حاجة أمتنا إنهاء أزماتها وتقوية مكانتها بين الدول
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
لا شك أن أمتنا العربية منذ ما قبل ما عُرف بالربيع العربي، وما بعده، وهي تعاني التوترات والأزمات، وتتقلّب بين الصعود والهبوط في هذه الأزمات، وهذه للأسف عملت شللاً سلبياً في العلاقات البينية بينا، في غياب الحلول الإيجابية لإيجاد مخارج لحل الخلافات والأزمات الغير جوهرية، والتي يمكن اعتبارها سبب هذا الاختلاف في جهات النظر وفي تشخيص الأزمات القائمة، لكن هذه الأزمات يمكن أن تُحل إذا ما وُجدت الإرادة والرغبة في إعادة الوحدة والتلاحم والتوافق على القضايا الكبرى للأمة، وتبقى القضايا الفرعية التي يكون فيها السعة ورحابة للاختلاف لأنها بعيدة عن الأهداف الأساسية للأمة، وهذا بلا شك ما يستوجب الحاجة الماسة لحل كل ما يعترض تقاربها في المجالات المهمة التي لا يختلف عليها أحد، وهي ذاتها ما يجب أن تتوحد حولها الآراء في ظل ظروف الأمة الراهنة وازدياد التوترات.
وقد طرح العديد من الباحثين والكتّاب الأزمات السياسية العربية الراهنة، وحصروها في ظروفها المختلفة، لكن بعض هؤلاء الباحثين أرجعها إلى طبيعة حالتنا الذاتية أو الجذر المجتمعي -وقد ناقشتها في بعض دراساتي- اللتان تبرزان هذه الخلافات، وهي التي تُستعاد وتعتمد على قضايا تُثار بين الحين والآخر، فيتم استرجاع الخلاف واشتداد سوء الفهم وبروز الخلاف إلى الواجهة. وكل هذه الخلافات تحتاج إلى رحابة صدر، وإلى حوار ذاتي وإبعاد الأحكام المسبقة، وإلى حسن الظن بالآخر وبما يطرح، حتى يمكن حل هذه الخلافات بأقل تكاليف ودون انقطاع التواصل.
ومن الخطأ تحميل الجذور المجتمعية والخلل السوسيولوجي فيما يجري من أزمات وما يطرأ من خلافات بالمجتمع العربي، وهو ما يقع فيه بعض الباحثين؛ فالقرار السياسي العربي بيد هذه النخبة، واختيار القرار الصائب أو الخائب إرادة وفعل، تستطيع هذه النخبة إيجاد البدائل المناسبة للتعامل مع هذه القضايا والإشكالات، فهي التي تمتلك مقومات النهوض أو أسباب الإخفاق، وهي التي تعرف كوامن الضعف وعوامل تحقيق التقدم.
وهذا ما عبر عنه د/ برهان غليون عندما طرح أسباب هذه الإخفاقات، وأرجعها إلى الممارسة السلبية؛ حيث يرى أن الدولة الحديثة: "هي التي تفسر ما يشهده المجتمع العربي من إضافة للمكتسبات العديدة التي حققها في جميع الميادين في العقود القليلة الماضية، بعد فشل مشروع التنمية باعتباره محور إعادة البناء الوطني، بما في ذلك العناصر الجديدة المكتسبة في ميدان تقنية الحكم ومفهوم أو فكرة الدولة ذاتها". فكيف يحّمل الباحثون تكويننا السياسي وتركيبتنا المجتمعية هذه الإشكالات والتراجعات، ويتناسى أن الشعوب العربية مغيبة عن هذه السياسات المقترنة بالإخفاقات المتتالية؟ مع أن "جذور الأزمة الحقيقية التي تعصف بالمجتمع العربي اليوم، كما يشير د/ غليون، تكمن في نموذج الحداثة العربية نفسها، وليس هناك أمل في الخروج منها، إلا بنقد هذه الحداثة وتوفير شروط تجاوزها والخروج منها".
