عربي21:
2025-03-20@00:25:43 GMT

رسالة مفتوحة إلى حمدين صباحي

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

صديقي حمدين. لن يفاجئك كثيراً توجيهي هذه الرسالة المفتوحة لك، وإن كان من غير المألوف أن يتوجه أحد برسالة مفتوحة إلى صديق. لكنك سوف تدرك بلا شك، حتى قبل قراءة رسالتي، أنها تتعلق بالزيارة التي قمتَ بها قبل أيام لمقرّ الرئاسة في دمشق، حيث التقيت بالحاكم العربي الذي فاق حجم المجازر التي أشرف عليها، وبكثير، كل ما اقترفه زملاؤه الراهنون والسابقون في منطقة لا نُدرة فيها من السفّاحين، ماضياً وحاضراً، والحمد للنفط.



أظنّك أدركتَ موضوع هذه الرسالة حتى قبل قراءتها لأننا تناقشنا شفهياً أكثر من مرة في موضوع النظام السوري والموقف منه خلال لقاءاتنا. ولا أتذكرك مرة واحدة مدافعاً عن ذلك النظام، بل كنتَ في كل حين سائلاً ومستمعاً بلا إبداء أدنى ميل إلى الدفاع عنه. لذا لن تتعجب لو صارحتُك بأنني أسفتُ جداً من خبر زيارتك، ولو لم أتعجب كثيراً لعلمي أنك شديد التأثر بالضغوطات سياسية. والحال أنك انتُخبتَ في العام الماضي أميناً عاماً لما يسمى «المؤتمر القومي العربي» الذي يضم الكثيرين من الذين يعاملون النظام السوري وكأن دمشق ما زالت «قلب العروبة النابض» وأن المجرمَ بشّار الأسد حاميٌ للأمة في وجه إسرائيل، وذلك بالتغافل عن كون المذكور لم يقم بأي عمل ضد الاحتلال الصهيوني للجولان السوري، قد آثر فسح المجال أمام استباحة إيران وروسيا لوطنه على إجراء الانتخابات الحرّة التي طالبت بها المعارضة والانتفاضة الشعبية.

لا بل تجاهلتَ بزيارتك لدمشق زملاءك القوميين العرب الذين قبعوا أو لا يزالون قابعين في السجون السورية، كما تعاميتَ عن أن الحكم الاستبدادي الدموي القائم في سوريا إنما هو أبعد بكثير عن الحرية والديمقراطية اللتين تطالب أنت بهما النظام الذي تعارضه في مصر. ويكفي أن تسأل نفسك بصدق سؤالاً واحداً: هل تُفضّل حقاً نظام آل الأسد على نظام السيسي وتتمنى أن يحكم مصر رديفٌ للأول؟ طبعاً لا، ولا يجوز لأحد ادّعاء العكس سوى نفاقاً، إلا إذا كان من المستفيدين من النظام السوري أو من نظام الملالي الإيراني، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبما أنك لستَ من أحد هذين الصنفين، اللهمّ إلا لو أصابك الانحطاط وقبلتَ بتلقي التمويل من إحدى الجهتين المذكورتين (معاذ الله) فسوف يتبيّن لك مدى تعارض الزيارة التي قمتَ بها مع المبادئ التي تنادي بها، وقد تسببت لك بتعليقات صحافية بعناوين مثل «القومي العربي المستبد» و«قومية عربية مغموسة بالدم».
وكي لا أجحف بحقك، يا حمدين، فإن ما ارتكبتَه إنما يندرج في تقليد طويل من مغازلة قوى عربية محسوبة على اليسار للأنظمة الاستبدادية، التي تبرّر سحقها العنيف لأبسط الحريات السياسية بحجة وقوفها موقفاً «قومياً» مناهضاً لإسرائيل. وقد ذهبت منظمات المقاومة الفلسطينية نفسها إلى أبعد حد في هذا السلوك، بما فيها يسارها الذي لم يتورّع عن نسج العلاقات مع أنظمة مجرمة كالنظامين البعثيين المتخاصمين في بغداد ودمشق، اللذين تلطخت أياديهما بدماء اليساريين العراقيين والسوريين، فضلاً عن سائر المعارضين.

وقد تبعت «الحركة الوطنية اللبنانية» التقليد ذاته، هي التي ضمّت في صفوفها أتباعاً للنظامين البعثيين السوري والعراقي إلى جانب قوى ادّعت انتهاج فكر كارل ماركس، ألدّ أعداء الاستبداد في عصره، وذلك في حالة قصوى من التعارض بين المبادئ والأفعال. والحقيقة أن التعارض هذا لم يكن سوى إحدى ثمار التعارض الأكبر الذي كان قائماً بين الحكم البيروقراطي البوليسي الذي ساد في الاتحاد السوفييتي، ومبادئ ماركس التي انتحلها.

