الجزيرة:
2024-09-10@02:31:00 GMT

أخطر رجل على إسرائيل

تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT

أخطر رجل على إسرائيل

ما إن انجلى غبار الجريمة النّكراء في شمالي طهران، عن استشهاد القائد الوطني – الحمساوي الكبير، إسماعيل هنية "أبو العبد"، حتى اشتعلت العواصم ذات الصلة، في الإقليم والعالم، بالتكهنات والتنبّؤات حول مَن سيخلفه في قيادة الحركة التي تقود اليوم بكفاءة واقتدار، السياسة والميدان الفلسطينيين.

امتدت حبال الترجيحات لتطال معظم إن لم نقل جميع، من نعرف ومن لا نعرف، من أعضاء المكتب السياسي للحركة.

حماس فاجأت الجميع، وأظهرت باختيارها قائدها في غزة، يحيى السنوار "أبو إبراهيم"، زعيمًا لها، أنها ما زالت قادرة على المفاجأة والإدهاش.

المفاجأة هنا، لا تتعلق بشخص السنوار وقدراته القيادية ودرجة استحقاقه أرفعَ موقع في الحركة، فسؤال الجدارة حُسم في "سيف القدس" و"السابع من أكتوبر/تشرين الأول" و"طوفان الأقصى"، وما سبقها ولحق بها من محطّات فارقة في غزة وفلسطين. فلا رجلَ ارتبطت باسمه شخصيًا جميع هذه المحطات مثل السنوار، ولا أحدَ يجادل، عدوًا كان أم صديقًا، بأن الرجلَ يتوفر على مستويات رفيعة من الذكاء والصلابة والدراية بدهاليز المحتل، ولا شخصًا مثله، نجح في الجمع بين أعلى درجات الصلابة والمرونة والواقعية معًا.

إنما المفاجأة كانت في اختيار رجل تحيط به ظروف وأحمال تنوء بها الجبال لشغل هذا الموقع، بالذات بعد دخول حرب الإبادة على غزة، شهرها الحادي عشر. إذ في وقت توجهت فيه أنظار المراقبين نحو شخصيات قادرة على الحركة والاتصال وممارسة القيادة، فوق الأرض، وفي فضاءاتها الرحبة، وليس في أنفاق غزة وبين ركامها وأنقاضها. لم أسمع شخصيًا من أحد، حتى المدّعين معرفة حماس من الداخل، ترجيحًا باختيار "الشهيد الحي" خلفًا للشهيد الراحل.

هو قرار محمّل بالمعاني والدلالات، إن على صعيد البنية الحركية – التنظيمية للحركة الأكثر شعبية ونفوذًا في أوساط الشعب الفلسطيني، أو لجهة التأشير على خيارات الحركة السياسية والتحالفية في اللحظة المكثفة الراهنة، والموصوفة بأنها غير مسبوقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، قبل النكبة، وبالأخصّ بعدها.

من الناحية الحركية – التنظيمية، أظهر اتخاذ قرار أن يكون السنوار خليفة لهنية، في زمن قياسي لا يتعدى بضعة أيام، وفي ظروف حرب ضروس، أن هذه الحركة، تتمتع برشاقة وحيوية، أملتها تجربة في "المأسسة" و"الشورى".

وبدد إجماع حماس على قرارها، مختلف فصول الدعاية السوداء، التي روّجت لها قنوات ووسائل إعلام عبرية وعربية "من أسفٍ"، حول خلافات طاحنة بين داخل وخارج مصطرعين، وصقور وحمائم محتربين، هيهات أن يتفقوا إلا على "مرشح تسوية". استجابة حماس السريعة لملء فراغ قائدها الراحل، أطاحت بكل هذه التخرصات والأقاويل، البريئة منها والشريرة، وبرهنت أنها حركة كما الفولاذ، تُسقى بالنار كذلك.

سياسيًا، بات من المؤكد، أن قيادة حماس، بإجماعها النادر، خلف قيادتها الجديدة، إنما كانت تعيد "التصويت بالثقة" على قرار السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ليس لأنها لم تمحضه ثقتها من قبل، ولكن بالنظر لكل التطورات والتضحيات الجسام التي أعقبته، وأنها بانتخاب السنوار تؤكد من جديد، صوابية خيار المقاومة والكفاح المسلح، بعد أن خرجت علينا أصوات نشاز كثيرة تشكك وتتهم، بل وتراهن على أن شعورًا من الندم قد اجتاح بعضًا من أوساط حماس القيادية.

