ما وراء انفصال جنوب السودان واستقلال الهند وباكستان
تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT
من المعلوم أن استقلال الهند وباكستان جاء بقرار من داخل البرلمان البريطاني في العام 1947م، من شهر أغسطس يوم الخامس عشر – (موعد تدشين منبر جنيفا الخاص بوقف اطلاق النار بين قوات الدعم السريع والجيش)، فكان كيان دولة شبه القارة الهندية جامعاً للدول الثلاث – الهند – باكستان – بنغلاديش، وكان الزعيمان المؤسسان غاندي ومحمد علي جناح لوقت قصير قبيل الاستقلال، يعملان في تناغم تام وقناعة كاملة تحت مظلة الدولة الواحدة، إلى أن جنح جناح الباكستاني جنوحاً دينياً، ليؤسس الجمهورية الإسلامية المعبّرة عن آمال مسلمي الهند آنذاك، بينما اختار غاندي أن تكون الدولة علمانية تنصهر في بوتقتها كل الأديان، وسارت الدولتان في خطيهما اللذين رسماهما الزعيمان المؤسسان، وفي العام 1971م حدث زلزالاً عنيفاً شطر باكستان الشرقية (بنغلاديش) عن باكستان، وذلك الانقسام أيضاً لعبت فيه العلمنة والديننة دوراً محورياً، بينما استمرت الهند كمنظومة فدرالية ديمقراطية حوت العديد من الأديان والأعراق، واليوم تعتبر الهند خامس اقتصاد في العالم، وما زال حبل تجارتها على الجرار، تقتحم الأسواق العالمية بالبضائع وبالعمالة الماهرة والعادية، وبالخبرات العلمية والمهنية الكبرى، ويكفي وجودها الطاغي في سوق تقنية المعلومات كأجهزة وكعقول، بينما المسكينة باكستان ترزح تحت نير الإرهاب والتطرف، وأصبحت بيئتها صالحة لاحتضان الرموز والتنظيمات الأصولية، وارتفع معدل الجرائم الانتحارية والتفجيرات المدفوعة بأفكار الغلو الديني، ويقيني أن المسلمين المعتدلين الذين غرّهم مشروع محمد علي جناح الطوباوي حينذاك فذهبوا معه، أجدهم اليوم يعضون أصابع الندم ويسألون أنفسهم لماذا لم يبقوا في الهند، لكنه القدر اللعين الذي ساق خطاهم وما دروا ماذا كانوا يصنعون.
لقد بلغ النمو الاقتصادي للهند 8.4% السنة الماضية، وهذا المعدل يعتبر متقدم جداً إذا ما قورن بمعدلات نمو اقتصاديات دول كبرى لمنظومة "البريكست"، وعلى خلفية السرد التاريخي لتطور الدولة الهندية (العلمانية)، ينكشف السر الأعظم للتخلف الاقتصادي للشعوب والدول الراكنة للأنظمة الراديكالية، فأكثر ما أضر بالاقتصاد الباكستاني هو الانزواء داخل كهف المنظومات السياسية المرتدية لعباءة الدين، وما جرته العصبيات العقائدية من أسباب التخلف الاقتصادي، ومن تجاربنا الاجتماعية في بلدان الخليج نجد الإخوة الباكستانيين يكنون وداً وحباً لأخوتهم السودانيين، من منطلق قاعدة الإخاء الديني، لكن لم تستطع الحكومتان الدينيتان في اسلام أباد والخرطوم ترجمة هذا الود اقتصادياً، وربما تعاون النظامان على مستوى التخابر الداعم لحركة الجماعات المتطرفة، هذه المقاربة القصد منها فضح عاطفية العقل الديني، الذي لا يعير التنافس الاقتصادي العالمي أدنى اعتبار، فعالم اليوم يحترم العمل والعلم الداعمين للابتكار والإبداع والتسابق للحصول على براءات الاختراع، ولو كانت للعاطفة الدينية الجياشة من مردود منفعي اقتصادي لجاءت لنا هتافات مليشيات الدفاع الشعبي في السودان بالخير الوفير، لا الوبال الكبير الذي انتج حرب اليوم، والحرب الأخرى الطويلة الأمد التي أجبرت الجنوب للذهاب جنوباً ليؤسس دولته، هب أن الجنوبيين خرجوا من نفق الوحدة الكاذبة لا الجاذبة مبكراً في العام 1956م، أكاد أجزم أن تكون العاصمة جوبا اليوم في مقام حسناء افريقيا وعروس مدائنها، بدلاً عن استهلاك السنوات الطويلة والعقود المديدة في خوض حرب الوحدة التي دفع ثمنها طرف واحد، وباعتبار أن النهج الفكري للحركة الشعبية لتحرير السودان – محررة جنوب السودان، نهج علماني، سيقفز شعب جنوب السودان للرفاه الذي يليق به، وذلك لسبب واحد هو انفصاله عن (باكستان السودان).
العبرة من رسالة هذا المقال أن يحذر السودانيون من مغبة مهادنة أي جماعة دينية، تبشر بمشروع سياسي يتخذ من الدين وسيلة للوصول لمقاعد البرلمان وكراسي القصر، وكما أسهم مشروع المؤتمر الوطني الإخواني في فصل جنوب السودان، سيكون الاستمرار في مجاملة أي طرح ديني وصولي انتهازي مؤدياً لانقسامات أخرى، ومن أكثر الأقاليم المرشحة للنأي بنفسها عن مهزلة الحكم الاسلاموي، جبال النوبة وجبل مرة، وإذا لم يفق السودانيون من غيبوبة خدر المتاجرة بالدين سيرزحون تحت نير التخلف الاقتصادي، ويغرقون في فوضى العيش تحت إمرة فتاوى الكتب الصفراء، التي يصدرها أمثال المعتوه الذي أشار للدكتاتور بسفك دماء ثلث المسلمين، وأنا على يقين من إتيان ذلك اليوم الذي يخرج فيه من أصلاب هؤلاء الشيوخ المسوخ، جيل ينصب لهم المحاكم وهم عظام نخرة تحت القبور، لقد حكمنا فقهاء الإخوان المسلمين بالدجل، وبالشعوذة التي أعطت الفكي (الفقيه) الحق في أكل أموال الناس أكلاَ حراماً، تحت ستار الدين، وأن يغتصب الأطفال في الكتاتيب مستغلاً منهج "إقرأ" النبيل لإشباع شهوته المنحرفة، ويحرم الناس من خيرات الذهب الأسود اتباعاً لفتاوى فاجرة وفاسدة أطلق عليها المعتوهون (فقه التحلل)، والناظر لحال الدولتين الآسيويتين – الهند وباكستان – اليوم، يعي مغبة الانجرار وراء فوضى فتاوى الضلال من معتنقي نظريات الهوس الديني، فلابد لمن أراد خيراً بشعب بلاده من أن يشعل قنديلاً للسلام والمحبة والتسامح الديني، ويعلم النشء علماً يستبين به طرق الخلاص من منهج التمائم والكتب الصفراء، التي ما زالت تذخر بها أرفف مكتبات المدارس والجامعات.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: جنوب السودان
إقرأ أيضاً: