الهدنة الأولمبية (Olympic Truce) - كما هو واضح من اسمها - تعنى وقف جميع النزاعات العسكرية أو الحروب خلال فترة الألعاب الأولمبية. وتستند الهدنة الأولمبية إلى تقليد يونانى قديم يعود تاريخه إلى القرن الثامن قبل الميلاد، حيث كانت الألعاب الأولمبية القديمة (بالإغريقية: Ὀλυμπιακοί Ἀγῶνες)، تعقد فى أولمبيا، اليونان، واستمرت فى الانعقاد من القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن الرابع الميلادى.

وخلال فترة انعقاد الألعاب الأولمبية القديمة، جرت العادة على وقف جميع النزاعات، وذلك فيما عرف آنذاك تحت اسم «إيكيتشيريا» أو الهدنة الأولمبية، والتى كانت تبدأ قبل سبعة أيام من افتتاح الألعاب الأولمبية وتنتهى فى اليوم السابع من اختتام تلك الألعاب. وقد جرى إقرار هذه الهدنة، لتمكين الرياضيين والفنانين وأقاربهم والحجاج من السفر بأمان إلى مناطق الألعاب الأولمبية والعودة بأمان إلى بلدانهم.

وكان هذا التقليد اليونانى المقدس لإيكيتشيريا (الهدنة) فى مركز القلب من الألعاب الأولمبية فى العصور القديمة، حيث أتاح الأمان والبيئة السلمية للرياضيين المتنافسين فى الألعاب والمشاهدين الحاضرين، وكان تبنى الهدنة تحقيقاً لإملاءات العرافة دفلى، لتكون وسيلة من الوسائل المتاحة لوضع حد للحروب التى دمرت بيلوبونيز آنذاك. وبذلك، تمكنوا من الوصول إلى أطول اتفاق سلام فى التاريخ.

وفى العام 1896م، تم إحياء الألعاب الأولمبية الحديثة، للمساهمة فى بناء مستقبل سلمى للبشرية عن طريق تأصيل القيمة التعليمية للرياضة. إذ تجمع الحركة الأولمبية شباب العالم معاً فى مهرجان رياضى عظيم، لتعزيز السلام والصداقة والتضامن واللعب النظيف. واتساقاً مع أهداف الحركة الأولمبية الدولية، وفى العام 1992م، جددت اللجنة الأولمبية تقليد «إيكيتشيريا»، بأن دعت سائر الأمم إلى مراعاة الهدنة خلال فترة الألعاب الأولمبية.

ومنذ العام 1993، نما التأييد للهدنة الأولمبية باطراد داخل الجمعية العامة، ووصل إلى المشاركة غير المسبوقة بالإجماع فى إصدار قرار الجمعية العامة رقم 48/11، المؤرخ فى 25 أكتوبر 1993م بشأن مراعاة الهدنة الأولمبية، حيث تحث الجمعية العامة الدول الأعضاء على مراعاة الهدنة الأولمبية قبل افتتاح كل دورة ألعاب أولمبية بسبعة أيام وحتى اليوم السابع من اختتامها، وفقاً للنداء الذى وجهته اللجنة الأولمبية الدولية. كذلك، تحيط الجمعية العامة علماً بفكرة الهدنة الأولمبية التى كرست قديماً فى بلاد الإغريق لروح الإخاء والتفاهم بين الشعوب، وتحث الدول الأعضاء على الأخذ بزمام المبادرة فى التقيد بالهدنة، بشكل فردى وجماعى، وعلى السعى، بما يتفق مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، إلى تسوية جميع المنازعات الدولية بالوسائل السلمية.

وابتداءً من العام 1998، وتأكيداً للارتباط فى الأهداف والتطلعات بين الحركة الأولمبية ومنظمة الأمم المتحدة، ولاسيما فيما يتعلق بتعزيز السلم والأمن الدوليين، قررت اللجنة الأولمبية الدولية رفع علم الأمم المتحدة فى جميع مواقع منافسات الألعاب الأولمبية.

