حوار مع المفكر والباحث د/النور حمد

خاص على صحيفة إدراك الإلكترونية  (1_3)

رغم مأساة الحرب فإنها ستكون الجسر المفصلي الذي ستعبر منه البلاد

إستطاعت صحيفة إدراك الإلكترونية الظفر بحوار تاريخي مع المفكر السوداني الأكثر شجاعة وشفافية في الأزمة السياسية التي تجلت في الحرب الضروس بين الدعم السريع والجيش بتحالفاته من الحركات المسلحة وكتائب الحركة الاسلامية والمستنفرين قبلياً وأيدولوجياً ؛حيث استطاع الدكتور والباحث “النور حمد ” في تحليلاته العميقة والشفافة سبر غور محاور اللقاء التي تمثلت في تناول الإعلام الإخواني للحرب بازدواجية المعايير وانتشار خطاب الكراهية وكيفية مواجهته، وكيف يؤسس السودانيون جيش قومي على أنقاض الجيش المؤدلج والذي يحمي مصالح الطبقات الإجتماعية ومستقبل الإخوان والتحالفات في المشهد السياسي ورؤيته عن العلمانية _ كل المحاور اعلاهـ طرحناها له حيث أجاب عليها بالتحليل الفكري والسياسي العميق والشفافية التي يتحلى بها المفكر والسياسي د.

النور حمد



الحرب هي تقويض القانون حيث تمنح الفرد العسكري إطلاق النار وفق تقديراته

ماهى رؤيتك التحليلية لإزدواجية المعايير فيما يتعلق بالانتهاكات المصاحبة للحروب فى السودان…؟

الإنتهاكات والتجاوزات سمةٌ ملازمةٌ لجميع الحروب، ليس في السودان وحده وإنما في كل أنحاء العالم وعبر كل العصور المختلفة، وأسوأ الحروب هي الحروب التي يشعلها طرف ما على طرف داخل البلد الواحد ، وهي ما تسمى بالحرب الأهلية؛ هذه الحروب التي تجري داخل البلد الواحد تفتح أوسع الأبواب للانتهاكات، وعمومًا فإن الحرب تعني – من الناحية العملية تقويض حكم القانون ، فالحروب والتوترات والإضطرابات الداخلية يصحبها عادةً وفي أحسن الحالات ، إعلان لحالة الطوارئ. وإعلان حالة الطوارئ تعني تعليق حكم القانون وإخضاع كل شيء للتقديرات العسكرية تمنح حالة الطوارئ الفرد العسكري سلطات تقديرية تصل حد إطلاق النار ، وفقاً للتقديرات الميدانية لذلك الفرد ؛ سواء كان من قوات الشرطة أو قوات الجيش أو من الأجهزة الأمنية ، كما تمنحه أيضاً ً- حصانة من المساءلة القانونية، لا يجدها عادةً حين يكون حكم القانون قائماً .

الحرب بهذه السمات التي ذكرناها تفتح الباب واسعاً للتجاوزات، بما في ذلك القتل غير القانوني والاغتصاب والنهب وغير ذلك ؛ لذلك من يشعل الحرب عليه ألا يشتكي إطلاقًا من الانتهاكات والتجاوزات ، لقد أشعلت كتائب الإسلاميين الحرب لضرب قوات الدعم السريع لأنها وقفت مع الاتفاق الإطاري ، وهذا ما أثبتته إفطارات رمضان المصورة والموجودة على تطبيق يوتيوب ، بسبب سوء التقدير وعدم التحسب للعواقب فشلت.

