العنف والسياسة: التاريخ يعيد نفسه في بنغلاديش
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
في كلمة للشّيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش المستقيلة أثناء الاحتجاجات ضدها قالت: "إن لم يكن أحفاد المقاتلين من أجل الحرية، فمن الذي سيحصل على مزايا الحصص؟ أحفاد رزكار". ورزكار قوة شبه عسكرية شكلتها باكستان أثناء حرب الاستقلال ضدها من قبل البنغلاديشيين (البنغاليين)، مارست هذه القوة العنف المفرط والتعذيب ضد البنغاليين، وذلك عامي 1971/1970.
لم تدرك الشيخة حسينة – حين أطلقت هذا التصريح ضد المحتجّين بتشبيههم بهذه الصورة – عواقب ذلك، فكأنهم أعداء الوطن، فأثارت غضبًا عارمًا في البلاد، لم تستطع مثلها مثل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي قال قبل هروبه (الآن فهمتكم)، أن تستوعب المتغيرات على الأرض، وهذه مشكلة العديد من الدول التي تحتكر فيها طبقةٌ السلطة.
فمن يحاربون من أجل الاستقلال يعتبرون البلاد غنيمة حرب، يجري السيطرة عليها، لذا فالظهير السياسي للشيخة حسينة (رابطة عوامي) الذي خاض حرب الاستقلال عن باكستان منذ 47 عامًا تمسّك بالحصول على حصة من الوظائف الحكوميّة بوصفهم من حرّروا البلاد.
في حين يصرّ طلاب الجامعات على إتاحة هذه الوظائف لمن لديه الجدارة والكفاءة، وهذه الحصص حرمت عددًا كبيرًا من النّابغين من حقهم في الوظيفة العامة، من هنا كان تحرّك طلاب جامعة داكا ضد إعادة هذه الحصص مرة أخرى بعد أن ألغيت عام 2018، وبالرغم من أنّ المحكمة العلىا جعلت 93 % من الوظائف يجري تولّيها بالجدارة، فإن عنف الشرطة، ومقتل المتظاهرين، صعّدا من الأحداث التي انتشرت في البلاد.
العالم يتغيّربنغلاديش التي شهدت تقدّمًا اقتصاديًا، وتراجعًا في معدلات الفقر الذي قلّ عن 20 % من تعداد السكان بعد أن كان جلّ السكان فقراء، ويضرب بهذا المثل دوليًا، مع ارتفاع نسب ومستوى التعليم، أصبحت بها طبقة متعلمة ووعي بالحقوق مع الانفتاح على العالم عبر شبكة الإنترنت، وبالتّالي امتلكت الأجيال الجديدة وعيًا غير مسبوق تجاه الحقوق وواجبات السّلطة.
هذا، في الوقت الذي مارست فيه الشّيخة حسينة العنف المفرّط ضد المعارضين لها، فاستغلّت ولاء جهاز الشرطة، فلفّقت للدكتور محمد يونس تهمًا بالفساد وحاكمته، وهو رمز بنغلاديش الوطني الذي حصد جائزة نوبل للسلام بعد أن نجح بنك الفقراء الذي أنشأه في انتشال الآلاف من الفقر في البلاد، والذي صار الآن لاعبًا من اللاعبين الأساسيين الذين سيصيغون مستقبل بنغلاديش.
إنّ قطع شبكة الإنترنت من الأسباب التي صعّدت وتيرة الغضب في البلاد أثناء الاحتجاجات، وأكد قلق السلطة منها، وهذا ما دفع الكثيرين للانضمام للاحتجاجات.
التمسك بالسلطة والعنفإن تمسّك الشيخة حسينة بالسلطة – البالغة من العمر 76 عامًا – والتي تولّت منصب رئيس الوزراء 5 مرات، وسيطرتها على جهاز الشرطة الذي يدين قادته بالولاء لها، جعلها ذلك تتوحّد مع كرسي الحكم، ولا ترى المتغيّرات على الأرض، وبحسب تقرير صحيفة "بروثوم ألو" الذي نقل ما حدث في مقرّ رئاسة الوزراء، استدعت الشيخة حسينة ضباط المؤسسة الأمنية إلى مقرّ إقامتها، وطلبت منهم فرض حظر التجول.