سياسيًا كذلك، حقّ لنا أن نفترض أن القرار بالسنوار، جاء تتويجًا لمراجعة المسار التفاوضي الدائر منذ سبعة أشهر أو أزيد قليلًا، إذ نجح نتنياهو – واليمين المتطرف في إسرائيل – في تحويله إلى مسار فارغ من أي مضمون، وعملية إلهاء وتعمية على ما يقارفه من جرائم في غزة، من دون أن ننسى الضفة الغربية والقدس، وأن الأوان قد حان لتلقين الرجل الذي رفع شعار: ما لا يؤخذ بالقوة والضغط، يؤخذ بالمزيد منهما، صفعة على وجهه.

لكأني بقيادة حماس تقول لنتنياهو: قتلتم المفاوض منا، فجئناكم بالمقاتل من بيننا، مع أن القاصي والداني يعرفان تمام المعرفة، أن المفاوضات لم تكن تدور بمعزل عن السنوار، والقتال ما كان يجري من وراء ظهر هنية. نتنياهو اليوم، يجد نفسه في مقابل "أخطر رجل على إسرائيل" كما وصفته الصحافة العبرية، وهو الرجل ذاته، الذي هزّ عرش "ملك إسرائيل المتوّج" و"مستر أمن"، مطيحًا بإرثه الشخصي والتاريخي.

حماس لن تنسحب من مسار التفاوض على صفقة تلبّي الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني وإجماع فصائله الوطنية المقاومة. هذه هدية مجانية، لن تقدمها الحركة لآلة الدعاية الغوبلزية – الصهيونية، المدعومة غربيًا وعربيًا "إلا من رحم ربي"، حماس ستواصل الجلوس على موائد التفاوض، ومع الوسطاء، ولكن ليس وفقًا لجداول نتنياهو وتوقيتاته. فالمفاوضات ممكنة وضرورية، شريطة أن تقرّب أهل غزة من لحظة الفرج والانفراج. تلكم واحدة من دلالات القرار والاختيار.

أما على مستوى التحالفات والتموضع على خرائط القوى وتوزعاتها في الإقليم، فإن السنوار على رأس قيادة حماس، يعني مزيدًا من التقرّب والتقارب مع أطراف محور المقاومة وجبهات الإسناد في الإقليم، ولا سيما في لحظة استثنائية، يتعاظم فيها دور هذه الجبهات، في تخفيف الضغط على غزة، وحشد الدبلوماسية واستنفارها من أجل التهدئة ووقف النار ورفع الحصار.

فلولا الدفع بالمنطقة إلى حافة الهاوية، مع تنامي التهديدات الجادة والجدية، بردود محتومة لا ريب فيها على جرائم الاحتلال واستباحاته طهران والضاحية الجنوبية والحُديدة، لما استنفرت الدبلوماسية العالمية والعربية واحتشدت من أجل دفع الأطراف خطوة أو خطوتين للوراء، للحيلولة دون الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها.

الآن الوساطة القطرية هي الأكثر "موثوقية" من منظور حماس وقادتها، وأدت الدوحة قسطها الكبير في الدعم والإسناد، باحتضانها جثمان هنية ومراسم التشييع المهيب للراحل الكبير. ولكن المقاومة في هذه اللحظة بالذات، بحاجة لدعم وإسناد أطراف أخرى، تقف مكونات محور المقاومة في صدارتها، لا سيما بعد حالة الإنهاك التي لحقت بغزة وأهلها، والتراجع في حدّة ووتيرة المعارك العسكرية التي تخوضها المقاومة في القطاع.

ولعل الاستقبال الدافئ والحار، الذي لقيه اختيار السنوار لقيادة لحماس، أولًا من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية، وثانيًا من قبل أطراف هذا المحور، ما يدلل على المرامي والدلالات التي انطوى عليها الاختيار.

فالقائد الجديد للحركة، المعروف بصلابته وعناده أمام المحتل، أبدى انفتاحًا لافتًا على مختلف فصائل العمل الوطني المقاوم، وصولًا إلى "غرفة العمليات المشتركة". والرجل الذي يحظى باحترام في أوساط أطراف محور المقاومة، نجح في انتزاع أوسع موجة من ردود الأفعال المرحّبة والمستبشرة من هذه الأطراف.

الخلاصة، من المنطقي استنتاج أن الحركة ستكون في قادمات الأيام والساعات، أمام سلسلة من الإجراءات والقرارات الانتقالية، التي تعيد بها وتستكمل بناء مؤسّسات هرمها القيادي، وتملأ بها فراغات استحدثتها يد الاغتيال والإجرام الإسرائيلية الآثمة.

