مثَّلت أفغانستان على مدار تاريخها، محطة صراع جانبية بين القوى العظمى، ما أفقر شعبها وجعله صاحب أكبر عدد من اللاجئين في العالم، بقرابة 8.2 مليون لاجئ  في خمس دول فقط من دول الجوار.
لكن لم يكن يتوقع أحد أن الغزو الروسي، سينتج عن محاربته إنشاء ما أُطلق عليه بعد ذلك (الجهاد العالمي أو الإرهاب العالمي) بحسب مراد مستخدِم المصطلح، فالدعم الدولي للمقاتلين الأفغان والمسلمين، الذين استُنْفِروا "للجهاد" ضد الغزاة، واستدعاء أفكار "الجهاد المقدس" تضافرا في لحظة ليصبح ما بعدها يختلف تماما عما قبلها.



خلَّف الغزو الروسي هزائم كبيرة، قُدِّرت بقرابة 15 ألف قتيل، وأكثر من 53 ألف جريح،  وفي المقابل لقي قرابة مليون أفغاني مصرعهم، فكانت المحصلة الدموية خروج الغزاة صفر اليدين بعد أكثر من 9 سنوات بقليل، وتشظِّي أفغانستان بين الميليشيات التي قاتلت السوفييت، ثم اقتتلت مع بعضها، فنُهبت مدن، واغتُصبت النساء والأطفال، ليقرر الملا محمد عمر أن يوقف هذه الممارسات، حين لجأ المواطنون الأفغان إلى علماء الدين متسائلين عن موقفهم من هذه الحرب الأهلية و تداعياتها، فنشأت حركة طالبان التي ساهمت -بقصد أو من دون قصد- في تغيرات عالمية كبرى.

يقول الملا عبد الحي مطمئن نقلا عن الملا عمر: "وصلَتْ أحوال مدينة قندهار والمناطق المحيطة بها إلى درجة أن شرفَ المسلمين وأرواحهَم وممتلكاتِهم لم تعد آمنة. (...) اعتبرتُ أن من الواجب عليَّ وقف هذه الجرائم، فتركت أنا وصديقي المدرسة وذهبنا إلى زانجي أباد، (...) وأخبرت صديقي أننا سنزور المدارس الآن لدعوتهم للانضمام إلى قضيتنا". وكان هذا في يونيو/ حزيران 1994.

خلَّف الغزو الروسي هزائم كبيرة، قُدِّرت بقرابة 15 ألف قتيل، وأكثر من 53 ألف جريح، وفي المقابل لقي قرابة مليون أفغاني مصرعهم، فكانت المحصلة الدموية خروج الغزاة صفر اليدين بعد أكثر من 9 سنوات بقليل،على مدار شهرين، طلب الملا عمر من الميليشيات المسلحة إزالة النقاط غير الشرعية، وفي أيلول / سبتمبر1994 أزال مع أصدقائه نقطة تفتيش غير شرعية في باشمول، وكانت بداية العمل العسكري لطالبان. تَبِعَ إزالة النقطة ترحيب الجماعات المحلية، وبعد العملية بثمانية أيام انعقد اجتماع لاختيار أمير للمجموعة، واختار الحضور بالإجماع الملا عمر أميرا عليهم، وبدأت رحلة السيطرة على أفغانستان لإنهاء تنازع الميليشيات.

خلال تلك الرحلة وقعت تجاوزات من أعضاء الحركة، وأصدر الملا عمر تعليماته بعدم التعذيب أو القيام بانتهاكات، ومع ذلك، فقد قتل الملا عمر بنفسه، أحد أشهر قادة الحواجز سيئة السمعة "نادر جان". وقد فسَّر مطمئن فعل الملا عمر بقوله: "حسب معلوماتي كان أول وآخر أسير يقتله الملا عمر، نادر جان كان قائدا لديه نقطة تفتيش ذات سمعة سيئة بالقرب من منزل الملا عمر، وانخرط في اختطاف النساء من السيارات لاغتصابهن، ويُعد هذا الحاجز أحد أسباب انتفاضة الملا عمر وتأسيسه حركة طالبان".