لقد تحول الجيش السوداني الي مليشيا تخدم تنظيماً عقائدياً تقوم عقيدته في الأساس على أن ألا بأس أن يقتل المرء مخالفيه في الرأي ؛ منذ أن قام الإسلامويون بانقلابهم المشؤوم على النظام الديمقراطي

ولكن الا توافق أن التركيز الإعلامي علي إنتهاكات الدعم السريع دون الطرف الآخر في الحرب بات واضحاً…..؟

لو نظرنا إلى التسليط الكثيف للضوء على إنتهاكات قوات الدعم السريع ، فإننا نجده تسليطاً إنتقائياً أحادي الجانب ، لا يتعدى كونه جزءاً من بروباغندا الحرب التي تقف وراءها الإستخبارات العسكرية وجهاز الأمن ، يعاونهم في ذلك أُجراؤهم من إعلاميي النظام البائد ؛ لكن ما من لا شك أبداً أن قوات الدعم السريع قد قامت بإنتهاكات واسعة النطاق وبعض هذه الانتهاكات مصورٌ ومنشورٌ ، ولا يستطيع أحدٌ إنكار ذلك ، بل إن قيادة الدعم السريع نفسها ، لم تنكر وقوع تلك الانتهاكات.

هناك إنتهاكات تاريخية للجيش السوداني لم تجد حظها من تسليط الضوء الاعلامي مع إستمرارها بصورة واضحة في الحرب الحاليه !

نعم في المقابل ظل الجيش السوداني يمارس نفس هذه الإنتهاكات منذ الاستقلال وإلى هذه اللحظة ؛ ولو بقي الجيش بصورته الراهنة وبقياداته الراهنة فسوف يواصل في نهج الانتهاكات هذا ما بقي ممسكاً بالسلطة ، فهو ليس جيشاً مهنياً احترافياً لقد تحول الجيش السوداني منذ أن قام الإسلامويون بانقلابهم على النظام الديمقراطي في عام 1989، إلى مليشيا تخدم تنظيماً عقائدياً تقوم عقيدته في الأساس على أن ألا بأس أن يقتل المرء مخالفيه في الرأي ؛ فحرب الجنوب على سبيل المثال ؛ التي إشتعلت عشية الإستقلال ومُورس فيها قتل المدنيين الجنوبيين على نطاق واسع ، حوَّلها الإسلاميون حين جاءوا إلى السلطة بالإنقلاب في عام 1989، إلى حرب بين المسملين والكفار ، وقد شهدت حرب الجنوب انتهاكات مروعةً على مدى عقود ؛ شملت حرق قرى المدنيين برجالها ونسائها وأطفالها ، كما شملت إغتصابات لا عدَّ لها ، وقد جرى نفس الشيء في دارفور وفي جبال النوبة وفي النيل الأزرق على مدى سنوات عديدة ، وجرى في بعض تلك الإنتهاكات محو مئات القرى بأكملها ، من الوجود تمامًا ؛ وهذا موثق بصور الأقمار الصناعية.

أما مؤخَّراً جداً ، بعد أن استعاد الجيش الجزء الشرقي من مدينة أمدرمان القديمة ، فقد تواترت الأنباء حول قيام أفراده بنهب البيوت في أحياء ودنوباوي والعمدة والقلعة والركابية والمسالمة وأبوروف وغيرها ؛ بل وأنشأ أفراد الجيش سوقاً علنية للمسروقات في موقف صابرين للمواصلات في محلية كرري. وأيضاً _ مثلما نهبت قوات الدعم السريع سيارات المواطنين بغير حق نجد أيضًا أن والي النيل الأبيض أمر قبل أسبوعين تقريباً سكان ولايته الذين يملكون عربات ذات دفع رباعي بتسليمها للجيش ! فعلى أي قانون استند هذا الوالي سوى قانون الحرب الذي يعني الا قانون..؟ ما قام به والي النيل الأبيض انتهاكٌ وتجاوزٌ لا يختلف عن ذاك الانتهاك والتجاوز الذي جرى من قوات الدعم السريع ، ولا سبيل هنا لإستخدام معيارين ، لأن المعيار واحدٌ وهو مخالفة حكم القانون في الحالتين.

