صديقي حمدين. لن يفاجئك كثيراً توجيهي هذه الرسالة المفتوحة لك، وإن كان من غير المألوف أن يتوجه أحد برسالة مفتوحة إلى صديق. لكنك سوف تدرك بلا شك، حتى قبل قراءة رسالتي، أنها تتعلق بالزيارة التي قمتَ بها قبل أيام لمقرّ الرئاسة في دمشق، حيث التقيت بالحاكم العربي الذي فاق حجم المجازر التي أشرف عليها، وبكثير، كل ما اقترفه زملاؤه الراهنون والسابقون في منطقة لا نُدرة فيها من السفّاحين، ماضياً وحاضراً، والحمد للنفط.
أظنّك أدركتَ موضوع هذه الرسالة حتى قبل قراءتها لأننا تناقشنا شفهياً أكثر من مرة في موضوع النظام السوري والموقف منه خلال لقاءاتنا. ولا أتذكرك مرة واحدة مدافعاً عن ذلك النظام، بل كنتَ في كل حين سائلاً ومستمعاً بلا إبداء أدنى ميل إلى الدفاع عنه. لذا لن تتعجب لو صارحتُك بأنني أسفتُ جداً من خبر زيارتك، ولو لم أتعجب كثيراً لعلمي أنك شديد التأثر بالضغوطات سياسية. والحال أنك انتُخبتَ في العام الماضي أميناً عاماً لما يسمى «المؤتمر القومي العربي» الذي يضم الكثيرين من الذين يعاملون النظام السوري وكأن دمشق ما زالت «قلب العروبة النابض» وأن المجرمَ بشّار الأسد حاميٌ للأمة في وجه إسرائيل، وذلك بالتغافل عن كون المذكور لم يقم بأي عمل ضد الاحتلال الصهيوني للجولان السوري، قد آثر فسح المجال أمام استباحة إيران وروسيا لوطنه على إجراء الانتخابات الحرّة التي طالبت بها المعارضة والانتفاضة الشعبية.
لا بل تجاهلتَ بزيارتك لدمشق زملاءك القوميين العرب الذين قبعوا أو لا يزالون قابعين في السجون السورية، كما تعاميتَ عن أن الحكم الاستبدادي الدموي القائم في سوريا إنما هو أبعد بكثير عن الحرية والديمقراطية اللتين تطالب أنت بهما النظام الذي تعارضه في مصر. ويكفي أن تسأل نفسك بصدق سؤالاً واحداً: هل تُفضّل حقاً نظام آل الأسد على نظام السيسي وتتمنى أن يحكم مصر رديفٌ للأول؟ طبعاً لا، ولا يجوز لأحد ادّعاء العكس سوى نفاقاً، إلا إذا كان من المستفيدين من النظام السوري أو من نظام الملالي الإيراني، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبما أنك لستَ من أحد هذين الصنفين، اللهمّ إلا لو أصابك الانحطاط وقبلتَ بتلقي التمويل من إحدى الجهتين المذكورتين (معاذ الله) فسوف يتبيّن لك مدى تعارض الزيارة التي قمتَ بها مع المبادئ التي تنادي بها، وقد تسببت لك بتعليقات صحافية بعناوين مثل «القومي العربي المستبد» و«قومية عربية مغموسة بالدم».
وكي لا أجحف بحقك، يا حمدين، فإن ما ارتكبتَه إنما يندرج في تقليد طويل من مغازلة قوى عربية محسوبة على اليسار للأنظمة الاستبدادية، التي تبرّر سحقها العنيف لأبسط الحريات السياسية بحجة وقوفها موقفاً «قومياً» مناهضاً لإسرائيل. وقد ذهبت منظمات المقاومة الفلسطينية نفسها إلى أبعد حد في هذا السلوك، بما فيها يسارها الذي لم يتورّع عن نسج العلاقات مع أنظمة مجرمة كالنظامين البعثيين المتخاصمين في بغداد ودمشق، اللذين تلطخت أياديهما بدماء اليساريين العراقيين والسوريين، فضلاً عن سائر المعارضين.
