حفلات تعذيب للأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
رام الله– تتفق روايات أسرى أفرج عنهم بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وروايات آخرين عايشوا بدايات الثورة الفلسطينية قبل عقود، على أن سجون الاحتلال الإسرائيلي تشهد أنواع تعذيب هي الأكثر بشاعة بحق الأسرى، وبشكل "لا يمكن تصوّره".
كان التعذيب حتى الموت من نصيب أسرى غزة، وبشكل أقل أسرى الضفة الغربية، حيث كُشف عن هويات 21 شهيدا منهم حتى يوم الاثنين، وفق معطيات نادي الأسير الفلسطيني، والذي أكد "إخفاء الاحتلال هويات العشرات من معتقلي غزة الذين ارتقوا في سجونه ومعسكراته".
شهادات لأسرى من غزة معتقلين في سجن عوفر الإسرائيلي تمكن من جمعها محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين نهاية الأسبوع الماضي بعد زيارته لعدد من المحتجزين هناك، والذين تعرضوا للتنكيل والتعذيب على يد جنود الاحتلال والسجانين الإسرائيليين تفوق وصف كل أشكال الوجع والألم.
المحامي نقل شهادة… pic.twitter.com/ZLZo0NJU4q
— AJ+ عربي (@ajplusarabi) August 5, 2024
شهاداتوفق شهادات نشرتها هيئة شؤون الأسرى، فإن أغلب معتقلي قطاع غزة تعرضوا للإغماء عدة مرات خلال التعذيب، بينما بات شائعا في السجون ما يسمى "حفلات التعذيب" حيث يُجمع الأسرى في ساحة عامة ويمارس السجانون ساديتَهم.
ونقلت الهيئة عن 3 أسرى من غزة زارهم محاميها مؤخرا، قولهم "ما تعرضنا له فاشية حقيقية؛ تعرية من الملابس، وضرب وتعذيب وتنكيل، وتقييد الأيدي والأرجل، وتعصيب العينين، حيث حُولنا لفرائس لهذه الوحوش المسعورة، التي تلذذت بجوعنا وعطشنا وصراخنا ومرضنا، حتى إننا لم نصدق اليوم أننا ما زلنا على قيد الحياة".
"رحلة الموت من لحظة الاعتقال، مرورا بالنقل في العربات والشاحنات العسكرية (…) وصولا إلى السجون التي تمنينا فيها أن تبتلعنا الأرض لما شاهدناه من حقد وجنون، من جنود في بدايات أعمارهم، ينكلون بنا بكل الوسائل والطرق.. كُسر عظمنا وفتحت رؤوسنا وسالت الدماء من كل أجسادنا".
وأضاف الأسرى الثلاثة "منذ اعتقالنا، نقضي معظم وقتنا جالسين على أقدامنا أو منبطحين على بطوننا (…) كما استخدمت الكلاب في الاعتداء علينا وترهيبنا (…) لا نبالغ إذا قلنا بأن غالبية أسرى غزة فقدوا الوعي مرات عديدة تحت الضرب المفتوح وغير المقيد".
ويبلغ عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال نحو 9900، يضاف إليهم أسرى من غزة اعترف بهم الاحتلال وصنفهم بـ"مقاتلين غير شرعيين" وعددهم 1584، بالإضافة إلى عدد غير معروف في المعسكرات التابعة للجيش.
توظيف قانونيووفق مؤسسة الضمير، فإن سلطات الاحتلال أدخلت تعديلات على قانون "المقاتل غير الشرعي" تسمح باعتقال الأشخاص دون عرضهم على أي سلطة قانونية حتى 75 يوما من بداية الاعتقال، إضافة إلى عدم السماح لهم بأية استشارة قانونية لفترة تصل إلى 6 أشهر.
كما تم إجراء عدة تعديلات على قانون "الاعتقالات 1996" والتي أتاحت بدورها تمديد التوقيف كل مرة مدة 45 يوما لأغراض التحقيق الذي قد يصل إلى فترة 6 أشهر، دون أدنى رقابة قضائية حقيقية خلال هذه الفترة على ممارسات التعذيب والمعاملة الحاطّة من الكرامة.
