إبقَ حيث الغناء.. فالأشرار لا يغنّون

"إبقَ حيث الغناء.. فالأشرار لا يغنّون".. .مثَل قديم تناقلته شعوب العالم إرثاً حضارياً وثقافياً عن "الغجر" الذين امتزجت أرواحهم بالموسيقى تعبيراً عن الفرح والحزن والخوف، في آن واحد، ولأن شهر أغسطس الذي نعيشه قفزت درجة حرارته لتسجل أعلى معدلات قياسية لها منذ عقود، قرر صناع الفن في بلادنا أن يلجئوا لـ"الموسيقى والغناء" حتى يسكبوا الفرح رطِباً ينعش قلوب الجماهير، وكما يتوازى الفرح والشجن معاً في الأنفس، تتوازى حفلات أحب وألمع الأصوات الشجية الصدّاحة في العديد من المدن، والتي كانت "العلمين الجديدة" قد بدأتها في يوليو، والآن نتابع الحفلات الأغُسطسيّة في كل من مهرجان الصيف بمكتبة الإسكندرية، الذي هلّت بشائره مطلع الشهر، والمهرجان الثاني الذي ننتظره في "قلعة صلاح الدين" بالقاهرة بعد أيام.

نقطة البداية من على ضفاف كورنيش البحر المتوسط، وبالتحديد منطقة الأزاريطة بالإسكندرية، حيث يمتزج الماضي بالحاضر بالمستقبل، على أرض مكتبة الإسكندرية العريقة، التي كانت قد فرغت لتوّها من فعاليات النسخة "19" من معرض الكتاب الدولي، والذي ارتاده مئات الآلاف من محبي العلم والمعرفة، لتلتحم به فعاليات الوجه المبهج من الثقافة (الغناء والموسيقى)، في أول أيام أغسطس، حيث أطلق صوت المطرب حمزة نمرة إشارة البدء لمهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية، وردد معه الجمهور أحب أغانيه: "فاضي شوية، ورياح الحياة، وإسكندرية، وأنا الطيب، وعالم كدابة، وإنسان، ولعله خير، وداري يا قلبي"، لتتراقص القلوب اللاهثة نحو اقتناص لحظات من الفرح في زمن الشجن اللامتناهي، وفي نفس الوقت، نفس الزمن عشية الخميس، في مكان آخر يبعد "120" كيلومتراً، كانت قلوب رواد "مهرجان العلمين"، تتمايل فرحاً وحنيناً لمدة "6" ساعات متواصلة، مع نوستالجيا التسعينيات ونجوم ذكرياتنا حميد الشاعري وإيهاب توفيق ومحمد فؤاد وخالد عجاج وهشام عباس.

بالعودة لمهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية، في دورته الحادية والعشرين، وصفه الدكتور أحمد زايد، مدير المكتبة، بأنه "مهرجان الارتقاء بالفنون"، يشارك به فرق وفنانون من "6" دول: مصر، وتونس، والبرتغال، وفرنسا، وأمريكا، وألمانيا"، ويستمر لليوم الأغسطسي الأخير، في تنوع مميز يرضي جميع الأذواق، ويضم "49" حدثاً فنياً بين حفلات غنائية وموسيقية لألمع "السوبر ستارز" من العيار الثقيل: علي الحجار، وهشام عباس، وأنوشكا، والموسيقار عمر خيرت، ومن النجوم الشباب نسمة عبد العزيز، وفؤاد ومنيب، وسعد العود، وخالد الكمار، وحفلات فرق شارموفرز، وهاي دام، وطبلة الست: التي تألقت على المسرح المكشوف في حفل كامل العدد، وقدمت التراث الشعبي الصعيدي، و"لي كامبانيون" التي تقدم موسيقى الجاز، وغيرها، كما يقدم المهرجان عروضاً مسرحية تعطي الشباب فرصاً لتقديم مواهبهم، منها عرض "منحنى خطر"، بجانب عقد ورش عمل مسرحية وسينمائية عن الكتابة للهواة، والتذوق السينمائي ومدارس النقد وصنع الأفلام القصيرة.

مهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية، ينظمه مركز الفنون، ويترأسه الموسيقار راجح داود (صاحب الموسيقى التصويرية لأشهر أفلام السينما المصرية: الكيت كات، ورسائل البحر، وسارق الفرح، والراعي والنساء)، وضمّت فعالياته عرضاً ارتجالياً تفاعلياً كوميدياً بعنوان "تحقيق"، قدمته فرقة "مكتوب علينا" المسرحية المستقلة، كما يستضيف فعاليات منوعة للأطفال، ويخصص "يوم العائلة" لتقديم ورش فنية وأنشطة مختلفة، ليكون بمثابة "مهرجان فني شامل"، ولا يستهدف جمهوراً محدداً، كغيره من المهرجانات المتخصصة مثل الموسيقى العربية، أو فعاليات قصور الثقافة، ولكنه في نفس الوقت يستقى "روحاً مفعمة بالثقافة الراقية"، نظراً لخصوصية مكتبة الإسكندرية ودورها الريادي التنويري، وهو ما يظهر في شخصيات مطربي الحفلات كالحجار ونمرة وعمر خيرت.

وبالاتجاه "200" كيلومتر نحو الجنوب، ومبكراً عن موعده بعشرة أيام عن العام الماضي، بالتحديد في 15 أغسطس الجاري، تظهر النسخة الـ"32" من مهرجان قلعة صلاح الدين الدولي للموسيقى والغناء، الذي تنظمه دار الأوبرا المصرية، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة، وتستمر الفعاليات على مدار أسبوعين متواصلين، حتى 28 أغسطس، وأعلنت الدكتورة لمياء أبو زيد، رئيس دار الأوبرا، أن الدورة الجديدة تشهد مفاجآت فنية مدهشة تجذب جميع الفئات العمرية والاجتماعية والثقافية، مع وضع شاشات عرض ضخمة لبث الحفلات، وزيادة عدد مقاعد المتفرجين ليتمكن أكبر عدد ممكن من

الجماهير (4 آلاف)، من ارتياد الحفلات التي تم "تثبيت" أسعار تذاكر حضورها، عند "60" جنيهاً، وهو رقم لا يصدقه مَن يقرأ أسماء النجوم التي ستسطع على خشبة المسرح بالغناء.

فعاليات المهرجان تقام على مسرح "محكى القلعة"، وتجمع بين التراث الغنائي والموسيقي العريق، بجانب التجارب الموسيقية المعاصرة، وهو مبدأ القائمين عليه منذ انطلاقته الأولى في 1990، وتشمل دورته الـ"32"، هذا العام، عروضاً للنجوم هاني شاكر، وعلي الحجار، وإيهاب توفيق، وهشام عباس، وحمزة نمرة، ومدحت صالح، ونادية مصطفى، ونسمة عبد العزيز، وكارمن سليمان، ولؤي، ودينا الوديدي، ومصطفى حجاج، وعروض لمركز تنمية المواهب، وفرق بلاك تيما، ومواويل، وجلاس أونيون، وعمرو سليم، ونسمة محجوب، والشيخ ياسين التهامي في ليالي الإنشاد الصوفي، وليالي موسيقى عربية للعندليب عبد الحليم حافظ ووردة، وأوركسترا القاهرة السيمفوني الذي يعزف أشهر الموسيقى العالمية.

تلك القائمة الطويلة التي لم نستطع حصرها، تمثل فرصة ذهبية لسكان القاهرة ممن يتعطشون لمثل هذه الليالي "الصيفية" التي يستقطبها الساحل الشمالي، كما تعد هدفاً مميزاً لعشاق الموسيقى والغناء للاستمتاع بعبقرية المكان على خلفية الموسيقى والغناء المنوَّع بين الأصالة والمعاصرة بين رومانسي وإنشاد صوفي وفرق الأندر جراوند، كما أن جمهوره المستهدف هو "المواطن البسيط الذي سيدفع "60" جنيهاً لتذكرة حضور حفل غنائي ضخم، في زمن الغلاء الفاحش والتضخم العالمي، ووصف المهتمون بالشأن الموسيقي في بلادنا، مهرجان القلعة، بأن أهميته تكمن في توجهه للجمهور العام الذي يختلف عن جمهور الأوبرا المصرية، باعتباره يقدم الفنون الرفيعة التي يصعب على بعض فئات المجتمع حضورها "لايف"، والوصول إليها والاستمتاع بها، وبوضع قائمة الـ"سوبر ستارز" ضمن فعالياتها أصبح مهرجان القلعة "همزة وصل" بين المجتمع بكافة طبقاته، وبين كل أنواع الموسيقى والغناء.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مدحت صالح عمر خيرت قلعة صلاح الدين محكى القلعة بمکتبة الإسکندریة الموسیقى والغناء مهرجان الصیف