لقد سبق أن قلت في تسجيلٍ راج كثيراً في وسائط التواصل الاجتماعي ، أن الجيش الأمريكي على ترابط وحداته وتماسكها وحداثة أجهزته الإلكترونية التي تربط كل جندي بمسلسل التراتبية القيادية، حدثت منه انتهاكاتٌ مروِّعةٌ في العراق ؛ وقد حدثت منه مثل تلك الانتهاكات في أفغانستان ، ومن قبل ذلك في حرب فيتنام _ ففي العراق نهب الجنود الأمريكيون المتاحف وبيوت الناس ، كما جرت إنتهاكات للأعراض _ وفي الحرب العالمية الثانية في الفترة ما بين 1932 _ 1945م أجبر الجيش الياباني 200 ألف إمرأة في الصين وكوريا والفلبين وغيرها من مناطق شرق آسيا على أن يصبحن مستعبدات لممارسة الجنس مع الجنود فيما سمي معسكرات الاغتصاب – وهي معسكرات هيأها وأشرف عليها الجيش الياباني لراحة جنوده وقد تقدمت اليابان بالإعتذار عن هذه الفظائع لكلٍّ من الصين وكوريا والفلبين.

الشاهد في كل ما تقدم ، أن على من أشعل الحرب ألا يشتكي من التجاوزات والانتهاكات.

وقديماً قال الشاعر زهير بن أبي سلمى :

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ

وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ

من يرد إيقاف الإنتهاكات ، عليه أن يوقف الحرب، بدل أن يتحدث عن الإنتهاكات ، لأنه لم توجد قط حربٌ نظيفة ؛ في أي زمان وأي مكان ؛ فسبي النساء ظل يجري في مل الحروب ، بما في ذلك الحروب الإسلامية _ ولا يعني إستمرار الحرب ، ومن ثم استمرار ذوبان سلطة القانون _ سوى الإستمرار في الإنتهاكات، وفي كل أنواع الفظائع التي تتبع الحرب ، وعلى رأسها موت الناس بالسلاح وموتهم جوعاً ورهقاً وبسبب الأوبئة، بل وبسبب الضغوط النفسية الهائلة التي تفوق طاقة البشر على الاحتمال.

الحرب كسرت شوكة العنف التي إستند عليها الإسلامويون في إبقاء السلطة في أيديهم وإقصاء جميع من عدآهم

هل يمكن أن تقود تداعيات الحرب إلى تحقيق سلام مستدام يصبح قاعدة لبناء مشروع الدولة السودانية…..؟

تاريخنا السياسي بمجمله منذٌ الإستقلال ، كان يشير إلى أن هناك حرباً طاحنة قادمة ؛ كل المبصرين المدركين كانوا يعرفون ذلك _ وقد نبهوا إلى خطورة إندلاع حرب شاملة كانت كل الممارسات السياسية الخاطئة تشير إلى أنها قادمة ، لا محالة وذلك ! بسبب تطاول الفعل السياسي المضطرب ، كليل البصيرة ، لقد كانت الحرب تدور في الأطراف البعيدة من المركز وكانت الإنتهاكات الفظيعة تجري منذ الاستقلال ، لكن أهل الوسط والشمال لم يكترثوا لما ظل يجري عبر كل تلك العقود الطويلة ؛ ولم ينتبهوا إلا بعد أن زحفت الحرب من الأطراف واشتعل أوزارها في المركز ومحيطه ؛ هذه الحرب كانت ضرورية لكي تتغير بنية الوعي وسط قطاع عريض من العسكرييين و السياسيين وكذلك من المواطنين ، لكي ترتفع درجة الحساسية والتعاطف لديهم مع من ظلَّوا يكتوون بفظائع الحرب لعقودٍ طويلة من الزمان.

يقول بعض المراقبين مع فظاعة هذه الحرب الا انها اول حرب تحدت البندقية للحركه الإسلامويه في داخل مركزها الذي كانت تنطلق منه للأطراف في توزيع العنف !