الوصول إلى السلطة

خلال سنتين استطاعت الحركة السيطرة على مناطق واسعة في أفغانستان، فاقترح مجلس الشورى الأعلى في الحركة على الملا عمر الدعوة لعقد اجتماع للعلماء من المناطق التي تسيطر عليها طالبان، لتلقي الاقتراحات بشأن مستقبل الحركة، وانعقد الاجتماع في 30 آذار / مارس 1996، وشارك فيه أكثر من 1500 شخص، وانضم إليهم الملا عمر في اليوم الثالث، وبحسب مطمئن "أوصى مولوي إحسانُ الله إحسان خلال كلمته الحشدَ المجتمِع أن يطلقوا على الملا عمر لقب (أمير المؤمنين)، وهو ما رحب به الجميع. وبدأ في مبايعة الملا عمر الذي كان مرتبِكا ومتفاجئا، لأن ما حدث غير متوقَّع".

وهنا يشير الملا عبد الحي مطمئن إلى أن "قادة الحركة لم يعتبروا اللقب بمعنى "خليفة المسلمين"، إنما لقب يعبر عن زعيم لمجموعة من المسلمين في منطقة صغيرة أو دولة"، وهذه إشارة إلى نطاق عمل الحركة جغرافيا، وولايتها على الأفراد، بخلاف الذين يعلنون الولاية على عموم المؤمنين في العالم، وسائر البقاع الجغرافية.

انتهى الاجتماع وأعقبه إعلان بعدم شرعية حكم رباني، ونقاط تفتيش الميليشيات، وأصدر الحضور قرارا بإبعاد رباني بالقوة عن الحكومة، ما دفعه إلى التحالف مع حكمتيار، في أيار / مايو 1996، وتحرك حكمتيار تجاه كابول ضمن قافلة ضخمة للدفاع عنها، لكنه بعد قتال قوي في محيط كابول والطرق المؤدية إليها لم يستطع الحفاظ عليها، وسقطت في يد طالبان في 26 أيلول / سبتمبر 1996، وفي اليوم التالي أُعدم الرئيس نجيب الله وشُنِق في ساحة أريانة، خوفا من حمايته عبر الضغوط الإقليمية والدولية، لتثير مشاهد قتله وتعليق جثمانه غضبًا دوليًا كبيرًا على الحركة.

سيطرت طالبان على العاصمة وشرعت في ترتيب إدارة شؤونها، وتشكَّلت أول حكومة من وزراء توزعوا على أقاليم وقبائل أفغانستان، فيما يبدو أنه نوع من الترضية للجميع، وكان الوزراء من الحركة، بينما بقية الموظفين من مسؤولي الحكومات السابقة، وساهم الحفاظ على الهيكل الإداري في استقرار شؤون الحكم كما كان قبل سيطرة الحركة.

كما ساهم في التماسك الإداري للحكومة، الارتباط السابق لبعض قادتها بجمعية "طلبة حركت"، التي قادها مولوي نصر الله منصور، وهي جمعية منبثقة من تنظيم (حركة الانقلاب الإسلامي)، وخرج من رحم الجمعية عدد من المؤهلين القادرين على القيام بأعمال إدارية في حكومتيْ رباني وطالبان، حتى قيل في عهد طالبان، "إن فلانا يفهم الإدارة لأنه قضى وقتا في تنظيم مولوي منصور".

أسامة بن لادن وطالبان

شارك أسامة بن لادن في القتال ضد السوفييت، ثم عاد إلى السعودية بأفكار مختلفة، وبشبكات من العلاقات مع مقاتلين خلال حقبة الغزو السوفييتي، ومع تزايد الخلاف بينه وبين النظام السعودي سافر إلى السودان، لكن لم تتوقف الضغوط الدولية لإخراجه من السودان أيضا، حينها قال الترابي للمبعوثين الأمريكيين والبريطانيين :

"خير لكم أن يصرف طاقاته هنا في هذه الأعمال، فإن أخرجتموه إلى أين سيذهب؟ لقد فقد جنسيته، سيذهب إلى أفغانستان! تلك الجبال لا يتذكر فيها إلا الجهاد، فالخير لكم أن تكون طاقته كأسرته في البناء والمعمار". لكن في النهاية، أُخرج أسامة من السودان عبر طائرة نقلته إلى أفغانستان مباشرة في مايو/ أيار 1996.

