الحالة السودانية وكوابح النفس البشرية
تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT
عادل محجوب على
adelmhjoubali49@gmail.com
• يمثل تغليب مصلحة الذات و الانتماءات ، على مصلحة الوطن ، عند القائمين بأمر الشأن العام بالسودان أكبر معوقات نهضته من كبوته ، و جرثومة هذا الداء كامنة فى كل ما أصاب الوطن من تخلف ،و شقاق ، ونفاق ، و كروب و حروب • ومن أكبر أسباب إستشراء هذا الداء ضعف المؤسسية والعقل ، وسيادة روح الانطباع والعاطفة ، التى تتسربل بمجمل الأداء العام للدولة ، وتجعلها رهينة لرغبات الذات و الانتماءات الحزبية والعرقية والجهوية ، وأثر هذا الأمر الخطير على فت عضد الدولة السودانية .
• ومن المعلوم أن كوابح النفس البشرية الأمارة بالسوء تتمثل فى الدين والأخلاق والعرف والقانون •و بالنظر لحالنا بصدق بعيدا عن أقوال المبالغة فى تمجيد ذاتنا والتى تمثل واحدة من مقعداتنا ، نجد الوازع الدينى لدى الأغلبية معطوب بالتدين المظهرى وليس الجوهرى الا من رحم ربى .فجوهر الدين مكارم الأخلاق . عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) • قال الشاعر أحمد شوقى :-
وإنما الأمم الأخـلاق ما بقيـت
فـإن هُمُ ذهبت أخـلاقهم ذهــبوا
•ولوإلتزم أولى الشأن بالسودان فى كل مفاصل الدولة بقيم الدين ومكارم الأخلاق لساد الصدق والعدل والإحسان والإتقان والأمانة طريق الحاكمين والمحكومين ، و عصم الدين الحق الأنفس عن حب الذات و الانتماءات ، وتوقف النفاق و الشقاق وسوء الأخلاق ،الذى كان له القدح المعلى فى ما أصاب البلاد من جور وفساد وحرب و دمار .
•و الإستغلال الأمثل للموارد الكثيرة المتاحة ، لن يتم إلا إذا تحلى الحكام والمحكومين بمكارم الأخلاق ، وحتى الحرب اللعينة. الراهنة لن تتوقف مالم يلتزم قائدا المتحاربين رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة. ونائبه بمجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع وهذا هو المسمى الرسمى لهما إلى مابعد نشوب الحرب ، (والاراء المختلفة حول المسميات وفق زاوية النظر وردود فعل الحنق عن ماحدث من انتهاكات هذا شىء آخر ) فيجب أن يلتزما بقيم الدين ، لأجل أنفسهما ، يوم لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولأجل هذا الوطن المنكوب و الشعب المسكين ، يقول الله سبحانه وتعالى.( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ٦١ الأنفال ) ويقول تعالى ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (١٩٩الاعراف)
•وضعف الوازع الدينى و الأخلاقي القويم بالسودان يقف وراء الحرب، وكان ومازال يقف وراء ما يسود من ظلم و أنانية و نفاق وكذب وبث كراهية وتفشى فساد وهدر موارد البلاد ووصول الوطن لهذا الدرك السحيق من الإنحطاط فى كل شىء .
• ويشكل العرف فى كثير من المجتمعات حائط صد متين يحول دون الوقوع فى عيب الفعل والقول ، وكان لعهد قريب العرف السودانى يكبح جماح من تسول له نفسه الوقوع فى براثن ما يعيبه المجتمع من فساد وكذب ونفاق وعدم أمانة و مروة وشح نفس ، و أحدثت المفارقات التى سادت بالعقود الأخيرة ، وما صاحبها من تدين شكلى كبير يلازمه فساد وسوء أخلاق واضح ، شرخا كبيرا فى العرف السودانى نتيجة رمد أصاب رؤية التمييز بين الصالح والطالح لإختلاط حابل جيب الذات والقبيلة بنابل الحزب و وإمكانات الوطن .
• و بضعف الكوابح الثلاثة ، النابعة من الوازع الذاتى ( الاوتوماتيكي ) الدينى و الأخلاقى ، والخوف من عيون الخلق ونظرة المجتمع وشيل الحال ، تبقى حائط الصد الأخير ، لحماية الوطن والمواطن من سيل الفساد و الإستبداد المتمثل فى مؤسسية عمل أجهزة الدولة و سيادة حكم القانون ، التى يحمى سياجها المتين من طمع الطامعين بغير حق ، وهذا أيضا أصابته أمراض الأنظمة الشمولية ، ونظرتها لمصلحة الوطن من خلال مرآة ذاتها فكان التمكين سكين هدرا للقوانين بحجة الولاء قبل الكفاءة ،الأمر الذى صار مدخلا للإنفلات .و تشريدا للكفاءات ،و زريعة لسيادة غوغائية عاطفة الإنتماء ونفاق التزلف وظلم المظان و سبهللية الانطباع ، وغياب تناسق عمل أجهزة الدولة ، وظهور ضياع حكومية لأباطرة منتمين ، و جذر حكومية معزولة ببحار مصالح ذاتية وحزبية وقبلية مهولة .وكان لابد من توالد شرانق الفساد فى برك الشمولية الآسنة ، و وجود عصى الإستبداد، و عشوش الدبابير ، لحماية أفيال الفساد ، و من يتشبث بهم من القراد و ما يطلقونه من جراد لمص دم الشعب وغرس الوطن .وكان حصاد هذا الهدر لوطن غنى الموارد ، بنية تحتية حافية ، وشعب فقير ، وقطط سمان ، ثم حرب مدمرة ، يصعب كل يوم أمر إيقافها ، أو حسمها ، إذا لم يعى الجميع الدرس ويتم التدارك قبل الوصول للمزيد من المهالك .