كسرت هذه الحرب شوكة العنف التي استند عليها الإسلامويون في إبقاء السلطة في أيديهم وإقصاء جميع من عداهم عنها، حتى أضحوا مثل الضيوف في بلادهم ، من يستقوي على العزل بإستخدام العنف سيواجه حتماً من هو أقوى وأعنف منه _ وهذا ما حدث لصلف الإسلامويين وطغيانهم وتجبرهم ، وأشعلوا الحرب فمرغت الحرب أنوفهم في الرغام وفضحتهم وسط السودانيين وعلى مستوى العالم.

عموماً ، كل فترات السلم الراسخة التي نعمت بها الكثير من الشعوب عبر التاريخ القديم والحديث، لم تأتي إلا بعد حربٍ طاحنة ؛ لذلك أنا متفائل أن هذه الحرب ، رغم هذه المأساة الضخمة التي تسببت فيها، ستكون الجسر المفصلي الذي ستعبر منه البلاد إلى حالة السلام المستدام.

هذه الحرب أوصلت العنف والوحشية إلى أقصى مدى يمكن لهما أن يبلغاه ، ومن ثم فقدت فعاليتهما كأداتين لممارسة السياسة ، كان لأبد لنزعات العنف والوحشية الكتيمة المداراة لوقتٍ طويل بالزيف والتمظهر الكاذب، أن تنفجر لكي تتبرأ فقط ، حين يستوثق الناس عبر التجربة العملية بالغة الإيلام من لا جدوى للعنف، ستقوى نزعة السلام ، وستسلس الحياة وتلطف ، ويبدأ الاستقرار والسلام المستدام ؛ حيث تبدأ التنمية الحقيقية للأفراد وللبلاد – وهو ما سيقود إلى النماء والأزدهار المتصل الحلقات.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع حکم القانون هذه الحرب فی الحرب على أن

إقرأ أيضاً:

بعد دخول القصر.. هل كتب الجيش السوداني نهاية الدعم السريع؟

طردت القوّات المسلحة السودانية، عناصرَ مليشيا الدعم السريع من القصر الجمهوري الواقع في قلب الخرطوم، في صبيحة يوم 21 مارس/ آذار 2025، ولاحقتها في وسط العاصمة التي تكاد تبدو خالية تمامًا من أي وجود للمتمردين بعد معارك شرسة طاحنة، وجاء ذلك بعد أيام قلائل من حديث عبر تسجيل مرئي لـ "محمد حمدان دقلو" قائد المتمردين يعلن فيه عدم خروج قواته من القصر الجمهورى وولاية الخرطوم، متعهدًا بمواصلة القتال، وأسرف في التمنّي بأنه سينتصر لا محالة.

بغض النظر عن تفاصيل المعارك التي دارت في وسط العاصمة السودانية ونجاح الجيش في إزاحة التمرد وإنهاء وجوده في أهم منطقة سيادية سودانية، منتشرًا وسط العاصمة، وقام بتمشيط وتنظيف محيط القصر الجمهوري، وتمكن من استرداد الوزارات الاتحادية ومقرات الحكومة والمواقع والبنايات التجارية والمصارف، يكون الجيش السوداني بذلك قد طوى صفحة كاملة امتدت لعدة أعوام منذ أبريل/ نيسان 2019، وهي عمر تواجد الدعم السريع داخل القصر الجمهوري ومحيطه خلال الفترة قبل الحرب وبعدها عندما تمكنت المليشيا من الاستيلاء على كامل المنطقة بعد الحرب في 15 أبريل/ نيسان 2023.

هزيمة الدعم السريع وطردها خارج مقر الرئاسة السودانية، ومن داخل ولاية الخرطوم، لا يختلف اثنان في أنها تعني انتصارًا ساحقًا للجيش، ونهاية لمغامرة مليشيا الدعم السريع التي ظنت أنها تستطيع بطيشها العسكري الأهوج، وانقلابها على السلطة في 15 أبريل/ نيسان 2023 أن تتمكن من السيطرة على السودان وتسلّم مقاليد الحكم وفرض إرادتها وإرادة داعميها الخارجين، والهيمنة على بلد يمور بالحركة والتفاعلات السياسية والاجتماعية، وغني بالموارد والثروات الطبيعية.