من المنطقي الاستنتاج أن من يقوم مقام الرجل الثاني في الحركة، سيتعين عليه لعب أدوار غير مسبوقة، بالنظر للظروف المحيطة بقيادة الرجل الأول. ومن المنطقي استنتاج أن حماس ستظل في مسار تكيّف مع مخرجات الطوفان وتداعياته والتضحيات الجسام التي دفعتها الحركة، كجزء من التضحيات الكبرى التي دفعها الشعب الفلسطيني من دماء نسائه وأطفاله وشيوخه، في حرب استعادة الحرية والكرامة والاستقلال وتقرير المصير.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشعب الفلسطینی

إقرأ أيضاً:

غالانت ينتظر "خطأ" من السنوار وشقيقه للوصول إليهما

صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن قوات الجيش ستتمكن من الوصول إلى قائد حماس يحيى السنوار وشقيقه محمد، مؤكدًا أن أي خطأ يرتكبانه سيؤدي إلى سقوطهما بيد الإسرائيليين. جاءت هذه التصريحات خلال زيارة غالانت لمحور نتساريم في غزة، حيث قال: "الشقيقان السنوار ليسا محصنين، مثلما حدث مع الضيف وعيسى، سيتسببان في خطأ وعندها سنصل إليهما".

تأتي تصريحات غالانت في ظل تقارير تشير إلى تعثر الجهود للتوصل إلى صفقة تبادل رهائن مع حماس، ويعتقد أن تصفية قادة الحركة، وخاصة يحيى السنوار وشقيقه، قد تؤثر بشكل كبير على إمكانية إبرام الصفقة.

وأكد غالانت أنه في حال انهيار المفاوضات حول الرهائن، فإن إسرائيل ستضطر إلى توجيه تركيزها نحو الشمال، إلا أن ذلك سيكون معقدًا نظرًا لاستمرار المعارك في غزة. وأضاف أن الجيش يعمل لتحقيق هدفين رئيسيين في القطاع: القضاء على حماس واستعادة المختطفين، موضحًا: "نواصل الضغط، سنضرب حماس وسنقضي عليها، وسنصل إلى محمد السنوار ويحيى السنوار وكل هؤلاء الإرهابيين".

كما أشار غالانت إلى استعداد الجيش لأي تطورات على الجبهة الشمالية، مؤكدًا إمكانية نقل مركز الثقل العسكري بسرعة إذا لزم الأمر.

ووفقًا للقناة 12 الإسرائيلية، أبلغ أحد كبار مفاوضي الفريق الإسرائيلي أقارب الرهائن المحتجزين لدى حماس أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار غير مرجح في الوقت القريب، قائلًا: "يبدو أن الاتفاق لن يحدث الآن، ولا حتى المرحلة الأولى. الطريقة الوحيدة للمضي قدمًا هي إنهاء الحرب".

وفي واشنطن، ذكرت مصادر أميركية أن البيت الأبيض يعيد تقييم استراتيجيته بشأن إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة، وسط تعقيد المواقف بين إسرائيل وحماس. وقالت مصادر لموقع "أكسيوس" إن كبار مساعدي الرئيس جو بايدن يناقشون ما إذا كان تقديم اقتراح جديد سيكون له أي جدوى في ظل تصلب المواقف.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد أشار إلى احتمال تقديم اقتراح جديد خلال الأيام المقبلة، إلا أن مسؤولين أميركيين آخرين نفوا قرب اتخاذ أي خطوات في هذا الاتجاه.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تنتظر خطأً واحداً من السنوار
  • الاحتلال يحقق في تسريب وثائق عن حماس تهدف لتشكيل الرأي العام في إسرائيل
  • غالانت ينتظر "خطأ" من السنوار وشقيقه للوصول إليهما
  • إسرائيل.. السلطات العسكرية تحقق في ملابسات تسريب وثيقة لحماس
  • تحقيق جديد يؤكد استخدام إسرائيل بروتوكول هانيبال وحماس تعلق
  • غالانت يتوعد الأخوين السنوار
  • مختص يكشف عن الأعراض التي تسبق عجز الرجل في غرفة النوم.. كن حذرا
  • كيف اختير السنوار رئيسا لحماس وما التغييرات التي شهدتها الحركة؟
  • أسامة حمدان: الاحتلال تنتظره مفاجآت في الضفة والمفاوضات لا تحتاج مبادرات جديدة
  • السنوار كابوس إسرائيل المزمن.. رحلة البحث في عقله عبر دوراته الدراسية