وتؤكد مؤسسة الضمير أن "هناك أساسا معقولا للادعاء بأن قوات الاحتلال تقوم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الأسرى من قطاع غزة، وبشراكة وتواطؤ من الحكومة والقضاة وسلطات مصلحة السجون وقوات الشرطة وجيش الاحتلال".
وتطالب المؤسسة المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية "بإجراء تحقيق خاص في الجرائم بحق الأسرى، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة كافة المسؤولين عن هذه الجرائم".
تطلق منظمة العفو الدولية بحوثًا جديدة تشمل شهادات مريعة عن التعذيب من 27 أسيرًا سابقًا، بمن فيهم فتى بعمر 14 عامًا. pic.twitter.com/X3fc9eJe1B
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) July 18, 2024
أشكال التعذيبوردت أشكال التعذيب والجرائم بحق الأسرى في تقارير مؤسسات فلسطينية مختصة بشؤون الأسرى وخاصة هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير ومؤسسة الضمير لرعاية السجين وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى شهادات وثقتها الجزيرة نت.
كما نشرت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية أول أمس الاثنين، تقريرا موسعا عنونته بـ"أهلا بكم في جهنم" في إشارة لما كان يردده سجانون عند وصول الأسرى للسجون، مضيفة أن "السجون تحولت إلى شبكات للتعذيب".
وذكرت من أبرز أدوات التعذيب غاز الفلفل، وقنابل الصوت، وعصيًّا وهراوات خشبّية وحديدّيّة، وبنادق وأعقابها، وقبضات الخواتم الحديديّة، ومسدسات صعق كهربائية، والكلاب والضرب واللكم والركل.
ومن أشكال التعذيب الشائعة:
تعصيب العينين لساعات طويلة وأحيانا لأيام وأسابيع. تقييد اليدين على مدار الساعة ولأسابيع، وشدها بشكل يؤدي إلى نزيف دموي وبتر للأعضاء. إجبار الأسرى على طأطأة رؤوسهم في وضعية القرفصاء والنوم على بطونهم لفترات تصل إلى أسابيع وشهور. الضرب الشديد بالهراوات والأحذية العسكرية وكابلات الكهرباء على مختلف أنحاء الجسد. الضرب على المناطق الحساسة "حتى يفقد الأسير القدرة على الإنجاب" وفق إفادة أسير مفرج عنه للجزيرة نت. ضرب وسحب العضو التناسلي والخصيتين. الضرب بمطرقة الحديد "شاكوش" على الظهر والركبتين والخصيتين. الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، إما بوضع عصي وأدوات حادة في الدبر أو من خلال الكلاب البوليسية، وفي 29 يوليو/تموز 2024، شنت شرطة الاحتلال العسكرية مداهمة على معسكر "سدي تيمان" العسكري، واعتقلت جنودا متهمين بالاعتداء الجنسي الوحشي على معتقل من قطاع غزة ثم أفرجت عن عدد منهم. التجويع، إذ اتفقت شهادات أسرى أفرج عنهم على أنهم لم يشبعوا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما يقدم لهم من وجبات سيئة كمّا ونوعا وأغلبها أرز منقوع وبملاعق معدودة. التعطيش، حيث يحرم الأسرى من المياه 23 ساعة في اليوم، وفي ساعة واحدة عليهم شرب الماء وقضاء كافة احتياجاتهم من غسيل واستحمام ووضوء وغيره. الصعق الكهربائي. الشبح بوضعيات مختلفة ولساعات طويلة، وحني الظهر بأسلوب شبح " الموزة"، وتقييد أيدي وأقدام الأسرى وإجلاسهم أو إجبارهم على الوقوف لفترات طويلة، وحرمانهم من النوم أو الراحة أو قضاء الحاجة خلال الشبح. إطلاق الكلاب البوليسية على الأسرى لتنهش لحومهم.وباتفاق مؤسسات الأسرى، يتعرض المعتقلون لجرائم طبية، وحرمان من العلاج ومنهم مرضى السرطان. وأدى الإهمال الطبي إلى انتشار العديد من الأمراض الجلدية.