إعلان

لعل من المفيد النظرَ في دلالات تسلُّم الجيش القصرَ السيادي، والتمعن بعمق فيما تعنيه هذه التطورات العسكرية والميدانية وأثرها على المشروع السياسي للدعم السريع، ومخطط القوى الخارجية لالتهام وابتلاع السودان.

وقبل ذلك لا بدّ من الإشارة إلى مراحل تنفيذ مخططات وإستراتيجيات رسمت للمنطقة والسودان أعدتها دوائر غربية؛ أهمها دراسة وضعها مركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن عام 1981، وما ورد في كتابات وكتب برنارد لويس وعدد من الخبراء الإستراتيجيين الغربيين والإسرائيليين، حول كيفية صناعة واقع سياسي واجتماعي جديد في السودان، أو تقسيمه إلى دويلات، إذا فشلت عملية تحويله إلى بلد منزوع الهوية، والقفز به بعيدًا عن توجهات وخصائص حضارية وروابط عرف بها منذ نشأ، ليتحول إلى بلد أفريقي لا علاقة له بانتماءات أخرى عربية أو إسلامية.

وقد تم بالفعل تنفيذ هذا المشروع بداية عن طريق الحركة الشعبية بقيادة قرنق التي تأسست عام 1983، وباءت محاولات قرنق بالفشل، فتم فصل جنوب السودان، ثم حاولوا عبر تمرّد حركات دارفور 2003، وأخفقت أيضًا تلك المحاولة، وأخيرًا تمت عملية تهيئة الدعم السريع بتدقيق وتخطيط محكم لتقوم بالمهمة وَفقًا لقراءات وافية، وها هي بدورها الآن تفشل في تحقيق هذا المشروع ومطلوباته.

أوّل آثار ودلالات انتصارات الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم، وكانت قد سبقتها انتصارات في ولايات سنار والجزيرة وشمال كردفان وشمال دارفور، أن مليشيا الدعم السريع التي تقدمت في العام الأول من الحرب في عدة جبهات تعاني الآن من حالة انهيار، وتراجع يتسارع بوتيرة متوالية، وغطاها غبار الهزائم المتكررة؛ بسبب عوامل موضوعية، في مقدمتها غياب القيادة الواحدة، وفقدان مراكز التوجيه والسيطرة، وانغماسها الكامل وسط المتاهة الجَهنمية باعتبارها مليشيا لا علاقة لها بالعسكرية الاحترافية.

إعلان

فبدأت تدب وسطها الخلافات الحادة، وبرزت اتهامات التخوين داخل صفوفها، وتزايُد معدلات الإحباط، وانخفاض الروح المعنوية للمقاتلين في كل ميادين القتال، مع هروب أعداد كبيرة من المقاتلين، خاصة المرتزقة المستجلَبين من أفريقيا جنوب الصحراء، ومن وراء البحار من أميركا الجنوبية، ومن القرن الأفريقي، وتسبب ذلك في فقدانها مجموعةً كبيرة من القادة الميدانيين وأعدادًا ضخمة من قوات النخبة التي تم تدريبها جيدًا، وأعدت إعدادًا متقدمًا للاستيلاء على العاصمة وبسط السيطرة الكاملة على القصر الجمهوري ومؤسسات الدولة منذ اليوم الأول للحرب، وانتظار قائد التمرد (حميدتي) لإعلانه رئيسًا للسودان حال الانتصار على الجيش السوداني.

لعلّ أبرز ما خططت له الدعم السريع منذ بداية الحرب، ترتيبات الانتقال إلى مرحلة الحسم، فبعد مضي عام من الحرب أكملت الدعم السريع وقوى سياسية متحالفة معه (تقدم) تصورًا مع الجهات الخارجية الراعية لإعلان سلطة متكاملة.

