الألحان القبطية فن وتراث يتوارثه الأقباط
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
لعبت الموسيقى وما تزال دورًا كبيرًا فى العبادة على مدار التاريخ وفى جميع الأديان إذ تخاطب وجدان الإنسان مثلما يخاطب الطقس جسده.
وقد عرفت الموسيقى أول ما عرفت من خلال العبادة حيث كانت أول موسيقى هى الموسيقى الدينية فكانت المشاعر الدينية ملهما قويًا فىتأليف الألحان والصلاة بها ويصف القديس كليمندس السكندرى من أباء القرن الثانى الطقوس الوثنية فى المعابد وأهمية الموسيقى والغناء الدينى فى المعابد.
ولشعف قدماء المصريين بالموسيقى فقد جعلوها من فرائض عبادتهم وكان الكهنة يشتركون مع المغنين كما كانت الموسيقى ضمن أسرار المعبد الفرعونى بحيث يقسم الكاهن الجديد على ألا يبوح بسرها.
وبينما تستخدم الموسيقى الآن فى بعض الكنائس غير الارثوذكسية كمقدمة للاجتماعات والخدمات فيها مثل الترانيم فى الفقرات الافتتاحية في اجتماعات الشباب وخدمات البروتستانت نجد أن الموسيقى فى الكنيسة القبطية تحتل أكثر من سبعين بالمائة من مادة الخدمة والعبادة فيها ليست الفقرات الملحنة فى القداس فقط بل حتى الكتاب المقدس نفسه يقرأ مرتلًا وقد استخدمت الكنيسة الألحان فى البداية حتى يتسنى للمصلى التأمل فيما يقرأ لاسيما عندما تتعلق الكلمة بفكرة لاهوتية أو قيمة روحية كبيرة.
وعن أسباب استعمال المسيحيين للألحان فى الكنيسة فيقول المؤتمن بن العسال:-
١) قال الله على لسان داود النبى سبحوا الله بأصوات عالية سبحوه بصلاصل شجية الصوت.
٢) إنه لما كانت الالحان تسمعها الآذان فتدخل القلوب بلا استئذان فتهيج بكاء المؤمنين المنتصبين على أقدام التوبة على ما ارتكبوه من المعاصى والذنوب.
٣) حزقيال النبى لما أراه الله شبه وقاره سبحانه ومناظر الملائكة قال " رأيت يدًا امتدت إلىّ ماسكة صحيفة مطوية فنشرها أمامى وإذا هي مكتوبة ظاهرًا وباطنًا وفيها ألحان وخشيات ومراثى وقال كل هذه الصفيحة وكلم بنى إسرائيل ".
وقد عدد بن العسال العديد من الاسباب الاخرى.
وبالإجمال فقد دعين الموسيقى بالفن الإلهى وكذلك الفن الذى يقودنا إلى حافة العالم اللانهائى ويدعنا نتأمل فيه للحظات ووصفها " بروتنج" بأنها وميض من الإرادة الكامنة وراء جميع القوانين وقيل أيضا ليس حقيقة يدركها الإنسان كتلك التى تأتى عن طريق الموسيقى
أن أول تسبيحة وصلت إلينا من التراث الكنسى ذات وزن شعرى محكم من وضع القديس كليمندس السكندرى من أباء القرن الثانىالميلادى وقد ألف كثيرًا من الترانيم الكنسية للدفاع عن الإيمان ضد الغنوسيين وأشهرها تسبيحة المسيح المخلص وقد جاءت فى نهاية كتابالمربى الذى كتبه.
ومن التسابيح الثمينة أيضا التى ورثتها الكنيسة تسبيحة للشهيد بوليكاربوس أسقف سيمرنا سنة ١٥٦ م التى قالها قبل استشهاده.
ومن صلوات القرن الثانى التى وصلتنا ولازالت الكنيسة اليونانية تسبح بها فى خدمة المساء والقداس حتى اليوم وهى تسبيحة النور البهي ومطلعها يا نورًا بهيا وهى تتلى وقت إشعال المصابيح وهى تنسب إلى القديس أثينوجينس.
ومن المعروف أن التسابيح الأولى فى الكنيسة لم تتبع وزنًا شعريًا خاصًا لانها كانت مقتبسة من المزامير المترجمة وبعض مقتطفات محددة من قانون الإيمان فى ذلك الوقت.