ومن أبرز نتائج التعذيب:
استشهاد عشرات الأسرى. بتر أعضاء وأطراف. فقدان الذاكرة. حالات الإغماء. نزيف الدم من الفم وأنحاء الجسد. أجساد منهكة وآلام في العضلات. نقصان في الوزن يزيد عن 40 كيلوغراما لكل أسير أمضى فوق 6 شهور.عقوبات جماعية:
عدم السماح بالخروج من الغرف والتعرض للشمس. الحرمان من الملابس أو تبديلها. حرمان الأسرى من قص شعورهم ولحاهم وأظافرهم. منع الاستحمام إلا في حالات نادرة يضطر الأسرى بعدها لارتداء ذات الملابس القذرة. سحب كافة مقتنيات واحتياجات الأسرى من ملبس ومأكل وأدوات تنظيف بما في ذلك مناديل الورق. منع صلاة الجماعة ورفع الصوت في قراءة القرآن ومصادرة المصاحف، ومعاقبة الغرف التي يسمع فيها صوت رفع الأذان بحفلات الضرب. الحرمان من النوم وسحب الأغطية والفُرُش.التعذيب النفسي:
الكلام البذيء والخادش الذي ينال من أخوات وزوجات وأمهات الأسرى. إجبار الأسرى على ترديد مسبات وشتائم على أنفسهم وترديد النشيد الوطني الإسرائيلي. إجبار الأسرى على تقليد أصوات الكلاب. التعرية الكاملة للأسرى ومنهم النساء.انتهاكات قانونية:
غياب المحاكمة العادلة. عدم وضع الأسرى في سجون متوافقة مع المعايير الدولية. حجب أخبار الأسرى وأماكن احتجازهم عن المؤسسات الحقوقية. منع زيارات ذوي الأسرى والمحامين والمؤسسات الحقوقية. يحتجز أغلب أسرى غزة إما في أقسام خاصة في السجون أو داخل بركسات (منشآت من الصفيح) غير مؤهلة في معسكرات الجيش، عرف منها "سدي تيمان" في بئر السبع ومعسكر "عناتوت" بالقدس.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بحق الأسرى الأسرى من أسرى من فی سجون
إقرأ أيضاً:
يوم “السكاكين الطويلة”.. كيف أربكت حماس “إسرائيل” إلى الأبد؟
#سواليف
على الرغم من الاختلال الفادح في توازن القوى العسكرية، بين حركة المقاومة الإسلامية ” #حماس ” و” #إسرائيل “، فقد أدخلت تداعياتُ #حرب_الإبادة على قطاع غزّة (2023-2025)، متغيراتٍ جديدة على الشكل الكلي للعلاقة بين الطرفين، ما قد يعني إمكانية تحوّلها، ضمن عملية صيرورة معقّدة، نحو توازنات مختلفة.
ويعكس هذا تآكل “القيمة النسبية” للأبعاد العسكرية في مستقبل العلاقة، في مقابل تصاعد وزن أبعاد “القوة الشاملة”، بما فيها الأبعاد المعنوية والرمزية والتحررية والسياسية، بما قد يُعزّز، في نهاية المطاف، قدرة حماس على الاستمرار في سياساتها التفاوضية، وربما تسجيلها “أهدافًا متكررة” في المرمى الإسرائيلي، دون أن تضطر لتقديم أشياء إضافية، لم يتم التوافق عليها في اتّفاق وقف إطلاق النار و #تبادل_الأسرى في قطاع #غزة (15/1/2025).
