شبكات الاتجار بالبشر.. الكثيرون يدركون المخاطر لكنهم يجازفون
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
أجرت كلية لندن للاقتصاد دراسة حول عمل شبكات الاتجار بالبشر في نيجيريا للبحث في أسباب لجوء كثير من النيجيريين الراغبين بالهجرة إلى التعامل مع مهربين، رغم وجود مخاطر عالية لأن يتم استغلالهم وإجبارهم على العمل في ظروف قاسية. وخلصت الدراسة إلى تقديم معطيات أساسية وإجابة عن أسئلة ملحة، حول العلاقة بين الرغبة في الهجرة وقبول التعامل مع شبكات تهريب البشر.
وتشير بيانات جديدة، بحسب الدراسة، من ولاية إيدو في نيجيريا إلى أن نسبة كبيرة من السكان يعرّضون أنفسهم لمخاطر التعامل مع تجار البشر من أجل الهجرة. ويتبين أن الكثيرين لديهم فهم معقد لمخاطر الاستغلال بعد قبول صفقة تشمل الهجرة مقابل العمل. وعلى الرغم من المخاطر المحتملة، يلجأ الراغبون بالهجرة إلى "تجار البشر" كوسيلة ضرورية لتحقيق فرص أفضل في الخارج.
مفهوم غير واضحمهاجرون ضحايا الاتجار بالبشر في لامبيدوزا (وكالات)
عندما نتحدث عن الاتجار بالبشر، نفكر غالبًا في مشاهد درامية للاختطاف. ومع ذلك، هذه الصورة غير دقيقة إلى حد كبير. وهناك مفهوم خاطئ شائع حول الاتجار بالبشر يتعلق بالقبول بين الطرفين المهربين والراغبين بالهجرة.
ووفقًا لبروتوكول الأمم المتحدة للاتجار بالبشر، يقوم التجار بتهريب الأشخاص لإخضاعهم ووضعهم تحت سيطرتهم واستغلالهم. وقد يوافق هؤلاء في البداية على هذه الترتيبات، ليكتشفوا لاحقا أنهم خدعوا حيث يتم إجبارهم على العمل في ظروف قاسية.
لماذا يختار أي شخص الاتجار به عن طواعية؟يتطلب هذا السؤال منا النظر عن كثب إلى الواقع القاسي الذي يواجهه المهاجرون المحتملون من البلدان الفقيرة. وفي نيجيريا، الطرق القانونية للهجرة إلى المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة غير متاحة وغير معقولة التكلفة. وأمام هذه الخيارات المحدودة، يلجأ الكثيرون إلى تجار البشر الذين يقدمون صفقة مغرية: الهجرة إلى البلد المختار مقابل العمل عند الوصول.
وهذا الاقتراح، رغم أنه مليء بالاستغلال المحتمل، يقدم بصيص أمل للمهاجرين المحتملين الذين يعانون من ضائقة مالية. وهذا الترتيب يجذب بشكل خاص الشباب الأصغر في العائلات غرب أفريقيا، حيث يتضمن التقليد غالبًا استثمار آمال وموارد الأسرة في الابن الأكبر. أما البنات والأبناء الأصغر، الذين يتطلعون إلى شق طريقهم الخاص ولكنهم يفتقرون إلى الوسائل، فقد يرون في الهجرة الخيار الوحيد القابل للتطبيق.
تحدي مواجهة الاتجار بالبشر في نيجيريايعتقد أن الظروف التي تعزز الاتجار متجذرة في الأعراف الاجتماعية للهجرة، وتجارب الحرمان النسبي، والتحديات المتزايدة المرتبطة بالدخول القانوني إلى أوروبا. ومع ذلك، لايزال من غير الواضح لماذا أدت هذه الأسباب الجذرية إلى ثقافة الاتجار بالبشر جنوب نيجيريا دون غيرها. وفي دراسات أجريت خلال الفترة من 1991 إلى 2001، كان 94% من النساء المهاجرات اللاتي تم الاتجار بهن إلى أوروبا لأغراض الاستغلال الجنسي من الولايات الجنوبية في نيجيريا.
جهود الحكومة النيجيرية مدينة أغاديز بالنيجر أولى محطات الاتجار بالبشر (الجزيرة)ووفقًا لتقرير الاتجار بالأشخاص لعام 2023، حققت الحكومة النيجيرية في 1242 حالة اتجار، منها 511 حالة اتجار جنسي. وأدانت 97 فردًا، 50 منهم بتهمة الاتجار بالبشر. وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال التحديات قائمة، بدءًا من نقص تدريب القضاة وقلة المعرفة بالقانون وصولاً إلى قضايا الفساد. كما تفتقر السلطات الحكومية المكلفة بمكافحة الاتجار بالبشر إلى الموارد الكافية للقيام بعمليات استباقية لمكافحة هذه التجارة وغالبًا ما تفشل في تأمين الإدانات.
بيانات من ولاية إيدوتكشف بيانات حديثة من مسح ميداني بولاية إيدو في نيجيريا، كجزء من مشروع ترانسميت عام 2023، عن مدى قابلية الأفراد للجوء لتجار البشر. وأظهرت البيانات أن 24% من المستجيبين يعرفون شخصًا تم الاتجار به أو عمل في البغاء بالخارج لدعم أسرته. ويبدو أن الاستعداد مرتفع أيضًا، حيث قال ربع المستطلعين إنهم سيهاجرون مع المهربين، مما يضعهم في خطر "عبودية الديون" والعمل القسري.
