لجريدة عمان:
2024-09-16@17:47:49 GMT

في أمريكا، الهجرة مفيدة جدا للوظائف

تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT

ترجمة ـ قاسم مكي

عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2020 وعلى منصة تويتر (اكس حاليا) كتب دونالد ترامب مخاطبا الناخبين "هذه الانتخابات اختيار بين تعافي ترامب وركود بايدن." لم يكن الأمر كذلك تماما. فمنذ تولي الرئيس بايدن منصبه أوجدت الولايات المتحدة 15.7 مليون وظيفة.

على أية حال ظل ترامب يُكَذِّب الأخبارَ الجيدة عن التوظيف زاعما أن كل الوظائف الجديدة تذهب الى المهاجرين غير الشرعيين.

وفي مقال لي مؤخرا تطرقتُ الى زعم آخر له بأن الهجرة لها أثر بالغ الضرر على العمال السود. لم يكن ذلك صحيحا.

لكن ما هو صحيح أن جزءا كبيرا من النمو في التوظيف يتعلق بالمهاجرين. لكن هل الوظائف التي حصلوا عليها كانت على حساب الأمريكيين المولودين في الولايات المتحدة؟

الإجابة بالنفي. لكن كيف يمكن لنا أن نعلم ذلك؟ وكيف ينبغي لنا أن نفكر بشأن أثر الهجرة الأخيرة على الوظائف؟

قبل أن أقدِّم الأرقام هناك ثلاث محددات أو اعتبارات يجب وضعها في البال. أولا، في حين توجد لدينا تقديرات شهرية للوظائف تميز بين العمال المولودين في أمريكا والعمال المولودين في الخارج (على الرغم من أن هذه التقديرات لا تستبعد المهاجرين غير المسجلين) إلا أن هذه الأرقام لا يتم تعديلها وفقا للتغيرات الموسمية في عدد الوظائف. وبدلا من أن أحاول بنفسي تعديلها موسميا سأستخدم متوسط الوظائف لفترة 12 شهرا. وهذا يكفي لأغراضنا الحالية.

ثانيا، يعتقد خبراء عديدون أن الأرقام القياسية المرتكزة على مسح السكان الحاليين يقلل من تقدير الارتفاع السريع الأخير في وتيرة الهجرة. سأشير الى ذلك عندما يكون مؤثرا. لكنه لا يغير الصورة.

أخيرا، عند النظر الى النمو الذي حدث مؤخرا في عدد الوظائف سيكون اختيار نقطة البدء مُهِمَّا. لقد ورث بايدن اقتصادا كان لايزال راكدا بتأثير جائحة كوفيد-19. وعكس جزء من النمو في الوظائف أثناء رئاسته تعافيا من ذلك الركود.

ويمكن القول إن من المعقول مقارنة وضع الاقتصاد الحالي بوضعه عشية الجائحة. سأفعل ذلك بمراجعة نمو الوظائف منذ عام 2020 ونمو الوظائف بداية من عام 2019 قبل اندلاع الجائحة.

حسنا. إذن لنبدأ. أولا، دعونا نقارن متوسط التوظيف في فترة الأثني عشر شهرا المنتهية في يوليو 2024 بالتوظيف في عام 2019 والتوظيف في سنة الجائحة عام 2020.

منذ عام 2020 كانت هنالك زيادات كبيرة في توظيف كل من العمال المولودين في أمريكا والعمال المولودين في الخارج. لكن تلك الزيادات عكست في معظمها التعافي من ضعف أداء الاقتصاد في فترة الجائحة. وعند مقارنة الزيادة في عدد الوظائف باقتصاد ما قبل الجائحة سنجد أنها أقل كثيرا خصوصا بالنسبة للعمال المولودين في أمريكا.

إذن حصل المهاجرون حقا على معظم وليس كل هذه الوظائف الجديدة. وربما على أكثر مما تقوله الجداول الإحصائية إذا كان تقدير عدد المهاجرين أقل من عددهم الفعلي.

لكن السؤال هو: هل كانت الوظائف التي شغلها المهاجرون ستذهب الى العمال المولودين في أمريكا إذا كان عدد المهاجرين أقل؟

حسنا. إذا كان المهاجرون يسرقون وظائفنا لكان لزاما علينا توقع ارتفاع حاد في البطالة وسط المواطنين المولودين في الولايات المتحدة. لكننا لم نتوقع ذلك. فمعدل البطالة وسط العمال المولودين في أمريكا متدنِّ الى مستوى يوشك أن يكون تاريخيا.

لكن بعض عتاة مناهضي الهجرة يُحاجُّون بأن البطالة متدنية فقط لأن المهاجرين أخرجوا الأمريكيين بالميلاد من قوة العمل تماما. غير أن الشخص يعتبر عاطلا عن العمل فقط إذا كان باحثا نشطا عن العمل.

حقا هبط نصيب البالغين المولودين في الولايات المتحدة في قوة العمل (سواء كانوا يشغلون وظائف أو باحثين عن عمل) منذ عام 2019. لكن ذلك الهبوط كان يمكن توقعه بل كان متوقعا ليس بسبب الهجرة ولكن نتيجة لشيخوخة السكان المولودين في الولايات المتحدة. فتقرير مكتب الموازنة بالكونجرس والذي نشر في يناير 2020 (عندما لم يكن أي أحد يعلم أن الجائحة قادمة أو أن الهجرة ستشهد ارتفاعا سريعا في وتيرتها) توقَّع تدهورا في المشاركة في قوة العمل (نسبة القوى العاملة من السكان الذين هم في سن العمل- المترجم) مع تقاعد العاملين من جيل "ازدهار المواليد" الذين ولدوا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

لذلك ما يوشك أن يكون ركودا في وظائف المواطنين الأمريكيين المولودين في الولايات المتحدة ليس مسألة تتعلق بجانب الطلب والذي يعني أن الناس لا يعملون لأنهم لا يستطيعون الحصول على وظائف. بل يتعلق بجانب العرض حيث لا يعمل الناس لأنهم بلغوا سن التقاعد.

لقد أمكننا (في الولايات المتحدة) تحقيق زيادات كبيرة في العدد الإجمالي للوظائف لأن المهاجرين في سن العمل يأتون الى أمريكا. وإذا لم يكن لدينا هؤلاء المهاجرين لِمَا كانت لدينا هذه الوظائف أصلا.

وماذا بشأن تأثير الهجرة على الأجور؟ قبل عقود قليلة اعتقد اقتصاديون عديدون وأنا منهم أن المهاجرين ذوي المستويات المتدنية من التعليم النظامي كانوا عمليا يتنافسون مع العمال المولودين في الولايات المتحدة الذين يفتقرون الى الشهادات التعليمية. لكن الآن معظم خبراء العمل يعتقدون أن المهاجرين لا يتنافسون بقدر كبير وعلى نحو مباشر مع هؤلاء العمال. إنهم يأتون بمهارات مختلفة ويشغلون وظائف مختلفة. وكانت السنوات القليلة الماضية مع ارتفاع وتيرة الهجرة أيضا فترة ارتفاع استثنائي في الأجور بالنسبة لمن يحصلون على أسوأ الأجور. لذلك ليس هنالك أساس لأي من هذه المزاعم السلبية حول آثار الهجرة.

لكن هل توجد لها آثار إيجابية مهمة؟ هنالك حجة جيدة لكنها ليست قاطعة على أن الهجرة ساعدت على الحد من التضخم في السنوات الأخيرة.

الهجرة عادة، كما أشار مؤخرا جيروم باول رئيس بنك الاحتياط الفدرالي، محايدة الى حد ما في آثارها على التضخم. نعم المهاجرون يوسِّعون العرض (بزيادة الإنتاج وبالتالي زيادة كمية السلع والخدمات المتاحة في السوق- المترجم). لكنهم أيضا يساهمون في الطلب.

على أية حال في أعقاب الجائحة نتج عن الأموال الضخمة التي انفقت في المساعدات ارتفاع حاد في الطلب. كان من اليسير تلبية هذا الانفجار في الطلب دون حدوث تضخم مستدام لأن الهجرة جعلت من الممكن تحقيق نمو سريع في الوظائف.

في الأجل الطويل الحكاية الكبيرة تتعلق بالوضع المالي للحكومة. فالمهاجرون البالغون يأتون وهم غالبا في سن العمل. هذا يعني أنهم سيقضون سنوات في دفع الضرائب قبل أن يصبحوا مؤهلين للحصول على استحقاقات الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والتي تشكل جزءا كبيرا من الإنفاق الفدرالي. لكن المهاجرين غير المسجلين مفيدين للموازنة لأنهم (وهذا أمر قاسٍ بعض الشيء) يدفعون ضرائب الرواتب والأجور التي يجمعها أرباب العمل دون أن يكونوا مستحقين لفوائد في المستقبل.