وفي سياق تحليل العوامل/ المحدّدات المؤثّرة في علاقة حماس بـ”إسرائيل”، وسياقاتها الخارجية، ومساراتها، في المدى المنظور، ثمّة أربع ملاحظات:
مقالات ذات صلة بلدية رفح تحذر من كارثة إنسانية جراء انقطاع المياه 2025/03/15الملاحظة الأولى: #العجز_الإسرائيلي
عجزت حكومة بنيامين نتنياهو عن حسم المعركة بالأداة العسكرية، على الرغم من دمجها بكل أدوات حرب الإبادة، مثل: ( استخدام تجويع المدنيين سلاحًا، وإحكام الحصار الاقتصادي عليهم، واستهداف متلقّي المساعدات الإنسانية عدة مرات، وتكرار الاستهداف المتعمّد للمستشفيات والملاجئ والمدارس ومنشآت البنية التحتية، وتنفيذ سياسات “الأرض المحروقة” و”التهجير” و”التطهير العرقي”، ضمن ما عرف بـ “خطة الجنرالات”.. إلخ). كما أخفق نتنياهو وأركان جيشه، في إرغام حماس خصوصًا، وفصائل المقاومة الفلسطينية عمومًا، على “رفع الراية البيضاء”، والنزول على شروط الاستسلام الإسرائيلية، في المفاوضات.
وعلى الرغم من مناورات التفاوض الإسرائيلية المتنوعة واللامتناهية، وقدرة نتنياهو على تعطيل صفقة تبادل الأسرى، عدة أشهر، فقد تصاعدت تدريجيًا ضغوط عائلات المحتجزين في قطاع غزّة، وتعالت الأصوات التي تطالب بتشكيل لجنة تحقيق في إخفاق الدولة في التعامل مع هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ما يعني أمرين:
أحدهما أن نتنياهو وأركان حكومته قد يواجهون، في أمد غير بعيد، يوم “السكاكين الطويلة”، وتبادل الاتهامات بالتقصير والمسؤولية عن الفشل، بين المستويين السياسي والعسكري.
والآخر محدودية أدوات الضغط الإسرائيلية المتبقية، وتآكل جدواها، ضد حماس وقطاع غزّة عمومًا، اللهم إلا في “شراء الوقت” و”التأجيل”، بعد وضوح نتيجة حرب الإبادة في فشل تهجير الغزيين، ناهيك عن كسر إرادة المقاومة.
الملاحظة الثانية: قدرة حماس على #الإرباك
أثبتت حماس قدرتها على “إرباك” الإستراتيجية الإسرائيلية وحرمانها ميزات “المبادرة الاستباقية”، ضد الجانب الفلسطيني؛ إذ يكشف نهج حماس التفاوضي معرفةً عميقة بالعقلية الإسرائيلية، وإمكانية التعويل على المقاومة في تفجير تناقضات الداخل الإسرائيلي وصراعاته، كما تجلّى من الرسائل في العبارات التي وضعتها كتائب القسّام في خلفيات مشاهد تسليم المحتجزين الإسرائيليين، (مثل: “نحن الطوفان… نحن اليوم التالي”، “الأرض تعرف أهلها.. من الأغراب مزدوجي الجنسية”، “اخلع حذاءك، فكل شبر من هذه الأرض روي بدماء الشهداء”، “وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق”، “نحن الطوفان.. نحن البأس الشديد”، صورة قائد كتائب القسام محمد الضيف التي كُتب عليها: “نستطيع أن نغير مجرى التاريخ”.. إلخ).
ويكشف تحليل هذه الرسائل مهارة حماس على الصعد التفاوضية والإعلامية والدعائية؛ إذ قدمت نموذجًا مختلفًا عن نهج “الاعتدال التفاوضي العربي”، منذ اتفاقيات فض الاشتباك بين كل من مصر وسوريا والجانب الإسرائيلي (1974 – 1975)؛ الذي أوصل الدول العربية إلى مسارات التسوية والتطبيع ( كامب ديفيد 1978، ومؤتمر مدريد 1991، واتفاقات أوسلو 1993)، بكل نتائجها السلبية على تماسك المواقف العربية وخلق التضارب بينها.
لقد نجحت حماس في المزاوجة بين المرونة والالتزام بثوابتها وحقوق شعبها، ودفعت “إسرائيل” إلى تغيير معاييرها في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، على نحو أبرز درجة من “الندية السياسية”، عبر تحسين المركز التفاوضي الفلسطيني عمومًا، والتركيز على قيمة حرية الأسرى، بعد تشكّل طرف فلسطيني مقاوم على الأرض، يستطيع التعبير عن الإرادة الشعبية والتطلعات المجتمعية في تحرير الأسرى من جلاديهم.
