الجزيرة:
2025-02-02@02:39:50 GMT

أخطر رجل على إسرائيل

تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT

أخطر رجل على إسرائيل

ما إن انجلى غبار الجريمة النّكراء في شمالي طهران، عن استشهاد القائد الوطني – الحمساوي الكبير، إسماعيل هنية "أبو العبد"، حتى اشتعلت العواصم ذات الصلة، في الإقليم والعالم، بالتكهنات والتنبّؤات حول مَن سيخلفه في قيادة الحركة التي تقود اليوم بكفاءة واقتدار، السياسة والميدان الفلسطينيين.

امتدت حبال الترجيحات لتطال معظم إن لم نقل جميع، من نعرف ومن لا نعرف، من أعضاء المكتب السياسي للحركة.

حماس فاجأت الجميع، وأظهرت باختيارها قائدها في غزة، يحيى السنوار "أبو إبراهيم"، زعيمًا لها، أنها ما زالت قادرة على المفاجأة والإدهاش.

المفاجأة هنا، لا تتعلق بشخص السنوار وقدراته القيادية ودرجة استحقاقه أرفعَ موقع في الحركة، فسؤال الجدارة حُسم في "سيف القدس" و"السابع من أكتوبر/تشرين الأول" و"طوفان الأقصى"، وما سبقها ولحق بها من محطّات فارقة في غزة وفلسطين. فلا رجلَ ارتبطت باسمه شخصيًا جميع هذه المحطات مثل السنوار، ولا أحدَ يجادل، عدوًا كان أم صديقًا، بأن الرجلَ يتوفر على مستويات رفيعة من الذكاء والصلابة والدراية بدهاليز المحتل، ولا شخصًا مثله، نجح في الجمع بين أعلى درجات الصلابة والمرونة والواقعية معًا.

إنما المفاجأة كانت في اختيار رجل تحيط به ظروف وأحمال تنوء بها الجبال لشغل هذا الموقع، بالذات بعد دخول حرب الإبادة على غزة، شهرها الحادي عشر. إذ في وقت توجهت فيه أنظار المراقبين نحو شخصيات قادرة على الحركة والاتصال وممارسة القيادة، فوق الأرض، وفي فضاءاتها الرحبة، وليس في أنفاق غزة وبين ركامها وأنقاضها. لم أسمع شخصيًا من أحد، حتى المدّعين معرفة حماس من الداخل، ترجيحًا باختيار "الشهيد الحي" خلفًا للشهيد الراحل.

هو قرار محمّل بالمعاني والدلالات، إن على صعيد البنية الحركية – التنظيمية للحركة الأكثر شعبية ونفوذًا في أوساط الشعب الفلسطيني، أو لجهة التأشير على خيارات الحركة السياسية والتحالفية في اللحظة المكثفة الراهنة، والموصوفة بأنها غير مسبوقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، قبل النكبة، وبالأخصّ بعدها.

من الناحية الحركية – التنظيمية، أظهر اتخاذ قرار أن يكون السنوار خليفة لهنية، في زمن قياسي لا يتعدى بضعة أيام، وفي ظروف حرب ضروس، أن هذه الحركة، تتمتع برشاقة وحيوية، أملتها تجربة في "المأسسة" و"الشورى".

وبدد إجماع حماس على قرارها، مختلف فصول الدعاية السوداء، التي روّجت لها قنوات ووسائل إعلام عبرية وعربية "من أسفٍ"، حول خلافات طاحنة بين داخل وخارج مصطرعين، وصقور وحمائم محتربين، هيهات أن يتفقوا إلا على "مرشح تسوية". استجابة حماس السريعة لملء فراغ قائدها الراحل، أطاحت بكل هذه التخرصات والأقاويل، البريئة منها والشريرة، وبرهنت أنها حركة كما الفولاذ، تُسقى بالنار كذلك.

سياسيًا، بات من المؤكد، أن قيادة حماس، بإجماعها النادر، خلف قيادتها الجديدة، إنما كانت تعيد "التصويت بالثقة" على قرار السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ليس لأنها لم تمحضه ثقتها من قبل، ولكن بالنظر لكل التطورات والتضحيات الجسام التي أعقبته، وأنها بانتخاب السنوار تؤكد من جديد، صوابية خيار المقاومة والكفاح المسلح، بعد أن خرجت علينا أصوات نشاز كثيرة تشكك وتتهم، بل وتراهن على أن شعورًا من الندم قد اجتاح بعضًا من أوساط حماس القيادية.