لذلك المهاجرون لا يأخذون وظائفنا. كل شيء يحدث في الاقتصاد يؤذي شخصا ما. لا شك هنالك بعض الأماكن التي رفع فيها المهاجرون تكاليف السكن أو واجه فيها المواطنون بالميلاد أو المهاجرون الشرعيون منافسة متزايدة على الوظائف. لكن قصص التخويف من المهاجرين لا تتطابق مع الحقائق.

•بول كروجمان أستاذ اقتصاد متميز بمركز الدراسات العليا - جامعة مدينة نيويورك وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008.

•الترجمة عن نيويورك تايمز.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن المهاجرین أن الهجرة إذا کان عام 2020 لم یکن

إقرأ أيضاً:

دليل أمريكا لإدارة الخلافات مع الأصدقاء والحلفاء

ترجمة - نهى مصطفى -

بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، اتفق الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن في الأشهر التي تلت ذلك، تصاعدت الخلافات حول كيفية ممارسة هذا الحق، حيث رفضت إدارة بايدن الحملة العسكرية العشوائية التي شنتها إسرائيل في غزة، وقيودها على تدفق المساعدات الإنسانية، وفشلها في وقف بناء المستوطنات اليهودية الجديدة وهجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وإعطاء الأولوية للحرب على حماس على المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن. وفوق كل شيء، شعرت الإدارة بالإحباط من فشل إسرائيل التام في طرح استراتيجية قابلة للتطبيق لحكم غزة بمجرد تدهور وضع حماس، بسبب رفض إسرائيل تقديم أي خطة لمعالجة الرغبة الفلسطينية في الحكم الذاتي.

تتلقى إسرائيل 3.8 مليار دولار سنويًا في شكل مساعدات عسكرية أمريكية، من الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لإسرائيل لعقود من الزمان. ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة مترددة في مواجهة إسرائيل علنًا بشأن غزة. فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على عدد قليل من المستوطنين المتطرفين، وأسقطت الطعام جوًا على غزة، وبنت رصيفًا عائمًا على ساحل غزة لتسهيل شحنات المساعدات، وخالفت التفضيلات الإسرائيلية في قرارين رمزيين إلى حد كبير لمجلس الأمن.

في مايو، بعد سبعة أشهر من الحرب، أوقفت الإدارة تسليم بعض القنابل الكبيرة المصنوعة في الولايات المتحدة لتجنب المزيد من الضحايا المدنيين. في الشهر نفسه، هددت بإيقاف شحن الأنظمة العسكرية الأخرى إذا شنت إسرائيل هجومًا واسع النطاق على مدينة رفح، آخر معقل لحماس، ولم تنفذ تهديدها لأنها اعتبرته هجومًا غير شامل. ومنذ السابع من أكتوبر فشلت الإدارة الأمريكية في إقناع إسرائيل بتبني المسار الذي تريده واشنطن.

التوترات مع إسرائيل على مدى العام الماضي ليست سوى مثال واحد على مأزق مستمر في السياسة الخارجية الأمريكية: كيفية إدارة الخلافات مع الأصدقاء والحلفاء. والسؤال هو كيف نتعامل بأفضل طريقة مع شريك يعتمد على واشنطن ولكنه يقاوم نصائحها في بعض الأحيان.

هذه المشكلة تطارد الولايات المتحدة منذ فترة طويلة قبل إدارة بايدن. وهي متأصلة في التحالفات، لأن حتى أقرب الأصدقاء ليس لديهم مصالح متطابقة. على مدى عقود عديدة، طورت الولايات المتحدة دليلًا شاملًا للتعامل مع النزاعات مع الخصوم، بتكتيكات تشمل كل شيء من اتفاقيات الحد من الأسلحة والقمم الدبلوماسية إلى العقوبات الاقتصادية وتغيير النظام والحرب. ولكن عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع النزاعات مع الأصدقاء، فإن تفكير واشنطن يصبح قاصرًا.