تقوم الخطة على ركيزتين أساسيتين هما: الحفاظ على القصر الجمهوري كرمز السيادة للدولة، وعند الإعلان عن الحكومة يكون القصر الرئاسي تحت السيطرة، وتبدأ منه الدعاية السياسية، وتكون مباني مؤسسات الدولة التي تتواجد فيها داخل الخرطوم جاهزة من أجل هذه الخطوة، وشرعت الدعم السريع وحلفاؤها في تنفيذ ما خُطط له، كما ظهر مؤخرًا فى اجتماعات نيروبي، ومن بينها إشهار الحكومة الموازية وحُدد لإعلانها قبل نهاية شهر رمضان المبارك.

خلال هذا التصور عملت المليشيا المتمردة على تعزيز وجودها بالإبقاء على قواتها ذات التدريب العالي وسط الخرطوم، وداخل القصر الجمهوري، وأضافت إليها عددًا من الفنيين والخبراء المرتزقة المتخصصين في أسلحة الدفاع الجوي والمدفعية وأجهزة التشويش وصواريخ متوسطة المدى ومسيرات ومضادات دروع وطيران، بجانب طواقم ذات خبرة عالية في مجال الاتصالات والتقنية العسكرية، ونَشرت أعدادًا إضافيّة من القناصة في وسط العاصمة ومحيط القصر الجمهوري.

إعلان

حسب إفادة قيادي بارز داخل الدعم السريع، قالها لمجموعة من المشاركين في اجتماعات نيروبي الشهر الفائت: "نحن بعدم وجود رغبة من الجيش السوداني في قصف القصر أو تدميره على رؤوس قواتنا، ولا بد من الاستفادة من هذه الميزة في المحافظة عليه كرمز للحكم والسلطة، وعندما تُعلن حكومتنا في نيروبي من المهم أن يكون القصر بأيدينا، ولا بد من المحافظة عليه لنجاح الخطة".

لذلك كانت محاولة السيطرة من جانب المليشيا على القصر الجمهوري والقتال دونه طيلة هذه الفترة، وكان ذلك أولوية قصوى لها، وهو ما يفسّر إصرار (حميدتي) في حديثه الأخير وعزمه التمسك بالقصر الجمهوري، وحاول إعطاء قواته المتواجدة داخله شحنات الدفع المعنوي الكافية للذود عنه.

بفقدان القصر الرئاسي، والوزارات ومقار الحكومة وسط العاصمة، تفقد مليشيا الدعم السريع مناطق وجودها وتمركزها داخل ولاية الخرطوم، وتتلاشى آمالها فى حيازة السلطة، وتلعق مرارة خسارتها القاسية، وليس هناك خيار آخر أمام المليشيا لتعويض ما حصدته من خيبات عسكرية، مع بروز حالات من الشك والريبة لدى حلفاء التمرد الذين شعروا حسب المعلومات المتطابقة في نيروبي، أن الدعم السريع باتت على شفير الهاوية، بعد توالي هزائمها المدوية، ولم يتبقَ له إلا عواصم وأجزاء من أربع ولايات بدارفور، وبعض ولاية غرب كردفان، وستكون المرحلة المقبلة قاسية وصعبة للغاية، مقابل الحالة المعنوية العالية للجيش السوداني المتقدم في كل المحاور وقد صوّب فوهات مدافعه نحو التمرّد في ولايات دارفور؛ بغرض تحريرها وإنهاء وجود الدعم السريع هناك.

يواجه المتمردون أيضًا، موجة تحولات في الإقليم، مع وجود تغيير إيجابي لصالح حكومة السودان داخل الاتحاد الأفريقي ودول مهمة في جواره وفي الفضاء القاري.

