تُـرى كيف قد تتفاعل الصين مع الانتخابات الأمريكية التي لا يمكن التنبؤ بنتيجتها إلى حد كبير في نوفمبر؟ الواقع أن الصين مقتنعة بأن الرغبة في إعاقة نموها الطبيعي واحتواء ممارستها المشروعة لنفوذها العالمي واحدة من النقاط القليلة التي يتفق عليها الديمقراطيون والجمهوريون. ويعتقد القادة الصينيون أن الخلاف الوحيد بين الحزبين يدور حول أي الأسلحة الاقتصادية والسياسية يجب استخدامها لاحتواء الصين، وكيف ومتى ينبغي استخدامها.

لا ينبغي لهذا الرأي أن يكون مفاجئا في واشنطن. فقد سار الرئيس الأمريكي جو بايدن على خُـطى إدارة ترمب في فرض تعريفات جمركية وقيود جديدة على صادرات التكنولوجيا، في حين عمل أيضا على توسيع التحالفات المناهضة للصين مع شركاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، بل وحتى الهند. لكن هذا لا يعني أن الصين تنظر إلى الحزبين على أنهما متماثلان فعليا. بل على العكس من ذلك، يبدو أنها تعد العُـدّة لمواجهة التحديات التي قد تأتي مع فترة رئاسة ثانية لدونالد ترمب.

يظل ترمب المرشح الأقرب قليلا إلى الفوز، ويعتقد قادة الصين أن الاستعداد المبكر لإدارة ترمب الجديدة أكثر أهمية من الاستعداد لفوز المرشحة الديمقراطية المفترضة، نائبة الرئيس كامالا هاريس. لا تزال رغبة الصين في الاستقرار ــ سواء في العلاقات مع الولايات المتحدة أو في النظام الدولي في عموم الأمر ــ قوية، لأن اقتصادها كان بطيئا في الخروج من الصدمات التي تسببت في إحداثها سياسات الإغلاق الصارمة أثناء جائحة كوفيد-19.

تتلخص الرواية الرسمية الصادرة عن السلطات الصينية في أن زيادة إغلاق الأسواق الأمريكية ــ وهو احتمال أشد ترجيحا إذا فاز ترمب ــ من شأنه أن يجبر الصين على مضاعفة جهودها لتعزيز أسواقها الاستهلاكية والتحول نحو أسواق أجنبية أخرى. وهذا يعني ضمنا أن الصين ذاتها لن تصعد حربا تجارية. لقد أرست الصين الأساس لتحسين التواصل بين الحكومتين والمؤسستين العسكريتين في الصين والولايات المتحدة. لكن المسؤولين في الصين يحاولون أيضا معرفة ما إذا كان ترمب يعتزم تنفيذ أحدث تهديداته بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على جميع الصادرات الصينية كجزء من استراتيجية فك الارتباط الأوسع، أو أنه يحاول ببساطة الضغط على الصين للحصول على شروط تجارية واستثمارية أفضل.

تتمثل أكبر مخاوفهم في إقدام ترمب على إلغاء وضع العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة الذي تتمتع به الصين، والذي قد يرقى إلى عكس الاتفاق الذي جلب الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وأدام العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين لأكثر من جيل، وأرسى الأساس لصعود الصين. قد يحاول القادة الصينيون ببساطة تحمل الألم الذي تفرضه نيران ترمب الكثيفة، على أمل أن يقنعه ضعف الاقتصاد الأمريكي وعدم رغبة الصين في خوض معركة باختيار هدف أجنبي آخر. أو قد يناشدون حلفاء الولايات المتحدة المتعددين الذين يظلون معتمدين على العلاقات الاقتصادية الجيدة مع الصين. في مقابل منح هذه البلدان مزيد من القدرة على الوصول إلى السوق، قد يضغط القادة الصينيون عليها لحملها على ممارسة الضغوط بدورها على البيت الأبيض في عهد ترمب من أجل نهج أقل مصادمة (أو الانحياز بشكل أكبر إلى الصين إذا كانت هذه البلدان هي أيضا مستهدفة بسياسات "أميركا أولا").