يا وطن تكلل بالسواد
و جماجم الموتى وأكوام الرماد
أمطر سحابة حلمك البيضاء
رفقا بمن تبقى على رباك من العباد
لتغسل ما تسربل من دماء
أنثر كنانتك الوضيئة دع الرقاد
تنهض جباهك الشماء
تنبض بالحياة اركان البلاد
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
تقسيم الوطن : حول ضرورة تطوير شعار الثورة ومناهضة الحرب
بابكر فيصل
إتخذت ثورة ديسمبر المباركة من شعار “حرية .. سلام .. عدالة” بوصلة لتحقيق الأهداف الكبرى التي خرج من أجلها ملايين السودانيين لإسقاط النظام الفاسد المستبد، وبعد إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل اللعينة رفعت القوى المدنية الديمقراطية شعار “لا للحرب” للتعبير عن إنحيازها للجماهير وعدم التماهي مع أطراف الحرب.
ومنذ الأيام الأولى للحرب، ظلت القوى المدنية تحذر من أن تطاول أمدها سيؤدي لنتائج وخيمة على البلاد والعباد، والتي يقف على رأسها الخطر الكبير الذي سيهدد وحدة البلاد وينذر بتقسيها و تفتيت كيانها الحالي.
وبعد مرور أكثر من عشرين شهراً أضحى خطر تفكيك البلاد ماثلاً عبر ممارسات لا تخطئها العين كان في مقدمتها خطاب الكراهية الجهوي والعنصري الذي ضرب في صميم النسيج الإجتماعي وخلق حاجزاً نفسياً يمهد لإنقسام البلاد بصورة واضحة.
تبع ذلك ثلاث خطوات إتخذتها سلطة الأمر الواقع في بورتسودان تمثلت في الآتي : قرار تغيير العملة الذي فرض واقعاً على الأرض تمثل في تقسيم النظام المالي بالبلاد بحيث صارت الولايات التي تقع تحت سيطرة الجيش تتعامل بعملة مختلفة عن تلك التي يتم تداولها في مناطق سيطرة الدعم السريع.
كذلك كان قرار إجراء إمتحانات الشهادة السودانية في الولايات التي يسيطر عليها الجيش وعدم قيامها في الولايات التي يسيطر عليها الدعم السريع اضافة لولايات تدور فيها رحى المعارك يصب عملياً في إتجاه تكريس عملية تقسيم البلاد عبر حرمان التلاميذ من حقهم في الجلوس للإمتحان فقط لأنهم يتواجدون في رقعة جغرافية لا يسيطر عليها الجيش.
الأمر الثالث تمثل في عدم إستطاعة قطاعات واسعة من الشعب السوداني إستخراج الأوراق الثبوتية ( أرقام وطنية، جوازات سفر الخ) وهى حق طبيعي مرتبط بالمواطنة التي تقوم عليها الحقوق والواجبات في الدولة لذات السبب المتعلق بالعملة وإمتحانات الشهادة.
هذه الخطوات مثلت البداية الفعلية لتقسيم البلاد, ويزيد من تفاقمها الخطوة المزمع إتخاذها من طرف بعض القوى السياسية والحركات المسلحة بإعلان حكومة موازية تجد تبريرها في ضرورة خدمة الشعب في المناطق التي لا يسيطر عليها الجيش، ولا شك أن هذه الخطوة ستشكل خطراً كبيراً على وحدة البلاد مهما كانت مبررات تكوينها (داوها بالتي كانت هى الداءُ).
لمواجهة هذه المعطيات الخطيرة المتسارعة، تقع على القوى المدنية الديمقراطية وقوى الثورة مهمة جسيمة للحفاظ على وحدة البلاد، وليس أمامها من سبيل سوى تكوين جبهة مدنية واسعة يتم من خلالها تطوير شعار الثورة ليصبح “حرية .. سلام .. عدالة .. وحدة”، وكذلك تطوير شعار مناهضة الحرب ليصبح ” لا للحرب، لا لتقسيم البلاد”.
إنَّ أهمية الحفاظ على وحدة البلاد لا تقلُّ بأي حال من الأحوال عن أهمية المناداة بالوقف الفوري للحرب، ولا مناص من تنادي كافة القوى الحريصة على عدم تقسيم البلاد لكلمة سواء يتم من خلالها تجاوز كل الخلافات من أجل تحقيق الهدفين معاً.