شبكة اخبار العراق:
2025-01-31@05:34:36 GMT

جدل العلاقة بين النّص المسرحي والخشبة

تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT

جدل العلاقة بين النّص المسرحي والخشبة

آخر تحديث: 8 غشت 2024 - 11:58 صعباس منعثر ثمة مقولة ترسخت في الأدبيات المسرحية حد أن عدها الكثيرون مسلمة رياضية: (النص المسرحي ناقص، ولا يكتمل إلا على خشبة المسرح). هذه المسلمة يندر أن توضع على مشرحة الشك، او تتعرّض لأي صيغة عقلانية من التساؤل والتأمل. على النص المسرحي أن يلتزم بالقاعدة، ولا يكتمل حتى لو كان مكتملا إلا عند تحوله إلى فن إخراجي لا علاقة له بالنص اطلاقاً.

لكن قبل الخوض في المقولة دعونا نتابع عملية تشكلها عبر أهم المحطات المسرحية في التاريخ.فكرة أن النّص المسرحي لا يكتمل إلا على الخشبة ترتكز على أن المسرح ليس مجرد نص  مكتوب.  ففي المسرح الإغريقي، كانت النّصوص المسرحية تُكتب لتُعرض في المهرجانات الدّينية، وكان الكاتب المسرحي، مثل اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس، يكتب النّصوص مع وعي تام بأنها ستُقدم أمام جمهور فعلي. وفي المسرح الإليزابيثي، كانت النّصوص المسرحية تُكتب لتُعرض وليس لتُقرأ فقط. شكسبير، على سبيل المثال، كتب نصوصه لتُقدّم أمام الجمهور الانكليزي في مسرح الكلوب. ومع ظهور الحركة الواقعية في المسرح أواخر القرن التّاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان كتّاب مثل هنريك إبسن وأنتون تشيخوف، يدركون أن النّصوص المكتوبة بحاجة إلى تفاعل حقيقي بين الممثلين والجمهور، فالنّص المسرحي إطار يمكن أن يتغير ويتطوّر مع كلّ عرض.  يؤكد آرتو أنه لا يمكن اعتبار النّص المسرحي مكتملاً بدون شعرية المسرح، التي تظهر، باعتقاده، في العناصر المسرحية الخالصة: أي الصّوت والحركة واللون وليس من بينها النّص المسرحي. وكذلك بريخت يرى ان التفاعل مع الجمهور يتمّ بوسائل ليست نصية فقط مثل الرّقص والغناء واللوحات وغيرها.. فاللحظة الحية على المسرح تضيف أبعاداً جديدة إلى النّص غير متوفرة في بنيته السّردية، من قبيل تفسير المخرج، بالإضافة إلى عمل العناصر الفنية الأخرى مثل الإضاءة، الدّيكور، والأزياء التي تساهم في خلق المعنى وايصاله الى الجمهور. المسرح، اجمالاً، هو تجربة حسية كاملة تشمل الرّؤية، السّمع، وأحياناً حتى الرّائحة واللمس. وهذا يدلل على أن مقولة (لا يكتمل النّص المسرحي إلا على الخشبة) تبدو جزءاً من تطوره الطبيعي.  وبالعكس من كل ذلك،  يمكن أن يكون النّص المكتوب مكتملاً بذاته أو يحمل قيمة فنية مستقلة، أي أن يتمتع النّص المكتوب بجمال لغوي وبنية درامية معقدة تجعل منه قطعة أدبية كاملة، يمكن قراءتها وفهمها دون الحاجة إلى تجسيدها على الخشبة، مثل النّصوص الكلاسيكية (شكسبير) التي تتمتع بقيمة أدبية وفلسفية تجعلها قابلة للفهم والتقدير من خلال القراءة وحدها. كتب جورج برنارد شو مسرحيات تحتوي على رسائل وأفكار يمكن فهمها وتقديرها من خلال القراءة، هارولد بينتر كتب مسرحيات غامضة تحتوي على قيمة أدبية مستقلة حتى قبل عرضها على المسرح، وصمويل بيكيت اهتمّ بالتفاصيل اللغوية والبنية الأدبية مما يعزز استقلالها مثل توم ستوبارد، الذي يولي أهمية كبيرة للبنية الأدبية واللغوية لنصوصه بحيث تُقرأ وتُدرس لأسلوبها الأدبي المعقد وأفكارها الفلسفية، ناهيكَ عن اوغست سترندبرك بنصوصه المغرقة في موضوعات وجودية مبهمة.  