لكن تحمل مزيد من الألم الاقتصادي في حين يكون النمو ضعيفا بالفعل يهدد بتنفير المستهلكين الصينيين، الخطر الأكبر إذَا يتمثل في استنتاج قادة الصين أن المشاركة المحدودة في العام الماضي لم تسفر عن نتائج طيبة، وأن الرئيس الأمريكي المعادي القادم سيكون دائما على بعد انتخابات واحدة.

إذا كانت هذه هي نظرتهم، فقد يستجيبون للضغوط الاقتصادية من جانب الولايات المتحدة (بصرف النظر عن هوية شاغل المنصب في البيت الأبيض) بسياسة أمنية أكثر حزما وعدوانية. في هذا السيناريو، إذا أصبحت الولايات المتحدة حقا أكثر عدوانية في الانفصال عن اقتصاد الصين، فقد يتبين لها أنها أصبحت أقل نفوذا بدرجة كبيرة في الضغط على الصين لحملها على التراجع عن حملتها العسكرية والدبلوماسية ضد تايوان. صحيح أن القيادة الصينية قد تتبنى أيضا نهجا أكثر ودية مصمما لجعل السياسات المناهضة للصين أقل شعبية على المستوى السياسي في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، إذا تعهدت الصين بالاستثمار في الإنتاج وخلق فرص العمل في الولايات المتحدة، وإذا تفاوضت على اتفاق للحد من الصادرات إلى مستوى مقبول من الطرفين، فقد تنجح بذلك في خلق نوع جديد من النفوذ للتأثير على السياسة الأمريكية. لكن المسؤولين الصينيين يعرفون أن ترمب قد ينظر إلى مثل هذه التحركات باعتبارها علامة على الضعف، فيدفعه هذا إلى مضاعفة جهوده في تكثيف استراتيجية الضغط. وحتى لو سعى ترمب أو هاريس إلى إبرام مثل هذا الاتفاق، فلا يوجد ما يضمن أن الرئيس الأمريكي القادم لن يمزقه ويطالب باتفاق جديد. وليس من الواضح أن مصلحة الصين تملي عليها الاقتراب بدرجة أكبر من مواقف الولايات المتحدة بشأن الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط. ذلك أن إنهاء هذين الصراعين قد يسمح للولايات المتحدة بتحويل قدر أعظم من الاهتمام نحو "التعامل بخشونة مع الصين".

يتلخص السيناريو الأكثر ترجيحا لعام 2025 في فترة من التوتر حيث تزن كل من القيادة الصينية والإدارة الجديدة في واشنطن مواطن القوة ونقاط الضعف لدى الطرف الآخر. ولعل أفضل ما يمكن أن يأمله كل جانب هو أن يشجع انعدام اليقين الاقتصادي اليوم الحس البرجماتي على الجانبين، فيحد ذلك من الضرر الإضافي الذي قد يلحق بالعلاقة الثنائية الأكثر أهمية في العالم.

إيان بريمر مؤسس ورئيس مجموعة أوراسيا وGZERO Media، هو عضو في اللجنة التنفيذية للهيئة الاستشارية رفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة المعنية بالذكاء الاصطناعي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كيف ينظر قيس سعيد إلى الانتخابات الرئاسية؟

تونس- أعلن الرئيس التونسي المنتهية ولايته قيس سعيد يوم 19 يوليو/تموز الماضي ترشحه بصفة رسمية للانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وفي الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري، أقرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، حيث تضمنت إضافة إلى قيس سعيد، رئيس حركة الشعب زهير المغزاوي، ورئيس حركة "عازمون" عياشي زمال.