كان ابن لادن يحذَر طالبان، بحسب نصيحة مستضيفيه من خصوم الحركة، لكن لما سقطت ولاية ننجرهار التي كان يقطنها، طمأنه قادة الحركة على وجوده في بلدهم، ثم التقى بالملا عمر في شباط / فبراير1997، الذي أكد له دعم بقائه في أفغانستان، لكن طُلب منه عدم الإدلاء بتصريحات تُغضب السعودية، وخالف ابن لادن ذلك مرارا إلى أن أثار ضجة دولية بلقاء إعلامي دعا فيه ممثل CNN في أيار / مايو 1998، فأعلنت الحركة أن حكومتها "تعارض تصريحات ابن لادن، ولن تسمح له بعقد مثل هذه اللقاءات في المستقبل".

بعد أشهر قليلة، وقعت تفجيرات سفارتيْ أمريكا في كينيا وتنزانيا، فهاجمت أمريكا في آب / أغسطس 1998 معسكرًا في ولاية خوست، وتسبب حدوث الهجمات، قبل اتهام ابن لادن بضلوعه في التفجيرات، في تغيَّر موقف طالبان من أمريكا، لأنهم اعتقدوا أن الهجوم تم ترتيبه قبل حصوله بأشهر، وأعلنت الحركة أن "أعداء الولايات المتحدة أصدقاؤها".

استيقظ العالم على هجمات يوم 11 أيلول / سبتمبر 2001، وسارعت الحركة إلى إدانة الهجمات، كما طالبت الولايات المتحدة بـ"التروي حتى تعثر على أدلة تكشف هوية الفاعلين"، لكن عندما اتُّهم أسامة بن لادن بالوقوف وراء الهجمات لم تعد لدى الحركة أي حلول.بعد شهر من الهجوم، زار رئيس الاستخبارات السعودية، آنذاك، الأمير تركي الفيصل طالبان ، وأحضر معه قفصًا لنقل سجين، وبعد دقائق من الاجتماع ارتفع صوت الملا عمر رافضا تسليم ابن لادن دون دليل على تورطه في تفجيرات السفارتين، ونافيا أن يكون قد وعد بتسليمه، أو إعطائه الإذن لأي شخص يمثله بتقديم وعد بذلك، فغادر تركي الفيصل الاجتماع غاضبا، وفي اليوم التالي طلبت الرياض من السفير الأفغاني مغادرة أراضيها.

عندما أعلنت الولايات المتحدة اتهام ابن لادن رسميا، في تشرين الثاني / نوفمبر، طلبت طالبان منها تقديم أدلة تثبت تورط أسامة بن لادن، وطلب الملا عمر من المحكمة العليا عَقْد محاكمة لابن لادن في محكمة خاصة مدتها عشرين يوما، لتقديم أدلة إدانته في تفجيرات إفريقيا فأرسلت أمريكا شريطا يحتوي على تقرير قديم لشبكة CNN عن أسامة بن لادن وأتباعه في السودان، فشعر قادة طالبان أن الأمريكيين يستهزئون بهم، فانتهت المحاكمة.

استقر لدى قادة طالبان أن نظامهم بأكمله مستهدف من الأمريكيين، خاصة بعد دعمهم، بالتنسيق مع دول أخرى، تحالف أحمد شاه مسعود عام 2000، وكان رد طالبان على ذلك الدعم بتخليها عن الالتزام الذي قطعته أمام المجتمع الدولي بالسيطرة على نشاط القاعدة، وخففت القيود عليها، ورحبت بالمهاجرين إليها من "المجاهدين"، ليبدأ الفصل الأكثر دموية في الصراع مع الأمريكيين.
الغزو الأمريكي واحتلال أفغانستان

استيقظ العالم على هجمات يوم 11 أيلول / سبتمبر 2001، وسارعت الحركة إلى إدانة الهجمات، كما طالبت الولايات المتحدة بـ"التروي حتى تعثر على أدلة تكشف هوية الفاعلين"، لكن عندما اتُّهم أسامة بن لادن بالوقوف وراء الهجمات لم تعد لدى الحركة أي حلول.

طالب جورج بوش طالبان بتسليم ابن لادن، فأحال الملا عمر المسألة إلى العلماء، وحضر علماء من أفغانستان كلها للاجتماع الذي انعقد لمدة يومين، وخلصوا، بحسب الملا مطمئن، إلى "ضرورة مغادرة أسامة بن لادن أفغانستان طوعا، مع التأكيد أن طرده بالقوة أو تسليمه إلى الآخرين مخالف للشريعة الإسلامية، (...) وإذا هاجمت أمريكا أفغانستان، فيجب علينا الجهاد ضدها".