اعتماداً على ما سبق، يبدو أن النّص يتحرك حيناً كموجة وحيناً كجُسيم. لكن الثورة على النّص قد انبثقت من أن المخرجين المسرحيين، الذين يميلون إلى الطبيعة البصرية والحركية للعرض بالضد من طبيعة النّص التّجريدية واعتماده على الكلمة، اعتبروا الفنّ المسرحي تابعاً للأدب، مما يتطلّب الخروج عليه وتغييره. لذلك كان اكبر تمرّدا قام به المسرح أن زعزع هذه التبعية، وكلّ المناهج المسرحية التجديدية تبدأ من هذه النقطة كمركز لتجريبها وخروجها عن السائد. غير أن مسألة التّمرد على النّص او تحطيمه ليست لها علاقة بالنص في حد ذاته، بل بنوايا المخرج وإمكانية فنّ المسرح والعلاقات البنيوية المختلفة بين النص والعرض. بمعنى آخر أن النّص المسرحي لا يقول لك حطمني أو تناولني كما أنا؛ لأن الخيار في ذلك عائد اليك والى رؤيتك والمدرسة أو المدارس المسرحية التّي تعتمد عليها.  النّص يقول كلمة واحدة فقط: افعل ما تشاء فأنا كما أنا بين دفتي كتاب أو على الورق أو حيثما تمّ نشري، دائم، أما الشّكل الذي انبثق مني على الخشبة فهو اختيار ومخيلة آنية، لأنه بعد سنة او ربما بعد يوم لا أكثر سيأتي مخرج آخر برؤية مختلفة، قد يحطمني بالكامل او يلتزم بي بالكامل او يتراوح بين التّحطيم والتحايث، لكنّه في كل الاحوال بناء مؤقت لا يُلزم غير صاحبه. إنّ النّص المسرحي قابل للتغير والتلون، ولا يحدث في زمن خارج النّص بل داخله وفي امكنته، بينما يحدث العرض داخل امكنة حقيقية لها أبعاد الطول والارتفاع والامتداد كما هو المكان الحقيقي.  في العرض المسرحي، يتم تفاعل العناصر المسرحية بضمنها النص او بدونه لتقديم تجربة على خشبة محددة في زمن محدد وتاريخ محدد. النّص المسرحي على العكس تماماً هو لغة، كلام، أدب فيه عنصر لغوي واحد فقط يتم ايصال الموضوع والأجواء ومكان الحدث والحبكة والصراع من خلاله ولا شيء غيره. فمهما استعان النّص بأشياء كثيرة وتنتمي إلى عالم الواقع فهو يستعين بها ككلمة مكونة من حروف. يضاف إلى ذلك أن العرض براغماتي لديه جمهور محدد، كأن يكون الجمهور الانكليزي في نهاية العصر الفكتوري، وله رسالة معينة فيطرح بذلك قضايا تهمّ الانسان الانكليزي الفكتوري، بينما جمهور النّص المسرحي هو البشرية في أي زمان ومكان.  بناءً على كلّ ما استعرضناه من خصائص واختلافات، نجد أن مقولة (لا يكتمل النّص المسرحي الا على الخشبة)، هي مقولة فارغة، فالنّص المسرحي مكتمل من غير عرض مسرحي، والخشبة بنية سمعبصرية متميزة ولا تتقاطع مع النّص المسرحي لان عناصرها مميزة ومختلفة، والنص الحاضر في العرض (والذي يسمى نص العرض) هو اختيار المخرج مما يمكن أن يبقى من نص المؤلف، والسّبب في ذلك أن ثمة خلطا والتباسا بين فنّ أدبي- مكتوب مستقل مكانه الورق، وفنّ مادي بامتياز مكانه الخشبة.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: على الخشبة لا یکتمل أن الن ص

إقرأ أيضاً:

بيروت تحكي قصة 7 مدن لم ترو من قبل

وقد كشفت حلقة (2025/1/29) من برنامج "رحلة" التي تبث على منصة "الجزيرة 360" عن وجه جديد لهذه المدينة العريقة.

ولتوزيع المهام اعتمد فريق البرنامج المكون من سمية جمال بلقيس وابن حتوتة طريقة جديدة، حيث يقوم كل عضو باستكشاف المدينة من خلال حاسة مختلفة، وذلك عبر رمي زهر خاص يحدد لكل منهم الحاسة التي سيعتمد عليها في رحلته الاستكشافية.

