الضروري عدم فرض اجندة إضافية تمثل البرنامج الخاص لقوى سياسية منفردة. والالتزام بالبرنامج يستدعي التمسك بوحدة قوى الحرية والتغيير حتى نهاية المرحلة الانتقالية. وان نرفض بقوة كل دعاوي تأسيس تحالف أو اصطفاف جديد. ومن طبيعة التحالفات ان تختلف الرؤي ولكن الحوار الموضوعي هو منهج الوصول لاتفاق، والا نقفز عند أي اختلاف للمطالبة باصطفاف جديد.

شاركت النساء بقوة وحماس وبسالة في الثورة. تعرضن للضرب بالسياط واستنشاق مسيل الدموع، واعتقلن ولم يتراجعن. وكن قوة أساسية في الاعتصام، وساهمن بفعالية في كل انشطته. وعندما قامت قوى الشر والظلام بفض الاعتصام نلن نصيبهن من الضرب بالرصاص والسياط والاغتصاب، وقدمن شهيدات من اجل الوطن. والآن وقد حققنا انتصارنا الأولى، يجب علينا ان نحقق دين النساء السودانيات عاينا. ان أي تحول ديمقراطي لا يستجيب لحقوق النساء هو تحول ناقص وغير ديمقراطي. للنساء الحق في المشاركة في كافة أجهزة الدولة، وفي المساهمة الفاعلة في تحديد مستقبل بلدهن. كما يجب علينا تغيير كافة القوانين التي تسلبهن حقوقهن او تذلهن. فقوانين الأحوال الشخصية، والنظام العام، والخدمة المدنية والتمويل الأصغر وغيرها تحتاج لتطوير حتى تحترم حقوق النساء.

الجيل الذي راهنت علية دولة الاسلامويين، وحاولت بمختلف الأساليب تشكيله وقولبته، هو الجيل، ويا للفخر، الذي هزمها. لقد نجح في تحقيق ما فشلت في تحقيقه أجيال سابقة. ونحن لا ننظر للمسألة كصراع بين الأجيال، ولكننا نعطى هذا الجيل حقه المشروع. وهذا الحق لا يتأتى الا بمواجهة الصعاب التي واجهته في دراسته وحياته وعمله. علينا مواجهة قضية عطالة معظم هذا الجيل، وان نفكر بجدية في توفير فرص العمل له. علينا، بعد ان تعرفنا على قدراته، ان نمنحه فرصة عادلة في قيادة البلاد، وفي تبوأ كل المناصب التي يستحقها بعلمه وتأهيله. ويقع على الدولة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني واجب أساسي في فتح المجال امام هذا الجيل ليقود، وان يساهم بفكره في تطوير هذه المؤسسات.

عانت بلادنا، خلال المراحل الديمقراطية الثلاث، من ظواهر التناحر والاختلاف والصراع. فالصراعات والمكايدات الحزبية استهلكت طاقات الأحزاب والدولة والشعب، ومهدت الطريق للانقلابات العسكرية. وعلينا التصدي لها هذه المرة حتى لا تصبح أحد معاول هدم ديمقراطيتنا. ونعلم تماما ان الصراعات القبلية والعنصرية والجهوية كانت من عوامل الهدم واشعال الكراهية. تواجه كافة منظماتنا تحدي تخطي تلك السلبيات، وان تجعل من تعدديتنا وتنوعنا واختلافنا عوامل قوة وازدهار. وأعتقد ان على احزابنا واجب ان تخلق روح جديدة في التعامل مع الآخر، روح جوهرها الحوار العقلاني والطرح الموضوعي والعمل الجماعي لتحقيق الأهداف العليا. وان نعمل جميعا، داخل وخارج الأحزاب، لخلق وعي جماهيري ورأي عام قوي يراقب ويرفض كل التجاوزات، مهما كان مصدرها. وان تعلم الأحزاب، كل الأحزاب، ان وعي الجماهير يراقبها ويلاحقها وسيحاسبها عندما يحين موعد الانتخابات العامة. وان شعبنا سيتعلم، بالممارسة وتطور الوعي، ان يصوت للبرامج وليس للولاءات التقليدية والعصبيات المدمرة.

