رشا عوض

السلطة السياسية هي هدف مشروع لكل تنظيم سياسي؛ لأن هذه هي وسيلته في تطبيق برنامجه في إدارة الشأن العام، السؤال هو عن وسيلة السعي لحيازة السلطة، هل عبر وسائل سلمية وديمقراطية أم عبر الانقلابات العسكرية وإشعال الحروب الطاحنة؟ هل الطامعون في السلطة يرغبون أن يمارسوا السلطة في ظل نظام ديمقراطي محكوم بدستور ومؤسسات، وفي ظل حريات عامة تمكن الشعب من مساءلة السلطة والاحتجاج على أخطائها والحق في استبدالها في الجولة الانتخابية القادمة أم يرغبون في سلطة استبدادية فاسدة وغير مساءلة، ومن يعترض عليها يقتل أو يسجن أو ينفى من الأرض، هل برامجهم السياسية والاقتصادية والتنموية في صالح تطور المجتمع أم لا!

الجريمة المرفوضة بمنطق الديمقراطية هي استيلاء جنرالات الجيش على السلطة بالقوة والطمع في استدامة سلطة غير مساءلة شعبيا، وتقمع خصومها وتدافع عن مشروعيتها بواسطة بندقية الجيش التي يجب أن تكون موظفة لحماية المواطن وحدود الوطن من أي عدوان خارجي لا أن تكون موظفة لحراسة سلطة مغصوبة بواسطة قلة من الجنرالات اختطفوا المؤسسة العسكرية، وجيروها لصالح أقلية حزبية، ثم تحول الجنرال الذي نفذ الانقلاب إلى دكتاتور قائم بذاته، ونشأ في ظله جنرالات آخرون يرغبون في الانقلاب عليه! وبهذا تنحرف المؤسسة العسكرية عن وظيفتها الأصلية، وتتحول إلى حزب سياسي، فتفشل في السياسة والعسكرية معا كما هو حال جيشنا الذي كشفته هذه الحرب.



رفض الحكم العسكري لا يعني كراهية العسكر كمواطنين أو حتى مصادرة حقهم في التطلع لخدمة وطنهم عبر ممارسة العمل السياسي، فلو أراد أي جنرال أن يحكم السودان فعليه أن يتقدم باستقالته من الجيش، ويكوّن حزبا سياسيا، ويخوض المنافسة السياسية بوسائل مدنية سلمية، ويرشح نفسه في الانتخابات.

المرفوض رفضا مغلظا هو استغلال الجيش الذي من المفترض أن يكون جيشا لحماية كل الشعب السوداني وليس الاستيلاء على السلطة لصالح أقلية سياسية وضرب الديمقراطية في مقتل بهزيمة أهم مبدأ فيها وهو أن تكون مرجعية الحكم هي التفويض الشعبي، الحكم العسكري يجعل مرجعية الحكم هي القوة العسكرية القاهرة للشعب.

الغوغائية المستشرية هذه الأيام تحاول إيهام الناس بأن السعي لحيازة السلطة السياسية جريمة نكراء يمارسها الساسة المدنيون، في حين أن الساسة المدنيين خارج السلطة الآن، والجريمة الحقيقية هي أن هناك حربا مشتعلة والجنرالات القابضون على السلطة عنوة يعرقلون السلام خوفا على سلطتهم التي استولوا عليها بالقوة، وهذه هي الجريمة النكراء!

صراع السلطة يكون جريمة بشعة عندما تكون أدواته البنادق والمدافع والتاتشرات والمسيرات والطائرات! عندما تكون نتائجه آلاف القتلى والمعاقين إعاقات مستديمة والمشردين والمنكوبين من المواطنين الأبرياء، هذا ما يجعلنا نبذل قصارى جهدنا في سبيل أن يكون الصراع على السلطة مضبوطا بضوابط أخلاقية وإنسانية وسياسية وقانونية تعصمه من أن يكون صراعا متوحشا ومنحطا كالذي نشهده في هذه الحرب.