وما دام هذا التقليد المشؤوم سارياً، ستبقى القوى المحسوبة على اليسار في منطقتنا فاقدة للمصداقية في دفاعها عن الديمقراطية. فلا سبيل إلى بناء بديل تقدمي اجتماعياً، وطني سيادياً وديمقراطي سياسياً يستقطب الجماهير، لاسيما الشابة منها، سوى بإثبات الوفاء الكامل للمنطلقات الثلاث. وهذا ما خبرتَه أنت بالذات، يا حمدين، في تجربة كانت وتبقى الأكثر سطوعاً في الاقتراب من تجسيد البديل الموصوف. كان ذلك في خوضك للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية في عام 2012، عندما بلغ نجمك الذروة وقد بدوتَ حاملاً للتراث الذي جسّده جمال عبد الناصر في الحقلين الاجتماعي والوطني، لكن مع انتصارك للديمقراطية والحريات السياسية وتنصّلك من دكتاتورية النظام الناصري، مُعزياً إياها إلى المرحلة التاريخية التي نشأت فيها.

في ذلك الحين، بدوتَ، يا حمدين، وكأنك تجسّد «الربيع العربي» خير تجسيد، والحال أنك نصبتَ نفسك ناطقاً باسم جماهير الانتفاضات التي عمّت المنطقة العربية، مندداً بكافة الأنظمة التي واجهَتها، بما فيها بالطبع النظام السوري ذاته الذي صافحتَ رئيسه قبل أيام. وفي مايو/أيار 2012، فاجأت مصر والعالم ببلوغك المرتبة الثالثة بعد محمد مرسي وأحمد شفيق، بفارق محدود في الأصوات بينما لم تكن لديك سوى إمكانات تنظيمية ومالية هزيلة للغاية مقارنة بمكنتي «الفلول» والإخوان. فقد صوّت لك ما يناهز خمسة ملايين، أي خُمس الناخبين والناخبات، لا بل حصلتَ على النسبة الأكبر من الأصوات في كل من القاهرة (٪28) والإسكندرية (٪32) وبور سعيد (٪40) وكفر الشيخ (٪62).

وقد أضعتَ هذا الكنز من التعاطف الجماهيري بوقوفك خلف الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، فاقداً بذلك القسط الأكبر من المصداقية التي كنتَ قد حزتَ عليها في العام السابق. بل ساهمتَ، يا للأسف، في زرع الأوهام حول السيسي وإضفاء الشرعية على انقلابه. أما جرأتك اللاحقة بالوقوف ضده، فجاءت بعد فوات الأوان وبعد أن فقدتَ معظم رصيدك الشعبي. وأخشى، يا حمدين، أن زيارتك لدمشق لن يكون مفعولها سوى تكريس تلك الصورة من الارتداد على ما جسّدتَه في العام الأول من «الربيع العربي».

(عن صحيفة القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المجازر بشار الأسد حمدين صباحي المجازر مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام السوری

إقرأ أيضاً:

خطاب الفوضى- كيف تحوّل الصراع السياسي في السودان إلى حرب لغوية مفتوحة؟

شهد السودان بعد انقلاب الجيش في أكتوبر 2021 انحدارًا غير مسبوق في مستوى الخطاب السياسي، حيث لم تقتصر التفاهة والانحدار اللغوي على الإسلاميين فحسب، بل شملت أيضًا القوى المدنية بمختلف تياراتها، إضافة إلى المؤسسة العسكرية التي حاولت تبرير استحواذها على السلطة عبر خطاب يقوم على التخويف والتبرير السياسي المراوغ. يعكس هذا التدهور أزمة أعمق في الفكر السياسي السوداني، حيث أصبح الخطاب أداةً للتعبئة العاطفية والتخوين بدلًا من أن يكون وسيلةً للحوار العقلاني وبناء التوافق الوطني.
الخطاب السياسي كأداة للهيمنة والإقصاء
لم يعد الخطاب السياسي في السودان وسيلةً لنقل الأفكار أو النقاش الموضوعي، بل تحول إلى سلاح لإقصاء الخصوم وإحكام السيطرة السياسية. الإسلاميون، الذين وجدوا أنفسهم خارج السلطة بعد ثورة ديسمبر 2019، استخدموا خطابًا دينيًا متشددًا، متهمين القوى المدنية بالعمالة للخارج والسعي لتدمير هوية البلاد الإسلامية. في المقابل، لم يكن خطاب القوى المدنية أكثر نضجًا؛ إذ لجأت إلى التخوين المتبادل وانقسمت بين مناصري الانقلاب ومعارضيه، مما أضعف موقفها وسهّل على العسكر الاحتفاظ بالسلطة.
الكتلة الديمقراطية التناقض بين الخطاب والممارسة
برزت الكتلة الديمقراطية، التي ضمت قوى سياسية وحركات مسلحة مثل حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان، كلاعب رئيسي في المشهد السياسي بعد الانقلاب. هذه الكتلة سعت في البداية إلى تبرير الانقلاب واتهام قوى الثورة بالفشل في الحكم، لكنها عادت لاحقًا لتبني خطابًا مدنيًا يطالب بعودة الديمقراطية، رغم دعمها السابق للحكم العسكري. هذه الازدواجية أضعفت موقفها السياسي وكشفت عن غياب رؤية واضحة، حيث بدت مواقفها محكومة بالمصالح المرحلية أكثر من المبادئ الديمقراطية.
خطاب العسكر التخويف والتبرير السياسي
من جهته، لجأ الجيش إلى خطاب يركز على حماية الأمن القومي والاستقرار، محاولًا تصوير الانقلاب كخطوة ضرورية لإنقاذ البلاد من الفوضى. استخدم القادة العسكريون لغة التخويف من "الفراغ السياسي" و"الانزلاق نحو الفوضى" لتبرير بقائهم في السلطة. كما عمل الإعلام الرسمي على الترويج لرواية مفادها أن الجيش هو الضامن الوحيد لوحدة السودان، متجاهلًا حقيقة أن الانقلاب هو الذي أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية.
مقارنة بين خطاب الإسلاميين، القوى المدنية، والعسكر
الفاعل السياسي
أبرز سمات الخطاب
الإسلاميون خطاب ديني متشدد، تخوين الخصوم، تصوير المدنيين كعملاء للغرب

