لجريدة عمان:
2025-04-07@21:41:18 GMT

تغيير الحياة

تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT

نقول غيّرت هذه التجربة حياتي، أو هذا الكتاب غيرها. وغالبا ما يكون هذا تعبيرا إيجابيا. فلو عنيناه بالمعنى السلبي نُضيف ما يُشير لذلك: لقد غيّر حياتي للأسوأ. ونُحن نُقدّر هذه الكشوف، ونُعلي شأنها حتى تكاد تكون المغزى الأول من الحياة بأسرها. الحياة "مراحل"، وحياة المرء قد تمتد لعقود، تُقارب القرن أو تتجاوزه بقليل، لكن مراحلها تُعدّ على الأصابع.

وبينما تتغير أعمارنا على نحو دوري كل عام، بغض النظر عن زخم التجارب التي نعيشها، تغيرا له علاقة بمسير الشمس أكثر من علاقته بنا، فإننا من يُحدد المراحل. أكيد أن للظروف دور، لكن سرديتنا عنّا وعن حياتنا هو ما يرسمها.

كل كشف جديد يأتي مع وعد بأن مرحلة الإحباطات قد ولّت وأن الحقيقة قد تكشفت لك أخيرا على نحو "يُغير" حياتك.

أكتب هذه الأيام مقالا مطولا عن "الرِدْبِليّة"، وهي حركة ضمن عالم المانوسفير، والذي يضم مجموعة متنوعة الأطياف بداية بحقوق الرجل، إلى معاداة النسوية، وكراهية النساء. تسعى الحركة لاختراع طريقة وصول جديدة للنساء، وهجران المعاملة المحترمة واللطيفة لهن. ويسعى -قادة الحركة، أو أعضاؤها النشطين في مجتمعات الإنترنت- لإمداد الرجال العزب بأدوات بديلة لفهم العلاقات بين الجنسين، وطبيعة النساء.

ما يهمنا من أمر هو ملاحظة أنها تُشدد على أن رسالتها الأولى هي التحرير من الوهم، كما يقترح اسمها (اختيار تناول الحبة الحمراء، ومواجهة الحقيقة المُقلقة، عوضا عن اختيار الزرقاء ومواصلة الحياة بجهل). فكرة الكشف إذا تتقدم على التبشير بفلسفة الحركة، أو شرح البديل الذي تُقدمه.

لنتأمل الخيارين الذين تُقدمهما كل من الحبة الحمراء والزرقاء: إما الحقيقة المقلقة، أو الجهل بها ومواصلة العيش. وهي مقايضة غريبة. نيو Neo في النهاية لم يكن مبسوطا لدرجة تثبطه عن المخاطرة؛ كان جاهلا، وكان تعيسا.

لكن لكثرة ما رُبط الجهل بالسعادة، ننسى أحيانا أن هذا لا يحمل من الصحة شيء. يُشار للطفل في بعض اللهجات بالـ"ياهل"، وهو جاهلٌ -من بين الأشياء الكثيرة التي يجهلها- ببؤس العالم، وسعادته قادمة من هذا الجهل، وتمنينا (أو من عاشوا طفولة حلوة منا) أن نعود صِغارا قادم من رغبة بأن ننسى هذا البؤس.

تتذكرون مشهد وودي آلين Woody Allen في فيلم آني هال (1977) Annie Hall، حين يمشي باحثا عن إجابات حول الحب والسعادة، ويُصادف زوج ويخبرهما أنهما يبدوان سعيدين، وما سر هذه السعادة البادية عليهما. لتأتي الإجابة أن بينهما شيء أساسي مشترك: أنهما سطحيان، وفارغان، بلا أفكار، وبلا شيء مثير للإهتمام يقولانه. مجددا، يفترض آلين أن السعادة قادمة مما يُمكن أن نختصره بالبلادة.

غياب العقل أيضا يُربط بها: في حالات الجنون، والسُكر التام مثلا.