هذه الحرب صراع سلطة خبيث!

ما يسعى له المدنيون الديمقراطيون هو تحويل هذا الصراع إلى صراع حميد، في ميدان ديمقراطي مطهر من الدماء المسفوكة والأشلاء المتناثرة وروائح الجثث وأنقاض المباني والمعاني.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: على السلطة

إقرأ أيضاً:

الجنجويد والطائرات المسيرة: سيمفونية الدمار التي يقودها الطمع والظلال الإماراتية

كتب الدكتور عزيز سليمان استاذ السياسة و السياسات العامة

في زمن يتداخل فيه الدخان الأسود برائحة البارود، وتصدح فيه أنين الأطفال وسط خرائب المستشفيات والمدارس و محطات الكهرباء و المياه ، يبدو السودان كلوحة مأساوية رسمها الجشع البشري. لكن، يا ترى، من يمسك بالفرشاة؟ ومن يرسم خطوط التدمير الممنهج الذي يستهدف بنية تحتية سودانية كانت يومًا ما عصب الحياة: محطات الكهرباء التي كانت تضيء الدروب، والطرق التي ربطت المدن، ومحطات مياه كانت تنبض بالأمل؟ الإجابة، كما يبدو، تكمن في أجنحة الطائرات المسيرة التي تحمل في طياتها أكثر من مجرد قنابل؛ إنها تحمل مشروعًا سياسيًا وجيوسياسيًا ينفذه الجنجويد، تلك المليشيا التي فقدت زمام المبادرة في الميدان، وانكسرت أمام مقاومة الشعب السوداني و جيشه اليازخ و مقاومته الشعبية الصادقة، فاختارت أن تُدمر بدلاً من أن تبني، وتُرهب بدلاً من أن تقاتل.
هذا النهج، يا اهلي الكرام، ليس عبثًا ولا عشوائية. إنه خطة مدروسة، يقف خلفها من يدير خيوط اللعبة من الخارج. الجنجويد، التي تحولت من مجموعة مسلحة محلية إلى أداة في يد قوى إقليمية، لم تعد تعمل بمفردها. الطائرات المسيرة، التي تقصف المدارس والمستشفيات، ليست مجرد أدوات تكنولوجية؛ إنها رسول يحمل تهديدًا صامتًا: “إما أن تجلسوا معنا على طاولة المفاوضات لننال حظنا من الثروات، وإما أن نجعل من السودان صحراء لا تحتمل الحياة”. ومن وراء هذا التهديد؟ الإجابة تلوح في الأفق، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي باتت، بحسب الشواهد، الراعي الأول لهذه المليشيا، مستخدمةً مرتزقة من كل أنحاء العالم، وسلاحًا أمريكيًا يمر عبر شبكات معقدة تشمل دولًا مثل تشاد و جنوب السودان وكينيا وأوغندا.
لكن لماذا السودان؟ الجواب يكمن في ثرواته المنهوبة، في أرضه الخصبة، ونفطه، وذهبه، ومياهه. الإمارات، التي ترى في السودان ساحة جديدة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي، لم تتردد في استغلال الخلافات الداخلية. استخدمت بعض المجموعات السودانية، التي أُغريت بوعود السلطة أو خدعت بذريعة “الخلاص من الإخوان المسلمين”، كأدوات لتفكيك النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. لكن، هل هذه الذريعة الدينية أو السياسية كافية لتبرير تدمير أمة بأكملها؟ بالطبع لا. إنها مجرد ستار يخفي وراءه طمعًا لا حدود له.
