أطفال غزة: العيش مع الخوف وانعدام مقومات الحياة في مخيمات النزوح
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
«لجوء واغتراب وأمراض جلدية وقهر وفقر وانعدام للأمن الغذائي وغيرها من الأوضاع المأساوية التي يعيشها أطفال غزة في ظل الصمت العالمي بعد أشهر متواصلة من الحرب.
في أحد مخيمات اللاجئين، تنطلق الطفلة ياسمين، البالغة من العمر سبع سنوات، لتُحضر لوالدتها بعض الحاجيات من دكان المخيم الذي تقيم فيه على أطراف مواصي مدينة خان يونس، بملابس خفيفة وحذاء مهترئ لا يكاد يساعدها على المشي وسط طرقات المخيم المتعرجة المليئة ببرك مياه الصرف الصحي.
وبينما تحاول الوصول للدكان، تقول ياسمين: إنها تشعر بالحر الشديد يحرق جسدها من شدة حرارة شهر أغسطس الشهر الأشد حرارة، في ظل عدم توفر أساليب تهوية أو كهرباء وشح الحصول على مياه للاستحمام.
والدة ياسمين وتدعى أماني (34 عاما) شكت عجزها عن شراء الملابس الصيفية لأبنائها هذا الموسم بسبب عدم توفر الملابس في الأسواق نتيجة إغلاق المعابر التجارية وقيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بحرق وتدمير العديد من المصانع والمحلات التجارية أثناء اجتياحه البري لمدن قطاع غزة، تخبرني قائلة «كانت تدخل بعض الملابس من المساعدات التي تصل للنازحين، لكن مع إغلاق معبر رفح فقدنا الكثير من المستلزمات والاحتياجات، إن وجدنا بعض الملابس في السوق لا نستطيع شراءها بسبب الفقر الذي بات يحاصرنا من كل جانب والغلاء المستمر وقلة فرص العمل بعد أن فقدنا كل ما نملك على مدار شهور الحرب المتواصلة».
وأضافت «أكثر ما يؤلم المرء هو أن يرى أطفاله يشعرون بالبرد والحر وبحاجة لكل شيء ولا نستطيع أن نفعل من أجلهم شيئًا، فررنا من الحرب فواجهنا حربًا أكثر ضراوة هنا في مخيمات النزوح».
وبينما تحاول أن تغسل قميص ابنتها الذي امتلأ بمياه الوحل ببعض ما تبقى لديها من مسحوق الغسيل والقليل من المياه، تقول عطاف (35 عاما) وهي أم لستة أبناء وتقيم في أحد مخيمات دير البلح وسط قطاع غزة: إنها تعمل بالمياومة في أحد الأفران، تخبز الخبز لصالح إحدى المؤسسات التي تقوم بتوزيع الخبز المجاني على النازحين مقابل مبلغ بسيط من أجل تأمين ثمن الطعام لأبنائها ولا طاقة لها لشراء الملابس أو الأحذية.
وتعاني عطاف النازحة من مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة مع أبنائها الكثير من المصاعب، أهمها قلة مياه الشرب التي تضطر لشرائها في كثير من الأحيان في ظل حرارة الصيف العالية، وعدم وجود غسالة ولا كهرباء ولا طاقة شمسية بديلة، ما يجبرها على الغسيل اليدوي وسط الحر الشديد وشح المياه وغياب المنظفات وغلاء أسعارها إن وُجدت.
أما ما حدث بمخيم النزوح الذي نقطن فيه منذ ثلاثة أشهر تقريبًا فقد جاء صوت الرجال عاليًا بعد صلاة العصر، يُقيم رجال المخيم معظم الصلوات بشكل جماعي بالقرب من خيمتنا، بعد أن انتهى الجمع من أداء الصلاة وصل إلى مسامعنا صوت جهوري مرتفع، مبارك يا أبا محمد، لينطلق صوت آخر مبارك إن شاء الله، فتتزاحم أصوات الرجال الباقيين إن شاء الله ألف مبروك يا أبا محمد.
اعتقدت أنا والنساء الجالسات بأن أحد الأبناء سيتزوج أو ربما حفيد جديد قد أتى إلى الدنيا، قالت جارتنا ربما لديهم أسير قد تم الإفراج عنه.