إقرأ أيضاً:

قلعة الحصن بالساحل السوري.. عندما تروي الأبراج حكايات الفاتحين

وسلط برنامج "في رحاب الشام"، في حلقته بتاريخ (2025/3/18)، الضوء على واحدة من تلك القلاع، وهي قلعة الحصن إحدى كبرى القلاع في الشرق الأوسط وأكثرها إثارة للإعجاب، والتي تعد شاهدا حيا على الصراع بين المسلمين والصليبيين على أرض الشام.

تمتد مساحة القلعة لأكثر من 30 ألف متر مربع، وترتفع شامخة وسط تضاريس جبلية ومناظر طبيعية خلابة، مما جعلها موقعا إستراتيجيا هاما عبر العصور، حيث تسمح للمراقبين برصد الطريق كاملا من ساحل البحر إلى مدينة حمص.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4قلعة كرويا الألبانية.. رحلة عبر الزمن بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابةlist 2 of 4جبل الشيخ.. إطلالة سورية حصينة تطمع فيها إسرائيلlist 3 of 4حرب على تاريخ لبنان.. كيف تدمر إسرائيل تراث بيروت وبعلبك وصور والبقاع؟list 4 of 4الساحل السوري.. الواجهة البحرية الوحيدة لسورياend of list

ويذكر زهير حسون، مشرف قلعة صلاح الدين، أن أقدم أصل للبناء الحالي يعود إلى عهد المرداسيين قبل ألف سنة تقريبا، حيث بناه أمير حمص شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس ووضع فيه حامية كردية، ومن هنا جاءت تسميتها بـ"حصن الأكراد".

وتتألف قلعة الحصن من قلعتين متحدتي المركز، خارجية وداخلية، وتضم 13 برج مراقبة في السور الخارجي، و7 أبراج في الحصن الداخلي، مصممة بحرفية عالية تجعل اقتحام القلعة شبه مستحيل.

نظام دفاعي محكم

وتكشف التفاصيل المعمارية للقلعة عن نظام دفاعي محكم، يشمل خندقا مائيا، وجسورا خشبية متحركة، وبوابات تفتح من الداخل، وفتحات مصممة لصب الزيت المغلي على المهاجمين، مما يفسر صمودها لفترات طويلة أمام محاولات الاستيلاء عليها.

إعلان

وعندما استولى فرسان الاسبتارية على المكان خلال الحملات الصليبية، أطلقوا عليه اسم "حصن الأكراد"، وبعد نهب القرى المجاورة وطرد أهلها، أقاموا هذا الحصن ليكون واحدا من أهم وأكبر حصونهم المنيعة قرب سواحل بلاد الشام.

وحاول المسلمون استعادة القلعة عدة مرات، فحاصرها السلطان السلجوقي ألب أرسلان، ثم نور الدين زنكي أكثر من مرة، لكن تصميمها الدفاعي المحكم حال دون نجاح تلك المحاولات، وصمدت أمام حصار صلاح الدين الأيوبي لمدة شهرين.

وتعرضت القلعة لزلزال مدمر ذكرته المصادر التاريخية، لكن الصليبيين أعادوا بناءها وتوسيعها، وقد شُيدت على 5 مراحل، 3 منها خلال الفترة الصليبية، ومرحلتان خلال الفترة المملوكية، مما زاد من تحصيناتها وقوتها الدفاعية.

وتكشف قاعة الفرسان داخل القلعة، المبنية على الطراز الأوروبي، عن الفن المعماري القوطي الذي يتميز بفرض السلطة والرهبة من خلال تصميمه، حيث يكون الضوء خافتا والتفاصيل توحي بالغموض، وهو جزء من فكرة الجو الكنسي المتسم بالسرية.

كنيسة تحولت لمسجد

كما تضم القلعة كنيسة تحولت إلى مسجد بعد تحريرها من الصليبيين، حيث تم نصب منبر حجري وحفر محراب في الجدار القبلي، مع الحفاظ على البناء القديم بسقفه المقبب وجدرانه الحجرية ونوافذه الصغيرة.