مرة أخرى، لم تقبل أمريكا بهذا الحل، واعتبرت مغادرته لأفغانستان مسؤولية الحكومة الأفغانية، وأمام إصرار الحركة على عدم تسليم أسامة بن لادن، بدأ الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر/ تشرين الأول، وفي غضون أسابيع انهارت طالبان وحكومتها، لكنهم نجحوا في إخفاء الملا عمر قرابة اثني عشر عاما.

اختفاء الملا عمر حتى وفاته

"فرَّ الملا عمر من قندهار إلى مسقط رأسه بولاية زابل بالجنوب، حيث أمضى عدة سنوات في عاصمة الولاية مختبئا في منزل سائقه عبد الصمد أستاذ، بحسب رواية مضيفه (جبار عمري). وقد فتشت قوات العمليات الخاصة الأمريكية المنزل المذكور ولكنها لم تدخل الغرفة السرية التي كان يعيش فيها الملا حتى عام 2004، وغادرها بعد أن أنشأ الجيش الأمريكي قاعدة لا تبعد إلا بضع دقائق مشيا من المنزل الذي يسكن فيه، فانتقل الملا إلى منطقة أبعد تنحدر منها عائلته، ووجد له حارسه الشخصي بيتا من الطوب ظل يرعاه فيه حتى وفاته.

وكان المنزل الآمن الثاني أيضا على بعد بضعة أميال من قاعدة أميركية أصغر تعرف باسم قاعدة العمليات المتقدمة "ولفرين" التي تقع جنوب عاصمة زابل، وحولها العديد من القرى التي يقال إن طالبان تسيطر عليها، وذكر أحد من خدموا بالقاعدة أن العديد من الجنود الأمريكيين قتلوا هناك أثناء دورياتهم.

كان الملا عمر يرسل توجيهاته وتعليماته إلى مقاتليه عبر شرائط صوتية، وبحلول عام 2013 عانى من مرض شديد، فاضطر مضيفه إلى إحضار طبيب محلي موثوق به، فأخبره أنه لا يستطيع السيطرة على المرض ويحتاج إلى فحوصات وعلاج مستمر. فسافر (جبار عمري) إلى أسرته وأخبر نجله، والأخ غير الشقيق للملا عمر، الملا عبد المنان، فسافروا يومها، وقبل وصولهم تلقوا نبأ وفاة الملا عمر، يوم 24 نيسان / أبريل 2013.

اجتمع عشرة أشخاص فقط للتباحث حول وفاة الملا عمر ثم اجتمع العلماء الأربعة وحدهم: مولوي عبد الحكيم، والشيخ عبد السلام، ومولوي هبة الله أخوند زاده، ومولوي محمد نور ثاقب، وأعلنوا لبقية الحضور اختيار الملا أختر محمد منصور أميرا، لأنه كان نائبا للملا عمر.

قبِل الحاضرون اختيار العلماء وبايعوا منصور ورفض الملا عبد المنان مبايعته لأنه أراد إيضاح وضع أسرتهم في الولاية لكن الملا عبد القيوم ذاكر، رئيس الهيئة العسكرية، طلب منه عدم التدخل في هذه الأمور والمبايعة، فبايع عبدُ المنان الملا أختر منصور.

لكن المفارقة أن الملا عبد القيوم ذاكر اختلف مع قادة الحركة لاحقا، فاستقال وجمد عضويته في مجلس الشورى، وبعد أشهر هدد قادة الحركة بتنفيذ طلباته أو إعلان وفاة الملا عمر، فانعقد مجلس تحكيم عرض فيه عشرة طلبات من بينها رئاسته للهيئة العسكرية مرة أخرى، فقَبِل الملا أختر منصور جميع طلباته عدا منصب الهئية العسكرية، فلم يرضَ عبد القيوم بذلك.

قبل دخول شهر رمضان عام 1436، صلَّى الملا عبد القيوم صلاة الغائب على الملا عمر في العلن، فاجتمع الملا أختر منصور بقادة الحركة وأعلن لهم وفاة الملا عمر وترتيبات بيعته وبدأت استشارات لوضع خطة مستقبلية فاقترح الحضور تأجيل إعلان الوفاة إلى ما بعد شهر رمضان.