سياسيًا كذلك، حقّ لنا أن نفترض أن القرار بالسنوار، جاء تتويجًا لمراجعة المسار التفاوضي الدائر منذ سبعة أشهر أو أزيد قليلًا، إذ نجح نتنياهو – واليمين المتطرف في إسرائيل – في تحويله إلى مسار فارغ من أي مضمون، وعملية إلهاء وتعمية على ما يقارفه من جرائم في غزة، من دون أن ننسى الضفة الغربية والقدس، وأن الأوان قد حان لتلقين الرجل الذي رفع شعار: ما لا يؤخذ بالقوة والضغط، يؤخذ بالمزيد منهما، صفعة على وجهه.

لكأني بقيادة حماس تقول لنتنياهو: قتلتم المفاوض منا، فجئناكم بالمقاتل من بيننا، مع أن القاصي والداني يعرفان تمام المعرفة، أن المفاوضات لم تكن تدور بمعزل عن السنوار، والقتال ما كان يجري من وراء ظهر هنية. نتنياهو اليوم، يجد نفسه في مقابل "أخطر رجل على إسرائيل" كما وصفته الصحافة العبرية، وهو الرجل ذاته، الذي هزّ عرش "ملك إسرائيل المتوّج" و"مستر أمن"، مطيحًا بإرثه الشخصي والتاريخي.

حماس لن تنسحب من مسار التفاوض على صفقة تلبّي الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني وإجماع فصائله الوطنية المقاومة. هذه هدية مجانية، لن تقدمها الحركة لآلة الدعاية الغوبلزية – الصهيونية، المدعومة غربيًا وعربيًا "إلا من رحم ربي"، حماس ستواصل الجلوس على موائد التفاوض، ومع الوسطاء، ولكن ليس وفقًا لجداول نتنياهو وتوقيتاته. فالمفاوضات ممكنة وضرورية، شريطة أن تقرّب أهل غزة من لحظة الفرج والانفراج. تلكم واحدة من دلالات القرار والاختيار.

أما على مستوى التحالفات والتموضع على خرائط القوى وتوزعاتها في الإقليم، فإن السنوار على رأس قيادة حماس، يعني مزيدًا من التقرّب والتقارب مع أطراف محور المقاومة وجبهات الإسناد في الإقليم، ولا سيما في لحظة استثنائية، يتعاظم فيها دور هذه الجبهات، في تخفيف الضغط على غزة، وحشد الدبلوماسية واستنفارها من أجل التهدئة ووقف النار ورفع الحصار.

فلولا الدفع بالمنطقة إلى حافة الهاوية، مع تنامي التهديدات الجادة والجدية، بردود محتومة لا ريب فيها على جرائم الاحتلال واستباحاته طهران والضاحية الجنوبية والحُديدة، لما استنفرت الدبلوماسية العالمية والعربية واحتشدت من أجل دفع الأطراف خطوة أو خطوتين للوراء، للحيلولة دون الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها.

الآن الوساطة القطرية هي الأكثر "موثوقية" من منظور حماس وقادتها، وأدت الدوحة قسطها الكبير في الدعم والإسناد، باحتضانها جثمان هنية ومراسم التشييع المهيب للراحل الكبير. ولكن المقاومة في هذه اللحظة بالذات، بحاجة لدعم وإسناد أطراف أخرى، تقف مكونات محور المقاومة في صدارتها، لا سيما بعد حالة الإنهاك التي لحقت بغزة وأهلها، والتراجع في حدّة ووتيرة المعارك العسكرية التي تخوضها المقاومة في القطاع.

ولعل الاستقبال الدافئ والحار، الذي لقيه اختيار السنوار لقيادة لحماس، أولًا من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية، وثانيًا من قبل أطراف هذا المحور، ما يدلل على المرامي والدلالات التي انطوى عليها الاختيار.

فالقائد الجديد للحركة، المعروف بصلابته وعناده أمام المحتل، أبدى انفتاحًا لافتًا على مختلف فصائل العمل الوطني المقاوم، وصولًا إلى "غرفة العمليات المشتركة". والرجل الذي يحظى باحترام في أوساط أطراف محور المقاومة، نجح في انتزاع أوسع موجة من ردود الأفعال المرحّبة والمستبشرة من هذه الأطراف.

الخلاصة، من المنطقي استنتاج أن الحركة ستكون في قادمات الأيام والساعات، أمام سلسلة من الإجراءات والقرارات الانتقالية، التي تعيد بها وتستكمل بناء مؤسّسات هرمها القيادي، وتملأ بها فراغات استحدثتها يد الاغتيال والإجرام الإسرائيلية الآثمة.