ونُقشت على جدران القلعة عبارات باللغة اللاتينية، منها حكمة تقول "إذا منحت الوفرة وأعطيت الحكمة وفوقهما الجمال، فلا تدع التعجرف يتسلل إليك لأنه سيطيح بها جميعا"، وهي شاهد على الفترة الصليبية في تاريخ القلعة.

ولم تكن القلعة مجرد حصن عسكري، بل كانت مدينة متكاملة، حيث بنيت فيها معصرة زيتون وفرن ومستودعات حبوب وطاحونة ومطعم وكنيسة وغرف للقادة والفرسان النبلاء وإسطبل خيول وآبار للمياه، وحتى حمامات خاصة مزودة بخلاطات للمياه الباردة والساخنة.

وتميزت القلعة أيضا بوجود أنفاق سرية كانت تستخدم لإدخال الإمدادات والمؤن خلال فترات الحصار، وقد اكتشف الظاهر بيبرس هذه السراديب ودمرها بشكل كامل، مما أصاب الصليبيين باليأس، وبعد 33 يوما من الحصار، تمكّن من انتزاع القلعة من أيديهم.

إعلان

وبعد تحرير القلعة، سمح الظاهر بيبرس للصليبيين بالخروج بأمان إلى طرابلس، ثم قام المسلمون بترميمها وإعادة تشييد أسوارها المهدمة، وحفروا النقوش العربية والآيات القرآنية على جدرانها، منها "قل كل يعمل على شاكلته" المكتوبة فوق باب قاعة الفرسان.

قرية الحصن

ومن المثير للاهتمام أن المنطقة المحيطة بالقلعة، قرية الحصن، هي قرية قديمة تسبق بناء القلعة، وتتميز بينابيع المياه العذبة التي كانت تروي الأهالي والزوار القادمين من أماكن بعيدة.

وتتكون القرية من 4 حارات، هي: تركنا والحصن والسرايا والقلم، وتنقسم إلى قسم قديم بشوارع وحارات ضيقة وبيوت من الحجر الأبيض، وقسم حديث بالأبنية المعاصرة والشوارع الأوسع.

ويُظهر تاريخ المنطقة تناقضا صارخا في التعامل مع السكان المحليين، فبينما قام الصليبيون بتشريد أهالي المنطقة وارتكاب المجازر بحقهم، حافظ المسلمون بعد تحرير القلعة على الكنائس وأهلها الذين لا يزالون يعيشون هناك حتى اليوم، في تعايش تام مع جيرانهم المسلمين.

وفي العصر الحديث، أجبرت فرنسا الحكومة السورية على منحها القلعة عام 1930 لتبقى ملكا للحكومة الفرنسية، وقامت بتعويض الأهالي الذين كانوا يسكنونها وإخراجهم منها، فانتقلوا للعيش في قرية الحصن المجاورة.

وهكذا تبقى قلعة الحصن شاهدا على فترة تاريخية مهمة من تاريخ بلاد الشام، وعلى الفرق بين المحتل والمدافع عن أرضه، كما يقول أحد أهالي المنطقة "ملكنا فكان العفو منا سجية، فلما ملكتم سال بالدم الأبطح".

18/3/2025

مقالات مشابهة

  • عماد الدين حسين: إسرائيل لا تبحث عن تبرير جرائمها بل تتجاهل المجتمع الدولي
  • بمشاركة العراق.. استئناف اجتماعات المؤتمر الدولي لإدارة الدين في جنيف
  • قلعة الحصن بالساحل السوري.. عندما تروي الأبراج حكايات الفاتحين
  • البروفيسور صلاح الدين العربي يعلن عن تدشين وثيقة اعمار جامعة الجزيرة
  • بالمنطق .. صلاح الدين عووضه..أيام الحرب!!…
  • الثانية من نوعها هذا العام.. عملية أمنية واسعة في محيط جبال مكحول بصلاح الدين
  • رائد الموسيقى في مصر والعالم العربي.. ذكرى رحيل فنان الشعب سيد درويش
  • وفاة الممثل اللبناني أنطوان كرباج
  • في ذكرى انطلاقة الثورة الرابعة عشرة.. أهازيج الفرح وسط ساحة الأمويين بدمشق تجوب أرجاء الوطن
  • تشييع جنازة إحسان الترك من مسجد صلاح الدين بالمنيل .. فيديو