اجتمع أعضاء مجلس الشورى بعد عيد الفطر، ومعهم مجموعة من العلماء، وانضم الملا عبد القيوم ذاكر والملا عبد المنان، واستمر الاجتماع لمدة يومين، وفي نهايته بايع الحضور الملا أختر منصور، ورفض عبد القيوم وعبد المنان البيعة، وفي اليوم التالي أعلنت الحركة رسميا وفاة الملا عمر نهاية تموز / يوليو 2015، ليسدل الستار عن أحد أبرز الشخصيات البسيطة التي أثَّرت في الأحداث العالمية، سواء قصد ذلك أم لم يقصد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه طالبان حكم افغانستان طالبان حكم سياسة عودة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی الیوم

إقرأ أيضاً:

ما مصير مليشيات فاطميون بعد سقوط نظام الأسد؟

نشأ لواء فاطميون تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني ليكون قوة مقاتلة عقائدية تحمي نظام الأسد وتعزز النفوذ الإيراني في سوريا.

وتم تجنيد عناصر اللواء فاطميون من المجتمعات الأفغانية الشيعية، لا سيما اللاجئون في إيران الذين جندتهم طهران للحرب في سوريا تحت شعارات عقائدية مثل الدفاع عن "المقدسات".

وساهمت مليشيات "فاطميون" في معارك كبرى مثل حلب والغوطة الشرقية، وأصبحت جزءا من شبكة المليشيات التي تدعمها إيران في المنطقة.

وبهذا الصدد اعتبر محمد جواد ظريف مستشار الرئيس الإيراني أن إيران دعمت فاطميون لمواجهة العدو المشترك للجميع، وهو تنظيم الدولة الإسلامية، وقال "لقد دعمنا من واجهوا داعش والتطرف في سوريا حتى لا يضطروا إلى مواجهته في كابول وقندهار".

ووفقا لتقرير صادر عن إذاعة صوت أميركا "في عام 2015، أفادت إحدى وسائل الإعلام التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أن لواء فاطميون تمت ترقيته من لواء إلى فرقة، مما يشير إلى أنه كان لديه ما بين 10 آلاف و20 ألف جندي". وحسب التقرير في عام 2018، قال مسؤول في لواء فاطميون إن ألفين من مقاتليهم قُتلوا وجُرح 8 آلاف.

وبحسب تقرير لقناة إيران إنترناشيونال "كانت الانتقادات الموجهة لأساليب التجنيد الإيرانية واسعة النطاق، حيث أدان المراقبون ونشطاء حقوق الإنسان استغلال الظروف المزرية للاجئين الأفغان للانخراط في صراعات إقليمية، بما في ذلك الصراع الدائر في سوريا".

إعلان حوافز للتجنيد

يقول فيليب سميث الباحث في شؤون المجموعات المسلحة التابعة لإيران استخدم الحرس الثوري مزيجا من الحوافز لتجنيد اللاجئين والمهاجرين الأفغان، وقد عُرضت على الأفغان غير المسجلين أموال ووعود بترتيب الوضع القانوني، وتم إخراج بعضهم من السجون ووعدوا بمحو سجلاتهم الجنائية إذا انضموا إلى اللواء.

وعن مصير مليشيات فاطميون بعد سقوط نظام بشار الأسد، يؤكد سميث في إشارة إلى إيران "إنهم بحاجة إلى قوات مثل هذه لأنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على حزب الله اللبناني كما لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الكثير من الشركاء الإقليميين الآخرين، لذلك أعتقد أنه إذا نظرنا إلى هذا الأمر، فإنهم يجب ألا يستمروا في ذلك فحسب، بل سيتعين عليهم أيضا تطويره بطريقة مختلفة".

ورغم نجاحاته العسكرية، فإن التطورات الأخيرة التي تمثلت في سقوط نظام الأسد وانسحاب القوات الإيرانية ومليشياتها، بما في ذلك لواء فاطميون من سوريا، وضعت مليشيات فاطميون أمام مفترق طرق.

السيناريوهات المحتملة

ويرى المراقبون أن بعد سقوط نظام بشار الأسد ومغادرة مليشيات فاطميون الأراضي السورية هناك سيناريوهات عدة حول مستقبل هذه المليشيات التي ما زالت تحت سيطرة إيران.