وفي مقدمة هذه الحداثة الممسوخة ـ كما يقول غليون"مسخ الدولة الحديثة (الوطنية) بالذات، في مفهومها ومصدر قيمها، أعني عقيدة ارتباط التقدم التاريخي بالدولة، ثم بتعظيم دور الطليعة والإدارة، وتضخيم أجهزة القمع ووسائله، لدرجة أصبح فيها معدل بناء السجون والمعتقلات ومعسكرات التجميع والمراقبة ونقاط التفتيش وأجهزة المخابرات أكبر من معدل بناء المستشفيات أو المدارس أو الخدمات الاجتماعية". فهل يجوز لنا منطقاً وعقلاً أن نتجاوز طبيعة ونتائج السياسات، التي اتخذتها ومارستها بعض النخب السياسية العربية في الدولة الوطنية، والدولة التقليدية قبل ذلك، ونرمي بأسباب هذه الإخفاقات والتراجعات إلى البنى السوسيولوجية والجذور المجتمعية، والفقر السياسي العربي تاريخياً في خط ثابت متصل إلى حاضرنا الراهن؟ وهل هذا التفسير يشفي غليل الإنسان العربي الحائر الذي لا حول ولا قوة له فيما يجري، وما يتموضع بالنيابة عنه من سياسات وما يتخذ من قرارات، عصفت بكل مقدرات الأمة في مصير مجهول.
لقد استوردت الدولة التقليدية، ثم الدولة الوطنية بعد الاستقلال، النظم، والأفكار، والبرامج الغربية، وبعض هذه الدول طبقت العلمانية في جانبها القهري الاستبدادي، ولذلك "فإن الطابع القمعي للدولة العربية القائمة ليس التعبير الصريح أو المبطن، عن بقايا تراث الاستبداد الشرقي القائم على إرادة الأشخاص أو العقائد أوالبرامج السياسية والاجتماعية المرتبطة بمجموعات بعينها، إنه العكس من ذلك، التعبير عن التحول البطيء في طبيعة الدولة الحديثة ذاتها أو دولة التقدم والتحديث. ومن هذه المنطلقات أثمرت هذه السياسة فكراً مغايراً لثقافة الأمة وموروثها الحضاري، ونشأ عن ذلك اضطراب سوسيولوجي، بعد إقصاء المرجعية الذاتية والهوية الوطنية، وتهميش دورها في صياغة نموذجها الفكري والسياسي، النابع من ذاكرتها الحضارية في الميادين المختلفة، ونتج عن ذلك فشل ذريع في البرامج والخطط في مستويات عدة، وما نشاهده من مظاهر التقدم والتنمية التي تحققت نسبياً في بعض هذه الأقطار العربية "ما هي إلا أمور سطحية لا تمس الجوهر أو الذات الفاعلة، وأقصد بذلك الإنسان العربي على اختلاف مستوياته الثقافية وطبقاته الاجتماعية، وذلك لأن مثل هذه التنمية وذاك التقدم، هي أمور تابعة ومرتبطة بالمركز الحضاري الغربي، سواء كنا نتكلم بنيوياً أو ثقافياً أيديولوجيا. فمثقفونا يمارسون أحلام يقظة في أسر الكلمات والمفاهيم والأيديولوجيات المجردة، مما يسقطهم في مزالق الاغتراب وهوة العزلة الاجتماعية واللافاعلية كنتيجة لكل ذلك. وطبقاتنا الاجتماعية ليس لديها وعي بكينونتها الطبقية في المقام الأول، فتمارس وظيفتها الاجتماعية عشوائياً وفق نمط فردي غارق في الغيبوبة الاجتماعية، تتقاذفه شتى الاتجاهات ومختلف أنواع الوعي الزائف، وكلها لا تعبر عن وعي يتمثل بحقيقتي الزمان والمكان، وبالتالي، تتحول إلى كم بشري هامشي لا أثر اجتماعيا فعليا له.
ومن هنا يؤكد د/ تركي الحمد في كتابه (دراسات أيديولوجية في الحالة العربية ص 81) "إن المشكلة الأساسية التي تواجه الوطن العربي، هي في الفراغ والضياع الأيدلوجي السائد في التاريخ العربي المعاصر" فإشكالية الأصالة والمعاصر، والعروبة والإسلام، والتراث والثورة، الاستقلال والتبعية، الدين والدنيا، والدين والدولة إلى غير ذلك من الإشكالات، ما هي إلا انعكاس وتجسيد للفراغ أو الضياع الأيدلوجي، أو الثقافي الذي نجد أنفسنا فيه كأمه، يفترض فيها وحدة الوعي كتعبير عن وحدتها. وهذا لا يعني إنكار أهمية وتأثير الإشكالات البنيوية التي ورثناها -أو أورثناها- خلال تاريخ طويل من القمع والاستبداد والاستعمار والاستقلال السياسي الناقص أو المشوه، إلا أنه وفي وطننا العربي، فإن هذه الإشكالات البنيوية تحوّلت إلى تابع أو دالة الأيديولوجيا السائدة ، التي هي بدورها مجرد تعبير عن الضياع أو الفراغ الأيدلوجي الذي نعيشه. فهذه الأيديولوجيات السائدة التي خبرناها خلال تاريخنا المعاصر، ليست إلا تعبيراً عن الاستلاب الثقافي العام الذي يعيشه الوطن العربي، فهي أيديولوجيات بعيدة كل البعد عن نبض التاريخ العربي (الذي يشكل شخصية الأمة وذاكرتها بغض النظر عن قبوله أو رفضه)، ولا تعكس أو تعبّر بأي شكل من الأشكال عن طبيعة البنى الاجتماعية والثقافية السائدة".