وفى الثالث من نوفمبر 2003، وفى قرارها رقم (58/5) بشأن الرياضة كوسيلة لتعزيز التعليم والصحة والتنمية والسلام، تدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى العمل فى إطار جماعى حتى تتمكن الرياضة والتربية البدنية من تهيئة الفرص للتضامن والتعاون من أجل نشر ثقافة السلام وتعزيز المساواة الاجتماعية والجنسانية ومن أجل الدعوة إلى الحوار والتواؤم. كذلك، فإن إعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية تضمن الاعتراف والإقرار بأهمية الرياضة فى تحقيق السلم والأمن ونزع السلاح. بيان ذلك أن البند العاشر من الإعلان يحث الدول الأعضاء على «مراعاة الهدنة الأولمبية، على أساس فردى وجماعى، فى الحاضر والمستقبل، ودعم اللجنة الأولمبية الدولية فيما تبذله من جهود لتعزيز السلام والتفاهم بين البشر من خلال الرياضة والمثل الأولمبية». ولذلك، تعرضت روسيا للانتقادات الشديدة بسبب تزامن نشوب حربها على جمهورية جورجيا مع بدء فعاليات دورة الألعاب الأولمبية التى أجريت بالصين سنة 2008م.

وهكذا، أصبحت الهدنة الأولمبية اليوم تعبيراً عن رغبة البشرية فى بناء عالم يقوم على قواعد المنافسة العادلة والسلام والإنسانية والمصالحة. وعلاوة على ذلك، تمثل الهدنة الأولمبية جسراً من التقليد القديم والحكيم إلى الهدف الأكثر إلحاحاً للأمم المتحدة المتمثل فى صون السلم والأمن الدوليين.

وبمناسبة إقامة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2024م فى باريس، وفى 25 يونيو 2024م، وجّه رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة نداءً رسمياً إلى جميع الدول الأعضاء لإبداء التزامها بالهدنة الأولمبية أثناء دورة باريس 2024م للألعاب الأولمبية والألعاب الأولمبية للأشخاص ذوى الإعاقة، وأهاب بجميع الأطراف المتحاربة فى النزاعات المسلحة الراهنة فى جميع أنحاء العالم أن تتفق بكل إقدام على وقف متبادل حقيقى لإطلاق النار طوال مدة الهدنة الأولمبية.

ومع ذلك، ورغم أن الهدنة الأولمبية ينبغى أن تبدأ ابتداءً من اليوم السابع قبل افتتاح الألعاب الأولمبية، ورغم أن الألعاب الأولمبية قد بدأت منافساتها فعلاً منذ أكثر من عشرة أيام، وشارفت على الانتهاء، فما زال العدوان على غزة مستمراً وما زالت الحرب الروسية الأوكرانية مستمرة، دون توقف. بل إن النداء إلى الهدنة الأولمبية لم يلق أى اهتمام أو يحظ بالتغطية الإعلامية المناسبة. أكثر من ذلك أنه، وفى اليوم التالى مباشرة لافتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية باريس 2024م، وفى يوم السبت الموافق السابع والعشرين من يوليو 2024م، سقط عشرة أشخاص على الأقل، بينهم أطفال، قتلى، وذلك على أثر سقوط عدة صواريخ على قرية مجدل شمس بمنطقة الجولان السورى المحتل، حيث أسفر الحادث عن إصابة 29 شخصاً آخرين. ومن بين المواقع التى أصابتها الصواريخ ملعب كرة قدم كان يلعب فيه أطفال. وإذا كانت الأقوال قد تضاربت حول سبب الحادث وهوية الطرف المتسبب فيه، فإن الحقيقة المريرة هى أن الحرب العدوانية الهمجية على قطاع غزة رداً على عملية طوفان الأقصى، قد أدت إلى استشهاد 193 لاعباً فلسطينياً. ويعيد ذلك للأذهان قيام إسرائيل بقصف ملعب لكرة القدم فى قطاع غزة يوم السابع من شهر أبريل 2006م.

وفى الختام، وإذا كانت الجهود متعثرة نحو الوصول إلى وقف نهائى لإطلاق النار، وذلك بفعل تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وتعمده إفشال المفاوضات من خلال إضافة شروط جديدة وسياسة الاغتيالات التى طالت بعض الشخصيات السياسية المشاركة فى المفاوضات، فإن الأمل كان معقوداً على الالتزام بالهدنة الأولمبية. وقد كان من الممكن أن تساعد الهدنة الأولمبية فى تحقيق فترة راحة قصيرة من الصراع والفتن، بما من شأنه أن يرسل رسالة أمل قوية إلى المجتمع الدولى.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: غزة الاحتلال فلسطين الأولمبياد الأولمبیة الدولیة الألعاب الأولمبیة الهدنة الأولمبیة اللجنة الأولمبیة الجمعیة العامة الدول الأعضاء الأمم المتحدة

إقرأ أيضاً:

غزة أجمل في رمضان.. حملة فلسطينية لتجاوز حرب الإبادة

مع حلول شهر رمضان، تعمل بلديات قطاع غزة المنكوب بشكل مكثف لنفض غبار حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تركت ندوبا عميقة في شوارعه وأحيائه السكنية على مدى 15 شهرا.