النبأ السار هنا هو أن التاريخ يشير إلى أن بعض تكتيكات إدارة النزاعات مع الأصدقاء والحلفاء تعمل بطريقة أفضل من غيرها. ويتعين على واشنطن أن تستفيد من خبرتها الواسعة، سواء كانت جيدة أو سيئة، لمساعدتها على التفكير بشكل منهجي في مثل هذه الخلافات حتى تتمكن من منع ظهورها أو التعامل معها بطريقة أفضل عندما تحدث. يتعين على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للعمل بشكل أكثر استقلالية، وانتقاد سياسات أصدقائها بشكل علني إذا اعتبرتها غير حكيمة، والترويج لسياسات بديلة خاصة بها. وإذا فعلت واشنطن ذلك، فسوف تكون لديها فرصة أفضل لتحقيق ما قد يبدو مستحيلًا: تجنب حدوث تمزق في علاقاتها القيمة مع الحفاظ على مصالحها.

يتوقع المرء أن القوة الساحقة للولايات المتحدة تضمن الامتثال بين الحلفاء، وهو ما يحدث كثيرًا. ولكن في كثير من الأحيان، يقاوم الحلفاء أو يتجاهلون نصائح الولايات المتحدة ويستعدون للعواقب. وفي أحيان أخرى، يحاولون التحايل على الإدارة، وتعبئة الجهات الفاعلة المحلية المتعاطفة - الكونجرس، ووسائل الإعلام، والمانحين - للضغط على البيت الأبيض لتغيير المسار، وهذه الاستراتيجية التي تبنتها إسرائيل.

ولكن لماذا يجرؤ الحلفاء على تحدي واشنطن؟ لأن خسارتهم عادة أكبر وأهم مما هو على المحك بالنسبة للولايات المتحدة، وهو التفاوت الذي يمنحهم النفوذ على الرغم من اعتمادهم على الولايات المتحدة. وفي كثير من الحالات، يشكل محور الخلاف قدرًا كبيرًا من المصالح الأمنية أو الاقتصادية للحليف، في حين يكون محور الخلاف بالنسبة للولايات المتحدة مجرد أولوية من بين عدة أولويات، وبالتالي فاحتمالات لجوء واشنطن إلى تصعيد النزاع أقل من احتمالات لجوء الحليف إلى التصعيد.

ونتيجة لهذا، فإن الخلاف هو القاعدة وليس الاستثناء عندما يتعلق الأمر بعلاقات الولايات المتحدة مع الأصدقاء والحلفاء. خلال الحرب العالمية الثانية، اشتبكت الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي حول أفضل السبل لإدارة الحرب. كما تشاجرت فرنسا وإسرائيل والمملكة المتحدة حول غزوهم لمصر خلال أزمة السويس عام 1956؛ ومع فرنسا حول هيكل قيادة حلف شمال الأطلسي في الخمسينيات والستينيات. لأكثر من 50 عاما، كانت واشنطن على خلاف مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي في أوروبا حول الإنفاق الدفاعي. وخلال الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لم تتمكن من حشد معظم حلفائها لدعم هذا الإجراء.

ولعل باكستان تشكل نموذجًا للصديق الصعب. فعلى مدى العقود السبعة التي تلت تأسيسها في عام 1947، كانت باكستان من أكبر المتلقين للمساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. وخلال الحرب الباردة، ساعدت باكستان الولايات المتحدة في احتواء الاتحاد السوفييتي ويسرت انفتاحها الدبلوماسي على الصين. وبعد الغزو السوفييتي لأفغانستان في عام 1979، برزت باكستان باعتبارها الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في إمداد القوات المعادية للسوفييت هناك بالأسلحة. ولكن العلاقة بينهما كانت تتسم غالبًا بالخلافات المريرة بشأن البرنامج النووي الباكستاني، وسجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، ودعمها لحركة طالبان والإرهاب، بما في ذلك إيوائها لأسامة بن لادن. ونتيجة لهذا، نظرت باكستان إلى الولايات المتحدة باعتبارها صديقًا غير جدير بالثقة، وكانت الولايات المتحدة تنظر إلى باكستان باعتبارها مشكلة أكثر من شريك.