إذن الإشكالية التي وقعت فيها النخب السياسية العربية أنها استمدت أيديولوجيتها من منابع أخرى، لا صلة لها بالواقع العربي الإسلامي، وهذه الأيديولوجيات بعيدة كل البعد عن العقلية السائدة آنذاك التي عرفتها القبيلة أو العشيرة، بل إن هذه الأخيرة هُمّشت تماماً، في مرحلة سيطرة النخب السياسية المؤدلجة بالأفكار الاشتراكية والقومية والعلمانية.
ولا شك أن البعض ممن تحدّث عن وضع الأمة، يركز دائماً على مشكلاتها من منظور الآخر المختلف، وليس من الواقع ذاته وما ينبغي إصلاحه، لكنه يحلل وينقد وفق نظرة الآخر وواقعه ونظرته، ويرى أنه إذا أرادت الأمة أن تصل إلى ما وصل إليه الغرب، أن تتجه للتقليد السلبي والاستهلاك، وليس إلى الإبداع، من خلال المناهج العلمية وطرق الاستفادة منها في النهوض العلمي والتكنولوجي، وهذا ما فعلته اليابان، والصين، وكوريا، وماليزيا، وآخرها الهند التي بدأت في الانطلاق التكنولوجي، وهذا هو الأمر الجدير بالتقدير والاحترام إذا ما أردنا الانطلاق الصحيح للتقدم والنهوض، ومع أن تلك الدول لم تتخل عن قيمها وتراثها وتقاليدها الموغلة في القدم، ونجحت حتى في منافسة الغرب في الصناعات المهمة المتعددة.
ومن الدول الإسلامية التي تعتبر صاعدة تكنولوجياً بشكل كبير ومتنام، تركيا الراهنة، التي أصبحت من الدول التي يشار إليها بالبنان في التقدم العلمي والتقني، والنهوض الاقتصادي سببها الاستفادة من منهجية الغرب العلمية والتقنية وليس التقليد فقط، وأخذ المنتجات دون الإبداع الذاتي في الإنتاج الداخلي ومن خبرات الكفاءات الذاتية. فأمتنا بحاجة للخروج من أزماتها المختلفة، السياسية منها والفكرية والاقتصادية أن تتجه إلى المراجعة الجدية، وإلى رؤى أكثر واقعية تجاه أهمية تقاربها ووضع استراتيجيات للتعاون في شتى المجالات، بما للأمة من قوة اقتصادية وتوحيد السياسات العامة، ككتلة موحدة في عصر التكتكلات البينية، ونبذ أية خلافات قد تعرقل التعاون والتكامل، وللخروج من هذه الأزمات وإزاحتها عن الصدارة، ومن خلالها سوف تستعيد الأمة مكانتها وتقديرها بين الدول الأخرى؛ لأن الخلاف الداخلي يعطي انطباعا سلبيا، ويقلل من مكانة الأمة في العالم وبين المؤسسات الدولية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هی التی
إقرأ أيضاً:
رسائل طمأنة من الرئيس السيسي إلى الأمة العربية.. مصر لا تقبل ولن تشارك في تهجير الفلسطينيين
"ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني من مكانه هو ظلم لا يمكن أن نشارك فيه".. رسالة تاريخيّة حاسمة وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العالم أجمع، أعاد فيها التأكيد على موقف مصر الرافض لمحاولة إخراج الفلسطينيين من أرضهم، وطمأن من خلالها الشعب المصري والأمة العربية والإسلامية بأن القاهرة على وعدها وعهدها و لن تساهم في هذا المخطط، كما نبه المجتمع الدولي إلى مدى الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون.