كثر الحديث عن ضرورة وجود مشروع وطني سوداني، يجمع عليه الناس، ويحدد مستقبل مسار الوطن. ونعتقد ان من تحديات المرحلة الانتقالية ان تستجيب لهذا التحدي الذي فشلنا في انجازه خلال الستين عاما الماضية. وان تستند حكومة المرحلة الانتقالية للسند الجماهيري الضخم الذي يدعمها لطرح المشروع القومي. ان تفتتح الحوار الشامل والعقلاني والموضوعي حول ما نقصده بالمشروع الوطني، وما هي سمات ذلك المشروع وكيف نحقق التوحد حوله. وان نحسم قضايا محورية حول شكل ومضمون الدولة السودانية، وان نحدد مكامن الخطر والانقسام والتفرق التي عطلت وحدة شعبنا. وان نخلق من تعدديتنا مظهر للقوة والتقدم. والعمل بجد لتدعيم روح الانتماء للسودان ومحاربة العنصرية والقبلية والجهوية والاستعلاء الاجتماعي، وان نعلن بلا تهيب ان هويتنا الأساسية هي السوداناوية، التي صهرت داخلها هوياتنا المختلفة افريقية وعربية وإسلامية ومسيحية. وان يسبق كل ذلك الجهد قيام المؤتمر الدستوري، ثم يتوج، وقبل نهاية المرحلة الانتقالية، بقيام المؤتمر الدستوري، كمؤتمر جامع لكل السودانيين.

الانشغال بكتابة دستور وتشكيل مجلس وزراء مدني واجراء انتخابات عامة، تشكل ضرورات لإنجاز التحول الديمقراطي، وهو ما نسميه بالمنهج الفوقي. ولكن المنهج الفوقي، وحده، لن ينجز التحول الديمقراطي. استخدام المنهج الفوقي، لوحده، يشكل أحد تحديات قضية التحول الديمقراطي في بلادنا فقضية التحول الديمقراطي تحتاج لمنهج شامل يغير كافة أطر وبنيات المجتمع القاعدية. منهج يكتب الدستور الدائم، ثم يغير كل قوانين الحكم المركزي والمحلي والانتخابات والنقابات والمجتمع المدني والاعلام والتعليم والصحة والثقافة والرياضة وكل ما يمس حياة شعبنا. منهج يقوم بحرث عميق للأرض التي تخشبت بفعل الدكتاتوريات المتعاقبة، ليزيل عنها كل الشوائب المتراكمة، ويجعلها صالحة لزراعة الجديد الديمقراطي والإنساني.

يتطلب وضع أساس متين للتحول الديمقراطي أن ينبني جهاز الدولة، من اعلى قممه وحتى أصغر وحداته على نظام مؤسسي صارم. مؤسسي بمعنى ان تتحدد فيه الهياكل الإدارية ومناهج العمل والمسئوليات الفردية وأساليب التقييم بدقة. وذلك النظام ينطبق أولا على الحكومة " السلطة التنفيذية " وهي التي تقود كل مؤسسات البلد. ومن المهم ان تكون عملية الوصول للسياسات ومن ثم اصدار القرارات ان تتم بشكل منهجي به تسلسل منطقي، وان يكوم مبنيا على البحث والدراسة والتمحيص الدقيق. تقوم به هيئات استشارية تقدم بدائل محددة للرئيس أو للوزير. ويكفينا الدمار الذي احدثه تسلط حكم الفرد خلال عهد نميري، ومرة أحري خلال عهد البشير. حيث يقرر الرئيس لوحده، حول أخطر القضايا الوطنية، وغالبا في لحظة انفعال. يتم ذلك رغم وجود المستشارين الذين لا يملكون شجاعة ابداء رأي مخالف. ولكن في ظل الديمقراطية يحق للمستشار الذي يحس بخطورة قرار معين على مصالح البلاد ان يلجأ للاستقالة المعلنة احتجاجا، أو يلتجئ للسلطة الرابعة " الصحافة" للتحذير من المخاطر. وضع مثل النظام المحكم يساعد في اخراج بلادنا من ازماتها المزمنة، ويجعل المنهج العلمي يعلو ولا يُعلي عليه.