وينسب كذلك تأليف بعض الألحان إلى القديس أثناسيوس الرسولى مثل لحن أومونوجنيس والذى يعد من أروع الالحان التى صاغ فيها المؤلف قطعة لاهوتية رائعة ومؤثرة فى حين نسبته الكنيسة اليونانية إلى الامبراطور جوستنيان الاول بينما تنسبه الكنيسة السريانية إلى القديس ساويروس الانطاكى.
بينما دافع القديس باسيليوس الكبير عن الترتيل بالمزامير بالمناوبة وذلك بعد قراءة جزء من الكتاب المقدس وهو نظام مايزال متبعا فى بلاد كثيرة مثل مصر وفلسطين وسوريا.
ومن الاعمال الخالدة التى اخصبت الكنيسة بالاشعار أعمال اغريغوريوس النيزينزى الذى ألف ٤٠٠ قصيدة شعرية موزونة بعضها مهيأللتسبيح ولكن معظمها لم يأخذ طريقه للاستعمال فى الكنيسة وذلك بسبب عمقها وصعوبة أوزانها.
ومن قبل القديس اغريغوريوس جاء سينوسبوسى أسقف الخمس مدن الغربية (المولود سنة ٣٧٠م ) الذى ألف اشعارًا وألحان كثيرة لميحتفظ لنا التاريخ سوى ب ١٠ منها فقط وهى تتكلم عن الثالوث والتثليث والتوحيد وعن ابن الله المولود من العذراء وعن زيارة المجوس وعننزول المسيح إلى الهاوية.... ويذكر بافتخار فى أحد الحانه انه أول من وضع لحنا عن المسيح ينشد على القيثارة.
وهناك أيضا القديس هيلارى أسقف بواتيه (٣٥٠م) فهو يعد أول مؤلف رسمى للالحان اللاتينية، والقديس أمبروسيوس (٣٤٠م-٣٩٧م) ويدعى أمير اللحن اللاتينى فهو الذى أثرى اللحن اللاتيتى ويعد من أبرز كتاب الترانيم الاوائل ويصل عدد ألحانه إلى ١٠٠ لحن وبسبب ماألفه من الالحان التى استخدمت فى الليتورجيات الكنسية وجد ما عرف بالطقوس الامبروسية وقد شهد بذلك القديس أغسطينوس تلميذه
وبظهور القديس أفرام السريانى المسمى بقيثارة الروح القدس دخلت الالحان الكنسية فى جميع الشرق عصرًا جديدا من الخصب الروحي ويذكر عنه سوزومين المؤرخ أنه وضع ٣٠ ألف من المقطوعات الشعرية موزونة فى مجالات شتى إضافة إلى أشعار تاريخية مثل الاناشيد الأربعة ضد يوليانوس الجاحد وأناشيد نصيبين ولكونه موسيقيًا بارعًا فقد كان يلحن أشعاره بنفسه كما أن له بعض الخطب والاناشيد ذات الطابع السياسى.
وهناك أيضا الشاعر برودنتيوس وهو شاعر أسبانى وأديب ونؤلف ألحان وأناطوليوس وهو شاعر يونانى من القرن الخامس الميلادى وله أكثر من ١٠٠ لحن وإسحق السريانى الذى خلف مار أفرام السريانى فى نظم الشعر والالحان ويقول السريان إنه خصم عنيد للنساطرة وأيضا مار يعقوب السروجى ويسميه السريان مزمار الروح القدس وقيثارة الكنيسة الارثوذكسية.
ومن أكبر مؤلفى الاناشيد الدينية فى الكنيسة البيزنطية القديمة هو المرنم رومانوس الذى تنيح سنة ٥٦٠م وجدير بالذكر انه مرلف لحن " إىبارثينوس " الشهير الذى تترنم به الكنائس البيزنطية والقبطية فى عيد الميلاد وقد ألفه بوحى إلهى بعد أن ظهرت له والدة الإله ليلة عيد الميلاد.
أما بالنسبة للاقباط فقد جاءت أغلب نصوص الالحان خالية من أسماء مؤلفيها لأنها تعبر عن إيمان الجماعة المسيحية كلها بينما بدأت كتابة أسماء المؤلف والملحن بعد ظهور الهرطقات وبالتحديد مجمع خلقيدونية ٤٥١م حيث أصبح اللحن ينسب إلى واضعه لتحديد هوية اللحن من خلال هوية الشخص الذى وضعه.