ويمر شهر رمضان، وهو الأول بعد الإبادة الجماعية، على الفلسطينيين في غزة وسط مشاعر مختلطة بين الفرح بحلوله والحزن على ما خلّفته آلة الحرب الإسرائيلية من دمار واسع وفقدان كبير.

ووسط الدمار الواسع الذي شمل نحو 88% من البنى التحتية بما فيها من منازل ومؤسسات حيوية وخدمية، تحاول بلديات القطاع عشية رمضان تنظيف وتزيين الشوارع وإضفاء لون جمالي عليها يعيد إليها رونقها وبعضا من الحياة المفقودة جراء الإبادة.

وفي 2 فبراير/شباط الجاري، أعلن رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة سلامة معروف القطاع منطقة "منكوبة" جراء حرب الإبادة الإسرائيلية.

الفوانيس الملونة تزين سوق الزاوية بمدينة غزة ابتهاجا بقدوم شهر رمضان (وكالة الأناضول) "غزة أجمل بأيدينا"

في محافظة غزة، أطلقت البلدية مبادرة تطوعية لتنظيف شارع عمر المختار الذي يضم أحد أبرز أسواق المدينة، وذلك بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي وبمشاركة مجتمعية.

وقالت البلدية، في بيان، إن حملة "غزة أجمل بأيدينا" تم إطلاقها الجمعة استعدادا لـ"استقبال شهر رمضان ولتعزيز مشاركة المجتمع المحلي في التخفيف من الكارثة التي تعيشها المدينة بعد حرب الإبادة".

وقال رئيس البلدية يحيى السراج، بحسب البيان، "هذه المبادرة تؤكد أن غزة ستكون كما كانت دوما جميلة ونظيفة بأيدي أبنائها وأن الشعب الفلسطيني قادر على إعادة الإعمار والبناء وأنه شعب حي متمسك بأرضه وحبه لوطنه ومدينته".

وتابع "المدينة تستقبل شهر رمضان في ظل ظروف صعبة نتيجة العدوان وبرغم ذلك سنستمر في الوقوف إلى جانب شعبنا في توفير الخدمات الأساسية وتعزيز صمود أهلها وتمسكهم بمدينتهم العزيزة على قلوب أبنائها".

إعلان

وأشار السراج إلى أن مشاركة المنظمات الأهلية في هذه المبادرة تمثل "رافعة وتعزز من مشاركة المجتمع المحلي في العمل التطوعي".

وتضمنت المبادرة، بحسب البيان، تنظيف الشوارع وجمع النفايات إلى جانب أعمال تبليط وإصلاح أرصفة.

وفي هذا الوقت من كل عام قبل اندلاع الإبادة، كان شارع عمر المختار يعج بمرتاديه من فلسطينيي غزة ويتزين بفوانيس وأَهِلّة مضيئة، إلا أن الإبادة فرضت ظلاما دامسا على القطاع منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

"غزة أجمل في رمضان"

وفي خان يونس جنوب القطاع، أطلقت البلدية حملة لتنظيف وتزيين شوارع المحافظة في محاولة لتجميل مظهرها العام بعد الدمار الواسع الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بها على مدى أشهر الإبادة.

الحملة التي تحمل شعار "غزة أجمل في رمضان"، انطلقت بالشراكة مع وزارة الحكم المحلي ولجان مجتمعية، بحسب سلسلة منشورات للبلدية على فيسبوك.

وقالت البلدية، في منشوراتها، إن هذه الحملة تأتي "ابتهاجا بقدوم شهر رمضان" المرتقب غدا السبت.

وأوضحت أن الحملة تشمل "أعمال إزالة ورفع الركام" في شوارع خان يونس، فيما نشرت صورا تظهر الأعمال التي انطلقت في حي الأمل غرب المدينة.