القوى المدنية (الكتلة الديمقراطية) تناقض في المواقف، خطاب مزدوج بين دعم الانقلاب والمطالبة بالديمقراطية

المؤسسة العسكرية خطاب التخويف، تبرير الانقلاب، احتكار الوطنية

تأثير الخطاب السياسي على المشهد العام
ساهم هذا الخطاب المشوه في عدة نتائج خطيرة-
إضعاف فرص التحول الديمقراطي - لا يمكن بناء دولة مدنية في ظل خطاب يقوم على التخوين والإقصاء.
تعميق الانقسامات داخل القوى المدنية- التشرذم أضعف موقف القوى المناهضة للانقلاب وأطال أمد الأزمة.
إفقاد الجماهير الثقة في النخب السياسية- عندما يصبح الخطاب السياسي مجرد شعارات خاوية، يفقد المواطنون إيمانهم بالعملية السياسية برمتها.
كيف يمكن تصحيح المسار؟
لإصلاح الخطاب السياسي، لا بد من -وقف حملات التشويه المتبادل: الحوار بين القوى المختلفة ضرورة لإنهاء حالة الاستقطاب.
إعادة تعريف الأولويات - التركيز على القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد والأمن بدلاً من الصراعات الأيديولوجية.
ضبط الإعلام السياسي- يجب أن يكون الإعلام منصة توعوية بدلاً من أداة للتحريض والتضليل.
إن تفاهة الخطاب السياسي في السودان اليوم ليست مجرد أزمة لغوية، بل انعكاس لأزمة سياسية وفكرية أعمق. وكلما استمر هذا الانحدار، زادت صعوبة الوصول إلى حل سياسي حقيقي يعيد الاستقرار إلى البلاد.
المطلوب اليوم هو خطاب سياسي مسؤول، يعكس التحديات الحقيقية التي تواجه السودان، بدلاً من الاكتفاء بإعادة إنتاج نفس المفردات التخوينية والمواقف المتناقضة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • بهدف تقييم واقع مضخة المياه .. فريق من الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر العربي السوري يزور محطة العرشاني بريف إدلب الغربي.
  • الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر العربي السوري يطلعان على واقع مضخة المياه في محطة العرشاني بريف إدلب
  • استمرار أعمال الترميم لعدد من مدارس ريف دمشق التي دمرها النظام البائد
  • طائرات الاحتلال تستهدف مواقع لجيش النظام السوري السابق في حمص
  • عبد الباقي لـ سانا: شملت الإجراءات إلغاء عقود مُبرمة بشكل غير قانوني وثبت تورطها في فساد مالي، إلى جانب تخفيض أسعار مواد من متعهدين استغلوا العقوبات الاقتصادية التي جلبها النظام البائد لسوريا، وتسبب بفرض أسعار مُبالغ فيها على الجهات الحكومية
  • خطاب الفوضى- كيف تحوّل الصراع السياسي في السودان إلى حرب لغوية مفتوحة؟
  • وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في كلمة خلال مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين حول سوريا: الشعب السوري احتفل بالخلاص من نظام الأسد لكن المعاناة ما تزال مستمرة بسبب هذا النظام
  • رئيس «الشاباك» يرفض إقالته.. «أولمرت» يوجّه رسالة لـ«نتنياهو» تخصّ الرئيس السوري
  • أولمرت يوجه رسالة لنتنياهو بشأن الرئيس السوري أحمد الشرع
  • مقامرة ترامب التي ستضع الدولار في خطر