وبدأت الرحلة بالطقس اللبناني التقليدي المتمثل في تناول القهوة مع صوت فيروز، أو المناقيش الطازجة، وأحيانا كليهما معا.

وفي شارع الجميزة التاريخي، استكشف الفريق الدرج الشهير الذي يعد مركزا ثقافيا نابضا بالحياة، حيث تقام الفعاليات الفنية والثقافية المتنوعة، ويعكس هذا المكان المزيج الفريد بين التراث المعماري القديم والحياة العصرية النابضة.

وفي ساحة الشهداء، توقف الفريق عند النصب التذكاري الذي يخلد ذكرى الشهداء الـ14 الذين أعدمهم جمال باشا السفاح عام 1916.

ويحمل المكان في تفاصيله آثار الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، بينما يقف المسجد والكنيسة المتجاوران شاهدين على روح التعايش في المدينة.

وفي شارع السرسق، استعرض الفريق تاريخ القصور العريقة التي كانت تميز المنطقة، والتي تحول معظمها إلى مبانٍ حديثة، باستثناء قصر سرسق الذي تحول إلى متحف، وقصر اللجنة، وقصر المسلخ.

إعلان

وفي "بيت بيروت"، المعروف سابقا بمبنى بركات، شاهد الفريق معرضا فنيا بعنوان "ألو بيروت" يوثق ذكريات الحرب الأهلية، وتضمن المعرض أعمالا فنية مؤثرة تروي قصصا إنسانية من تلك الفترة، منها قصة امرأة حامل تعرضت للقنص.

فلافل صهيون

وفي محطة غذائية مميزة، زار الفريق محل "فلافل صهيون" العريق، الذي يعود تاريخه إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حيث تعرفوا على أسرار الوصفة التقليدية التي تتوارثها العائلة عبر الأجيال.

وفي منطقة عين المريسة، استكشف الفريق حياة الصيادين التقليدية على كورنيش بيروت الشهير، قبل الوصول إلى صخرة الروشة، أحد أشهر المعالم السياحية في المدينة.

وفي الجانب الإنساني، توجه الفريق إلى مخيم برج البراجنة، حيث التقوا بمجموعة من النساء اللاتي يعملن في مسرح المخيم.

وكشف اللقاء عن احتياجات المسرح للمعدات الأساسية مثل الإضاءة والميكروفونات، مما دفع الفريق للمساهمة في توفير هذه الاحتياجات.

وفي لقاء مؤثر مع نساء المخيم، كشفت المشاركات عن تجاربهن مع الفقدان والغياب، وكيف أصبح المسرح وسيلة للتعبير عن معاناتهن وآمالهن، وتحدثت إحدى المشاركات، وهي أخت لـ3 شهداء، عن كيف ساعدها المسرح في التعامل مع ألم الفقد والتشتت.

وأظهر البرنامج كيف تحافظ بيروت على هويتها الثقافية المتعددة رغم كل التحديات، من خلال مزيج فريد من المعالم التاريخية والنشاطات الثقافية والمبادرات الإنسانية، وكشفت الحلقة عن وجه إنساني للمدينة يتجاوز صورتها السياحية المعتادة.

وعكست التجربة كيف تجمع بيروت بين ذاكرة الماضي وتحديات الحاضر، حيث تتعايش آثار الحرب مع مظاهر النهضة الثقافية والفنية، وكيف تحافظ المدينة على روح التضامن والتكافل الاجتماعي رغم كل الظروف الصعبة.

29/1/2025

مقالات مشابهة

  • آيسل نور تتالق في عرض "طقوس الإشارات والتحولات" على خشبة المعهد العالي للفنون المسرحية
  • من هي الزوجة الاتكالية.. إيجابياتها وسلبياتها؟
  • تعليم الفيوم يشارك بعروض التربية المسرحية في معرض القاهرة الدولي للكتاب
  • تعليم الفيوم يتألق بعروض التربية المسرحية في معرض القاهرة الدولي للكتاب
  • وفاة المخرج المسرحي مجدي كامل
  • بيروت تحكي قصة 7 مدن لم ترو من قبل
  • الإبداع المسرحي .. ندوة بجامعة السويس
  • مراهقة تتخلص من طفل السفاح بإلقائه في منور عقار
  • العروض المسرحية بـ"ليالي مسقط" تسلط الضوء على القضايا المجتمعية في قوالب ترفيهية وإبداعية
  • نغم صالح تنضم للعرض المسرحي "جسم وأسنان وشعر مستعار"