كما أن الموقف الغربي – الأميركي والأوروبي- مرهون بما ستسفر عنه العمليات العسكرية على الأرض، خاصة داخل العاصمة، بعد تزايد الانتقادات لمليشيا الدعم السريع ورصد انتهاكاتها وجرائمها ضد الإنسانية في ولايات دارفور وولاية الخرطوم ضد المدنيين.

إعلان

في هذا السياق، نتيجة لرعايتها وتسهيلها الاجتماعات الأخيرة للمليشيات المتمردة وحلفائها ولقاءاتهم المكثفة لتكوين حكومة موازية، تتكاثف التحركات السياسية الداخلية من المعارضة الكينية واتحادات مصدري الشاي (250 مليون دولار دخلُ كينيا من صادرات الشاي للسودان) والغرف التجارية وقطاعات إعلامية وصحفية وبرلمانيين، هدفها محاصرة حكومة الرئيس وليام روتو المتحالف مع الدعم السريع، وما تسبب فيه من تدهور العلاقة مع السودان وتضييع المصالح الاقتصادية، فضلًا عن تهديد الحكومة السودانية بغلق أجواء بلادها أمام الطيران الكيني.

والراجح أن تقود الضغوط الداخلية على الرئيس روتو والنصائح التي وردته من دول في الإقليم إلى حجب أو تقليل الدعم السياسي للمليشيا بعد تراجعها ميدانيًا وعسكريًا.

إذا كانت حكومة السودان تتقدم بقوة للقضاء على الدعم السريع- كما يقول رئيس مجلس السيادة وبعض أعضاء المجلس في تصريحاتهم هذه الأيام- فإنها بلا شك وبفضل الحافز المعنوي الكبير الذي حازته بعد عملياتها العسكرية المحكمة في ولاية الخرطوم وتحرير 95% منها، وبسط السيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة بما فيها القصر الرئاسي، ستمضي في تنفيذ بقية مراحل خطتها العسكرية؛ لتحرير بقية الولايات في دارفور التي تنتقل نحوها الحرب الآن، وتعتبرها أسهل بالنسبة للجيش السوداني من حرب المدن المعقدة.

لقد تمَّ حشد قوات ضخمة من الجيش والقوات المشتركة والقوات الأمنية والشرطة والمستنفرين، وبقية المجموعات المستنفرة من ولايات دارفور من أجل المعركة الفاصلة، وتبدو عملية طرد مليشيا الدعم السريع من القصر الرئاسي ومحيطه ومن وسط العاصمة، بدايةَ النهاية للتمرد في السودان، وإعلانًا مبكرًا لهزيمة الدعم السريع والجهات الخارجية الداعمة لها، وحصاد الهشيم لكل من راهن على مليشيا مارقة في اختطاف الدولة السودانية.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • بعد دخول القصر.. هل كتب الجيش السوداني نهاية الدعم السريع؟
  • فولكر بيرتس .. “القوى المدنية الصغيرة” التي شكلت مؤخرًا تحالفًا سياسيًا مع قوات الدعم السريع لتشكيل حكومة فقدت كل شرعيتها
  • تفاصيل محاكمة آلاف بتهمة التعاون مع الدعم السريع
  • قيادي بالدعم السريع في السودان: فقدنا القصر الرئاسي لكن لم نخسر الحرب
  • البرهان: الدعم السريع يشكل خطرًا كبيرًا على البلاد ويجب القضاء عليه
  • البرهان: الدعم السريع يشكل خطرًا كبيرًا على البلاد ويجب القضاء عليه «فيديو»
  • وثائقي: الحلقة الثانية: شبكة اتصالات الدعم السريع، من سلسلة من أشعل الحرب في السودان
  • البرهان: الدعم السريع يشكل خطرا كبيرا على البلاد ويجب القضاء عليه
  • الجيش يسيطر على منطقة مهمة في سوبا ويحصل على عتاد ضخم من الدعم السريع
  • الجيش السوداني يطرد قوات الدعم السريع من القصر الجمهوري في الخرطوم