وتشير هذه المعطيات إلى أن الوعي بالمخاطر لا يثني الأفراد عن رؤية التهريب عبر تجار البشر كوسيلة ضرورية لتحقيق فرص أفضل بالخارج. ويبرز هذا التناقض حدود حملات التوعية الحالية ويؤكد الحاجة لإستراتيجيات شاملة تعالج الأسباب الجذرية للاتجار بالبشر على مستوى أفريقيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاتجار بالبشر فی نیجیریا تجار البشر
إقرأ أيضاً:
تأملات قرآنية
#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 11 من سورة الرعد: “..إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ..”.
ذهب المفسرون الى أن التغيير في حال قوم يوقعه الله بهم يحتمل أن يكون من سيء الى حسن أو العكس، لكن السياق يفيد التغير من الحال السيء الى حال أفضل، ويعزز ذلك الآية المتشابهة مع هذه الآية: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” [الأنفال:53].
لذلك تعتبر هاتان الآيتان من السنن الكونية التي يجري الله الأحداث بموجبها، وتقطعان بأن أحوال الأمم والأقوام ليست أقدارا مكتوبة عليها، بل متغيرة يبدلها الله من حال الى حال، والتغيير مرتبط بتغير نواياها وسلوكاتها.
وعليه فان من يطمحون الى خروج أمتنا من واقعها الحالي المزري، ونهضتها وعودتها الى موقعها الحضاري المجيد الذي كانت عليه، وكانت خلاله في صدارة الأمم، حري بهم أن يتأملوا جيدا في مدلولات هاتين الآيتين.
مما يمكن استخلاصه الحقائق التالية:
1 – إن التعامل الإلهي مع البشر فردي حينما تتعلق المسؤولية عن سلوكاته بذاته، فيحاسبه عما فعل ولا يحمله عاقبة أفعال غيره لأنه ليس له عليه من سلطة، لكنه يحاسب المجتمعات جماعيا عندما تتعلق منتجات الأفراد بالمنتج العام للسلوكات فتصبغ المجتمع بصبغة ذلك السلوك، وتصبح تلك السمة العامة للمجتمع سواء كانت إيجابية أو سلبية مؤثرة على الأفراد وموجهة لسلوكاتهم، مثال على ذلك قوم لوط، اذ لا يعقل أن جميع الأفراد كان لديهم شذوذ جنسي، لكن عوقب الجميع عندما لم يعد الأمر مستنكرا في القيم المجتمعية الجمعية، بل ممارسة مقبولة، ولممارسيه حماية ورعاية من قبل الهيئة الحاكمة، بل وتعاقب من ينتقدها أو يضايق فاعليها (كما نشهده الآن في العالم)، وعندما لم يتصدّ المصلحون لوقفها ولم يستنكرها الصالحون، أصبحت سمة عامة تصبغ المجتمع كله، لذلك أخذ الله المجتمع كله، صالحه وفاسده بالعذاب.
2 – فاسدو المجتمع يحاولون تبرير أفعالهم بأن الله كتب عليهم الضلال، وفي هاتين الآيتين بيان مبطل لادعائهم، وتأكيد على أن ما يصيب الأقوام هو نتاج أعمالهم.
كما بين تعالى في مواضع كثيرة أن الله لا يضل إلا من اختار الضلالة بإرادته وعن سابق عزم وتصميم “سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ” [الأنعام:148].
كما بين أنه تعالى لا يأمر بالمنكر: “وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ” [الأعراف:28]، بل فعل المنكرات هو مما تزينه النفوس الأمارة بالسوء.
3- بناء على ما سبق نتوصل الى أنه لا ينبغي للمؤمنين في زمننا الكالح هذا القعود بانتظار المعجزات، ولا انتظار أن يأتينا الفرج بالاكتفاء بالدعاء، بل علينا الجد والعمل لتغيير هذا الحال الذي ما وصلنا إليه إلا لأن العلماء المصلحين انكفأوا عن أداء واجبهم في التنبيه الى سوء المنقلب، والمؤمنون الصالحون صمتوا عن شيوع المنكرات، وعلى رأسها تقبل أن يحكموا بغير ما أمر به الله، وسكتوا عندما تبين لهم أن قادتها يرفضون الحكم وفق منهج الله، واعترفوا صراحة أنهم ينبذونه ويعتبرونه أرهابا، ويتبعون منهج أعداء الأمة التاريخيين.
ان الحكم بما أنزل الله واجب شرعي، ولا يجوز للحاكم ان كان مؤمنا اتباع منهج غيره، ولا يقبل الله منه ادعاءه بأنه مسلم بمجرد إعلان ذلك طقوسيا على الراية، أوالتظاهر باتباعه من خلال المظاهر الخادعة كالسماح برفع الأذان، او تنفيذ احكام الاعدام بالسيف بدل المشنقة.
الحكم بموجب الشرع يظهر في اتباع ما أمر به الله، وأهمه معاداة من يعادي الدين ويحارب المسلمين، ونصرة إخوانهم في الدين وعدم موالاة من احتلوا ديار المسلمين ولا إلقاء السلم إليهم قبل أن يجلوا عنها.
هل عرفنا الآن لماذا غير الله نعمته التي أنعمها علينا بجعلنا خير أمم البشر، فغيرها الى الأمة الأضعف والتي سلط عليها أراذل البشر الذين كتب عليهم الذلة والمسكنة!؟.
وهل عرفنا أنه لن يزول ذلك، ولن يعيد الله حالنا الى ما كنا عليه من عزة وكرامة، بمجرد الصلاح الفردي وكثرة العبادات، بل بتغيير ما بأنفسنا كمجتمع، من هوان واستكانة لما فرضه الأعداء ووكلاؤهم علينا.