بقينا نحلل الأمر وكأننا في غرفة تحليل إخباري حتّى جاءت جهينة بالخبر اليقين.
وصل أخي أبوالعبد بعد أن انتهت الصلاة حامًلا سجادة صلاته على كتفه ألقاها بالقرب من مكان وجودنا وهمّ بالعودة إلى خارج المخيم، لكن زوجته أوقفته بسؤالها الفضولي.
«إيش في عند دار أبوعلاء يا أبوالعبد؟ سامعه الرجال بيباركوا له» رد مبتسمًا وأخيرًا استطاع جارنا أن يشتري «ترنق مبندق» سألته ماذا يعني هذا المصطلح فقال اشترى بنطلونا وقام بشراء بلوزة بلون آخر فظهر الوضع النهائي وكأنه طقم كامل. ضحكنا وقلنا عقبال عند الجميع إن شاء الله!!
بشق الأنفس يستطيع الشخص الحصول على ملبس بعد أكثر من 300 يوم من الحرب في ظل إغلاق كافة معابر قطاع غزة وتدمير البنية التحتية الخاصة بالمصانع وحرق كافة محلات الأقمشة، لذا يحاول الكثير من الأشخاص الذين هُدمت منازلهم التنقيب تحت الركام لإخراج بعض الملابس الخاصة بهم وبأطفالهم في ظل استمرار الحرب مع تعاقب الفصول التي مرت على النازحين، صيف، شتاء، خريف وربيع.
أسعار الملابس إن وجدت باهظة الثمن يحتاج الشخص لمبلغ 10 دولارات لشراء فستان لطفلة في سن الثلاث سنوات، فما بالكم عن ملابس الكبار؟
هذا الغلاء الفاحش حدا بالنساء للبحث عن حلول فكان من ضمن هذه الحلول هو إعادة تدوير الملابس القديمة غير البالية، على إثر ذلك تجد أن هناك العديد من النساء يتواجدن في أكشاك الخياطين الموجودين في الطرقات وبين أزقة المخيمات لتجهيز ملابس جديدة لأطفالهن.
ألوان الملابس أصبحت كالحة بسبب حرارة الصيف لا لون بقي على طبيعته الأولى، ملابس ممزقة بالية يرتديها الكبار والصغار.
الأحذية جميعها مهترئة لا أحد لديه حذاء صالح للاستخدام في المخيم، وأغلب الناس يتناوبون على لبس أحذية بعضهم البعض لعدم وجودها في الأسواق وإن وجدت تكون بمبالغ خيالية أكثر من 50 دولارا تكلفة شراء حذاء.
نساء ورجال وأطفال يمشون بدون أحذية في ظل حر الرصيف اللاهب، كان منهم أطفال يصرخون وكأن أرجلهم تحترق من شدة الحر.
صبحي ذو الـ(45 عاما) يقيم في مخيم الصمود بالقرب من مدينة حمد المهدمة بخان يونس، فقد قال: إنه يفتقر لكل مقومات الحياة داخل المخيم، لا فراش ولا وسائل تهوية ولا ملابس لأطفاله، وإن أرادوا غسل ملابس أبنائهم لا يوجد بديل لها أو حتى ثمن لمسحوق الغسيل، وأشار إلى قلة فرص العمل ونقص الأجور التي لا تكاد تكفي ثمنًا للخبز في حال توفر العمل، «حالتنا تحت الصفر وحتى المياه بتنا نشتريها».
من جانبه، قال مندوب مخيم الصمود سمير: «إنّ المخيم كان وضعه جيدا في السابق أثناء فتح معبر رفح البري ودخول المساعدات، بينما لم تصلهم مساعدات منذ شهر مايو الماضي، لا ملابس ولا أحذية ولا مواد تنظيف ولا أغذية، ولا غاز للطهي مع استمرار ارتفاع أسعار الحطب، الوضع العام حاليا سيئ وسط طرق موحلة وخدمات شبه معدمة وأمراض منتشرة بين الأطفال بسبب سوء ونقص التغذية، أما الوضع المعيشي للقاطنين فيه فهو «مأساوي» بلا دعم أو دخل أو حتى مساعدات تقي الناس الفقر والعوز.