أما عن مصادر الموسيقى القبطية نستطيع ان نحصرها فى ٣مصادر
الاول ) موسيقى قدماء المصريين وهى تشكل الجانب الاكبر من الألحان الكنسية لاسيما المسترسل منها أى غير السريع الايقاع او قصير الجمل الموسيقية فقد تأسست موسيقى الكنائس على الموسيقى الوطنية للبلد مثل الموسيقى السريانية واليونانية والروسية والحبشية وهكذا.
الثانية ) التسبيح بالمزامير والذى ورثته الكنيسة المسيحية عمومًا من الهيكل اليهودى
فقد كان هناك العديد من اليهود فى الاسكندرية الذين قبلوا الايمان المسيحى والذين كانوا يستخدمون المزامير المرتلة فى صلاتهم ولم تكن الكنيسة متشددة تجاههم بل رحبت بهم حتى انها لحنت بعض المزامير فى الابصلمودية.
وقد أثرت الاوزان العبرية فى الالحان على كل من الاوزان القبطية والسريانية فالطريقة العبرية فى الترتيل تقوم على التوازى المعنوى اى تردالفكرة على الفكرة وهو نفس المتبع فى التسابيح القبطية فى الابصلمودية حتى انه فى تذاكية الاحد تقوم شطرة بإيراد فكرة من العهد القديم تشير إلى السيدة العذراء بينما تقدم شطرة أخرى الشرح للفكرة.
الثالث )فهو الاقباط أنفسهم حيث انسكبت موهبة التلحين عليهم بغزارة فى العصور الاولى مثل القديس كليمندس السكندرى والقديس ديديموس الضرير وغيرهم.
وأغلب الظن أن معظم تسابيح الكنيسة قد كتبت بداية باللغة اليونانية ثم ترجمت بعد ذلك إلى القبطية وأما التسابيح التى كتبت فى القبطيةفتوجد فى الكتابات الطقسية للقديس مكاريوس الكبير والقديس سيرابيون.
لقد تأثرت كنيستنا القبطية باللغة اليونانية وذلك لان اللغة اليونانية كانت اللغة الرسمية منذ سنة ٢٠٠ ق.م ولكن لم تتأثر الكنيسة القبطية باللحن اليونانى ربما تكون الموسيقى القبطية قد استعارت بعض النصوص عن اليونانية ولكنها لم تستعر اللحن نفسه وتقدر عدد الكلمات اليونانية فى القداس الالهى بحوالى ١٥٠ كلمة وكما هناك أيضا بعض المصطلحات المستخدمة فى الكنيسة والتسبحة يونانية أما عن التطور التاريخى للموسيقى القبطية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط
إقرأ أيضاً:
شفيع التوبه في المسيحية.. الكنيسة تحيي تذكار نياحة «الأنبا موسى القوي»
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، اليوم الثلاثاء ، الموافق 24 بؤونة حسب التقويم القبطي ذكرى استشهاد القديس الأنبا موسى الأسود.
وقال كتاب السنكسار الكنسي الذي يدون سير الآباء الشهداء والقديسين ، إنه في مثل هذا اليوم من سنة 123 للشهداء ( 407م ) استشهد القديس العظيم الأنبا موسى الأسود.
واضاف السنكسار: وُلِدَ بإثيوبيا سنة 332م، ولما كبر أصبح عبداً لإنسان يعبد الشمس وكان قوى الجسم كثير الإفراط في الأكل والشرب وكانت أخلاقه شرسة يقتل ويسرق ويزنى ولا يستطيع أحد أن يقف أمام وجهه لقوته، وهرب من سيده وصار رئيساً لعصابة لصوص.
وتابع السنكسار: وكانت الخيوط الأولى من توبته بدأت عندما كان يخاطب الشمس قائلاً: " إن كنت أنت الإله فعرفيني وأنت أيها الإله الذي لا أعرفه عرفني ذاتك "، فسمع يوماً من يقول له أن رهبان برية شيهيت يعرفون الله فاذهب إليهم، فقام لوقته وتقلد سيفه وأتى إلى البرية.