وهي قضية تمس كل بيت فلسطيني تقريبًا، وذلك على عكس ما فعله المفاوض العربي والفلسطيني، الذي تجاهل قضية الأسرى، في إطار عملية التسوية، التي ركزت على العملية دون تحقيق السلام الحقيقي، خصوصًا في ظل مسار أوسلو المتعثر.
وعلى الرغم من أن عملية “التفاوض غير المباشر” بين حماس و”إسرائيل”، قد تكون أصعب مفاوضات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي برمته، فإنها أدّت لثلاث نتائج متداخلة:
أولاها تأكيد “التفوق الأخلاقي” للشعب الفلسطيني على عدوه، وحرص كتائب القسّام على حسن التعامل مع الأسرى الإسرائيليين، (كما تجلّى في صورة المجند المحتجز عومرشيم كوف، الذي قبّل رؤوس آسريه من القسّام في منطقة النصيرات في 22 فبراير/ شباط 2025، ما يؤكّد اهتمام حماس بـ “معركة كسب العقول والقلوب”، بالتوازي مع صمود فصائل المقاومة الميداني.
وثانيتها تكريس مكانة حماس التفاوضية، وإسباغ درجة من “الشرعية الواقعية الإقليمية” عليها، بوصفها “طرفًا مفاوضًا ومسؤولًا وملتزمًا” أمام الوسطاء القطريين والمصريين، على الرغم من تصاعد التهديدات الأميركية، وتكرار المراوغات التفاوضية الإسرائيلية.
وثالثتها أن صمود العامل الفلسطيني وصلابة الإرادة، في مقاومة ضغوط العامل الأميركي الإسرائيلي، قد يحرّكان في نهاية المطاف قدرًا من المساندة العربية والإقليمية، والتوافق حول “الحد الأدنى”، المتمثل في رفض تهجير الشعب الفلسطيني، و”الحد الأقصى” المتمثل في أمرين؛ أحدهما العودة إلى دعم مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو/حزيران 1967، بوصفه “مخرجًا واقعيًا” في التعامل مع تداعيات حرب الإبادة.
والآخر الانفتاح الرسمي العربي على قوى المقاومة الفلسطينية، التي تتلاقى مع الأهداف العربية المعلنة، في منع تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وبهذا تلعب قضية فلسطين دور “الرافعة”، تمهيدًا لتأسيس حالة من “تماسك” النظام الإقليمي في المنطقة، ضد الضغوط الخارجية، خصوصًا الأميركية.
الملاحظة الثالثة: زيادة مستوى التعقيد
كان لطبيعة الصراع بين حماس و”إسرائيل” انعكاسات على زيادة مستوى التعقيد والتشابك في علاقتهما، خصوصًا بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي جاء في سياق مقاومة تحولات المشروع الصهيوني بعد صعود تيارات “الصهيونية الجديدة”، ذات الطابع القومي/الديني، والتخلّي الإسرائيلي عن سياسات إدارة الصراع أو “تجميده”، والتوجّه نحو مرحلة “حسم الصراع”، بالتهجير والإبادة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزّة، مع استمرار حصار غزّة وعزلها تمامًا عن الجسد الفلسطيني، ومنع أي احتمال لتوحيد الساحات الفلسطينية، (كما حدث إبان عملية سيف القدس في مايو/ أيار 2021).
وبهذا المعنى، تكون حرب غزّة الراهنة، أعادت تشكيل قواعد صراع حماس و”إسرائيل”، وكذا تفسير الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، معاني الانتصار والهزيمة؛ إذ سيعتمد الانتصار على القدرة على إدارة الصراع، والاستمرار في حشد الطاقات المجتمعية لدى الطرفين، في هذا “الصراع الاجتماعي السياسي المصيري الممتد”.