تقدم تركيا مثالًا آخر للعلاقة بين الحلفاء والتي أحبطت الجانبين بشدة. كانت تركيا بمثابة مرساة لحلف شمال الأطلسي أثناء الحرب الباردة، وعضوًا حاسمًا في التحالف الذي ساد ضد العراق أثناء حرب الخليج، ودولة تم التباهي بها ذات يوم باعتبارها دليلًا على أن الدول ذات الأغلبية المسلمة يمكن أن تكون مؤيدة للغرب، وديمقراطية، ومتقبلة لإسرائيل. ولكن واشنطن وأنقرة اختلفتا أيضًا بشأن الوجود العسكري التركي في قبرص، والتزامها غير الكافي بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي السنوات الأخيرة، سياستها الخارجية المؤيدة لروسيا، والتمييز ضد الأكراد، والنزاعات مع إسرائيل.

عندما ننظر إلى هذا التاريخ الطويل من النزاعات بين الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها، تبرز لنا ستة تكتيكات مختلفة نسبيا لإدارة هذه النزاعات. لكن لا يوجد نهج ينجح في كل المواقف، ولكن بعض التكتيكات تعمل بشكل أفضل من غيرها.

الإقناع هو الأداة الأساسية لإدارة التحالفات. ومن الأمثلة الجيدة على هذا التكتيك الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمان لثني تايوان عن إعلان الاستقلال رسميًا. ومن المؤكد أن مثل هذا الإعلان من شأنه أن يؤدي إلى تحرك عسكري صيني، وربما حصار أو غزو للجزيرة، مما يضطر الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستدافع عن تايوان أم لا. وأي رد فعل من جانب الولايات المتحدة، سواء كان عملًا أو تقاعسًا، سيكون مكلفًا. فقد أشارت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى تايوان إلى مقدار ما كسبته على الرغم من افتقارها إلى الاعتراف الدولي - فالجزيرة الآن ديمقراطية نابضة بالحياة تتمتع باقتصاد مزدهر يتمتع بأكثر من نصف قرن من السلام - وإلى مقدار ما قد تخسره إذا سعت إلى الاستقلال. وربما كان الأمر الأكثر أهمية هو أن تايوان أصبحت تدرك أن الولايات المتحدة سوف تكون أقل ميلًا إلى التدخل نيابة عنها إذا ما استفزت الصين.

عندما يفشل الإقناع وحده، تستطيع الولايات المتحدة أن تلجأ إلى الحوافز، وهي أداة أخرى من أدوات إدارة التحالف، وبالإضافة إلى استرضاء الحلفاء، يمكن استخدام الحوافز لتشجيع السلوكيات التي قد لا تتحقق لولا ذلك. فقد قدمت الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية وعسكرية لمصر لتعزيز الحكومة حتى تتمكن من الحفاظ على السلام مع إسرائيل. كما قدمت المساعدة لباكستان لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، والحفاظ على التعاون في أفغانستان، والحفاظ على بعض النفوذ على الأقل على السياسة الداخلية والخارجية لإسلام أباد.

العقوبات هي عكس الحوافز. وعادة ما يُنظر إلى هذه التدابير على أنها أسلحة تُستخدَم ضد الخصوم، ولكنها استُخدِمَت أيضًا ضد الأصدقاء. فرضت عقوبات على تركيا في أعقاب تدخلها في قبرص واحتلالها لها عام 1974؛ وضد باكستان في عام 1990 بسبب برنامجها للأسلحة النووية؛ وضد إسرائيل في عام 1981 بسبب قصفها لمفاعل أوزيراك النووي العراقي وفي عام 1991 بسبب توطينها لليهود السوفييت في الأراضي المحتلة؛ لكن إذا كان الهدف من العقوبات هو تعديل السلوك، فإن نتائج هذه العقوبات لم تكن مشجعة عمومَا. ولم ينجح التهديد بالعقوبات ولا واقع العقوبات في وقف البرنامج النووي الباكستاني، ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن العقوبات التي كانت تهدف إلى إنهاء احتلال تركيا لقبرص.

النهج الأكثر قسوة في التعامل مع الخلاف مع صديق هو السعي إلى الإطاحة بالحكومة المخالفة. وكان هذا هو النهج الذي اتبعته إدارة كينيدي مع حليفها الفيتنامي الجنوبي الرئيس نجو دينه دييم. بذلت الإدارة الكثير لتعزيز آفاق دييم السياسية، ولكنها سرعان ما أصيبت بخيبة الأمل إزاء قيادته غير الفعّالة، واعتبرته عبئًا في الصراع ضد فيتنام الشمالية. وبلغت الأمور ذروتها في صيف عام 1963، عندما أوضح المسؤولون الأمريكيون في سايجون أنهم ورؤساءهم في واشنطن سوف ينظرون بعين الرضا إلى الانقلاب الذي يقوده كبار الضباط العسكريين. وبحلول نوفمبر، خرج دييم من السلطة وقتله الجنود الذين أطاحوا به. ومع ذلك فإن قرار إدارة كينيدي لم يحقق النتيجة المطلوبة: فقد أثبت خلفاء دييم عجزهم بالقدر نفسه عن كسب تأييد الشعب الفيتنامي وهزيمة الشمال.