إعادة التوظيف في نزاعات أخرى

مع انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، يمكن لإيران أن توجه مقاتلي لواء فاطميون إلى نزاعات إقليمية أخرى مثل اليمن لدعم الحوثيين، أو العراق لتعزيز الفصائل الشيعية، أو حتى لبنان ضمن ما يُعرف بمحور المقاومة ضد إسرائيل.

وهذا السيناريو يبدو منطقيا بالنظر إلى إستراتيجية إيران في استخدام المليشيات كأداة لتعزيز نفوذها الإقليمي وإمكانية تحقيقه مرتفع نسبيا، خصوصا مع استمرار التوترات الإقليمية.

ومع ذلك، قد تواجه إيران عقبات مثل تراجع التمويل وصعوبة إقناع المقاتلين بخوض صراعات جديدة بعيدة عن قضاياهم الأصلية.

الحل وإعادة دمج المقاتلين

قد تلجأ إيران إلى تفكيك اللواء تدريجيا وإعادة دمج المقاتلين في المجتمع الإيراني أو الأفغاني.

إعلان

ويمكن أن يشمل ذلك منحهم الجنسية أو الإقامة في إيران أو دمجهم في وحدات الحرس الثوري الإيراني ويرى بعض لمراقبين أن تفكيك اللواء يتطلب موارد وجهودا لإعادة تأهيل المقاتلين اجتماعيا، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل التحديات الاقتصادية الإيرانية.

استمرار النشاط كمليشيات غير رسمية

يمكن أن يبقى لواء فاطميون قوة عسكرية صغيرة تعمل كوحدات احتياطية في مناطق أخرى، يتم تفعيلها عند الحاجة. هذا الخيار يتماشى مع سياسة إيران في الاحتفاظ بمليشياتها نشطة بأقل تكلفة ممكنة.

ولا يستبعد لجوء طهران إلى هذا الخيار نظرا لكون إيران تعتمد هذا الأسلوب في إدارة أذرعها العسكرية في المنطقة.

ويستبعد الكاتب الأفغاني برتو نادري قيام إيران بحل لواء فاطميون ويقول "رغم أنه من الصعب للغاية التنبؤ بالوضع السياسي في المنطقة مع هذه التطورات، فإنه يمكننا إثارة القلق من أن الحكومة الإيرانية ستستخدم هذا الجيش في أفغانستان وتركيا والعراق في الخطوة الثانية لتحقيق أهدافها السياسية".

سيناريو توجيه إيران لمقاتلي لواء فاطميون إلى نزاعات إقليمية أخرى يبدو الأكثر ترجيحا (شترستوك) العودة إلى أفغانستان

قد يعود بعض مقاتلي لواء فاطميون إلى أفغانستان، إما كأفراد يحاولون الاندماج في مجتمعاتهم، أو كقوة مسلحة يمكن أن تشكل تهديدا لحكومة طالبان لكن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر بسبب انعدام الثقة بين طالبان وقومية الهزارة الشيعة التي تشكل البنية الأصلية لمليشيات فاطميون.

هذا الخيار ممكن ومتصور مع صعوبات، خاصة مع محدودية الخيارات المتاحة أمام المقاتلين، لكن الخوف من انتقام طالبان يشكل عائقا كبيرا.

وقد تحاول إيران تحويل عناصر فاطميون إلى قوة سياسية أو اجتماعية تخدم أهدافها في أفغانستان ويحتاج تنفيذ هذا الخيار وقتا كما يتطلب استقرارا نسبيا وموارد مالية.

ويقول بعض الخبراء الأفغان إنه الآن، بعد انتهاء الحرب في سوريا، سيتم الاحتفاظ بهؤلاء المقاتلين في مراكز التجنيد والتدريب العسكرية الرئيسية في مدينتي قم ومشهد في إيران، وسيتم استخدامهم ضد المصالح الوطنية لأفغانستان بشكل خاص.

إعلان

ويشكل وجود لواء فاطميون إحدى نقاط الخلاف في العلاقات بين أفغانستان وإيران لأن النفوذ الإيراني التقليدي وسط الأقلية الشيعية في أفغانستان، ويعتبر مصدر قلق للحكومة الأفغانية ومصدر خطر للأمن القومي الأفغاني.