فعقب 15 شهراً من الحرب الإسرائيلية التي دمرت قطاع غزة لجعله غير قابل للحياة وليتم تهجير أهله منه، تم إعادة طرح مشروع التهجير وعاد الحديث عن فكرة توطين الفلسطينيين في مصر والأردن، ما أثار غضب وقلق المصريين قبل أن يخرج الرئيس السيسي خلال المؤتمر الصحفي المشترك الأربعاء مع نظيره الكيني ليؤكد بصورة قاطعة ومباشرة أن القاهرة لن تلعب أي دور في هذا الظلم ولن تتنازل أبدا عن ثوابت الموقف المصري التاريخي للقضية الفلسطينية، كما لن تقبل بتهجير الفلسطينيين لتأثيره على الأمن القومي المصري.
وفي هذا الإطار، قال السفير منير زهران، رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية السابق والرئيس الأسبق لوفد مصر الدائم في الأمم المتحدة بچنيف، إن الرئيس السيسي أسكت كل من يحاول الزج باسم مصر أو إشراكها فى مخطط إخراج الفلسطينيين من وطنهم بإعادة تأكيده بما لا يدع مجالاً للشك على الثوابت المصرية تجاه القضية الفلسطينية وبأن مصر لن تشارك في ظلم شعب فلسطين".
وأضاف السفير منير زهران أن الرسائل التي أطلقها الرئيس السيسي تعد مبعث طمأنة للأمة العربية والإسلامية بأن مصر لن تقبل بأي حال من الأحوال تهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه وتصفية قضيته العادلة.
وأبرز أن الدولة المصرية بقيادتها وشعبها تقف اليوم كما وقفت دائماً، كحصن منيع يحمي الفلسطينيين من خطر تهجيرهم وإنهاء حلمهم في دولتهم المستقلة، منوهاً إلى أن مصر وعلى مدار أكثر من سبعة عقود عملت على منع تصفية القضية الفلسطينية و دعمت صمود شعب فلسطين على أرضه ولم ولن تتخلى يوماً عنه.
وذكر الدبلوماسي المصري الكبير بأنه قضى سنوات طويلة من عمره داخل البعثات المصرية الدبلوماسية في الدفاع عن القضية الفلسطينية ونصرة شعب فلسطين بكافة المحافل الدولية، مؤكداً أن مصر لم تخضع يوماً من الأيام لحسابات مصالح أو مساومات حول موقفها من القضية الفلسطينية وتتعامل مع هذا الملف من منطلق مسئوليتها التاريخية والجغرافية والإنسانية بل وأيضاً من منطلق حرصها على مصلحة أمتها ووطنها العربي.
وأكمل أن مصر بمواقفها وتاريخها الحافل منذ العام 1948 من أجل نصرة فلسطين لن تأتي بعد كل هذا الكفاح الطويل لتشارك في هذا الظلم، مشدداً على “أننا سنظل شريكًا أساسيًا للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والعدالة، وسنظل نطالب بالحق الفلسطيني حتى ترى الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشرقية النور”.
واختتم السفير منير زهران بأنه "ما ضاع حق وراءه مطالب"، وبأننا لن نخذل أشقاءنا في فلسطين ولن نخذل شعوب أمتنا العربية والإسلامية، وسيبقى الشعب المصري وقيادته الوطنية على الثوابت المصرية بشأن ضرورة العمل على تنفيذ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967، بما يمثل الضامن الأهم لتحقيق الاستقرار المستدام في المنطقة.
بدوره، أكد السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن موقف مصر من تهجير الفلسطينيين واضح منذ مدة طويلة، إلا أن تجديد الرفض القاطع من قبل الرئيس السيسي بعد أن أعيد طرح هذا المخطط مرة أخرى من شأنه إنهاء هذا المشروع وعدم فتحه مرة أخرى، ولا سيما الابتعاد عن التفكير في أرض مصر أو إشراكها فيه.
ورأى أن إعادة الحديث عن تهجير الفلسطينيين عقب رفض مصر له في السابق هو بمثابة "اختبار" و"جس نبض" القاهرة، إلا أن أصحاب هذا المخطط قد اصطدموا بموقف مصر قيادة وشعباً والذي أظهر أن تلك الفكرة غير مقبولة على الإطلاق.