لكن تزايد أعداد المتظاهرين مع زيادة عدد القتلى (زاد العدد على 300 قتيل) وصور المتظاهرين وهم يتسلّقون فوق مركبات الشرطة، كل هذا دفع قائد الشرطة إلى إبلاغها بأن الشرطة لن تتمكن من احتواء الاضطرابات، وباتت الشرطة في بنغلاديش في قلق من نتائج عنفها إذا ما تغير نظام الحكم، حتى إنها هددت بالإضراب بعد هروب الشيخة حسينة بطائرة هليكوبتر عسكرية إلى الهند.
اللحظات الأخيرةلجأت أطراف مقربة من الشيخة حسينة إلى إقناعها بالاستقالة حتى تهدأ الأوضاع، ومن هؤلاء أختها ريحانة المقربة منها، إلا أنها رفضت، هذا ما استدعى تدخل ابنها سجيب وازد جوي الذي يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، ولكونه يراقب الأحداث من الخارج، ويطلع على التقارير الإعلامية الأجنبية، استطاع إقناعها بالاستقالة، فغادرت إلى بانجابهابان المقر الرسمي للرئيس البنغلاديشي محمد شهاب الدين، وقدمت استقالتها قبل أن يقتحم المتظاهرون مقرَّ مجلس الوزراء بلحظات.
الماضي والمستقبلبنغلاديش منذ استقلالها عام 1971 يقوم النظام الحاكم بها على النظام البرلماني، إلا أن الجيش سيطر على الحكم في البلاد منذ انقلاب عام 1975 من وراء الستار، وينتخب الرئيس من البرلمان، وبالتالي السلطة في يد رئيس الوزراء.
وفي عام 1991 م استعادت البلاد السلطة من الجيش، وبدأت في الصعود الاقتصادي، حتى صارت من أكبر مصدري الملابس الجاهزة في العالم، فضلًا عن عدد من الموارد المختلفة التي عززت من قدرات البلاد.
لكن الواقع على الأرض، مثل: السيطرة على الحكم والجمود وعدم إدراك المتغيرات، وقراءة المعطيات، جعل ذلك الاحتجاجات تبلور حراكًا سياسيًا جديدًا قد تتوارى معه القوى التقليدية في البلاد، مع بروز قيادات صار لها تصورات جديدة، خاصة مع فساد النخبة التي سيطرت على الحكم في ظل الشيخة حسينة، إلى درجة قد تؤدي لفتح ملفات فساد، ربما تقود لمصادرة أموال وثروات البعض.
لكن على الجانب الآخر، فإن القوى القديمة كـ "رابطة عوامي" لن تختفي من المشهد نهائيًا، بل ستظل حاضرة، وحضورها سيعتمد على قدرتها على الصمود، أو تغيير جلدها، وتحديث بنيتها، وهذا ما لا أرجّحه، حيث إن النهر المندفع حاليًا في كافة أقاليم بنغلاديش يفاجئنا يوميًا بقيادات لم تكن ظاهرة ولا موجودة على الساحة.
لذا، سنرى في السنوات الخمس القادمة وجهًا آخر لبنغلاديش غير الذي اعتدناه، فضلًا عن أن النقاش حاليًا في أوساط الطبقات الصاعدة من السياسيين والمثقفين، يرى بنغلاديش بالقرب من نماذج ناجحة سياسيًا واقتصاديًا، فصار الحديث عن ماليزيا، وفيتنام، وكوريا الجنوبية.