وواصل السنكسار: فالتقى بالقديس إيسوذوروس قس الإسقيط، الذي لما رآه خاف من منظره، فطمأنه موسى قائلاً: " لا تخف فقد أتيت إليكم لتعرفوني الإله الحقيقي " فأتى به إلى القديس مكاريوس الكبير فكلمه عن السيد المسيح والتجسد والفداء فآمن، فعمده وقبله راهباً فعاش القديس موسى في حياة روحية قوية وكان الشيطان يقاتله بما كان يمارسه أولاً من خطايا، فكان يأتي إلى القديس إيسوذوروس معلمه ويخبره بذلك، فكان يعزيه ويشجعه ويعلمه كيف يتغلب على حيل الشياطين. وكان يحب خدمة الآخرين، فإذا نام شيوخ الدير كان يمر على قلاليهم ويأخذ جرارهم ويملأها ماءً من بئر بعيد عن الدير.
واستطرد السنكسار: حسده الشيطان وضربه بقُرح في رجله أقعده مريضاً، ولما علم أنها حرب من الشيطان ازداد في نسكه وعبادته حتى صار جسده كخشبة محروقة، فنظر الرب إلى صبره وتعبه ورفع عنه الأوجاع وحلت عليه نعمة الله.
وتابع السنكسار: ذات يوم اجتمع حوله خمسمائة أخ وأرادوا أن يرسموه قساً، ولما حضر أمام الأب البطريرك لرسامته، أراد البطريرك أن يجربه فقال للشيوخ: " من أتى بهذا الأسود إلى هنا، اطردوه " فأطاع وخرج وهو يقول لنفسه: " حسناً عملوا بك يا أسود اللون "، ولما رأى الآب البطريرك اتضاعه واحتماله استدعاه ورسمه قساً وقال له: " يا موسى قد صرت الآن أبيض بالكامل ".
ومضى في إحدى المرات مع الشيوخ إلى القديس مكاريوس الكبير فقال القديس مكاريوس إني أرى واحداً فيكم له إكليل الشهادة فأجابه الأنبا موسى: " لعلى أنا لأنه مكتوب كل الذين يَأْخُذُونَ بالسيف، بالسيف يَهْلِكُونَ " (مت 26: 52).
واختتم السنكسار: ولما رجع إلى الدير لم يلبث طويلاً حتى هجم البربر على الدير في غارتهم الأولى سنة 407م، فقال للإخوة " من شاء منكم أن يهرب فليهرب " فقالوا له وأنت لماذا لا تهرب يا أبانا؟ فقال:
" أنا أنتظر هذا اليوم منذ عدة سنين ". ثم دخل البربر وقتلوه هو وسبعة إخوة كانوا معه، وكان واحدٌ مختبئاً وراء حصير فرأى ملاك الرب قد وضع أكاليل على الشهداء، وبيده إكليل وهو واقف ينتظره، فخرج مسرعاً إلى البربر فقتلوه ونال معهم إكليل الشهادة.
فتأملوا أيها الأحباء قوة التوبة وما فعلت فقد نقلت عبداً وثنياً قاتلاً زانياً سارقاً، وصيرته راهباً ومعلماً وكاهناً وقديساً وشهيداً عظيماً. ويوجد جسده الطاهر مع جسد معلمه القديس إيسوذورس في مقصورة بدير البرموس العامر بوادي النطرون.
جدير بالذكر أن كتاب السنكسار يحوي سير القديسين والشهداء وتذكارات الأعياد، وأيام الصوم، مرتبة حسب أيام السنة، ويُقرأ منه في الصلوات اليومية.
ويستخدم السنكسار ثلاثة عشر شهرًا، وكل شهر فيها 30 يومًا، والشهر الأخير المكمل هو نسيء يُطلق عليه الشهر الصغير، والتقويم القبطي هو تقويم نجمي يتبع دورة نجم الشعري اليمانية التي تبدأ من يوم 12 سبتمبر.
والسنكسار بحسب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مثله مثل الكتاب المقدس لا يخفي عيوب البعض، ويذكر ضعفات أو خطايا البعض الآخر، وذلك بهدف معرفة حروب الشيطان، وكيفية الانتصار عليها، ولأخذ العبرة والمثل من الحوادث السابقة على مدى التاريخ.
ونشر المركز الاعلامي للكنيسة القبطية لمحات عن حياة القديس .