كيف ترى الصين الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة؟
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
تُـرى كيف قد تتفاعل الصين مع الانتخابات الأمريكية التي لا يمكن التنبؤ بنتيجتها إلى حد كبير في نوفمبر؟ الواقع أن الصين مقتنعة بأن الرغبة في إعاقة نموها الطبيعي واحتواء ممارستها المشروعة لنفوذها العالمي واحدة من النقاط القليلة التي يتفق عليها الديمقراطيون والجمهوريون. ويعتقد القادة الصينيون أن الخلاف الوحيد بين الحزبين يدور حول أي الأسلحة الاقتصادية والسياسية يجب استخدامها لاحتواء الصين، وكيف ومتى ينبغي استخدامها.
لا ينبغي لهذا الرأي أن يكون مفاجئا في واشنطن. فقد سار الرئيس الأمريكي جو بايدن على خُـطى إدارة ترمب في فرض تعريفات جمركية وقيود جديدة على صادرات التكنولوجيا، في حين عمل أيضا على توسيع التحالفات المناهضة للصين مع شركاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، بل وحتى الهند. لكن هذا لا يعني أن الصين تنظر إلى الحزبين على أنهما متماثلان فعليا. بل على العكس من ذلك، يبدو أنها تعد العُـدّة لمواجهة التحديات التي قد تأتي مع فترة رئاسة ثانية لدونالد ترمب.
يظل ترمب المرشح الأقرب قليلا إلى الفوز، ويعتقد قادة الصين أن الاستعداد المبكر لإدارة ترمب الجديدة أكثر أهمية من الاستعداد لفوز المرشحة الديمقراطية المفترضة، نائبة الرئيس كامالا هاريس. لا تزال رغبة الصين في الاستقرار ــ سواء في العلاقات مع الولايات المتحدة أو في النظام الدولي في عموم الأمر ــ قوية، لأن اقتصادها كان بطيئا في الخروج من الصدمات التي تسببت في إحداثها سياسات الإغلاق الصارمة أثناء جائحة كوفيد-19.
تتلخص الرواية الرسمية الصادرة عن السلطات الصينية في أن زيادة إغلاق الأسواق الأمريكية ــ وهو احتمال أشد ترجيحا إذا فاز ترمب ــ من شأنه أن يجبر الصين على مضاعفة جهودها لتعزيز أسواقها الاستهلاكية والتحول نحو أسواق أجنبية أخرى. وهذا يعني ضمنا أن الصين ذاتها لن تصعد حربا تجارية. لقد أرست الصين الأساس لتحسين التواصل بين الحكومتين والمؤسستين العسكريتين في الصين والولايات المتحدة. لكن المسؤولين في الصين يحاولون أيضا معرفة ما إذا كان ترمب يعتزم تنفيذ أحدث تهديداته بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على جميع الصادرات الصينية كجزء من استراتيجية فك الارتباط الأوسع، أو أنه يحاول ببساطة الضغط على الصين للحصول على شروط تجارية واستثمارية أفضل.
تتمثل أكبر مخاوفهم في إقدام ترمب على إلغاء وضع العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة الذي تتمتع به الصين، والذي قد يرقى إلى عكس الاتفاق الذي جلب الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وأدام العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين لأكثر من جيل، وأرسى الأساس لصعود الصين. قد يحاول القادة الصينيون ببساطة تحمل الألم الذي تفرضه نيران ترمب الكثيفة، على أمل أن يقنعه ضعف الاقتصاد الأمريكي وعدم رغبة الصين في خوض معركة باختيار هدف أجنبي آخر. أو قد يناشدون حلفاء الولايات المتحدة المتعددين الذين يظلون معتمدين على العلاقات الاقتصادية الجيدة مع الصين. في مقابل منح هذه البلدان مزيد من القدرة على الوصول إلى السوق، قد يضغط القادة الصينيون عليها لحملها على ممارسة الضغوط بدورها على البيت الأبيض في عهد ترمب من أجل نهج أقل مصادمة (أو الانحياز بشكل أكبر إلى الصين إذا كانت هذه البلدان هي أيضا مستهدفة بسياسات "أميركا أولا").
لكن تحمل مزيد من الألم الاقتصادي في حين يكون النمو ضعيفا بالفعل يهدد بتنفير المستهلكين الصينيين، الخطر الأكبر إذَا يتمثل في استنتاج قادة الصين أن المشاركة المحدودة في العام الماضي لم تسفر عن نتائج طيبة، وأن الرئيس الأمريكي المعادي القادم سيكون دائما على بعد انتخابات واحدة.