إضافة إلى ما لا يدركه البعض ممن هو خارج المجتمع في بنغلاديش، أنّ التقدم المذهل للجارة القوية الهند التي صارت العام الماضي الاقتصاد الخامس عالميًا والتي لديها ديمقراطية سياسية، صار هذا التقدم يثير الغيرة والنقاش في بنغلاديش، كل هذا كان له تأثير على ما حدث، وما سيحدث هناك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشیخة حسینة فی بنغلادیش فی البلاد
إقرأ أيضاً:
ابن كيران: القضايا التي دافع عنها "البيجيدي" تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية
قال حزب العدالة والتنمية، إن القضايا التي تصدى لها والمواقف التي عبر عنها، تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية ووفي لثوابت الأمة الجامعة، ومدافع عن قضايا الوطن والمواطنين بقوة وإنصاف واعتدال واستقلالية.
وأشار الحزب في ثنايا التقرير السياسي الذي قدمه عبد الإله ابن كيران أمينه العام، اليوم السبت في مدينة بوزنيقة، عقب افتتاح مؤتمره الوطني التاسع، إلى أنه وقف في وجه ضرب القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار.
وقال ابن كيران، إن الولاية الحكومية اقتربت من الانتهاء وما يزال عنوانها الأبرز هو تفاقم موجة الغلاء التي تشمل معظم المواد، والغذائية منها على وجه الخصوص.
وهو حسب ابن كيران، غلاء يعبر عن فشل الحكومة الذريع وقصور أدوات التدخل الحكومي في الحد من الارتفاع المهول والمستمر للأسعار، ويظهر حالة الاستسلام الحكومي أمام جماعات المصالح، وخاصة العاملة في قطاع المحروقات وسلاسل الوساطة والتصدير.
مما جعل الخيار الوحيد أمام المواطنين يضيف زعيم « البيجيدي »، هو تقليص نفقاتهم والحد من الحاجيات الأساسية، بعد أن تُرِكُوا فريسةً للوضعيات الاحتكارية والجشع.
وهو وضع نتج عنه وفقا للمسؤول الحزبي، أدنى مستوى للثقة عند الأسر منذ سنة 2008، وبروز آثار عكسية لإجراءات الدعم والإعفاء من رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة في قطاع اللحوم، وأيضا الدعم الموجه إلى النقل الطرقي والعمومي.
ويرى الحزب في تقريره السياسي، أنه على خلاف الوعود التي تضمنها البرنامج الحكومي، فإن الفشل الأكبر الذي يحسب للحكومة، هو تفاقم معدل البطالة الذي تجاوز 13%، وهي نسبة لم يسجلها المغرب منذ 2000، وعجز الحكومة عن الوفاء بإحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال ولايتها، وتراجع نسبة مساهمة النساء في سوق الشغل إلى أقل من 19% مقابل تعهد الحكومة برفعه إلى أكثر من 30%، وتزايد عدد الشركات المفلسة، والتي بلغت 12.397 سنة 2022 و14.245 سنة 2023، ومن المتوقع أن تبلغ أزيد من 14.600 سنة 2024.
واعتبر التقرير السياسي، أن هذه النتائج المقلقة، هي نتائج طبيعية لما وصفه بـ »آفة الريع والجمع بين المال والسلطة، وجعل هذه الأخيرة في خدمة جماعات المصالح المحدودة، والاستئثار بفرص الاستثمار والإنتاج والصفقات العمومية والمشاريع الكبرى ضدا على عموم المقاولات الوطنية، وما ينجم عن كل هذا من تبديد الثقة وخلق أجواء من الانتظارية والإحجام والإحباط لدى الفاعلين الاقتصاديين والمقاولين.
وهي أيضا يضيف التقرير، نتيجة طبيعية لما أسماه بـ »سياسة الحكومة الحالية المعاكسة للاستثمار وللنمو وللتشغيل، ولضعف استباقيتها وتأخرها الكبير في إرساء « التعاقد الوطني للاستثمار »، الذي نادى به جلالة الملك منذ أكتوبر 2022، والتأخر الكبير في تفعيل نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، ونظام الدعم الخاص بتشجيع تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي ».
