الجزيرة:
2024-09-10@10:39:11 GMT

ميراث البشرية.. هل اللحاق الحضاري ممكن؟

تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT

ميراث البشرية.. هل اللحاق الحضاري ممكن؟

لقد حققت الحضارة الغربية مستوى مذهلا من التطور العلمي أثر على كل مناحي العمران والحياة، إذ يؤكد علماء التاريخ أن الـ200 سنة الماضية اختلفت علميا بشكل جذري عن الـ4 آلاف التي سبقتها، وفي الـ50 سنة الماضية فاق التطور العلمي ما تحقق في 200 سنة ماضية.

كما تسارعت في الـ20 سنة الأخيرة التطورات العلمية بشكل لا محدود، بفضل الإنترنت والتكنولوجيات الحيوية والذكاء الاصطناعي حتى بات الإنسان يفكر في محددات أخلاقية وقانونية تؤطر هذا التطور المذهل حتى لا يدمر نفسه بنفسه.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المفكر المغربي طه عبد الرحمن: هكذا تناولت السيرة النبوية فلسفياlist 2 of 2ضلال المعرفة.. من الميثولوجيا إلى الرؤية الاستعماريةend of list

إننا حينما ننظر إلى هذا التطور الباهر للعلوم والاكتشافات في مختلف المجالات، والفرق الحضاري الهائل بيننا وبين هذه المستويات الخرافية يصيبنا الإحباط ويتهيأ لنا بأن اللحاق الحضاري مستحيل، والأفضل لنا أن نقنع بالمنتجات الحضارية وأن نندمج في الحضارة التي أنشأتها.

ولكن الأمر ليس هكذا ولله الحمد، فثمة فرق بين الأمم التي تشتري المنتجات التي تسهل لها الحياة وتتمتع بها فحسب كما هو حالنا، والأمم التي تشتري المنتجات فتنعم بها ولكن تهيئ لها كذلك الموارد البشرية التي تشغلها وتفككها وتحاكيها وربما تصنع أفضل منها، كما كان حال اليابان مع المنتجات الأميركية الأوروبية ثم الصين التي لحقت اليابان بعد فرق 40 سنة.

واليوم الصين والغرب كفرسي رهان، ثم ها نحن أولاء بعد الصين واليابان العديد من الدول ومنها في بلادنا الإسلامية، كتركيا وإيران وإندونيسيا وماليزيا وباكستان، قد دخلت عالم التكنولوجيا والصناعات الحديثة، بل باتت تصنّع سلاحها.

سألت ذات يوم دكتور مهاتير، كيف صنعت نهضة ماليزيا؟ وكنا واقفين لا يسمح الوقت بإجابة طويلة، فأجابني جوابا مختصرا قائلا: "عزمت على أن أجعل المهندس الماليزي قادرا على العمل بكفاءة في مصنع بالمعايير اليابانية"، فاللحاق بالحضارة الغربية لا يكون إذن من خلال تكديس منتجاتها، ولكن بالركوب في قطارها عن طريق الإنسان الذي يكون في مستواها العلمي ويستطيع أن يركب من أي محطة من محطاتها.

إن الأميركيين والسوفيات لم يهزموا الألمان في الحرب العالمية الثانية لأنهم تفوقوا علميا، إذ لم يكونوا أبدا في المستوى التكنولوجي الذي كانت عليه ألمانيا آنذاك، ولكن لأن المنظومة الفلسفية والإنسانية والاجتماعية الألمانية كانت متطرفة وعنصرية تحتقر الإنسان، ولم تجعل حدا لأطماعها وجرائمها.

ومما أسهم في اللحاق بها استضافة علمائها في مخابر أميركا والاتحاد السوفياتي بعد خسارتها في الحرب. وحين سبق الاتحاد السوفياتي الولايات المتحدة الأميركية في علوم الفضاء وبلوغ سطح القمر في الستينيات أرجع الرئيس الأميركي جون كينيدي ذلك إلى تراجع المستوى التعليمي في بلاده.

وحينما انتهت الحرب الباردة بهزيمة الشيوعية في بداية التسعينيات لم يكن ذلك بسبب ضعف تطورها العلمي والتكنولوجي وإنما بسبب فلسفتها المصادمة للفطرة ومنظومتها الاجتماعية والإدارية المتكلسة، ثم إنه رغم استمرار التفوق الغربي تحت القيادة الأميركية في الجوانب العلمية والاقتصادية والعسكرية فإن المعطيات التي بين أيدينا في العقد الأخير تدل بأن الريادة ستكون في هذه المجالات للصين.