وذكرت أن فرقا تطوعية ساهمت في أعمال طلاء جدران منازل نجت من الإبادة، لتجميل المظهر العام للمدينة التي طالها جانب واسع من الدمار.

كما زيّن بعض الشبان جدران منازل في محافظة خان يونس بشعار "غزة أجمل في رمضان"، التي رسموا بجانبها فانوسا.

في السياق، شرعت طواقم البلدية بجمع النفايات المتراكمة في شوارع المدينة في إطار هذه الحملة.

استعدادات رمضان في سوق الزاوية بمدينة غزة (وكالة الأناضول) "من وسط الدمار يولد الأمل"

وضمن حملة "غزة أجمل في رمضان"، انطلقت بلدية رفح جنوب القطاع للعمل منذ صباح اليوم الجمعة لإعادة الرونق إلى المدينة التي ما زال الجيش الإسرائيلي يسيطر على 60% من أراضيها، وفق تصريح سابق لرئيس البلدية أحمد الصوفي، رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ منذ 19 يناير/كانون الثاني الماضي.

إعلان

وعلى أحد الجدران الناجية من حرب الإبادة، خطت مجموعة من الشبان عبارة "من وسط الدمار يولد الأمل" و"غزة أجمل في رمضان"، إلى جانب رسمة رمزية لطفل مبتسم يحمل فانوس رمضان مضيئا وإلى جانبه هلال، وأسفله ركام واسع على يساره يظهر قبة مسجد ومئذنته.

وقالت بلدية رفح، في بيان، إنها تنفذ الحملة بالشراكة مع وزارة الحكم المحلي والمجتمع المحلي، لـ"تهيئة بيئة أكثر نظافة وجمالًا خلال الشهر الفضيل".

وأضافت أن هذه الجهود "تعكس روح العطاء والتكاتف بين أبناء المجتمع، حيث يشارك الجميع في إعادة رونق المدينة رغم التحديات".

وأشارت إلى أن "مشهد العمال وهم يزيلون آثار الدمار يُلهم الأمل ويؤكد أن غزة ستبقى جميلة بسواعد أبنائها".

وذكرت البلدية أن "دعم هذه الجهود مسؤولية الجميع"، مضيفة أن "الحفاظ على النظافة يعكس وعي المجتمع وإرادته في صنع مستقبل أجمل".

فلسطينيون يتسوقون استعدادا لشهر رمضان المبارك في خان يونس (رويترز)

ولن يتمكن معظم الغزيين من التجهيز لاستقبال شهر الصيام بسبب انعدام السيولة المالية لديهم، إذ إن الإبادة الجماعية حولت جميع الفلسطينيين بالقطاع إلى فقراء، وفق بيانات البنك الدولي.

إلى جانب ذلك، فإن نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون نسمة في غزة يعانون مأساة التشرد القسري جراء الدمار الواسع.

ويقول فلسطينيون إن هذه المبادرات تأتي محاولة لزرع البهجة والطمأنينة في نفوس المواطنين الذين أرهقتهم الإبادة.

وبدعم أميركي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير/كانون الثاني 2025، إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 160 ألفا بين شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.​

وبدأ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي سريان اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل يشمل 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • رمضان في غزة.. حصار وأزمة إنسانية ومساجد مدمرة وحرب مستعرة
  • الكرملين: واشنطن تعيد تشكيل جميع التوجهات الخارجية بسرعة بشكل يتوافق مع رؤية موسكو
  • جوتيريش يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار مع انتهاء المرحلة الأولى من الهدنة في غزة
  • توتر في مدينة جرمانا بريف دمشق والأمن العام ينصب حواجز على جميع مداخل المدينة ومخارجها
  • كامل الوزير يترأس اجتماع الجمعية العامة للقابضة لمشروعات الطرق
  • غزة أجمل في رمضان.. حملة فلسطينية لتجاوز حرب الإبادة
  • احداث اذربيجان بعيون عراقيةخوجالي .. مدينة عاصرت المجزرة وحرب التحرير
  • صحف عالمية: اتفاق المرحلة الثانية أكثر صعوبة وحرب غزة قد تعود
  • قاض أمريكي يشكك في قانونية الإقالات الجماعية
  • الأولمبية والبارالمبية السعودية تعقد جمعيتها العمومية في 12 مارس المقبل