وهي نتيجة أخرى، يؤكد « البيجيدي »، لما اعتبره « استهدافا لبرنامج المقاول الذاتي بإجراءات ضريبية جديدة تراجعت عن المكتسبات المسجلة بعد أن تجاوز عدد المسجلين 300 ألف مستفيد مع الحكومتين السابقتين ».
وهو نتيجة طبيعية أيضا لما قال إنه « إرباك ومزاحمة الحكومة لبرنامج « انطلاقة » الذي سبق وأعطى انطلاقته جلالة الملك في 2020، والذي خلق دينامية في صفوف الشباب وحقق نتائج مهمة، حيث بادرت الحكومة لتطلق في 12 أبريل 2022 برنامجا جديدا شبيها ببرنامج « انطلاقة » سمته « فرصة » وخصصت له ميزانية بمبلغ 1.25 مليار درهم، وأسندت الإشراف عليه لوزيرة السياحة ومهمة تدبيره للشركة المغربية للاستثمار السياحي وهما وزارة ومؤسسة لا اختصاص لهما ولا علاقة لهما بمثل هذه البرامج، حيث ومنذ انطلاقه، تم اختيار 12.500 مستفيد وإلى حدود الآن مازال هناك تأخر في صرف الدعم والتمويل بالرغم من أن المستفيدين أجبروا على الإدلاء بعقود الكراء وإحداث المقاول الذاتي ».
كما أطلقت برنامج « أنا مقاول »، وقبله أطلقت الحكومة برنامج أوراش على سنتين، وخصصت له ميزانية قدرها 2.25 مليار درهم، وكل هذه البرامج وبالإضافة إلى كونها لا تأخذ بعين الاعتبار البرامج الناجحة القائمة وتدعمها بل تربكها وتزاحمها، فإنها تطرح أيضا سؤال الهشاشة والاستمرارية وشبهات الزبونية التي تخيم على تنزيل هذه البرامج عبر جمعيات معينة أو على مستوى الجماعات الترابية.
وسجل الحزب أنه بعد تأخر كبير وانتظار طويل أفرجت الحكومة مؤخرا عن خارطة طريق فارغة للتشغيل، متراجعة بذلك عن التزامها بإحداث مليون منصب شغل خلال هذه الولاية الحكومية، ورفع مستوى نسبة نشاط النساء إلى 30 في المائة، حيث حددت أهدافا جديدة تتجاوز الولاية الحكومية الحالية وتلغي التزامات البرنامج الحكومي، كما نسجل الضعف الشديد لمضامين هذه الخارطة بالرغم مما سبقها من حملات التبشير والترويج، حيث لم تأت هذه الخارطة يضيف « البيجيدي » بجديد بقدر ما أنها تعتمد أساسا على برامج ومؤسسات دعم وتنشيط التشغيل التي أنشأتها الحكومات السابقة.
وكانت هذه النتائج في التشغيل تكرس التأخر الكبير، في نظر حزب العدالة والتنمية، الذي يعرفه تفعيل برنامج دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة لأزيد من سنتين على صدور القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار.
وشدد الحزب على أن خارطة التشغيل تعتمد المزيد من البيروقراطية على مستوى حكامتها وتضخم المتدخلين وكثرة اللجان، وهو ما سيؤدي حتما إلى مزيد من التعقيد والتأخير، عوض التبسيط والتيسير، كما أنها تكشف ما وصفه بـ »هاجس الاستغلال والتنافس الانتخابي بين مكونات الأغلبية الحكومية »، وهو ما عبرت عنه، يوضح الحزب، « مواقفها وبلاغاتها التي أكدت انزعاجها وتخوفها بخصوص الوزراء الذين أسندت إليهم مهمة تنفيذ هذه الخارطة وتوزيع الدعم العمومي على المستفيدين منها، وذلك بسبب تغليب وزراء من حزب رئيس الحكومة وتغييب آخرين ».