في هذه الحالة فقط يكون الطمع في السلطة جريمة نكراء!
تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT
رشا عوض
السلطة السياسية هي هدف مشروع لكل تنظيم سياسي؛ لأن هذه هي وسيلته في تطبيق برنامجه في إدارة الشأن العام، السؤال هو عن وسيلة السعي لحيازة السلطة، هل عبر وسائل سلمية وديمقراطية أم عبر الانقلابات العسكرية وإشعال الحروب الطاحنة؟ هل الطامعون في السلطة يرغبون أن يمارسوا السلطة في ظل نظام ديمقراطي محكوم بدستور ومؤسسات، وفي ظل حريات عامة تمكن الشعب من مساءلة السلطة والاحتجاج على أخطائها والحق في استبدالها في الجولة الانتخابية القادمة أم يرغبون في سلطة استبدادية فاسدة وغير مساءلة، ومن يعترض عليها يقتل أو يسجن أو ينفى من الأرض، هل برامجهم السياسية والاقتصادية والتنموية في صالح تطور المجتمع أم لا!
الجريمة المرفوضة بمنطق الديمقراطية هي استيلاء جنرالات الجيش على السلطة بالقوة والطمع في استدامة سلطة غير مساءلة شعبيا، وتقمع خصومها وتدافع عن مشروعيتها بواسطة بندقية الجيش التي يجب أن تكون موظفة لحماية المواطن وحدود الوطن من أي عدوان خارجي لا أن تكون موظفة لحراسة سلطة مغصوبة بواسطة قلة من الجنرالات اختطفوا المؤسسة العسكرية، وجيروها لصالح أقلية حزبية، ثم تحول الجنرال الذي نفذ الانقلاب إلى دكتاتور قائم بذاته، ونشأ في ظله جنرالات آخرون يرغبون في الانقلاب عليه! وبهذا تنحرف المؤسسة العسكرية عن وظيفتها الأصلية، وتتحول إلى حزب سياسي، فتفشل في السياسة والعسكرية معا كما هو حال جيشنا الذي كشفته هذه الحرب.
رفض الحكم العسكري لا يعني كراهية العسكر كمواطنين أو حتى مصادرة حقهم في التطلع لخدمة وطنهم عبر ممارسة العمل السياسي، فلو أراد أي جنرال أن يحكم السودان فعليه أن يتقدم باستقالته من الجيش، ويكوّن حزبا سياسيا، ويخوض المنافسة السياسية بوسائل مدنية سلمية، ويرشح نفسه في الانتخابات.
المرفوض رفضا مغلظا هو استغلال الجيش الذي من المفترض أن يكون جيشا لحماية كل الشعب السوداني وليس الاستيلاء على السلطة لصالح أقلية سياسية وضرب الديمقراطية في مقتل بهزيمة أهم مبدأ فيها وهو أن تكون مرجعية الحكم هي التفويض الشعبي، الحكم العسكري يجعل مرجعية الحكم هي القوة العسكرية القاهرة للشعب.
الغوغائية المستشرية هذه الأيام تحاول إيهام الناس بأن السعي لحيازة السلطة السياسية جريمة نكراء يمارسها الساسة المدنيون، في حين أن الساسة المدنيين خارج السلطة الآن، والجريمة الحقيقية هي أن هناك حربا مشتعلة والجنرالات القابضون على السلطة عنوة يعرقلون السلام خوفا على سلطتهم التي استولوا عليها بالقوة، وهذه هي الجريمة النكراء!
صراع السلطة يكون جريمة بشعة عندما تكون أدواته البنادق والمدافع والتاتشرات والمسيرات والطائرات! عندما تكون نتائجه آلاف القتلى والمعاقين إعاقات مستديمة والمشردين والمنكوبين من المواطنين الأبرياء، هذا ما يجعلنا نبذل قصارى جهدنا في سبيل أن يكون الصراع على السلطة مضبوطا بضوابط أخلاقية وإنسانية وسياسية وقانونية تعصمه من أن يكون صراعا متوحشا ومنحطا كالذي نشهده في هذه الحرب.
هذه الحرب صراع سلطة خبيث!
ما يسعى له المدنيون الديمقراطيون هو تحويل هذا الصراع إلى صراع حميد، في ميدان ديمقراطي مطهر من الدماء المسفوكة والأشلاء المتناثرة وروائح الجثث وأنقاض المباني والمعاني.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: على السلطة
إقرأ أيضاً:
الحيرة القاتلة
من أروع العبارات التى جاءت فى مسرحية «القضية» للكاتب الكبير «لطفى الخولى».. «أقفل الشباك ولا أفتحه» تلك المسرحية التى أذاعها التليفزيون المصرى أكثر من مرة. وقد علق كاتب المسرحية على تلك العبارة فى مقال له نشر فى مجلة الطليعة، ذكر فيه أن تلك العبارة ترسخت فى وجدان الناس، وهى تعبير عن رأيه فى الحيرة التى يقع فيها الشخص العادى أمام القوانين التى تتغير وتتبدل بشكل لا يستوعبها. الأمر الذى أصبح معه الإنسان المصرى يعيش غريباً عن القانون والدولة، سواء سلطة الدولة أو سلطة الحكومة أو سلطة القضاء أو أى سلطة أخرى، كما لو كان يعيش خارج هذه النظم، فالمواطن العادى أصبح لا يعرف أين تبدأ حقوقه، فى الوقت المُطالب فيه بتحقيق كافة الالتزامات التى عليه دون مناقشة، حتى لو كانت تلك الالتزامات متعارضة مع بعضها، ففى حالة فتح الشباك غرامة وكذلك غرامة لو أغلق الشباك. ولقد تجاوز الأمر لتجاوز المواطن البسيط لتصل إلى المثقفين وأصحاب المهن المختلفة، فالجميع الآن لا يعرف ماذا تريد أى سلطة من تلك السلطات من الناس؛ لذلك لا تلوم الناس فى الانسحاب ومحاولات الهروب من البلد بعد أن قفل الشباك على يده ولا يستطيع فتحه، وانتشر بينهم اللامبالاة والإحساس بما يدور حولهم.
لم نقصد أحداً!!