إذا كانت هذه هي نظرتهم، فقد يستجيبون للضغوط الاقتصادية من جانب الولايات المتحدة (بصرف النظر عن هوية شاغل المنصب في البيت الأبيض) بسياسة أمنية أكثر حزما وعدوانية. في هذا السيناريو، إذا أصبحت الولايات المتحدة حقا أكثر عدوانية في الانفصال عن اقتصاد الصين، فقد يتبين لها أنها أصبحت أقل نفوذا بدرجة كبيرة في الضغط على الصين لحملها على التراجع عن حملتها العسكرية والدبلوماسية ضد تايوان. صحيح أن القيادة الصينية قد تتبنى أيضا نهجا أكثر ودية مصمما لجعل السياسات المناهضة للصين أقل شعبية على المستوى السياسي في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، إذا تعهدت الصين بالاستثمار في الإنتاج وخلق فرص العمل في الولايات المتحدة، وإذا تفاوضت على اتفاق للحد من الصادرات إلى مستوى مقبول من الطرفين، فقد تنجح بذلك في خلق نوع جديد من النفوذ للتأثير على السياسة الأمريكية. لكن المسؤولين الصينيين يعرفون أن ترمب قد ينظر إلى مثل هذه التحركات باعتبارها علامة على الضعف، فيدفعه هذا إلى مضاعفة جهوده في تكثيف استراتيجية الضغط. وحتى لو سعى ترمب أو هاريس إلى إبرام مثل هذا الاتفاق، فلا يوجد ما يضمن أن الرئيس الأمريكي القادم لن يمزقه ويطالب باتفاق جديد. وليس من الواضح أن مصلحة الصين تملي عليها الاقتراب بدرجة أكبر من مواقف الولايات المتحدة بشأن الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط. ذلك أن إنهاء هذين الصراعين قد يسمح للولايات المتحدة بتحويل قدر أعظم من الاهتمام نحو "التعامل بخشونة مع الصين".
يتلخص السيناريو الأكثر ترجيحا لعام 2025 في فترة من التوتر حيث تزن كل من القيادة الصينية والإدارة الجديدة في واشنطن مواطن القوة ونقاط الضعف لدى الطرف الآخر. ولعل أفضل ما يمكن أن يأمله كل جانب هو أن يشجع انعدام اليقين الاقتصادي اليوم الحس البرجماتي على الجانبين، فيحد ذلك من الضرر الإضافي الذي قد يلحق بالعلاقة الثنائية الأكثر أهمية في العالم.
إيان بريمر مؤسس ورئيس مجموعة أوراسيا وGZERO Media، هو عضو في اللجنة التنفيذية للهيئة الاستشارية رفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة المعنية بالذكاء الاصطناعي.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بعد الانتخابات الرئاسية.. لبنان أمام مرحلة جديدة!
بعيداً عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي قد تحصل اليوم يبدو ان هناك اجماعا دوليا على ضرورة الوصول الى استقرار كامل في لبنان، ومن الواضح ان عملية انتخاب الرئيس ستتم عاجلاً ام آجلا، لكن هذا الامر سيترافق مع ضمانات دولية مرتبطة بأكثر من ملف يهمّ الواقع اللبناني.الملف الاول هو ملف الحدود الجنوبية اذ ان الاميركيين يتجهون نحو حسم هذه المسألة بضرورة التزام إسرائيل بالاتفاق وانسحابها بعد انقضاء مهلة الـ 60 يوماً من كل الأراضي اللبنانية التي دخلتها بعد اتفاق وقف اطلاق النار، بالإضافة الى إنهاء اعتداءاتها على لبنان، وهذا لا يمكن تحقيقه بشكل كامل الا من خلال استعادة الردع.
كذلك يبدو ان الدول الغربية والأوروبية تحديداً تريد استقراراً اقتصادياً وسياسياً في لبنان، وهذا يتلاقى مع الموقف الخليجي في لبنان الذي سيسعى بشكل حاسم الى عودة الاستثمار وعودة الدعم السياسي والاهتمام بلبنان والاستثمار الاقتصادي والمالي ما من شأنه أن يعوّم اقتصاد البلد بشكل كبير.
كل هذه الضمانات تؤكد بأن مساراً جديداً بدأ في لبنان بالتوازي مع مسارات مختلفة ومكثفة في المنطقة، وعليه فإنّ المرحلة المقبلة في لبنان قد تكون ايجابية بعد سنوات طويلة من اللا استقرار على المستويين الاقتصادي والسياسي، وهذا يشبه مراحل سابقة قد تكون اهمها مرحلة 1990 واتفاق الطائف، من دون تغييب الاختلافات بين المرحلتين على الصعيد الاقليمي.
وتعتقد المصادر بأن المسار الدستوري بعد انتخاب الرئيس سوف يكون واضحاً، اذ ستحصل الانتخابات البلدية ومن ثم الانتخابات النيابية وهذا بحد ذاته يعزز ثقة الدول الغربية بلبنان ويزيد من قدرة البلد على التعامل مع الدول الداعمة بشكل موحد ومن خلال المؤسسات الدستورية او اقله من خلال رؤساء هذه المؤسسات.
المصدر: خاص لبنان24