وفي دراسة لمركز الدراسات الإيرانية إيرام، أشار عدد من الخبراء والأكاديميين إلى أن "مليشيات فاطميون تمثل الآن تهديدا كبيرا للأمن في أفغانستان، خاصة بعد اكتسابها خبرات ميدانية في المدن السورية على مدار السنوات الماضية، وارتباطها الوثيق بنظام طهران، وبشكل خاص بقوات الحرس الثوري الإيراني.

وتؤكد الدراسة أن "إيران عازمة على استغلال هؤلاء المقاتلين في فرض نفوذها في دولهم بعد انتهاء الحرب في سوريا، مما يعني أن آلاف الأفغان المقاتلين في سوريا قد يشكلون تهديدا كبيرا على أفغانستان حال عودتهم إليها، كما توجد احتمالات بنقل هذه المليشيات إلى مناطق نزاعات أخرى، أو منحهم الجنسية الإيرانية وتوطينهم في إيران".

وفي هذا السياق، يقول محمد إكرام الكاتب السياسي الأفغاني "إن تشكيل قوة فاطميون القتالية من المهاجرين الشيعة الأفغان في إيران من قبل طهران هو أمر خطأ، لأن تجنيد مواطني دولة ما، دون اتفاق رسمي وقانون للحرب في دولة ثالثة هو أمر غير قانوني، ومخالف للمعايير والقواعد الدولية، وعمل غير أخلاقي، وبعد انتهاء الحرب السورية، فإن عودة جيش فاطميون هو أكبر تهديد لاستقرار وأمن أفغانستان".

وبحسب إكرام فإن "تجربة الحرب مع الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات في أفغانستان فيما يتعلق بالمقاتلين العرب في هذه الحرب تظهر مدى جدية وحقيقة هذا الخطر، فقد تشكلت القاعدة وتنظيم الدولة من بين هؤلاء".

وجود لواء فاطميون يشكل إحدى نقاط الخلاف في العلاقات بين أفغانستان وإيران (الصحافة الإيرانية) السيناريوهات الأكثر ترجيحا

بناء على المعطيات الحالية، يبدو أن السيناريو الأول -أي إعادة التوظيف في نزاعات أخرى- هو الأكثر ترجيحا على المدى القريب، إذ ستسعى إيران إلى توظيف فاطميون في نزاعات تضمن استمرار نفوذها الإقليمي، خصوصا في اليمن والعراق. وقد يتم تنفيذ السيناريو الثالث -أي استمرار فاطميون كمليشيا غير رسمية- بالتوازي، حيث يبقى لواء فاطميون كقوة احتياطية تُفعل عند الحاجة.

إعلان

أما السيناريو الخامس -أي التحول إلى قوة سياسية أو اجتماعية- فهو خيار إستراتيجي محتمل على الأمد البعيد، لكنه يتطلب ظروفا مواتية واستقرارا.

ومهما كانت السيناريوهات المحتملة، فالذي لا شك فيه أن التطورات الأخيرة في سوريا والمنطقة تفرض تحديات وفرصا جديدة أمام لواء فاطميون، ورغم أن سقوط نظام الأسد وانسحاب إيران من سوريا يقلص من دور اللواء العسكري، فإن إيران لن تتخلى بسهولة عن أداة إستراتيجية كهذه.

مقالات مشابهة

  • بعد إصابته في مباراة الجونة.. تعرف على موعد عودة إمام عاشور
  • تداعيات تعاون الهند وحركة طالبان الأفغانية على المنطقة
  • انفجار في شمال أفغانستان
  • في ذكرى رحيله.. تعرف على أبرز المحطات الفنية في حياة علي الكسار
  • سؤال وجواب | ماذا تعرف عن زين العابدين بن علي في ذكرى هروبه من تونس؟
  • مُساعد بن لادن مقابل 3 أمريكيين.. ما مصير صفقة تبادل السجناء بين واشنطن وكابول؟
  • فى ذكرى ميلاده.. تعرف على صلة القرابة بين محمد نجم وعمرو عبد الجليل
  • إعلان إسلام آباد لتعليم الفتيات.. مبادرة باكستانية في ظل التوترات مع أفغانستان
  • ما مصير مليشيات فاطميون بعد سقوط نظام الأسد؟
  • مقتل 8 مسلحين في مداهمات شمال غرب باكستان