يفتقر أطفال المخيمات فيما يُعرف بالمنطقة الآمنة بخان يونس إلى العلاج والملابس وأبسط المقومات التي تعينهم على الحياة الكريمة.
يُعاني الأطفال النازحون في مخيمات من شدة ارتفاع درجة الحرارة وما تسببه من مشاكل صحية وانتشار للأمراض الجلدية الذي تفتك بأجسادهم الصغيرة التي تفتقر إلى الملابس والأحذية، وسط الفقر وقلة الدعم والمساعدات الإنسانية.
وأجبرت ظروف الحرب آلاف العائلات في قطاع غزة على الفرار والنزوح من منازلها ومغادرة مدنها وقراها والعيش في مخيمات عشوائية عرضة للحر والبرد والأمطار والرياح وتقلبات الطقس، إذ بدا القلق والخوف يتسلل إلى خيام وقلوب النازحين في هذه المخيمات التي باتت تشكل خطرًا على حياتهم وحياة أبنائهم، وسط عجزهم عن تأمين احتياجاتهم الأساسية.
إن ما يحدث في قطاع غزة من مأساة حدا بلجنة الطوارئ المركزية للغرف التجارية الصناعية الزراعية بغزة إلى إطلاق نداء عاجل بتاريخ 4 أغسطس 2024 للمطالبة والسماح بدخول مواد النظافة الشخصية لقطاع غزة وَرَدَ فيه: «في ظل الضغوط الدولية الشديدة التي أجبرت الحكومة الإسرائيلية على السماح للقطاع الخاص بإدخال بعض المواد الغذائية إلى قطاع غزة، ما زالت الحكومة الإسرائيلية تمارس إجراءات تجعل القطاع منطقة غير قابلة للحياة من خلال منع دخول سلع أساسية أخرى مثل الأدوية ومواد النظافة الشخصية، في ظل هذه الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها سكان غزة».
كما جاء في البيان أن سكان قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، يواجهون أزمة صحية حادة بسبب منع دخول الأدوية ومواد النظافة الشخصية مثل الصابون، والشامبو، والفوط الصحية، ومعقمات اليدين، وورق الحمام وغيرها من المواد الأساسية الضرورية. إن هذا المنع المتعمد لدخول هذه المواد، أدى إلى نفاد الأدوية ومواد النظافة الشخصية في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الحشرات والقوارض وتفاقم مشاكل الصرف الصحي، مما أسفر عن انتشار كبير للأمراض.
إن هذا الأمر أدى إلى انتشار الأمراض الجلدية والالتهابات الفيروسية مثل القوباء والجرب والقمل وفيروس الكبد الوبائي بين مليون ونصف مليون نازح في مراكز الإيواء فيما أصبح مزودو الرعاية الصحية الأولية يعانون من نقص حاد في الأدوية وخلال أيام ستعلن بعض المؤسسات الدولية أن مخزونها من الأدوية قد أصبح صفرا.
في هذا السياق، دعت لجنة الطوارئ المركزية للغرف التجارية الصناعية الزراعية في قطاع غزة المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، إلى الضغط على السلطات الإسرائيلية للسماح بدخول مواد النظافة الشخصية والأدوية فورًا إلى قطاع غزة، كما دعت إلى توفير الدعم العاجل للسكان من خلال توفير المواد الضرورية لتعزيز الصحة العامة والوقاية من الأمراض.
وأكدت لجنة الطوارئ المركزية على استعدادها التام للتعاون مع جميع الجهات المحلية والدولية لتنسيق الجهود وتوفير الدعم اللازم للسكان، كما جددت دعوتها إلى وضع خطة عاجلة لتخفيف الأزمة الإنسانية وتحسين الظروف المعيشية في قطاع غزة، من خلال تسهيل دخول المواد الأساسية وكذلك ضمان استمرارية تدفق المساعدات الإنسانية، لا سيما لمناطق محافظتي غزة وشمال غزة.