الجنجويد، التي انهزمت في المعارك التقليدية، لجأت إلى استراتيجية الإرهاب المنظم. الطائرات المسيرة ليست مجرد أسلحة؛ إنها رمز لعجزها، ولكن أيضًا لدعمها الخارجي. فكل قصف يستهدف محطة كهرباء أو طريقًا أو مصدر مياه، هو رسالة موجهة إلى الحكومة السودانية: “لن نوقف حتى تجلسوا معنا”. لكن من يجلسون حقًا؟ هل هي الجنجويد وحدها، أم القوات المتعددة الجنسيات التي تجمع بين المرتزقة والمصالح الإماراتية؟ أم أن الجلسة ستكون مع الإمارات نفسها، التي باتت تتحكم في خيوط اللعبة؟ أم مع “التقدم”، ذلك الوهم الذي يبيعونه على أنه مخرج، بينما هو في الحقيقة استسلام للعدوان؟
هنا، يجب على الحكومة السودانية أن تتذكر أنها ليست مجرد ممثلة لنفسها، بل هي وكيلة عن شعب دفع ثمن أخطاء الحرية والتغيير، وأخطاء الإخوان المسلمين، وأخطاء السياسات الداخلية والخارجية. الشعب السوداني، الذي قاوم وصبر، يطالب اليوم بموقف واضح: موقف ينبع من روحه، لا من حسابات السلطة أو المصالح الضيقة. يجب على الحكومة أن تتحرى هذا الموقف، وأن تعيد بناء الثقة مع شعبها، بدلاً من الاستسلام لضغوط خارجية أو داخلية.
ورأيي الشخصي، أن الحل لا يبدأ بالجلوس مع الجنجويد أو راعيها، بل بفك حصار الفاشر، وتأمين الحدود مع تشاد، ورفع شكاوى إلى محكمة العدل الدولية. يجب أن تكون الشكوى شاملة، تضم الإمارات كراعٍ رئيسي، وتشاد كجار متورط، وأمريكا بسبب السلاح الذي وصل عبر شبكات دول مثل جنوب السودان وكينيا وأوغندا. كل هذه الدول، سواء من قريب أو بعيد، ساهمت في هذا العدوان الذي يهدد استقرار إفريقيا بأكملها.
في النهاية، السؤال المرير يبقى: مع من تجلس الحكومة إذا قررت الجلوس؟ هل مع الجنجويد التي أصبحت وجهًا للعنف، أم مع القوات المتعددة الجنسيات التي لا وجه لها، أم مع الإمارات التي تختبئ خلف ستار الدعم الاقتصادي، أم مع “صمود” التي يبدو وكأنها مجرد وهم؟ الإجابة، كما يبدو، ليست سهلة، لكنها ضرورية. فالسودان ليس مجرد ساحة للصراعات الإقليمية، بل هو تراب يستحقه اهله ليس طمع الطامعين و من عاونهم من بني جلدتنا .

quincysjones@hotmail.com

   

مقالات مشابهة

  • حماس: استهداف الصحفيين جريمة نكراء واستمرار مشين لانتهاكات الاحتلال
  • حركة حماس: قصف العدو الصهيوني لمجموعة من الصحفيين جريمة نكراء
  • الاحزاب السياسية السودانية وعجز القادرين على التمام
  • السلطة المحلية في أمانة العاصمة تدين بشدة جريمة قصف العدوان الأمريكي منزل مواطن في شعوب
  • صنعاء: السلطة المحلية تدين جريمة قصف العدوان الأمريكي منزل بشعوب
  • معالم في طريق استقرار الحكم في السودان (الحلقتين التاسعة والعاشرة الاخيرة)
  • الجنجويد والطائرات المسيرة: سيمفونية الدمار التي يقودها الطمع والظلال الإماراتية
  • بن دردف: إعادة بناء الثقة في القضاء تتطلب كسر سطوة المليشيات
  • بعد الحكم بإعدامه اليوم .. فرصة ثانية أمام قاتل صاحب مقهى أسوان بمصر الجديدة
  • وسط نزوح جماعي للمدنيين … تواصل المواجهات العسكرية بين الجيش و الدعم السريع بجنوب كردفان