وقد تبعت «الحركة الوطنية اللبنانية» التقليد ذاته، هي التي ضمّت في صفوفها أتباعاً للنظامين البعثيين السوري والعراقي إلى جانب قوى ادّعت انتهاج فكر كارل ماركس، ألدّ أعداء الاستبداد في عصره، وذلك في حالة قصوى من التعارض بين المبادئ والأفعال. والحقيقة أن التعارض هذا لم يكن سوى إحدى ثمار التعارض الأكبر الذي كان قائماً بين الحكم البيروقراطي البوليسي الذي ساد في الاتحاد السوفييتي، ومبادئ ماركس التي انتحلها.
وما دام هذا التقليد المشؤوم سارياً، ستبقى القوى المحسوبة على اليسار في منطقتنا فاقدة للمصداقية في دفاعها عن الديمقراطية. فلا سبيل إلى بناء بديل تقدمي اجتماعياً، وطني سيادياً وديمقراطي سياسياً يستقطب الجماهير، لاسيما الشابة منها، سوى بإثبات الوفاء الكامل للمنطلقات الثلاث. وهذا ما خبرتَه أنت بالذات، يا حمدين، في تجربة كانت وتبقى الأكثر سطوعاً في الاقتراب من تجسيد البديل الموصوف. كان ذلك في خوضك للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية في عام 2012، عندما بلغ نجمك الذروة وقد بدوتَ حاملاً للتراث الذي جسّده جمال عبد الناصر في الحقلين الاجتماعي والوطني، لكن مع انتصارك للديمقراطية والحريات السياسية وتنصّلك من دكتاتورية النظام الناصري، مُعزياً إياها إلى المرحلة التاريخية التي نشأت فيها.
في ذلك الحين، بدوتَ، يا حمدين، وكأنك تجسّد «الربيع العربي» خير تجسيد، والحال أنك نصبتَ نفسك ناطقاً باسم جماهير الانتفاضات التي عمّت المنطقة العربية، مندداً بكافة الأنظمة التي واجهَتها، بما فيها بالطبع النظام السوري ذاته الذي صافحتَ رئيسه قبل أيام. وفي مايو/أيار 2012، فاجأت مصر والعالم ببلوغك المرتبة الثالثة بعد محمد مرسي وأحمد شفيق، بفارق محدود في الأصوات بينما لم تكن لديك سوى إمكانات تنظيمية ومالية هزيلة للغاية مقارنة بمكنتي «الفلول» والإخوان. فقد صوّت لك ما يناهز خمسة ملايين، أي خُمس الناخبين والناخبات، لا بل حصلتَ على النسبة الأكبر من الأصوات في كل من القاهرة (٪28) والإسكندرية (٪32) وبور سعيد (٪40) وكفر الشيخ (٪62).
وقد أضعتَ هذا الكنز من التعاطف الجماهيري بوقوفك خلف الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، فاقداً بذلك القسط الأكبر من المصداقية التي كنتَ قد حزتَ عليها في العام السابق. بل ساهمتَ، يا للأسف، في زرع الأوهام حول السيسي وإضفاء الشرعية على انقلابه. أما جرأتك اللاحقة بالوقوف ضده، فجاءت بعد فوات الأوان وبعد أن فقدتَ معظم رصيدك الشعبي. وأخشى، يا حمدين، أن زيارتك لدمشق لن يكون مفعولها سوى تكريس تلك الصورة من الارتداد على ما جسّدتَه في العام الأول من «الربيع العربي».
(عن صحيفة القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المجازر بشار الأسد حمدين صباحي المجازر مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام السوری
إقرأ أيضاً:
أولهم بشار الأسد.. الشعب السوري يتطلع لمحاسبة مجرمي الحرب
بفارغ الصبر، ينتظر الشعب السوري محاسبة أسماء عديدة من نظام البعث، الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وفي مقدمتهم الرئيس المخلوع بشار الأسد.
الجرائم التي ارتكبها مسؤولو النظام السابق ضد الإنسانية اعتبارا من 2011، عبر العديد من الطرق منها، استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين والتعذيب الممنهج والتهجير القسري، حظيت بتغطية دولية واسعة في تقارير الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات.