أما وزير الصحة الفلسطيني ماجد أبو رمضان، فقد حذّر من «كارثة وبائية» وشيكة في قطاع غزة نتيجة تفشي الأمراض المنقولة بالماء أو التنفس.
وأشار الوزير في كلمة ألقاها في مؤتمر صحفي إلى أن «هناك ما يزيد على 100 ألف حالة التهاب كبدي وبائي، علمًا أنه في السنة التي سبقت العدوان كانت هناك فقط 85 حالة في كل قطاع غزة»، مضيفا إن «أخطر ما نعاني منه هو احتمال تفشي وباء شلل الأطفال في قطاع غزة».
إن دخول مواد النظافة الشخصية والأدوية والمستلزمات الطبية والمساعدات ليس فقط مسألة إنسانية عاجلة، بل هو ضرورة ملحة للحفاظ على صحة وكرامة سكان قطاع غزة.
د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی قطاع غزة فی مخیمات
إقرأ أيضاً:
اللاجئون السوريون بين النزوح والعودة: لا قرار بحلّ الأزمة!
كتب محمد علوش في" الديار": بحسب المعلومات تصل أعداد السوريين المغادرين للأراضي اللبنانية باتجاه سوريا إلى حوالي الألف يومياً خلال الأيام الماضية، ولكن هذا لا يعني أن حل أزمة النازحين وُضعت على السكة الصحيحة لعدة أسباب كما تؤكد مصادر متابعة لهذا الملف.
السبب الأول بحسب المصادر هو موقف الجهات الدولية المعنية بملف اللجوء السوري، وتحديداً مفوضية شؤون اللاجئين، فهي لا تزال تعتبر أن أزمة اللجوء لا تُحل سوى بتأمين العودة الآمنة والكريمة وضمان حرية العائدين، وهي تعتبر أن النظام السوري بسقوطه قد يعني بالنسبة لكثيرين سقوط الشرط الأمني الذي كان يمنع العودة لكن لا يزال هناك امور تتعلق بضمان الحرية والعودة الكريمة، وهذا لن يتحقق قبل أن تنتهي الفوضى في سوريا من جهة ومعرفة ما إذا كان لدى العائدين مكاناً للعيش.
وتُشير المصادر إلى أن المفوضية أكدت للمسؤولين اللبنانيين أنها لن تقدم مغريات للسوريين من اجل البقاء في لبنان لكنها ترفض إجبار أحد على العودة، وتؤيد العودة الطوعية حتى أنها أكدت استعدادها لدعم عودة من يريد من خلال تمكينه من الاستقرار في سوريا.
السبب الثاني أن لبنان الرسمي رغم كل الاجراءات التي قام بها بمعالجة أزمة اللجوء السوري في لبنان بقي عاجزاً عن تخطي الفيتوات الخارجية التي منعت العودة والحل، وتشير المصادر إلى أن الحكومة المقبلة معنية بشكل أساسي بالبحث عن حلول مع الدول الاوروبية والولايات المتحدة الأميركية.
السبب الثالث هو وجود لجوء سوري جديد إلى لبنان من لون طائفي معين، ففي الأيام الماضية التي تلت سقوط نظام بشار الأسد في سوريا دخل لبنان عشرات الآلاف من السوريين من الشيعة والمسيحيين بسبب خوفهم وقلقهم من مستقبل الوضع في سوريا بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على البلد، وترى المصادر أن الحكومة اللبنانية، بعد رفضها بداية، أدخلت السوريين إلى لبنان وهم توزعوا في البقاع بشكل أساسي، مشيرة إلى أن هؤلاء لن يعودوا في وقت قريب قبل التأكد من المستقبل السوري، وبالتالي هو ملف جديد يُضاف إلى ملف اللجوء السوري.
يقول المسؤولون السوريون الجدد أنهم بصدد الطلب من كل السوريين خارج سوريا للعودة إليها، ولكن لا يكفي القول في هذا الملف فالعودة تتطلب شروطاً أهمها القرار الخارجي المؤيد، الرغبة الداخلية السورية الحقيقية وتقبّل الجميع، وانطلاق قطار إعادة الإعمار بما يحسن الوضع الاقتصادي السوري.