خصوصًا مع دخوله مرحلة الحسم، ربما في المدى المنظور، وتصاعد احتمال حدوث تصدّعات جوهرية في “إسرائيل” ومعسكر داعميها الدوليين والإقليميين، بالتوازي مع احتمال انتقال الصراع تدريجيًا نحو الضفة الغربية والقدس المحتلة، وربما وصولًا إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة، بسبب “التصادم الحتمي”، بين مكوّنات الإستراتيجية الإسرائيلية: (العنف، وإرهاب الدولة، والإبادة، والتهجير)، في مقابل تداعيات مشاهد “العودة الفلسطينية” الملهمة، على الصعيدين الرمزي والسياسي.
إذ تابع العالم عودة المهجّرين قسريًا، إلى منطقة شمال غزة: (محافظتي غزة والشمال)، عبر شارع الرشيد سيرًا على الأقدام، التي أكدت “عظمة الشعب الفلسطيني، ورسوخه في أرضه، وانتصاره، وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير”، كما قالت حماس في بيانها في 27 يناير/ كانون الثاني 2025.
الملاحظة الرابعة: أثر البيئة الخارجية
للبيئة الخارجية، الدولية والإقليمية، أثر على علاقة حماس بـ”إسرائيل”، في ظل تفاعل الضغوط الأميركية في موضوع تهجير أهالي قطاع غزّة، والاعتراض الأممي والدولي عليه، وبروز التحفظ المصري، السعودي، التركي، الإيراني على أطروحات الرئيس دونالد ترامب، بالتوازي مع تآكل أوراق الضغط الإسرائيلية على حماس وقطاع غزّة، بعد استنفاد كل أساليب الضغط المتاحة؛ (سواء عبر الضغط العسكري، أم التجويع والحصار والتهجير، أم شنّ الدعاية والحروب النفسية، كما سلف القول).
وليس مبالغة القول إن هذه التفاعلات الدولية والإقليمية المركّبة تؤكد أن تأثير تبادل الأسرى في نمط العلاقة بين حماس و”إسرائيل”، يكشف مفارقة مهمّة، تُظهر تضعضع صورة نتنياهو وحكومته أمام الجمهور الإسرائيلي، خصوصًا عائلات الأسرى، في مقابل تعزيز صورة حماس أمام أهالي غزّة والشعب الفلسطيني، وكذلك أمام العالم، بوصفها “حركة تحرر وطني”، تعمل على تحرير الأسرى والإنسان والأرض الفلسطينية، من سيطرة الاحتلال الغاشم.
يبقى القول إن المحصلة النهائية لتداعيات حرب غزّة تدفع بالعلاقة بين حماس و”إسرائيل” نحو “توازنات مختلفة”، تعكس طبيعة معارك التحرر الوطني، أكثر من معادلات توازن القوى، بالمنظور الواقعي في العلاقات الدولية، علمًا بأن طبيعة “المرحلة الانتقالية” التي يمرّ بها النظامان الدولي والإقليمي، تسمح، أقله نظريًا، للفاعلين الدوليين والإقليميين بتخفيف قيود بنية النظامين الدولي والإقليمي، (كما تفعل تركيا وإيران وقطر وجنوب أفريقيا.. إلخ).
كما أن تمادي دولة الاحتلال في عدوانها على فلسطين ولبنان وسوريا، وإقليم الشرق الأوسط عمومًا، ربما يدفع إلى تصاعد الصراعات الإقليمية، نحو خروج الأمور عن السيطرة، وبروز تياراتٍ راديكاليةٍ، جهاديةٍ، أو حتى فوضويةٍ عنفيةٍ، بالتوازي مع تدشين مسار عمليةٍ عالميةٍ طويلةٍ لعزل “إسرائيل” ومعاقبتها على جرائمها، خصوصًا بعد انضمام دولٍ عدّةٍ إلى قضية الإبادة المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا ضدّ “إسرائيل”.
وكذلك بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحقّ كلّ من بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، وهي جوانب هامة تعزز “الانتصارات المعنوية” لقضية فلسطين، وتؤكد أبعادها السياسية والتحررية والإنسانية، في مقابل وضوح فشل “السردية الإسرائيلية/ الأميركية”، التي ستبقى تحاول شيطنة الإنسان الفلسطيني العربي، وتجريم حق الشعوب في المقاومة المشروعة للظلم والإرهاب.