إذا كانت السياسة الأمريكية تنحاز بشكل دائم إلى جانب إسرائيل فى صراعها مع الأطراف العربية، بل وغير العربية، فإن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن يمثل الوجه القبيح لهذه السياسة، خاصة تلك المتعلقة بتطورات ما بعد 7 أكتوبر. بالطبع لا يمكن إنكار تأثير يهوديته على مواقفه لكنه وهو على رأس الدبلوماسية الأمريكية يمارس ذلك بشكل بعيد عن كل أشكال الدبلوماسية.
المشكلة أنك لدى محاولة التعامل مع تلك المواقف لتبيانها ستجد أنها كثيرة، فالرجل يملأ الدنيا ضجيحًا بتصريحاته متنقلًا بين عواصم العالم يمنة ويسرة، شرقًا وغربًا، وكلماته تخرج من فيه بكل هدوء وثقة وبرود أعصاب دون إحساس بأنها تصادم العقل والمنطق.
آخر تلك التصريحات التى أدلى بها أمس الأربعاء وراح فيها يؤكد أنه على الرئيس الجديد للمكتب السياسى لحركة حماس يحيى السنوار أن يقرر بشأن وقف إطلاق النار فى قطاع غزة. وجه المغالطة أن الرجل يعلم وكل صبى أو طفل يلم بالسياسة فى الولايات المتحدة أن العقبة فى وجه وقف إطلاق النار هو نتنياهو.. حتى أن البيت الأبيض بعد أن فاض به الكيل راح يعلن أن الأخير لو لم يستجب لجهود هذه العملية سيعلن أنه السبب فى عدم التوصل إلى اتفاق. أهالى الأسرى فى إسرائيل يكيلون الاتهامات لنتنياهو بأنه السبب، فريق التفاوض الإسرائيلى على مفاوضات وقف النار اختلف معه بسبب موقفه المتعنت ورغبته فى عرقلة المهمة حتى تحقيق ما يتصوره نصرًا عسكريًا فى غزة.
حتى فى تلك الدعوة لوقف النار فإن الرجل لا يرى أن تلك الخطوة وسيلة لوقف نزيف الدماء وعمليات الإبادة التى تجرى فى غزة.. لا.. بلينكن لا يرى فيها سوى وسيلة لإطلاق سراح الرهائن، أما ما غير ذلك فليذهب الكل إلى الجحيم!
أما على صعيد المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المرتقبة والتى تنذر بحرب شاملة فى المنطقة، فإن الرجل لا يخالف كتاب القواعد التى وضعها لنفسه ويحدد أسس التعامل مع ما يخص مصلحة إسرائيل، ومنطقه أنه لا ينبغى لأحد تصعيد الصراع فى المنطقة، والكلام موجه لطهران، وهو- بلينكن- يبذل الغالى والرخيص من وقته مع دول المنطقة وغير المنطقة من أجل إرساء هذه القاعدة. هو لا يرى فيما قامت به إسرائيل من اغتيال هنية على أرض إيران اعتداء على سيادة دولة، وعمل يستوجب الرد، ولكنه يرى أنه يجب على القيادة الإيرانية أن تبتلع هذه العملية – الإهانة – بمنطق عفا الله عما سلف حتى نجنب المنطقة مزيدًا من الهجمات.
ولا يتردد بلينكن فى أن يلقى علينا بعظاته- ليس من الجبل، وإنما من بلاده - فيدعو كل الأطراف فى المنطقة إلى إدراك مخاطر الحسابات الخاطئة.. دون أن يعطينا الفرصة لنسأله ما إذا كانت عملية الاغتيال على أرض إيرانية تدخل فى تلك المخاطر أم لا؟ وإذا كانت فهل لها من حساب أو وقفة؟ ولماذا لا ترد إيران مثلًا على العملية ثم نبدأ من جديد مرحلة أخرى من محاولة إدراك مخاطر الحسابات الخاطئة التى يدعونا إليها بلينكن؟
المشكلة أن بلينكن يعمد إلى استخدام سياسة العصا والجزرة، فبينما ينطق فمه بكلمات التهدئة تمسك يده آلة التهديد باستمرار بلاده فى الدفاع عن إسرائيل ضد هجمات تشنها الجماعات الإرهابية. وليكون السؤال: ماذا لو ألجمنا ردود أى فعل لمثل تلك الجماعات واقتصرت الهجمات على الانطلاق من إيران وحدها.. فهل تتخلى واشنطن عن الدفاع عن إسرائيل؟
كلام بلينكن لا يحترمنا ولا يرانا من الأصل.. للأسف!!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات د مصطفى عبدالرازق وغير العربية
إقرأ أيضاً:
ساعر: على إسرائيل البقاء كقوة مسيطرة في غزة
نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر الذي أكد أنه يجب على إسرائيل البقاء كقوة مسيطرة في قطاع غزة، نظرا لعدم وجود كيان قادر على توفير الأمن في المنطقة، على حد قوله. وقال ساعر "على المدى القريب، نحن الجهة الوحيدة التي يمكنها ضمان أمننا".
وأضاف أن حكومة الاحتلال لا تخطط لإعادة المستوطنات الإسرائيلية إلى غزة.
وأعرب ساعر عن تفاؤله بشأن مستقبل العلاقات الإسرائيلية الأميركية خلال ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترامب الثانية، إذ أشاد بسياساته السابقة مثل الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، متوقعا خطوات إضافية لتعزيز التحالف، منها تشريعات قد تستهدف المحكمة الجنائية الدولية.
وتطرق ساعر إلى التحديات الإنسانية في قطاع غزة، فزعم أن المساعدات التي تصل إلى القطاع "غالبا ما تُستغل من قبل حماس لتعزيز قوتها العسكرية". وأكد ضرورة إعادة تقييم طرق إدارة المساعدات لتجنب استخدامها ضد إسرائيل.
وتأتي هذه التصريحات على خلفية التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها إسرائيل، حيث يركز وزير الخارجية الجديد على تعزيز التحالفات وإعادة ترتيب الأولويات لضمان أمن إسرائيل في المنطقة ومصالحها الإستراتيجية.
إعلان