استهدف النظام البائد النقابات منذ يومه الأول، فحلها وصادر ممتلكاتها واعتقل قادتها وعذبهم وقتلهم. كل ذلك الحقد الأسود والعداء المر للحركة النقابية لأنه يعلم تماما طبيعتها الديمقراطية وارثها الوطني. ونري، بلا تعطيل، ضرورة اصدار القوانين النقابية الجديدة التي تستبدل قوانين النظام البائد، وتفتح المجال لإعادة تكوينها بديمقراطية تامة نابعة من القواعد. فمنظمات العاملين النقابية هي الحارس الأمين على الثورة وعينها الساهرة في مواقع العمل، وقوتها الضاربة في لحظة المواجهات والأزمات.

كانت قضية الانتخابات وقانونها بؤرة للاختلاف والصراع في كل الأنظمة الديمقراطية التي مرت على بلادنا. فتقسيم الدوائر الانتخابية يستدعى اجراء إحصاء سكاني جديد وملتزم بالمعايير المعروفة. كما ان نصوص قانونه كانت وسوف تكون مصدرا للخلاف. لذلك الانتباه المبكر لإجراء الاستفتاء والتوافق على القانون خطوة مهمة لتحقيق التحول الديمقراطي والمضي بخطي ثابتة نحو ديمقراطية مستدامة.
يشكل الاعلام كعب أخيل المرحلة الانتقالية. فقد عمل نظام الاسلامويين، منذ أيامه الأولى، على احكام قبضته على الاعلام، بشكل مطلق. وضيق الحصار على الصحافة والصحفيين، بقيود وقوانين مشددة. وأضاف لتلك الممنوعات والمحاذير ما اسماه بالرقابة القبلية. وكان يلجأ لحرق النسخ المطبوعة من الجريدة المقصودة امعانا في الأذى والخسائر. ومما زاد وضاعف من ضغوط النظام الدور الذي لعبه رؤساء التحرير، وغالبيتهم العظمي من كوادر النظام، في الرقابة الداخلية. وعندما اشتدت الحملة الداخلية الضغوط العالمية على تكميم الصحافة، لجأ النظام لاستخدام أساليبه الماكرة، وقام بتمليك أو تسهيل امتلاك صحف تحت ادعاء انها صحف مستقلة. وطبقت نفس السياسة على التلفزيون. وهذا هو الوضع الإعلامي الذي ورثته الثورة، ويشكل أحد تحديات التحول الديمقراطي. وقد عاشنا الحملة التي قامت وتقوم بها تلك الجرائد وأولئك الصحفيين ضد خيار شعبنا وضد حكومته الانتقالية. ورغم سيطرة الصحافة المناوئة للثورة، ورغم الصوت العالي للصحفيين الذين تربوا في العهد البائد الا اننا نتمسك بحرية الصحافة. وندعو لمراجعة كل القوانين التي تشكل قيودا على العمل الصحفي مثل القيد الصحفي وتسجيل الصحفيين وشروط اصدار الصحف. لان حرية الصحافة من أسس النظام الديمقراطي، واحدي أدوات رقابته على الجهاز التنفيذي. كما ندعو الدولة للتشريع لحق الصحفيين في الحصول على المعلومة، وانهاء ممارسات النظام المباد في التستر واخفاء المعلومات، واذلال الصحفيين الذين يسعون وراء الحقيقة، ويمارسون عملهم كسلطة رابعة. وعلينا مواجهة اعلام الاسلامويين بإعلام الثورة وليس بمصادرة الحريات الصحفية. وأري ان الجهد يجب الا يكون جهد الحكومة لوحدها، بل جماعي لكل قوى الثورة. ومن الثابت ان المعرفة قوة، وقوة مؤثرة. وانعدام المعرفة الحقيقية الصادقة يشكل خطرا على مستقبل التحول الديمقراطي، وسببا لاضطرابات وقلاقل سببها الجهل بالحقيقة.