وسيكون ذلك في وقت غير بعيد بالنظر لتفوق هذا البلد في مؤشرات النمو التي تسجلها في براءات الاختراع والصناعة والتجارة وغير ذلك. وقد بدأت تتبعها دول أخرى بهذا الصدد في العالم الشرقي، ومن المفيد أن نعلم بأن تسع العشر من الباحثين في مخابر بعض الدول الغربية هم من شرق وجنوب الكرة الأرضية.

وإذا التفتنا إلى أسباب هذا الفتور الغربي لوجدناها في توقف الشغف الحضاري لدى الإنسان الأميركي والأوروبي بسبب انهيار المنظومة الأخلاقية، إلى الحد الذي صارت فيه الإباحية والنزعات الشاذة تحمى وتشجع بالقانون مما أدى إلى نهاية الأسرة وإزهاق الروح الاجتماعية، كما أدى هيجان الغريزة وانكسار ضوابط الفلسفة الفردانية وفشو الحياة المادية إلى تأليه السوق وتحول الاستهلاك إلى طقوس منضبطة للديانة الجديدة.

وقد دفع ذلك كله إلى تحول الحضارة الغربية إلى آلة فتاكة للظلم والاعتداء على الشعوب وتدمير ركائزها الثقافية لكي لا تنهض من سباتها ولا تفكر في النهوض. وتلك هي إرهاصات سقوط الحضارات على قول ابن خلدون وتوينبي وشبنغلر ومالك بن نبي.

إرث الحضارات

إن الحضارات ميراث البشرية، تورث كما تورث كل تركة، وعلى هذه السنة ورثت الحضارة الإسلامية علوم وفلسفة اليونان وطوّعتها وفق منظومتها الفكرية والثقافية والاجتماعية الإسلامية، وحين انتهت الحضارة الإسلامية ورث الغرب ميراثها، وطوّعه لثقافته ومنظومته الفكرية والاجتماعية المسيحية.

وحين كان الغرب ينقل ميراث الحضارة الإسلامية منذ عهد النهضة الكارولنجية في القرن التاسع الميلادي ثم النهضة الإيطالية فالأوروبية والإصلاح الديني ابتداء من منتصف القرن الـ14، لم تكن أوروبا أقوى من العالم الإسلامي بل كان الأتراك المسلمون يدكون دولهم ومدنهم دكا، غير أن شيئا ما حدث آنذاك في وعيهم الاجتماعي وفي منظوماتهم الإنسانية والإدارية والتعليمية بما جعلهم مؤهلين للحضارة.

وهكذا هو الحال اليوم لا نحتاج أن نكون أقوى من غيرنا ماديا وعلميا لنرث الحضارة الغربية ونستأنف حضارتنا الإسلامية، وإنما نحتاج أن نكون متفوقين فكريا وإنسانيا واجتماعيا وإداريا وتنظيميا، ولذلك يجب أن نعي بأن التحكم في العلوم الاجتماعية أهم من تحكمنا في العلوم التكنولوجية، ليس لأن هذه العلوم أو تلك أو ذانك العلم أو ذاك أفضل من الآخر، وإنما العلوم التكنولوجية قابلة للانتقال حينما تكون المنظومة الاجتماعية والإنسانية قوية تعبر عن ثقافة بلدها وذات رؤية حضارية.

لقد فهم الغرب أدوار العلوم التكنولوجية وأدوار العلوم الاجتماعية، فوجّه وأتباعه، منذ عهد الاستعمار إلى الآن، نجباء وأذكياء الأمة إلى العلوم الكونية والتكنولوجية لتحويلهم إلى تقنيين في مصانعهم ومنشآتهم الرأسمالية، ولسرقة عقول كثير منهم باضطرارهم إلى الهجرة إليهم بسبب غياب البيئة العلمية في بلداننا وغياب الأفق المعيشي وخصوصا بسبب الفساد والاستبداد.

كما منعوا وزهدوا المتفوقين دراسيا في جامعاتنا في دراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية، لكي لا يتحول النجباء إلى مفكرين وعلماء وباحثين في هذه الاختصاصات. ولكي لا نقدر على إنشاء المنظومات البنائية التي تجعل مجتمعاتنا حرة بوفرة القادة الواعين، وقادرة على تنظيم نفسها واستغلال مواردها، مهما كانت شحيحة، والتي ترفع المستويات التعليمية وتنشر الفاعلية الاجتماعية التي تمكن عندئذ من الانتقال التكنولوجي بكل يسر.