وإن كان الرئيس سعيد وأنصاره يرون الانتخابات القادمة محطة لمواصلة "حرب التحرير الوطني"، فإن الجدل متواصل في صفوف المعارضة بين من يعتبرها فرصة للتغيير ومن يراها "مسرحية صورية" لتجديد العهدة للرئيس وتعزيز شرعية نظامه المتراجعة.

وفي خضم الجدل المتواصل، يتعرض جل الذين أعلنوا ترشحهم للرئاسة للملاحقة القضائية والسجن، مما جعل عددا من الشخصيات والأحزاب تؤكد استحالة اختيار رئيس بطريقة ديمقراطية في ظل حكم قيس سعيد، بل تنادي بمقاطعة الانتخابات.

معارضون يتهمون الرئيس التونسي بالسعي إلى إجراء انتخابات صورية دون رهانات جدية (مواقع التواصل) وعود وشعارات

ومنذ إعلان إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 -التي تصفها المعارضة بأنها انقلاب دستوري- ظهرت تكهنات بشأن مرجعية الرئيس الفكرية، وذهبت بعض الآراء إلى نسب قيس سعيد والمجموعات المحيطة به إلى اليسار الماركسي اللينيني، في حين شبه آخرون نظام الحكم الذي يروج له بنظام حكم القائد الليبي الراحل معمر القذافي.

وفي هذا السياق، يقول الباحث في علم الاجتماع والناشط السياسي التونسي لمين البوعزيزي للجزيرة نت "من يريد أن يعرف مواقف قيس سعيد الحالية من الانتخابات الرئاسية المقبلة عليه أن يعود إلى مواقفه قبل أن يصبح رئيسا".

ويضيف البوعزيزي أن قيس سعيد، منذ شتاء 2011، كان ضمن مجموعة يسارية صغيرة أطلقت على نفسها "قوى تونس الحرة"، وهي إحدى حلقات "الوطنيون الديمقراطيون" التي تميزت في مواقفها بالقطع مع مفاهيم الماركسية اللينينية في التحزب والمركزية الديمقراطية وأيضا بالنقد الجذري للديمقراطية عموما والترويج لمفاهيم أناركية (لا سلطوية) تعد أقرب إلى ما ورد في الكتاب الأخضر لمعمر القذافي، وفق تعبيره.

وبحسب الباحث والناشط السياسي التونسي، لا يمتلك الرئيس التونسي أي برنامج أو مشروع للبلاد سوى جملة من الوعود والشعارات "الشعبوية" من جهة وترذيل السياسة والسياسيين وتخوين المعارضين من جهة أخرى.

وكان سعيد قد صرح في السادس من أبريل/نيسان الماضي خلال إحياء الذكرى الـ24 لوفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بأنه لن يقبل بترشح مجموعات ترتمي في أحضان الخارج، وفق قوله.

معركة "التحرر الوطني"

في المقابل، ما فتئ قيس سعيد يكرر أنه صاحب رؤية جديدة ومشروع للتحرر الوطني. وفي أكثر من مناسبة دولية ومحلية، ذكر أنه يحمل مقاربات جديدة لتونس والعالم تختلف عن المقاربات والمفاهيم السابقة كما تقطع نهائيا مع الماضي.

وقد صرح خلال إعلان ترشحه بأن "الواجب المقدس دفعه إلى الترشح من أجل مواصلة مسيرة النضال في معركة التحرر الوطني".

وقال وهو يقدم ملف ترشحه بشكل رسمي في إشارة إلى المحطة الانتخابية "إنها حرب تحرير نشنها وقد بدأناها، وحرب تقرير مصير نخوضها وثورة حتى النصر في إطار المشروعية الشعبية، وسننتصر من أجل تأسيس جمهورية جديدة، ولن نقبل بأن تدخل أي جهة أجنبية في اختيارات شعبنا".

وتعد الانتخابات القادمة مناسبة تقييم حقيقي لشرعية قيس سعيد التي تتالت خطابات التشكيك فيها بعد إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 وما لحقها من محطات انتخابية تميزت بمقاطعة واسعة لها.