توقعت جماهير شعبنا التحسن المباشر لحياتها فور تحقيق الاستقلال، ولم يحدث. وتكرر نفس التطلع بعد ثورة أكتوبر 1964، وبعد انتفاضة مارس، ولم يحدث1985. والآن نواجه نفس الإحساس الجماهيري الطاغي بتغير حياتها فور سقوط نظام الاسلامويين. ولم يحدث ذلك مباشرة بعد سقوط رأس النظام وحتى الآن. الأمر الذي بدأ يحدث احباطا وسط بعض القطاعات الشعبية. وبالخبث الذي نعرفه عن الاسلامويين صاروا يخلقوا الازمات التموينية والمعيشية والاقتصادية، بما لهم من سيطرة على قطاعات أساسية من اقتصاد بلادنا، ثم يأتون ببراءة الذئب ويتحدثون عن معاناة الجماهير. قضية الآمال العظام للجماهير ثم تعرضها للإحباط بسرعة، قضية من الأهمية بمكان. والسعي الجاد لحلها بتمليك الحقائق وحل المشاكل المعيشية ضروري لاستقرار الثورة والإعداد لإنجاز التحول الديمقراطي.

وحدة قوى الثورة، التي تتكون من قوى الحرية والتغيير، والقوى الأخرى التي شاركت في الثورة من خارج قوى الحرية والتغيير أكبر ضمان لحماية التحول الديمقراطي. تواجه، قوى الثورة التي اسقطت رأس النظام السابق، مصاعب كثيرة وكبيرة في الفترة القادمة. لان القوى التي فقدت السلطة والثروة لان تستكين حتى تسترجع سلطتها وتحكم قبضتها مرة أخرى. ومعرفتنا بان اهداف قوى الثورة، في حدها الأدنى، واحدة ومعروفة وموثقة، يستدعى منا التمسك بوحدتها. الوحدة لا تلغي الفوارق بين التنظيمات، ولكنها تملك مناهج لتنظيم الاختلاف والوصول للهدف المشترك. أن الدعوات لقسم قوى الثورة تحت أي مسميات هي دعوات مصرة بمستقبل الثورة. هدفنا واضح هو إقامة نظام ديمقراطي تعددي برلماني.

يعاني المجتمع المدني السوداني من الضعف، وندرة الإمكانيات المادية والبشرية. ونتج ذلك عن ثلاثين عاما من القمع والتسلط والمحاربة. فقد كان حكم الاسلامويين يعرف أهمية منظمات المجتمع المدني لذلك عمل بقوة على السيطرة عليها أو تحطيمها. وأصبح مكتب العون الإنساني ومكتب المنظمات الثقافية بوزارة الثقافة بؤر امنية، تمارس دورا منظما في منع ومصادرة ممتلكات المنظمات. وكانت تلك المكاتب تصر على شطب بعض أعضاء لجان المنظمات قبل تسجيلها. والمعروف عالميا دور منظمات المجتمع المدني في إنعاش الفضاء بين المجتمع والدولة. وانه ضروري لحيوية وانتعاش الممارسة الديمقراطية. وضعف مجتمعنا المدني سيضعف من تحولنا الديمقراطي، ولكن الممارسة الصبورة ستعيده لمكانه الطبيعي عامل من عوامل الارتقاء والسداد لتجربتنا الديمقراطية الوليدة.

siddigelzailaee@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • أردوغان يؤكد استعداد بلاده للتطبيع مع النظام السوري.. "يمكننا اللقاء مع الأسد"
  • أردوغان يؤكد استعداد بلاده للتطبيع مع النظام السوري.. يمكننا اللقاء مع الأسد
  • إردوغان يغازل الأسد.. انفتاح على إعادة العلاقات التركية السورية
  • مواصلة مناقشة تحديات التحول الديمقراطي «3-4»
  • رسالة مفتوحة الى مرتضى الغالى، رشا عوض وفائز سلك ومن لف لفهم
  • النظام السوري يحث المواطنين على فتح حسابات بنكية.. هل يُمهد لرفع الدعم؟
  • النظام السوري يحث المواطنين علي فتح حسابات بنكية.. هل يُمهد لرفع الدعم؟
  •  جيش النظام السوري يعتزم تسريح عشرات الآلاف من الخدمة الاحتياطية
  • مواصلة مناقشة تحديات التحول الديمقراطي (3/4)
  • قرار تاريخي.. محكمة فرنسية تصادق على مذكرة اعتقال بحق بشار الأسد