سواء كان ذلك بواسطة البعثات العلمية التي يسافر أفرادها من أجل الرجوع للبلد بالعلم، وليس للفرار المعيشي أو السياسي خارجه، أو من خلال المنظومة التعليمية الوطنية التي تصنع الباحث صاحب براءات الاختراع التي تطور الفلاحة والصناعة، والتي تخرج أيضا المهندس الذي يستطيع أن يبني ويحرك المصانع وفق المعايير الأميركية واليابانية والصينية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحضارة الغربیة

إقرأ أيضاً:

لماذا تضاعفت الخرافات بشأن الحضارة الفرعونية مؤخرا؟

من تمثال فرعوني تحدى قصف الحلفاء في الحرب العالميّة الثانية، إلى استخدام الكهرباء وأشعّة ليزر، وصولاً إلى غزو كوكب المريخ قبل آلاف السنين، تحصد منشورات محمّلة بمبالغات وأخبار خياليّة عن الحضارة المصريّة القديمة وأمجادها عشرات آلاف المشاركات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، في ظاهرة يصفها علماء اجتماع بأنّها "آليّة دفاعيّة" لمجتمعات تُبالغ في تمجيد الماضي تعويضا عن تراجع مكانتها في الحاضر.

وعلى مدى السنوات الماضية، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات كثيرة غير صحيحة عن الحضارة المصريّة القديمة، أصدرت خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس تقارير فنّدت الكثير منها، على غرار منشورات تزعم أنّ أحجار الهرم الأكبر صُنعت يدويا، أو أن مصر القديمة عرفت المصابيح الكهربائيّة منذ القدم، أو - أغربها على الإطلاق - وصول المصريين القدماء إلى كوكب المريخ قبل آلاف السنوات.

ويقول أستاذ علم الاجتماع السياسي المصري سعيد صادق لوكالة فرانس برس "حين تفقد الدول مكانتها الإقليمية أو الدولية، تُبالغ شعوبها في الحديث عن الماضي (..) إنها آلية دفاعية تُعوّض عن السؤال: أين نحن الآن"؟

وتعيش مصر، التي يناهز عدد سكانها 106 ملايين نسمة، يقبع ثلثهم تحت خطّ الفقر، أزمة اقتصادية بين الأسوأ في تاريخها، بعدما سجّل معدل التضخم مستوى قياسيا مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية.

ويُضاف إلى ذلك تراجع دور مصر الإقليمي في العقود الماضية، لا سيّما بعد العام 2011 وتوالي الاضطرابات السياسيّة والأزمات الاقتصاديّة.

وشهدت الحضارة المصرية القديمة تطوّرا علميا كبيرا ما زالت آثار البناء والتخطيط العمراني، إضافة إلى النقوش شاهدة عليه إلى اليوم، لكنّ مروّجي الأخبار المضلّلة لا يكتفون بعرض هذه الحقائق، بل ينشرون أخبارا غير حقيقية عن التاريخ القديم.

ويقول سعيد صادق "رغم أن الحضارة المصرية كانت حضارة مميزة بالفعل، إلا أن من يروجون لهذه المبالغات يبحثون عن مكانة لهم تحت الشمس، وسلاحهم المبالغة في الحديث عن الماضي".

وخلال السنوات الماضية، ظهر منشور على مواقع التواصل ادّعى أصحابه أن تمثالا للملك المصريّ، أمنحتب الثاني، كان الناجي الوحيد من بين كلّ مقتنيات ومعروضات متحف برلين بعد قصف الحلفاء له إبّان الحرب العالمية الثانية.

وتنسب المنشورات لضابط أميركي في قوات الحلفاء قوله "من صنع هذا التمثال ليسوا بشرا عاديين". لكن هذه القصّة ليست سوى من خيال مروّجيها، بحسب ما أكدت مديرة متحف برلين أوليفيا زرون لوكالة فرانس برس.

وقالت "هذا التمثال لم يكن الناجي الوحيد. نجت يومذاك (من قصف الحلفاء) قطع أثريّة مصريّة وقطع أثريّة غير مصريّة، والقطع التي تضرّرت كانت من بينها قطع مصريّة وأخرى غير مصريّة... القطع ذات الحجم الكبير نجت كلّها تقريبا".