مع ذلك، أفلت هؤلاء المجرمون حتى اليوم من المساءلة عن جرائمهم التي ارتكبوها بفضل "سلطة النقض" (فيتو) التي استخدمتها روسيا والصين في مجلس الأمن.
لكن مع الإطاحة بنظام البعث الذي دام 61 عاما في سوريا، ظهرت المزيد من الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان، والتي ستلعب دورا كبيرا في محاكمة المتورطين في الجرائم.
واستنادا لمصادر مفتوحة، جمع مراسل الأناضول أشهر الأسماء التي خدمت سابقا في وحدات أمنية رفيعة المستوى تابعة لنظام الأسد، والذين كان لهم دور كبير في جرائم الحرب بحق السوريين.
- بشار الأسد.. مهندس الوحشية في سوريا
يأتي بشار الأسد، الذي فر إلى روسيا، في صدارة الأسماء التي يتطلع السوريون لمحاسبتها، لكونه قائد تلك الفترة التي شهدت استخدام العنف اعتبارا من المظاهرات السلمية، ولموافقته على استخدام الأسلحة الكيماوية.
كما كان للأسد دور في توجيه قوات الجيش والأمن الخاضعة لقيادته لأساليب التعذيب الوحشية بحق السوريين المعارضين له.
الأسد وصف في 2011، المتظاهرين والمطالبين بسوريا أكثر حرية وديمقراطية بالـ "إرهابيين" وقام بتعبئة قوات الأمن لقمع تلك التحركات الشعبية.
وخلال الحرب على الثورة السورية المشروعة، تسبب الأسد في مقتل مئات الآلاف من السوريين وتعذيبهم وتشريد الملايين داخل وخارج البلاد.
وبناء على معلومات الشبكة السورية لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية مستقلة) التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين، نفذ النظام 217 هجوما بالأسلحة الكيماوية ضد المناطق المدنية في السنوات الـ12 الماضية.
وكان الهجوم الأول في حي البياضة بمحافظة حمص (وسط) في ديسمبر/ كانون الأول 2012، حيث قتل في الهجوم الكيماوي ألف و514 شخصا بينهم 214 طفلا وأصيب 11 ألف آخرين.
تلاه في أغسطس/ آب 2013، الهجوم الكيماوي على منطقة الغوطة الشرقية بالعاصمة دمشق، التي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف 400 مدني.
ويُعتبر بشار الأسد بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة السورية في عهد النظام البائد، مهندس المأساة الإنسانية التي حلت بالمدنيين من خلال الضربات الجوية التي استخدمت فيها البراميل المتفجرة ضد المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وبحسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن طيران النظام السوري استخدم البراميل المتفجرة 81 ألفا و916 مرة على المناطق المدنية منذ يوليو/ تموز 2012، ما أسفر عن مقتل نحو 11 ألفا و87 مدنيا بينهم 1821 طفل.
- ماهر الأسد.. قائد عمليات الحصار والإعدام
ماهر الأسد شقيق بشار الأسد وأحد جنرالات جيش النظام السوري المخلوع، يبرز كواحد من الشخصيات الرئيسية في قائمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
ماهر أحد كبار مسؤولي الآلية العسكرية والاستخباراتية للنظام السوري، متهم بتنفيذ تفجيرات عشوائية وعمليات عسكرية باستخدام الأسلحة الثقيلة في التجمعات السكنية.
وبحسب تقرير مؤلف من آلاف الصفحات لمجموعة من المنظمات غير الحكومية الأوروبية بشأن الهجمات بالسلاح الكيماوي في منطقتي الغوطة الشرقية وخان شيخون بإدلب (شمال)، جاء اسم ماهر الأسد بأنه هو الذي أعطى الأمر بارتكاب هذه الجرائم.
ولعبت الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، دورا رئيسيا في الحصار والقصف والهجمات في أنحاء سوريا خلال 14 عاما، حيث حاصرت مناطق مثل الغوطة الشرقية مما تسبب في وفاة آلاف المدنيين بسبب الجوع ونقص الرعاية الطبية.