هناك خيار آخر للتعامل مع حليف مزعج وهو أكثر سلبية، وهو تجاهل الأمر. فبدلًا من إثارة قضية بسبب خلاف مع صديق، تستطيع واشنطن أن تتجاهل هذا التجاوز، وتدرك أن محاولات تغيير سلوك الشريك ستكون مكلفة للغاية أو محكوم عليها بالفشل.

ومرة أخرى، تقدم إسرائيل مثالًا جيدًا لهذا النهج في العمل. ففي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، قررت إسرائيل أنها في حاجة إلى ترسانة نووية خاصة بها لمواجهة المزايا العسكرية التقليدية الهائلة التي يتمتع بها أعداؤها العرب، الذين رفضوا قبول وجودها. وعارضت الولايات المتحدة بشدة البرنامج النووي الإسرائيلي، الذي انتهك التزامها بمنع الانتشار النووي. ولكن مع مرور الوقت، قررت واشنطن عدم إضفاء الاهتمام بهذا الخلاف، وخلصت إلى أن إسرائيل ربما لا يمكن إقناعها أبدًا بالتخلي عن سعيها إلى الحصول على القنبلة. وكانت الولايات المتحدة لديها أولويات أخرى أكثر أهمية في الحرب الباردة في الشرق الأوسط تتطلب التعاون مع إسرائيل، وكانت لديها أدوات أخرى (بما في ذلك المساعدات العسكرية والضمانات النووية) من شأنها أن تمنع أصدقاء آخرين في المنطقة من الحصول على أسلحة نووية. وأصبح تجاهل الأمر أسهل بسبب قرار إسرائيل بعدم الاعتراف رسميًا بترسانتها وتجنب الاختبارات الواضحة.

إذا فشلت كل الأساليب الأخرى أو اعتُبِرت مكلفة للغاية، فإن هناك خيارًا قويًا متبقيًا للتعامل مع الخلاف مع حليف: العمل المستقل. فبدلًا من محاولة حمل دولة أخرى على تغيير سلوكها، تستطيع الولايات المتحدة أن تعمل حول تلك الدولة، وتروج للمصالح الأمريكية على النحو الذي تراه مناسبًا.

في أعقاب إحباطها من الحملة العسكرية في غزة، استخدمت إدارة بايدن هذا التكتيك ضد إسرائيل. ففي فبراير 2024، وبعد استخدام حق النقض ضد ثلاثة قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اعتبرتها غير عادلة لإسرائيل، قدمت الولايات المتحدة، رغم الاحتجاجات الإسرائيلية، اقتراحًا خاصًا بها يدعو إلى وقف إطلاق النار المؤقت. وفي غزة، خلال ذلك الوقت، تصرفت إدارة بايدن أيضًا من جانب واحد، فأسقطت الطعام من الجو وبنت رصيفًا عائمًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط للالتفاف على القيود الإسرائيلية المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية. وفي مايو، أوقفت توريد القنابل التي تزن 500 و2000 رطل والتي يمكن أن تسبب خسائر بشرية واسعة النطاق بين المدنيين.

ولعل المثال الأكثر درامية على العمل المستقل كان الغارة العسكرية الأمريكية في مايو 2011 التي قتلت ابن لادن، الذي كان يختبئ في مجمع قريب من الأكاديمية العسكرية الباكستانية. وعلى افتراض أن بعض كبار المسؤولين الباكستانيين على الأقل كانوا على علم بوجوده هناك وتعاطفوا معه، قررت إدارة أوباما عدم تحذير باكستان من الغارة. وبدلًا من ذلك، حلقت القوات الأمريكية جوًا دون إذن، منتهكة بذلك الأراضي السيادية لصديق في مهمة أثبتت نجاحها. وخلص المسؤولون الأمريكيون بحق إلى أن المخاطر كانت عالية للغاية بحيث لا يمكن تعريض العملية للخطر بإخطار الحكومة الباكستانية، وأن العلاقات الأمريكية الباكستانية كانت بالفعل متوترة إلى الحد الذي يجعل تأثير هذه الجريمة ضئيلًا على الأرجح.

