ترجمة: أحمد شافعي

في بيئة سياسية طبيعة، ما كنا لنحتاج إلى الالتفات إلى كتاب جديد يصدره المحرض اليميني المتطرف جاك بوسوبيك الذي يحتمل أن تكون شهرته قائمة في المقام الأكبر على ترويجه لنظرية المؤامرة القائلة بأن الديمقراطيين يديرون حلقة شيطانية لانتهاك الأطفل أسفل مطعم بيتزا شهير في واشنطن. لكن الخطبة العصماء الصادرة بعنوان "غير البشر" من تأليف بوسوبيك بالاشتراك مع كاتب الباطن المحترف جوشوا ليسيك تأتي بتأييد من بعض الشخصيات الأكثر نفوذا من السياسيين الجمهوريين ومنهم، وأبرزهم، المرشح لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس.

كثيرا ما تستعمل كلمة "الفاشي" في السياسة، لكن من الصعب العثور على كلمة أنسب منها لوصف كتاب "غير البشر" الذي صدر الشهر الماضي. إذ يذهب الكتاب إلى أن اليساريين لا يستحقون مكانة البشر، لأنهم مثلما يقول العنوان ليسوا بشرا، ولأنهم يخوضون حربا سرية ضد كل ما هو خير ولائق، وأن هذه الحرب سوف تنتهي بمجزرة قيامية إذا لم يتم إيقافهم، ولأنهم مثلما يقول مؤلفا الكتاب بوسوبيك وليسيك "يعارضون الإنسانية نفسها، فهم يضعون أنفسهم خارج فئة البشر، في فئة فرعية جديدة تماما دافعها هو البؤس، واسمها هو ’غير البشر’".

يرى الكاتبان أن التقدمية الحديثة هي التجسيد الأحدث لشر عتيق يرجع إلى أواخر عصر الجمهورية الرومانية واستمر في الثورة الفرنسية وفي الشيوعية وصولا إلى يومنا هذا. وكثيرا ما يكون "عظماء المقدرة من الرجال" مطالبين ـ حسبما يقول الكاتبان ـ بسحق هذه الآفة. ولا يخفى في كتاب "غير البشر" ازدراء الديمقراطية، إذ يكتب بوسوبيك وليسيك أن "دراستنا للتاريخ قد انتهت بنا إلى هذه النتيجة وهي أن الديمقراطية لم تفلح قط في حماية الأبرياء من غير البشر".

من أبطال كتابهما الدكتاتور الأسباني فرانشيسكو فرانكو الذي أطاح بالجمهورية الأسبانية الثانية الديمقراطية خلال الحرب الأهلية في ثلاثينيات القرن العشرين. إذ يصفه الكاتبان بـ"أحد عظماء الرجال في التاريخ" ويقارنانه بجورج واشنطن. ويستشهدان بأقواله في ما لا يفلح عمله لمواجهة خطر غير البشر: "إننا لا نؤمن بالحكم من خلال صندوق الاقتراع. فلم يحدث قط أن تم التعبير بحرية عن الإرادة الوطنية الأسبانية من خلال صندوق الاقتراع".

مثل هذه الأفكار الاستبدادية ليست نادرة في زوايا الإنترنت الرجعية الرطبة، أو في أوساط نوع من الجماعات التي تزعمت تمرد السادس من يناير. وكتاب "غير البشر" يمتدح أوجست بينوشيه زعيم المجلس العسكري التشيلي الذي قاد انقلابا على سلفاور أليندي وحكومته المنتخبة سنة 1973 فكان ذلك فاتحة عهد من التعذيب والقمع تضمن فضلا عن ذلك إلقاء الخصوم السياسيين من طائرات الهليكوبتر.

كانت الصور المستوحاة من طائرات بينوشيه الهليكوبر شائعة ضمن حركة "استعادة عظمة أمريكا MAGA " على مدى سنين. ومثلما كتب المؤرخ ديفيد أوستن وولش العام الماضي، فإن في اليمين اتجاها قديما يقدس فرانكو. ولكن غير المعتاد هو أن يتحالف مرشح لمنصب نائب الرئيس الأمريكي علنا مع إرهاب استبدادي.

كتب فانس أول تقريظ يتصدر الغلاف الخارجي لكتاب "غير البشر"، جاء فيه أنه "في الماضي، كان الشيوعيون يسيرون في الشوارع رافعين رايات حمراء. وهم اليوم ينظمون مسيراتهم في مكاتب الموارد البشرية والجامعات وقاعات المحاكم رافعين القضايا على الخيِّرين الصادقين" وأضاف أن "جاك بوسوبيك وجوشوا ليسيك يكشفان خططهم ويوضحان لنا ما يجب أن نفعله لمحاربتهم".

ثمة تقريظات أخرى تأتي من تاكر كارلسن ودونالد ترامب الابن وهو شخصية أساسية في حملة أبيه الرئاسية. أما تمهيد الكتاب فبقلم ستيفن بانون كبير المخططين الاستراتيجيين السابق في إدارة دونالد ترامب.

والآن، وارد جدا أن يكون فانس قد قرظ "غير البشر" دون أن يقرأه بالفعل، وهذا نهج غير معدوم المثال في صناعة النشر. ولكنه ما لم يتنكر للكتاب بشكل ذي مصداقية، فعلينا أن نأخذ كلامه مأخذ الجد ونصدق أنه يؤمن بتحليل الكتاب. فلغة كتاب "غير البشر" ـ في نهاية المطاف ـ تتشابه في بعض المظاهر بخطاب فانس نفسه.