ومن المعروف أيضا، أن ماهر الأسد هو رئيس شبكة إنتاج وتهريب المخدرات "الكبتاغون" التي كانت تشحن إلى دول المنطقة والعالم بشكل كبير.
وأدت التطورات في سوريا عام 2011 وانهيار النظام السياسي والاقتصادي في لبنان إلى انتشار تجارة الكبتاغون في المنطقة.
وقدر "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" المتابع لتجارة الكبتاغون في العالم العربي أن نظام الأسد حصل بين عامي 2020 و2022، على متوسط 2.4 مليار دولار سنويا من سوق الكبتاغون العالمية تبلغ قيمتها حوالي 5.7 مليارات دولار.
- علي مملوك.. اسم بارز في سياسات القمع
علي مملوك يُعتبر اليد اليمنى لبشار الأسد ورئيس مجلس الأمن القومي للنظام المخلوع، ومن الأسماء البارزة المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وممارسات التعذيب في البلاد.
وتشير التقارير إلى أن المؤسسات الاستخباراتية والأمنية التي كان يقودها مملوك مسؤولة عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين.
الوحدات الأمنية التابعة لمملوك، مارست القمع والتعذيب الممنهجين ضد المتظاهرين والصحفيين والناشطين وعمال الإغاثة وعرضت المعتقلين للعنف الجسدي والجنسي والنفسي.
مملوك وُضع على قائمة العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، وصدرت بحقه مذكرة اعتقال في فرنسا عام 2018 بتهمة انتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب الوحشي حتى الموت.
- جميل حسن.. متهم بتعذيب المعتقلين بالسجون
يُتهم جميل حسن الرئيس السابق للمخابرات الجوية في النظام المخلوع، بتنظيم انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وجرائم حرب في عهد النظام.
نفذ حسن في فترة ولايته التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والاعتقالات الجماعية أثناء قمع المظاهرات.
واتهم حسن بارتكاب جرائم حرب في لائحة الاتهام التي قدمتها وزارة العدل الأمريكية بداية ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وذكرت اللائحة أن حسن "أحرق السجناء بالأسيد (حمض) بعد تعليقهم في السقف من معصمهم، وجعل السجناء يستمعون إلى صراخ من تعرضوا للتعذيب، وأجبر السجناء على البقاء في نفس الزنزانة مع جثث القتلى.
-عاطف نجيب.. قمع الاحتجاجات في درعا
شارك عاطف نجيب ابن خالة بشار الأسد والرئيس السابق لمديرية الأمن السياسي للنظام المخلوع في درعا (جنوب)، في قمع المظاهرات السلمية عام 2011.
الاحتجاجات في درعا بدأت كرد فعل على اعتقال وتعذيب الأمن لأطفال كتبوا شعارات مناهضة للنظام على جدران إحدى المدارس في المدينة.
وجرى قمع التظاهرات السلمية بعنف شديد وبتعليمات من عاطف نجيب، الذي مارس العقاب الجماعي بحق أهالي درعا ومنع وصول المياه والغذاء والمساعدات الطبية إلى المنطقة.
- قوائم تحتوي على آلاف أسماء الأشخاص
أنشأت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قاعدة بيانات شاملة تتضمن تفاصيل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد والمسؤولون عنها طيلة 14 عاما.
وتضمنت القوائم أسماء 16 ألفا و200 شخص ثبت مسؤوليتهم عن الجرائم أو المرتبطين بها، شملت أشخاصا من القوات العسكرية والأمنية ومن ميليشيات النظام والمعروفة محليا بـ"الشبيحة" ومجموعات موالية أخرى.
ومن أبرز الأسماء، فهد جاسم الفريج وزير الدفاع السوري السابق، والعماد علي أيوب، واللواء زهير الأسد واللواء سليم حربا رئيس اللجنة العسكرية في حلب واللواء حسام لوقا رئيس إدارة المخابرات العامة وغيرهم.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد أيام من السيطرة على مدن أخرى، لينتهي بذلك 61 عاما من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وفي اليوم التالي، أعلن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع تكليف محمد البشير، رئيس الحكومة التي كانت تدير إدلب منذ سنوات، بتشكيل حكومة جديدة لإدارة مرحلة انتقالية.