الكثير من السياسة الأمريكية تجاه الحلفاء مبني على افتراض مفاده أن الاتفاق هو القاعدة والاختلاف هو الاستثناء. ويعتقد صناع السياسات ضمنيًا أن إيجاد أرضية مشتركة ممكنًا في كل الأحوال تقريبًا، نظرًا لمدى اعتماد حلفاء الولايات المتحدة عليها ومدى سهولة استغلال واشنطن لمواردها الضخمة لمعاقبتهم أو دعمهم. ولكن هذه الثقة في غير محلها لأن الخلافات مع الأصدقاء تشكل سمة منتظمة للسياسة الخارجية الأمريكية، وهي سمة لا يمكن التخلص منها بالتمني.

الحوافز تجعل الإقناع أكثر فعالية بطبيعة الحال، ويبدو أن هذه الأداة مع تايوان، يمكن أن تعد بشكل أكثر صراحة بالإنقاذ في حالة الغزو الصيني (وهي السياسة المعروفة أحيانًا باسم «الوضوح الاستراتيجي»)، مع توضيح أن تايبيه بحاجة إلى ممارسة ضبط النفس عبر المضيق والاستثمار أكثر في دفاعها. ومع إسرائيل، يمكن أن توافق على دعم خطة الاستقرار في غزة أو تعويض تكاليف أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وتقديم مساعدات عسكرية إضافية لمواجهة أي تهديدات متزايدة ناجمة عن فقدان الأراضي والمساعدة الاقتصادية لتعويض أولئك الذين سيُطلب منهم إخلاء المستوطنات.

سجل العقوبات لا يبعث على الثقة؛ فعندما تستخدم ضد الأصدقاء، فإنها تكون أكثر فعالية في الإشارة إلى استياء الولايات المتحدة من تغيير السلوك. وكقاعدة عامة، قبل فرض عقوبة على صديق، يجب على واشنطن أن تفكر فيما إذا كانت تريد الإبقاء على العقوبة، نظرًا لأن مصالح أخرى ستتدخل حتمًا. وإذا قررت الذهاب في هذا الطريق، فيجب أن تكون العقوبات محددة بدقة.

الإقناع والحوافز والعقوبات والتجاهل تشترك في شيء واحد: فيجب أن تأتي المبادرة من الصديق أو الحليف، وهو ما يفسر فشلها. الخيار الوحيد الذي يمنح الولايات المتحدة السيطرة على العالم هو العمل المستقل، فالعمل مع حليف ما قد يكون جذابًا عندما تفشل الخيارات الأخرى أو تستبعد، ولا تزال على الولايات الأمريكية القيام بشيء ما لمراعاة مصالحها.

ريتشارد هاس الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية، والمستشار الأول في شركة سنترفيو بارتنرز، ومؤلف كتاب «وثيقة الالتزامات: العادات العشر للمواطنين الصالحين».

نُشر هذا المقال في مجلة الشؤون الخارجية وعلى موقع Foreign Affairs.com.

مقالات مشابهة

  • أمريكا تعلن سحب كامل قواتها من النيجر
  • الشباب والرياضة تعلن عن وظائف بالبحيرة.. التخصصات وكيفية التقديم
  • كير ستارمر يلتقي جورجيا ميلوني في روما لبحث استراتيجيات وقف تدفق المهاجرين
  • فرص عمل حكومية متاحة في وزارة التموين.. اعرف طريقة التقديم
  • في أمريكا..فندق يقدم كبسولات حب الذات للعزّاب
  • ماذا تريد أمريكا؟
  • دليل أمريكا لإدارة الخلافات مع الأصدقاء والحلفاء
  • 50 وظيفة شاغرة برواتب تصل إلى 9 آلاف جنيه.. اعرف التخصصات والشروط
  • أمريكا تخوض حربا تجارية خاطئة مع الصين تؤثر على الوظائف.. كيف ذلك؟
  • مخاوف أوروبية من تصرفات الرئيس التونسي الاستبدادية وتأثيرها على التعاون في ملف المهاجرين