بعد سنوات من الضغط، أعلنت الصين فرض قيود جديدة على المواد الكيميائية المستخدمة في إنتاج الفنتانيل، وهي مادة أفيونية صناعية قوية، تعتبر "التهديد الأكثر فتكا الذي واجهته الولايات المتحدة على الإطلاق"، بحسب وصف وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند.

وتعد الصين واحدة من أكبر مصادر المواد الكيميائية المستخدمة في إنتاج الفنتانيل والتي تُباع إلى الكارتلات في المكسيك، والتي تصنع المخدر القوي للغاية وتنقله إلى الولايات المتحدة.

ولطالما كانت قضية الفنتانيل نقطة خلاف دبلوماسية على مدار العامين والنصف الماضيين، ويمثل القرار الصيني خطوة صغيرة إلى الأمام في استراتيجية إدارة بايدن في السعي إلى التعاون مع الصين في مكافحة المخدرات حتى مع تحديد علاقة البلدين بشكل متزايد بالمنافسة.

وكانت لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة أدرجت في مارس 2022 المواد الكيميائية - المعروفة باسم "4-أيه بي" و"1-بي أو سي-4-أيه بي" ونورفنتانيل" في القائمة السوداء. وكان ينتظر من الصين اتخاذ خطوات مماثلة محليا لكنها لم تفعل ذلك حينها، بحسب "وول ستريت جورنال".

ووضع العديد من خبراء مكافحة المخدرات إحجام بكين عن القيام بذلك في سياق ممارسة الحكومة الصينية لنقطة نفوذ على الولايات المتحدة مع توتر العلاقات الثنائية.

لم يبدأ الوضع في التحسن إلا بعد قمة في كاليفورنيا في نوفمبر الماضي، حين وافق الرئيس بايدن والزعيم الصيني شي جين بينغ على إطلاق مجموعة عمل مشتركة لمكافحة المخدرات.

بدءا من الأول من سبتمبر، ستفرض السلطات الصينية رقابة أكثر صرامة على إنتاج وبيع المواد الثلاث الكيميائية، بما في ذلك إلزام المصدرين بالحصول على ترخيص، وفقا لإشعار حكومي نُشر عبر الإنترنت الاثنين، بحسب ما نقلت "وول ستريت جورنال".

وقالت إدارة بايدن الثلاثاء إن الصين ستفرض لوائح وضوابط على ثلاث مواد كيميائية أساسية تستخدم في الفنتانيل اعتبارًا من سبتمبر، بحسب ما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز".

واعتبر البيت الأبيض قرار الصين "خطوة قيمة إلى الأمام" أعقبت اجتماعا بين كبار المسؤولين الأميركيين والصينيين في واشنطن الأسبوع الماضي.

واعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" هذه الخطوة التي سعت إليها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة تشير إلى رغبة بكين في إبقاء قناة دبلوماسية مهمة مفتوحة مع واشنطن قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر".

ووفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي)، سجلت الولايات المتحدة أكثر من 107 آلاف حالة وفاة بسبب الجرعات الزائدة في عام 2023. وكان الفنتانيل سببا لنحو 70 في المئة منها.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" يموت في كل عام أكثر من 80 ألف أميركي بسبب الفنتانيل.

وتقول الصحيفة: "ما بدأ كأزمة تغذيها الوصفات المتهورة لمسكنات الألم أصبح الآن تجارة غير مشروعة مميتة في أقراص أوكسيكونتين أو فيكودين المزيفة التي تحتوي على الفنتانيل بجرعات غير متسقة بشكل كبير"، مشيرة إلى أنه بناء على كمية الفنتانيل المستخدمة، يمكن أن تكون حبة واحدة مميتة".

في عام 2019، اتخذت الصين تدابير لوقف صادرات الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، مما دفع المجموعات الصينية إلى تحويل تركيزها إلى تصنيع المواد الكيميائية اللازمة لإنتاج الدواء. 

وبحسب "فاينانشيال تايمز" فإن العصابات الصينية ترسل المواد الكيميائية إلى الكارتلات في المكسيك التي تنتج الفنتانيل لتوزيعها في السوق الأميركية.

والشهر الماضي، أعلنت وزارة العدل الأميركية توقيف اثنين من قادة كارتل سينالوا المكسيكي القوي في تكساس جنوبي الولايات المتحدة، في ضربة قوية "لإحدى أعنف وأقوى منظمات تهريب المخدّرات في العالم".

ويورد مركز "إنسايت كرايم" أن كارتل سينالوا تولى "إقامة علاقات على أعلى مستوى داخل الشرطة الفدرالية والجيش المكسيكيين، وقدم رشى لأعضاء المؤسستين للحفاظ على تفوقه على المنظمات المنافسة".

