عندما صدحت المطربة السورية فايا يونان في مدينة (جرش) بأغنية مستلهمة من الفولكلور الفلسطيني تقول كلماتها:
يما مويل الهوا يما مويليا
ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا
تفاعل الجمهور، واهتزّت أعمدة (جرش) المدينة الأثرية الأردنية التي يعود تاريخها إلى عهد الإسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد، وزاد التفاعل عندما غنّت (قمر غزّة)، وهي الأغنية التي كتبت كلماتها ووضعت ألحانها بنفسها، فالعيون والقلوب كانت تتّجه صوب قطاع غزّة، وهذا الطابع غلب على بقية فعاليات مهرجان جرش 2024م، فقد ألقت ظروف العدوان على (غزّة) التي يتعرض سكانها إلى إبادة جماعية على أيدي قوات الاحتلال، وأوضاع إنسانية سيئة، ظلالها على المهرجان، وكادت أن توقف الدورة وهو أمر لم يحدث سوى مرّة واحدة عام ١٩٨٢ عندما غزت قوات الاحتلال بيروت، كما ورد في بيان مقاطعة الشاعرين يوسف عبدالعزيز وزهير أبو شايب للمهرجان، لكنّ اللجنة العليا المنظمة لمهرجان جرش للثقافة والفنون، لم تلتفت لهذه الأصوات وأصرّت على إقامته، لاسيّما أن الدورة تزامنت مع مناسبة وطنية عزيزة هي احتفاء الأردن باليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، ورأت أن الثقافة والفنون لها كلمة ينبغي أن تقولها فيما يجري من أحداث، وبإمكانها أن توجّه رسائل تدعو إلى وقف العدوان وتحثّ على وصول المساعدات لسكان القطاع، وحماية أمن المدنيين، فجاءت دورة هذا العام التي حملت شعار (ويستمر الوعد) مخصّصة لمناقشة ما يجري في قطاع غزة من أحداث دامية، فألغت اللجنة المنظّمة الحفلات الغنائية، باستثناء حفلات أقيمت لنصرة القضية أحياها مارسيل خليفة، والفنانة السورية فايا يونان التي أدت مجموعة من الأغاني المستلهمة من الفلكلور الفلسطيني، وقدمت فرقة (أوف ستيج) لوحات فلكلورية من التراث الفلسطيني، واستضافت نقابة الفنانين الأردنيين الشاعر اللبناني زاهي وهبي والفنانة الأردنية غادة عباسي، ليشتركا في أمسية شعرية غنائية موسيقية، وجّهت رسائل أشادت بصمود الشعب الفلسطيني، وغنّت المطربة المصريّة عفاف راضي أغنية (قد عشقت القدس) لتعود بها للساحة الغنائية بعد غياب طويل، وأهدى الشاعر المصري هشام الجخ قصيدة للفلسطينيين حملت عنوان (مش كفاية)، وجعلت ريع التذاكر وثمن اللوحات التشكيلية التي تعرض في معرض الفن التشكيلي والخط العربي للهيئة الخيرية الأردنية لإغاثة قطاع غزة، واحتفت الدورة بالشاعر الكبير الراحل محمود درويش، ودعت فرقة صول الفلسطينية المعروفة في (غزة) لكن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، جعلها تعود من حيث أتت، وأقامت اللجنة ندوة عنوانها (أثر الحرب على التراث الثقافي في غزة) وأخرى عنوانها (دور الأردن في دعم أهالي قطاع غزة)، واتّسمت فعاليات هذه الدورة بالتنوّع، والتعدّد، فضمّت فعاليات أخرى مثل: جائزة مهرجان جرش للثقافة والفنون، سمبوزيوم بالتعاون مع رابطة التشكيليين الأردنيين، جائزة رابطة الكتّاب لأفضل إصدار شعري، في المهرجان الذي انطلقت دورته الأولى مع مطلع الثمانينيات ليعزّز مكانتها ويعرّف بمدينة تاريخية يزيد عدد أعمدتها على ألف عمود، وهذا لا يعني أن الفعاليات تُقام في (جرش) وحدها، بل توزّعت أماكن إقامتها بين قاعة المركز الثقافي الملكي، وفندق بوليفارد، والجامعة الأردنية في عمّان العاصمة، والسلط والفحيص ومأدبا، والكرك، وقد حملت دورة هذا العام رقم (38)، وهو الرقم الأعلى عمرا بين المهرجانات العربية السنوية، ولا يوجد مهرجان في المنطقة أطول عمرا منه سوى مهرجان (المربد) الشعري الذي انطلقت دورته الأولى عام 1971م في البصرة.
واشتملت فعاليات (جرش) مهرجانا مسرحيا كانت للقضية الفلسطينية نصيبا من عروضه هو مهرجان المونودراما الثاني، وكذلك جلسات القصة القصيرة، أما الشعر، فمعظم الشعراء شاركوا بنصوص توضح أبعاد القضية الفلسطينية وكان من المقرر أن تشارك أسماء شعرية معروفة لكنها اعتذرت لأسباب مختلفة من بينها الشاعر السوري أدونيس، والمصري أحمد الشهاوي، والعراقي علي الفواز، والكويتي دخيل الخليفة، واليمني جبر بعداني، فخسرت الدورة مشاركة هذه الأسماء مثلما خسرت نخبة من الشعراء الأردنيين الذين اعتذروا من المشاركة، وقاطعوا المهرجان مشاركة وحضورا، مطالبين بعدم إقامة المهرجان، لكن مشاركة شعراء عرب آخرين عزّزت الجلسات الشعرية ومن أبرزهم: هنري زغيب، وحسن الزهراني ومحمد البريكي وصقر عليشي، وإسكندر حبش، وهشام الجخ، وعبدالله العريمي، وحسن النجّار، ولوركا سبيتي، ومخلص الصغير، وخالد الحسن وسعد محمد حسين، ولندا إبراهيم.
وفي النهاية تحدّت الدورة الظروف الراهنة، وتعكّر المزاج العام، وأقيمت لكي يستمر الوعد، ويستمر دعم الفن للقضية المصيرية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قطاع غز
إقرأ أيضاً:
احتفالات ثقافية
احتفاءً بالتراث العريق والمستقبل المشرق، يعود مهرجان شتاء طنطورة ليكشف عن كنوز محافظة العُلا الثقافية من خلال تجارب غامرة، وعروض ترفيه عالمية المستوى، حيث يأخذ المهرجان ضيوف العُلا في رحلة لاستكشاف تاريخ المنطقة الفريد، وذلك اعتبارًا من الـ 19 ديسمبر الحالي، حتى الـ 11 من يناير 2025، حيث يتضمن المهرجان عروضًا فنية مستوحاة من التراث، إلى جانب فعاليات تحتفي بالحرف اليدوية التقليدية، لاستكشاف الثقافة السعودية وجمال الطبيعة المدهش. ويدعو مهرجان شتاء طنطورة زواره لاستكشاف روائع هذه المنطقة الاستثنائية، التي تحتضن تاريخًا عريقًا يروي قصص أقدم الحضارات، ويستلهم أهميته من تراث العُلا الغني، حيث كانت هذه الواحة ملتقى ثقافيًا وملاذًا للمسافرين عبر العصور، مسلطًا الضوء على الثقافة السعودية الأصيلة، وقطاع الترفيه الذي يشهد نموًا ملحوظًا وازدهارًا مستمرًا.