وسلط الضوء، في هذا الصدد، على الاستياء والاستنكار والرفض الرسمي والشعبي والبرلماني وكذا رفض الهيئات والنقابات المختلفة في مصر، بل كل الرأي العام المصري لتهجير الفلسطينيين، ثم جاء رفض مباشر من رئيس أعلى سلطة في البلاد وهو الرئيس السيسي - خلال مؤتمره الصحفي المشترك الأربعاء مع رئيس كينيا - ليبعث برسائل واضحة أن مصر لن تشارك في هذا التهجير وفي ظلم الشعب الفلسطيني الشقيق، وأن الحل الوحيد هو إقامة الدولة الفلسطينية بجانب الدولة الإسرائيلية يعيش فيها المواطن الفلسطيني والمواطن الإسرائيلي جنباً إلى جنب في سلام وأمان.
واعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق أن الشعب الفلسطيني تعلم الدرس جيداً من "النكبة" عندما تم ترحيله وإخراجه من فلسطين على أمل العودة مرة أخرى إلى وطنه، وهو ما لم يحدث، ولذلك فإن هذا الشعب المرابط الصامد على أرضه يعي هذا المخطط ولن يرحل.
وأوضح أن "ستيف ويتكوف"، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، الذي زار محور نتساريم وكذلك محور صلاح الدين لمراقبة وقف إطلاق النار، شاهد بنفسه كيف عاد مئات الآلاف من أهل غزة إلى بيوتهم التي لم تعد موجودة و أصبحت ركاماً، ليتأكد أن هذا الشعب الأبي من المستحيل أن يترك أرضه.
ونبه إلى أن هدف إسرائيل من عملية التهجير هو إلغاء حل الدولتين وتخفيف أعداد الفلسطينيين تمهيداً لإعطائهم حكماً ذاتياً تحت السيادة الإسرائيلية وتوسع وتمدد الدولة العبرية، مذكراً بأن هذا المخطط كان ضمن صفقة القرن التي رفضتها الدول العربية وفشل سابقاً كما سيفشل اليوم.
وحذر السفير رخا من مخطط إفراغ أرض فلسطين التاريخية من شعبها وتهجيره وإعادة توطينه في أماكن أخرى واستبداله بشعب آخر غريب عن المنطقة يتم زرعه في الشرق الأوسط، مشدداً على أن ذلك غير مقبول مصرياً وعربياً ودولياً.
ولفت إلى أهمية تضافر جهود الدول العربية والإسلامية من أجل صياغة موقف موحد لا يقبل إلا بحل الدولتين، مذكراً بأن القضية الفلسطينية معالمها واضحة في قرارات الأمم المتحدة وصدر لها قرارات عدة ولن يتبقى سوى تنفيذها.
من جهته، قال الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، إن تصريح الرئيس السيسي التاريخيّ الرافض لتهجير وترحيل الفلسطينيين من أرضهم، يثبت بشكل جلي التزام مصر العميق بثوابتها القومية والعربية، والتي تتناغم مع مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
وأثنى سلامة، على موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية، والذي أعاد الرئيس السيسي التأكيد عليه، حيث شدد على أن التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة هو ظلم لا يمكن لمصر أن تشارك فيه أو تقبله.
ولفت إلى أن رد الرئيس السيسي أثبت كذلك أن مصر لن تتخلى عن دعم القضية الفلسطينية، وستظل السند الأقوى في دفاع الفلسطينيين عن حقوقهم المشروعة في مواجهة أي محاولات لتصفية هذه القضية العادلة.
ونبه إلى أن مخططات ومحاولات إخلاء غزة من سكانها تعتبر انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية للفلسطينيين، ويعد خرقاً لمبادئ حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة، التي تنص على حماية المدنيين ورفض تغيير الحدود بالقوة.
وأنذر سلامة من أن تهجير الفلسطينيين من أرضهم التاريخية ليس مجرد جريمة إنسانية، بل هو تهديد مباشر للوجود الفلسطيني، ويشكل خطوة نحو تصفية القضية الفلسطينية برمتها، كما أن إخلاء الفلسطينيين من غزة ليس فقط تطهيراً عرقياً، بل هو محاولة جادة لتغيير الواقع السياسي والجغرافي للمنطقة، بما يتعارض مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه.
وحذر سلامة من أن هذا "المخطط الشرير" من شأنه تغيير الوضع الديمغرافي والسياسي في المنطقة، كما لن يجلب سوى مزيد من الأزمات وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.