وعرفت تونس خلال السنوات الثلاث الماضية انتخابات برلمانية لم يشارك فيها سوى مليونين و25 ألف ناخب من مجموع 9 ملايين و136 ألف ناخب مسجلين أي بنسبة 11.22% فقط، وهي النسبة نفسها تقريبا التي بلغتها نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية التي نظمها قيس سعيد في نهاية السنة الماضية.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط حمزة المدب للجزيرة نت إن "سعيّد أراد أن يجعل من الانتخابات الرئاسية القادمة مناسبة لمحاولة تأكيد شرعيته المتراجعة خصوصا بعد المحطات الانتخابية الهزيلة التي وقع تنظيمها منذ انقلابه في 2021".

انتخابات دون رهانات

ويتهم معارضون الرئيس التونسي بأنه يسعى إلى إجراء انتخابات صورية دون رهانات جدية، لتكون محطة يؤكد فيها شرعيته بالحد الأدنى من التعبئة ودون منافسة حقيقية بسبب حصيلة حكمه الهزيلة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بحسب تعبيرهم.

وفي هذا الصدد، يقول حمزة المدب الباحث في كارنيغي إنه "منذ البداية لم يكن سعيّد متحمّسا لإجراء انتخابات رئاسية والدليل ظروف الإعلان على هذه الانتخابات والتي أتت مقتضبة وفي ظروف غامضة ومن دون سابق إعلام في يوليو/تموز الماضي".

ويضيف أن الغاية كانت تنظيم انتخابات على عجل دون رهانات، واستغلال فصل الصيف لتنظيم حملة انتخابية بشكل سريع في غياب الاهتمام الدولي وحتى التونسي.

واستدرك الباحث قائلا "رغم كل المحاولات لجعل الانتخابات دون رهانات حقيقية، فإن مراهنة المعارضة على جعلها موعدا لإحداث تغيير ولمجابهة سعيّد أكسبها نوعا من الزخم".

ويرى المدب أن الرئيس التونسي المنتهية ولايته "سيخرج من هذه الانتخابات أكثر ضعفا من وضعه ما قبلها بالنظر للخروقات والقمع والانتهاكات التي شابت كل المسار بشهادة القضاء الإداري التونسي".

وفي هذا السياق، قال الأمين العام لحزب العمال التونسي حمة الهمامي، في حديث لوسيلة إعلام تونسية، "قيس سعيّد يريد بيعة ولا يريد انتخابات أو ما عبّر عنه كارل شميت منظّر الفاشية والنازية بالاقتراع الاستفتائي، ولا يريد أن ينافسه أي أحد".

ولم يختلف رأي رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي عن ما ذهب إليه حمة الهمامي، معتبرا أن السلطة عبّدت الطريق للبيعة من الدور الأول لقيس سعيد من خلال الاعتقالات والسيطرة على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

مقالات مشابهة

  • كيف ينظر قيس سعيد إلى الانتخابات الرئاسية؟
  • الإمارات تحذر مواطنيها في الولايات المتحدة من عاصفة استوائية
  • ما الذي يبتغيه الرئيس التونسي من إقالة الولاة قبل الانتخابات؟
  • من الرئيس؟.. عوامل تحسم المناظرة الرئاسية 2024 المرتقبة بين دونالد ترامب وكامالا هاريس
  • انتخابات تونس.. الفخّ الذي وقع فيه قيس سعيد
  • «الدبيبة» يهنئ الرئيس الجزائري بفوزه بالانتخابات الرئاسية
  • مجلس الدوما: الولايات المتحدة حاولت التدخل في الانتخابات الإقليمية والمحلية الروسية
  • الخارجية الأمريكية: نبارك النتائج التي خلصت إليها الانتخابات الرئاسية في الجزائر
  • انطلاق التصويت في الانتخابات الرئاسية المبكرة في الجزائر
  • بدء عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية بالجزائر