من المنطقي الاستنتاج أن من يقوم مقام الرجل الثاني في الحركة، سيتعين عليه لعب أدوار غير مسبوقة، بالنظر للظروف المحيطة بقيادة الرجل الأول. ومن المنطقي استنتاج أن حماس ستظل في مسار تكيّف مع مخرجات الطوفان وتداعياته والتضحيات الجسام التي دفعتها الحركة، كجزء من التضحيات الكبرى التي دفعها الشعب الفلسطيني من دماء نسائه وأطفاله وشيوخه، في حرب استعادة الحرية والكرامة والاستقلال وتقرير المصير.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشعب الفلسطینی

إقرأ أيضاً:

من هو محمد الضيف بعد إعلان اغتياله؟ لقبوه بـ«الرجل ذو الـ9 أرواح»

أعلنت حركة حماس رسميًا استشهاد محمد الضيف قائد الجناح العسكري لحركة حماس وذلك بعد شهور من إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي في أول أغسطس الماضي، مسؤوليته عن اغتياله، في هجوم المواصي الذي نفذه على خان يونس بغزة.

الضيف يبلغ من العمر 60 عام

الاسم الحقيقي لـ«الضيف» هو محمد دياب إبراهيم المصري، يبلغ من العمر 60 عام وولد في مخيم خان يونس للاجئين بقطاع غزة، وانضم إلى حركة حماس خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، وألقي القبض عليه بعد عامين فقط من انضمامه إلى الحركة وأمضى 16 شهرًا في سجون إسرائيل، حسبما ذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»

ولم تكن هذه المحاولة الأولى لاغتيال الضيف حيث سبق وحاولت قوات الاحتلال اغتياله 7 مرات، وخلال أحدها فقد إحدى عينيه وأصيب بجروح خطيرة في إحدى ساقية، وفقًا لمصادر من حماس، عقب نجاته من محاولات اغتيال عدة أطلق عليه أنصاره في غزة لقب «الرجل ذو التسع أرواح».

الضيف هو العقل المدبر لمعظم هجوم  7 أكتوبر

ويعتقد الاحتلال الإسرائيلي أن الضيف هو واحد من العقول المدبرة لهجوم حماس في 7 أكتوبر، وأنه من مطوري شبكة الأنفاق في قطاع غزة، كما كان له دور في صناعة القنابل.

وكان الدكتور هرئيل حوريف، المؤرخ والباحث كبير في الشؤون الفلسطينية، في مركز موشيه لصحيفة «معاريف»، قد قال في محاضرة سابقة إن الضيف، نجح في خداع إسرائيل عدة مرات.

وتابع: «المعلومات حول الرجل شحيحة، ولا أعتقد أن هناك أي رؤية موضوعية هنا، على سبيل المثال تحدثوا عن حقيقة أنه فقد البصر في عين واحدة، ولكن يبدو أنه يتصرف بشكل جيد، وهذا لا يعني أنه ليس معاقاً».

وأشار إلى أن «الضيف» درس في الجامعة الإسلامية في غزة، وينتمى لأسرة تهجرت من الأراضي المحتلة ويعتبر العقل المدبر لعمليات ضد إسرائيل منتصف تسعينات القرن الماضي.

وأوضح أن محمد الضيف نجا من عمليات اغتيالات عدة بكل برود، وهو شديد التركيز على الأهداف، وكتوم، وكانت اسرائيل تعتبره خطيرًا للغاية».

وحاولت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قتل «الضيف» 7 مرات على الأقل سابقا أعوام 2001 و2002 و2003 و2006 و2014 وعام 2023 و2024 وتعرض لإصابات خطيرة، وفقد عينه وذراعه وساقيه وفقًا لتايمز أوف إسرائيل، وفي محاولة عام 2014 قتلت زوجته وابنه الرضيع وابنته ذات الـ3 سنوات

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل مارست كل أنواع الكذب والتضليل في عدوانها على غزة
  • أول تعليق من حماس حول تسليم أسرى إسرائيل أمام صور محمد الضيف
  • محلل عسكري إسرائيلي: حماس تُسيطر على غزة بشكلٍ كامل و إسرائيل لا تملك أي نفوذ على الحركة
  • الناطق باسم حماس: استشهاد قيادات الحركة بمعارك الطوفان وليس اغتيالًا
  • من هو محمد الضيف بعد إعلان اغتياله؟ لقبوه بـ«الرجل ذو الـ9 أرواح»
  • لماذا اختارت المقاومة منزل "السنوار" لتسليم الأسيرة أربيل يهود؟.. فيديو
  • من أمام منزل السنوار.. المقاومة تفرج عن 3 أسرى صهاينة
  • من منزل "السنوار" إلى "الصليب الأحمر"..المقاومة الفلسطينية تبدأ تسليم الأسيرين الإسرائيليين
  • حماس تسلم أسيرة من بين ركام جباليا واستعدادات لتسليم الرهائن أمام منزل السنوار
  • انتشار كتائب القسام أمام منزل الشهيد المشتبك يحيى السنوار في خانيونس / صور