ويرد اسم كارتل سينالوا على القائمة الطويلة للخلافات بين واشنطن وبكين. ففي يونيو، اتهمت وزارة العدل الأميركية "مصرفيين صينيين يعملون في الظل" بمساعدة الشبكة الإجرامية على غسل أكثر من 50 مليون دولار من عائدات المخدرات.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: المواد الکیمیائیة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس

منذ القرن التاسع عشر، لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في دعم المشروع الصهيوني، سواء على المستوى الديني أو السياسي. تجسد ذلك من خلال شخصيات مثل وارد كريسون، الذي كان من أوائل الأميركيين الداعمين لفكرة تشجيع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وصولًا إلى دونالد ترامب، الذي تبنى سياسات تسعى إلى إعادة تشكيل مستقبل غزة بما يخدم المصالح الصهيونية.

ترامب وغزة.. رؤية اقتصادية أم تهجير قسري؟

منذ أن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المشهد السياسي كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، تصاعدت تصريحاته المثيرة للجدل بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وخاصة فيما يتعلق بقطاع غزة.

وسط حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، طرح ترامب عدة أفكار تتعلق بمستقبل القطاع وسكانه، من بينها فرض السيطرة الأميركية على غزة، وإعادة توطين السكان الفلسطينيين في دول أخرى، وإلغاء حق العودة، ثم قال ما قد يفيد بغير ذلك لاحقاً.

قال ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تتولى السيطرة على قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس.

ويعتقد أن هذا الإجراء سيسهم في إعادة إعمار غزة وتحويلها إلى مركز اقتصادي وسياحي، مشيرًا إلى أن الأوضاع الحالية تجعل القطاع غير صالح للعيش. برر ترامب هذه الفكرة بضرورة إيجاد حل شامل يعيد تشكيل مستقبل غزة بما يتماشى مع الاستقرار الإقليمي.

إعلان

لذلك اقترح ترامب في يناير/ كانون الثاني 2025 إعادة توطين سكان غزة في دول أخرى، مثل الأردن ومصر، مع تقديم حوافز مالية لهذه الدول لاستيعاب الفلسطينيين النازحين. ويعتقد أن هذا الخيار سيمنح سكان غزة فرصة لحياة أفضل بعيدًا عن الظروف المعيشية القاسية داخل القطاع، معتبرًا أن غزة لم تعد مؤهلة للسكن بعد الدمار الواسع الذي شهدته.

وأكد ترامب أن الفلسطينيين الذين يغادرون غزة لن يكون لهم حق العودة، معتبرًا أن المنطقة لم تعد مناسبة لإعادة توطين السكان بعد الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية. ويرى أن هذا الإجراء ضروري لإيجاد واقع ديمغرافي جديد يمنع العودة الجماعية ويؤسس لمرحلة مختلفة في التعامل مع مستقبل القطاع.

في أعقاب تصريحات ترامب، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي توجيهات بإعداد خطط تتيح للفلسطينيين الراغبين في مغادرة غزة الخروج إلى دول أخرى، ورغم عدم وضوح آلية تنفيذ هذا المخطط، فإنه يتماشى مع بعض الأطروحات التي قدمها ترامب بشأن مستقبل القطاع.

عند كوشنر الخبر اليقين!

بحسب تقرير نشر في موقع "زمان يسرائيل" العبري التابع لـ "تايمز أوف إسرائيل"، فإن الخطوط العريضة للخطة نشأت لدى جوزيف بيلزمان، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن، الذي نشر مقالًا في يوليو/ تموز 2024 بعنوان "خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة".

يحدد الاقتراح خطة للدول والشخصيات الخارجية "للاستثمار" في إعادة بناء غزة بموجب عقد إيجار مدته 50 عامًا، وبعد ذلك سيتم تناول مسألة منح "السيادة" للسكان. ووفقًا للخطة، فإن التركيز الأساسي لإعادة الإعمار سيكون على قطاع السياحة، بما في ذلك بناء الفنادق على شاطئ البحر.

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن ترامب أخبر نتنياهو في مكالمة هاتفية في أواخر صيف 2024 أن غزة "قطعة عقارية رئيسية"، وأنها قد تكون موقعًا مثاليًا لبناء الفنادق.

إعلان

وقال بيلزمان في بودكاست في أغسطس/ آب إن مقاله "ذهب إلى مؤيدي ترامب، لأنهم كانوا أول من اهتم بها، وليس لمؤيدي بايدن". وأضاف أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، "يريد استثمار أمواله فيها… يسيل لعابهم للدخول".

وقال بيلزمان إنه بموجب اقتراحه، سيتم "إخلاء قطاع غزة بالكامل"، مشيرًا إلى أن "الولايات المتحدة يمكن أن تضغط على مصر" لقبول اللاجئين من غزة، لأن "مصر دولة مفلسة" عليها ديون كبيرة للولايات المتحدة.

وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه "ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، بحسب تعبيره. وقال في فعالية في هارفارد في  فبراير/ شباط 2024 "العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش".

الجذور الأولى للفكر الاستيطاني الأميركي

أعادت تصريحات ترامب إلى الأذهان أفكارًا تاريخية مشابهة طرحها وارد كريسون (Warder Cresson) في القرن التاسع عشر. كريسون، الذي كان أوّل قنصلٍ أميركيٍّ في القدس، وداعيةٍ مبكرٍ لفكرة إعادة اليهود إلى فلسطين، تحوّل من المسيحية إلى اليهودية وغير اسمه إلى ميخائيل بوعاز إسرائيل.

كان من أبرز دعاة فكرة توطين اليهود في فلسطين، مؤمنًا بأن الله خلق الولايات المتحدة لدعم اليهود، وأن النسر الأميركي سيحقق نبوءة أليشع بتغطية الأرض بجناحيه. أعلن كريسون أن "لا خلاص لليهود إلا بقدومهم إلى إسرائيل"، وكرس حياته لتحقيق هذه الرؤية.

في 22 يونيو/ حزيران 1844، رحل كريسون إلى فلسطين حاملًا علمًا أميركيًا وحمامة بيضاء كان ينوي إطلاقها عند وصوله. وعندما وصل كريسون إلى فلسطين، واستقر في القدس، أسس "ختمًا قنصليًا" ومد حماية أميركية على يهود المدينة، الذين كان العديد منهم فقراء يعتمدون على المساعدات الخارجية.

في عام 1852، أسس مستعمرة زراعية يهودية لتدريب المهاجرين على الزراعة، وحاول إنشاء مستوطنة في وادي رفائيم بمساعدة موسى مونتفيوري، لكن جهوده فشلت.

إعلان

ومع ذلك، فإن أفكاره ألهمت آخرين، مثل كلوريندا ماينور (Clorinda Minor)، التي أسست مدرسة الزراعة للأعمال اليدوية لليهود في الأرض المقدسة بالقرب من قرية أرطاس، بالقرب من بيت لحم. وقامت بتأسيس مستوطنة "جبل الأمل" بالقرب من يافا، الذي اشتراها كريسون، باعتبارها "مزرعة أميركية نموذجية" لتعليم اليهود كيفية زراعة الأناناس والموز والليمون.

هندسة جغرافية فلسطين

ما يجمع بين كريسون وترامب هو الإيمان بإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والسياسي لفلسطين لصالح المشروع الصهيوني. فبينما سعى كريسون إلى إعادة توطين اليهود في فلسطين عبر إنشاء مستوطنات زراعية، يسعى ترامب إلى إعادة هندسة الواقع الحالي عبر سياسات التهجير القسري، وإعادة الإعمار تحت السيطرة الأميركية.

مع استمرار هذا النهج عبر التاريخ، تعكس تصريحات ترامب بشأن غزة امتدادًا للفكر الاستيطاني الأميركي الذي بدأ مع وارد كريسون في القرن التاسع عشر. فكما سعى كريسون إلى الاستيلاء على فلسطين عبر الاستيطان، تأتي أطروحات ترامب وكوشنر بواجهة اقتصادية، لكنها في جوهرها تستند إلى نفس الهدف: تفريغ الأرض وإعادة تشكيلها بما يخدم المشروع الصهيوني.

وبينما تغيّرت الأساليب والخطابات، يبقى النهج ثابتًا؛ إعادة هندسة الواقع الفلسطيني وفق مصالح القوى المهيمنة، في استمرارية تعكس كيف يعيد التاريخ نفسه من كريسون إلى ترامب، كل مرة بأسلوب جديد لكن بروح استعمارية واحدة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الصين: نطالب بإنهاء العقوبات أحادية الجانب وغير القانونية ضد إيران
  • مصادر: المواد الكيميائية تساعد على زيادة حريق المعامل المركزية بوزارة الصحة
  • علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس
  • هيئة الطرق: استخدام معدة إعادة تدوير طبقات الأسفلت في طرق المدينة المنورة
  • القوات البحرية المشتركة تضبط أكثر من 400 كيلوغرام من المخدرات في بحر العرب
  • الصين تؤكد رفضها استخدام غزة كورقة مساومة
  • إحالة لجنة فحص المواد الكيميائية للتحقيق ويوجه بحصر وفحص الأحماض بالمعامل في أسيوط
  • البطل المنقذ وبداية الانهيار الأميركي
  • الصين تتفوق على الولايات المتحدة في معركة الأسواق المالية بفضل التكنولوجيا
  • المشدد 5 سنوات.. جنايات سوهاج تسدل الستار على كبرى قضايا الحشيش