يكتب بوسوبيك وليسيك أن "الثورة المضادة الأمريكية العظمى للإطاحة بالمثقفين الماركسيين لا بد أن تحدث في جميع مناحي المجتمع التي يشغلونها حاليا والتي يسعون إلى الاستيلاء عليها" ويضيفان أن "ذلك أمر يمكن تحقيقه لكن فقط من خلال عزيمة فرانكو ومن خلال مكارثي" (ويعنيان هنا جوزيف مكارثي أحد أيقونات الكتاب هو الآخر). فقارنوا هذا بما قاله فانس في بودكاست (جاك ميرفي لايف) اليميني المتطرف سنة 2021 حينما ذهب إلى أن الجمهوريين عند توليهم السلطة ينبغي أن يقوموا بتطهير وإقصاء لخصومهم مثلما فعلت حكومة العراق يوما في المنتمين إلى الحزب البعثي التابع لصدام حسين.

قال فانس "إنني أميل إلى الاعتقاد بأننا ينبغي أن نستولي على مؤسسات اليسار وتحويلها ضده، ونحن بحاجة إلى ما يماثل برنامج القضاء على البعثية، ولكنه يستهدف القضاء على اليسار [de-wokification] في الولايات المتحدة". وذهب إلى "أننا لم نعد بحاجة بعد إلى جمهورية دستورية حقيقية" قائلا إنه لا ينبغي تقييد دونالد ترامب بأعراف الحكم الجمهوري. وقال فانس إن ترامب ينبغي "أن يقيل كل موظف حتى من المستوى المتوسط، وكل مسؤول في الخدمة المدنية في الدولة الإدارية، ويستبدل بهم رجالا من رجالنا". وفي حالة محاولة المحاكم اعتراض طريقه، ينبغي على ترامب "أن يقف أمام البلد وقفة أندرو جاكسن ويقول: ’ها هو رئيس المحكمة العليا قد أصدر حكمه، فليرنا الآن كيف سينفذه’".

بوسعكم، بل يجدر بكم، أن تضحكوا من ميلودرامية فانس وإحساسه بأهميته، وانشغاله بالثانويات (ففي بودكاست جاك ميرفي يشير فانس باحترام إلى المدون اليميني كيرتس يارفين صاحب الشعبية في دوائر وادي السيليكون الرجعية الذي ينادي بإحلال توع من الملكية التكنولوجية محل الديمقراطية). وإنه لأمر طيب أن يكون الديمقراطيون قد عثروا على كلمة "الغريب" ليصفوا بها هذا الجانب من الحزب الجمهوري، ولكن الرسم البياني يبدي تداخلا كبيرا بين "الغريب" و"الخطير".

يكتب بوسوبيك وليسيك أن "فرانكو، الشبيه كثيرا بالآباء المؤسسين في الولايات المتحدة، وأتباعه كانوا يرون أنفسهم ثوارا ساعين إلى الإطاحة بحكم فاسد استبدادي يساعد على القتل والاغتصاب ويشجعهما مثلما يساعد ويشجع على الكثير من الآثام البغيضة الأخرى". وينبغي أن نتعامل بجدية مع احتمال أن فانس وأتباعه يرون أنفسهم بمثل هذه الطريقة.

• ميشيل جولدبرج من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ 2017، ولها العديد من الكتب في السياسة والدين وحقوق المرأة وكانت ضمن فريق صحفي حصل على جائزة بوليتزر سنة 2018 عن تقرير حول التحرشات الجنسية في بيئة العمل.

** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: غیر البشر من خلال

إقرأ أيضاً:

رئيس لاتفيا يزعم سقوط مسيّرة روسية في شرق البلاد

زعم رئيس لاتفيا إدغار رينكيفيتش أن طائرة عسكرية روسية مسيرة سقطت على أراضي لاتفيا يوم السبت، وأن السلطات تحقق في الحادث.

وكتب رينكيفيتش على منصة "إكس": "أمس (7 سبتمبر) تحطمت طائرة عسكرية روسية دون طيار في الجزء الشرقي من لاتفيا... التحقيق جار".

وأشار أيضا إلى أنه "على اتصال وثيق مع الحلفاء" فيما يتعلق بالحادث.

وكان رئيس لاتفيا قدا أعلن في وقت سابق أن "الناتو" يبحث عن رد على الحوادث التي يُزعم أنها مرتبطة بأنشطة "التخريب" الروسية في أوروبا، لكنه لن يطلق الصواريخ على روسيا بسبب حوادث بسيطة.

وأعلن وزير الدفاع اللاتفي أدريس سبرودس في يوليو أن السلطات اللاتفية أرسلت إلى قوات كييف مجموعة جديدة من الطائرات المسيرة، يقدر عددها بأكثر من 500 قطعة.

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال عددا من قادة حماس في غزة
  • إيلون ماسك يعلنها: نستهدف إطلاق ستارشيب إلى المريخ خلال عامين
  • لافروف: ينبغي وقف إطلاق النار في غزة فورا وجذور المشكلة عدم تسوية الصراع العربي الإسرائيلي
  • «القاهرة الإخبارية»: جيش الاحتلال يزعم استهدافه مركز قيادة لحماس في خان يونس
  • هيئة الكتاب تحتفل بتوقيع كتاب “الجهاد الأمريكي ..من كابول إلى اسطنبول” للسفير عبدالله صبري
  • أحمد حاتم يروج لفيلم عاشق (فيديو)
  • جمعية المسرحيين تصدر كتاباً عن الفنان أحمد الجسمي
  • أولياء أمور فيديو تصوير طالبات دكرنس : بناتنا ليسوا مجرمات
  • 50 جنيها.. وزير التعليم يصدر كتابا دوريا ينظم صرف مقابل الحصص للمعلمين
  • رئيس لاتفيا يزعم سقوط مسيّرة روسية في شرق البلاد