غير أن هذه التصورات غير مقنعة بالمرة. ما نجد أنفسنا أمامه كل مرة ليس خيار الحقيقة والتعاسة، أو الجهل والسعادة. بل الحقيقة بخيرها وشرها، أو الجهل مع مواصلة البؤس نفسه. ثمة شرارة تومض كلما عرفنا شيئا جديدا، واللذة المتولدة من لحظة التنوّر هذه، تكاد تتفوق على كل لذة أخرى - نعم أنا أعنيها جميعا، تلك التي في بالك وخارج بالك. وثمة توق داخلنا لأن نكتسب أدوات جديدة تُعيننا على الهراء الذي سنعيشه على أي حال. وهذا التوق -وهنا مربط الفرس- قد يُعمينا ويُثملنا، فتتفوق الرغبة فيه، على الصبر لمساءلته. ويبدو أننا أحيانا نحب أن نقول لأنفسنا: اصحوا على نفسكم وبلا ما تكونوا حالمين. لأن في هذه النبرة القاسية شيء موثوق: حكمة ما. وللحكمة وظيفة مهمة، تُطبطب على الجراح، وتقول أن لألمنا معنى. إنه موجود الآن، ليُجنبنا آلاما أشد مستقبلا.

لا يبدو أن وظيفة الحكمة هو تجنيبنا السوء والحماية من الأذى، إنها لا تقول: إذا كنت في الموقف الفلاني تصرف على هذا النحو. ما تقوله ببساطة: لقد مررت بالموقف الفلاني، ولم أحسن التصرف، ولو أني مررت به مجددا لتصرفت خلافه. لكن ثمة وجاهة في التفكير بأن الإنسان لا يمر بالموقف ذاته مرتين.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كيف تقتل إسرائيل الحقيقة حرقًا؟ هذا ما حدث للصحفيين بخان يونس

لم تكد تمر أيام على مجزرة جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق فريق الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، حتى استهدف الجيش الإسرائيلي فجر اليوم الاثنين خيمة للصحفيين بجوار مجمع ناصر الطبي في خان يونس بقطاع غزة، وأسفر القصف عن استشهاد الصحفي حلمي الفقعاوي والشاب يوسف الخزندار حرقًا، وفق ما نقلته مصادر صحفية من غزة.

كما أُصيب عدد من الصحفيين بجروح، من بينهم: حسن إصليح، أحمد الأغا، محمد فايق، عبد الله العطار، إيهاب البرديني، محمود عوض، ماجد قديح، علي إصليح، أحمد منصور.

لم يتمكنوا من إنقاذ أحد المصابين من ألسنة النيران.. مشهد مروع لقصف إسرائيلي استهدف خيمة للصحفيين بجوار مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب قطاع #غزة مما أدى إلى استشهاد شخصين وإصابة 6 صحفيين آخرين pic.twitter.com/R6NpqaNjyg

— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) April 7, 2025

مشاهد تُبكي الضمير

انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثّق لحظة اشتعال النيران بجسد الصحفي أحمد منصور بعد استهداف الاحتلال الإسرائيلي لخيمة الصحفيين. وكتب الصحفي أنس الشريف تعليقًا على المشهد "أحرقته إسرائيل"، في إشارة إلى زميله منصور الذي يعمل مراسلًا لوكالة "فلسطين اليوم" المحلية. وتابع الشريف قائلًا إن "أحمد أب يُعيل أسرة، يعاني الآن من إصابات بالغة الخطورة، والأطباء يبذلون جهودًا مضنية لإنقاذ حياته".

إعلان

وفي سرد مُؤلم، أضاف أنس "مشهد حرق زميلنا الصحفي حلمي الفقعاوي لا يمكن وصفه، الكلمات تخوننا أمام هذه الفاجعة".

حرقته إسرائيل
الزميل الصحفي الذي شاهدتموه يحترق تحت نيران القصف الإسرائيلي الذي استهدف خيام الصحفيين قرب مستشفى ناصر في خان يونس، جنوب قطاع غزة، هو زميلنا أحمد منصور، مراسل وكالة “فلسطين اليوم” المحلية. أحمد أب يعيل أسرة، وهو الآن يُعاني من إصابة بالغة الخطورة، بينما يبذل الأطباء… pic.twitter.com/ChHYAl5mZH

— أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) April 7, 2025

وعلق مدونون وأهالي غزة على المشهد المروع بالقول "لأنهم لا يريدون للصحافة أن توثق جرائمهم التي لم تتوقف، قصفوا الصحفيين وحرقوهم أمام العالم، والعالم لم يتحرك. #التغطية_مستمرة ولن تتوقف".