ومن المنشورات التي تنسب إنجازات علميّة وهمية للمصريين القدماء ادّعاء وجود نقش أثري لمصباح كهربائيّ صمّمه المصريون القدماء واستخدموه قبل توماس إديسون بآلاف السنين. لكن ما يظهر في النقش حقيقة ليس مصباحا كهربائيا بل نقش رمزيّ يجسّد نظرية خلق الكون في المعتقدات المصريّة القديمة، بحسب خبراء آثار وتاريخ استطلعت آراءهم وكالة فرانس برس.

وفي السياق نفسه، ظهرت منشورات تدّعي أن المصريين القدماء استخدموا أشعة ليزر أو تقنيات متطوّرة للحفر على الغرانيت، لكن هذا الادّعاء ليس سوى "خرافة"، بحسب علماء الآثار والتاريخ.

وتمّ التداول على نطاق واسع بتقرير مصوّر باللغة العربيّة يتحدّث عن وصول الفراعنة إلى المريخ، يستند الى أقوال "خبراء". لكن هؤلاء "الخبراء" ليسوا سوى هواة معروفين بأفكارهم الغريبة. أما الخبير الحقيقي الوحيد الذي ورد اسمه في التقرير - عالم الآثار المصريّ زاهي حوّاس - فقد نفى لوكالة فرانس برس صحّة ما نُسب إليه من معلومات "خرافية".

ويرى زاهي حوّاس أنّ الهدف الأساسي لمروّجي هذه الأخبار "تحقيق نسب مشاهدة عالية" حتى إن كان ذلك "على حساب العلم والحقيقة".

وتحصد هذه الأخبار عشرات آلاف المشاركات ومئات آلاف التعليقات، لا سيّما في مصر.

وتعليقا عيها، يقول المؤرّخ المصريّ عاصم الدسوقي لوكالة فرانس برس "حين يصدّق الناس المنشورات المليئة بالمبالغات والأكاذيب عن تاريخ بلادهم، فهذا يعبّر عن أزمة هويّة حقيقيّة".

ومن المزاعم الخرافيّة المتداولة أيضا منذ سنوات، منشورات تدّعي أن المرأة في مصر القديمة كانت هي المسؤولة عن توزيع الميراث، وهو ما ينفيه الخبراء، أو أن أقدم قبر في التاريخ هو قبر أوزيريس. لكن أوزيريس ليست سوى شخصية أسطورية غير موجودة تاريخيا.

ويقول عاصم الدسوقي، وهو أستاذ التاريخ المعاصر والحديث في جامعة عين شمس، "نحن لا نعرف من المصدر الأساسي لنشر هذه القصص المختلقة عن الحضارة المصرية على وسائل التواصل، لكنّ (...) ما يساعد في نشرها هو غياب العلم وانتشار الجهل".

ويقول سعيد صادق "هذه طبيعة إنسانية، وتحدث في كلّ المجتمعات التي كانت لها حضارة أو مكانة دولية ثم بات حاضرها أسوأ، وهذه الآليّة الدفاعية تجعل هؤلاء الأشخاص يشعرون بالتوازن".

ويتابع "حين يكون إحساس الشخص الداخلي أن حاضره بات أسوأ، يصبح غير سعيد، ويصبح ترويج الخرافات والبحث في الماضي والمبالغة فيه، وسيلة للشعور بأنه أفضل من الناحية النفسية".

مقالات مشابهة

  • لماذا تضاعفت الخرافات بشأن الحضارة الفرعونية في مصر؟
  • لماذا تضاعفت الخرافات بشأن الحضارة الفرعونية مؤخرا؟
  • تراث أوزبكستان: مؤتمر سمرقند يسلط الضوء على مركز الحضارة الإسلامية في طشقند
  • تامر خليل: غزل المحلة أنهى ملف حراسة المرمى بأفضل شكل ممكن
  • قراءة في كتاب : “الرحلات العلمية النجدية.. علم ودعوة.. وجوانب من التواصل الحضاري”
  • بعد فاجعة وفاة عريس الشرقية.. هل ممكن تكون أمه حسدته؟ أزهري يُوضح
  • وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يستقبل السفير فوق العادة والمفوض الجديد لجمهورية الصين الشعبية لدى المملكة تشانغ هوا
  • «القومي للتنسيق الحضاري» يضع لوحة «عاش هنا» على منزل عزت أبو عوف
  • بقيمة 295 مليون ريال.. ترسية المركز الحضاري بالقطيف لمدة 50 سنة
  • بهدفيه في شباك الغابون... زياش يقترب من بصير ويواصل اللحاق بفرس في صدارة الهدافين