الصحفي حلمي الفقعاوي، استُشهد وهو في خيمة الصحافة، أمام مستشفى ناصر
لم يكن يحمل سلاحًا، بل كاميرا
وما كان يطلق رصاصًا، بل حقيقة

حرية الصحافة؟
أكذوبة تُقال في المؤتمرات وتُقتل في الميدان.
قدسية المستشفيات؟
شعار مهترئ على لافتة أممية!
والعالم؟
شاهد زور، أصمّ أعمى، شريك في الإبادة pic.twitter.com/eXLTD5Pp7z

— صلاح صافي| غزة ???????? (@iSalahSafi) April 7, 2025

آخرون وصفوا المشهد بمزيد من الألم: "الصحفي حلمي الفقعاوي التهمته النيران حيًّا، وعلى الهواء مباشرة! لم يحمل سلاحًا، بل كاميرا.. لم يُطلق رصاصًا، بل نقل الحقيقة. كأنهم يريدون قتل الحقيقة وإسكات كل شاهد على المجازر. أي لغة تصف هذا؟ وأي ضمير لا ينكسر أمام المشهد؟".

الصحفي حلمي الفقعاوي تلتهمه النار حيًا على الهواء مباشرة ! لا لشيء فقط لأنهم ينقلون الحقيقة

استُشهد حلمي، وأُصيب زملاؤه ، كأنهم يريدون قتل الحقيقة، وإسكات كل شاهد على المجازر

أي لغة تصف هذا؟ أي ضمير لا ينكسر أمام هذا المشهد ! اللهم اجعل نيرانه نارًا على قاتليه

— rawan jdetawy ???????? (@rawan_jdetawy) April 7, 2025

إعلان "حرية الصحافة".. أكذوبة في الميدان

وكتب أحدهم "الصحفي حلمي الفقعاوي استُشهد وهو في خيمة الصحافة.. أمام مستشفى ناصر. لم يكن يحمل سلاحًا، بل كاميرا. لم يكن يُطلق رصاصًا، بل ينقل حقيقة. حرية الصحافة؟ أكذوبة تُقال في المؤتمرات وتُقتل في الميدان. قدسية المستشفيات؟ مجرد شعار مهترئ على لافتة أممية! والعالم؟ شاهد زور، أصمّ، أعمى، شريك في الإبادة".

وهذه هي الإستراتيجية الجديدة للأسف// بعد استخدام العنف المفرط ضد كل اشكال الحياة في غزه سوف يعملون على قتل من يوثقون وينقلون جرائمهم بدعم وتواطئ الجميع دول ومنظمات

— احمد الطلول (@altalool60) April 7, 2025

ونشر صحفيون من غزة صورة للصحفي أحمد منصور وهو يرقد في المستشفى، يغطي الشاش الأبيض وجهه وجسده المحترق، كأن النيران أرادت أن تترك بصمتها على جسده شاهدة على قسوة الاحتلال وعجز العالم.

دعواتكم للصحفي أحمد منصور، الذي استُهدف مع زملائه الصحفيين من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي أثناء تواجدهم في خيمة الصحفيين، مما أدى إلى استشهاد صحفيين اثنين وإصابة 6 آخرين بجروح خطيرة. الصحفي أحمد منصور متواجد الآن داخل غرفة العمليات pic.twitter.com/FDgOHGPaoW

— حسام شبات (@HossamShabat) April 7, 2025

مقالات مشابهة

  • من يقتل الحقيقة لا يستطيع أن يكتب التاريخ
  • سوريا: تغيير الوضع القانوني لبعثتنا بأميركا إجراء تقني وإداري
  • كيف تقتل إسرائيل الحقيقة حرقًا؟ هذا ما حدث للصحفيين بخان يونس
  • زيارة أورتاغوس الثانية.. تغيير في الشكل فهل ينعكس على المضمون؟!
  • طالب يرتدي النقاب.. والأهالي: بيخطف الأطفال.. الداخلية تكشف الحقيقة
  • حروب مصر وتركيا وإيران مع إسرائيل بين الحقيقة والتهويل؟!
  • الحقيقة والتهويل
  • الكهرباء تغيير في الأسماء وبطء في الأداء
  • اجتماع (أوبك+) يبقي على سياسة إنتاج النفط دون تغيير
  • سيد عبد الحفيظ يهاجم قرار خصم النقاط : مفيش جهة بتقول الحقيقة