جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-11@16:38:31 GMT

رُكنٌ قَصي

تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT

رُكنٌ قَصي

 

فاطمة اليمانية

 

 

"أسوأ من كونك تهوي أنْ يكون لديك ما يكفي من الوقت لتَخيَّل الارتطام!" مجهول.

***

 

هُنَالِك فنجان قهوةٍ باردة... وهُنَالِك أنتَ حين كُنتَ شغلي الشاغل؟!

وشبحٌ ساخرٌ من مجرد تذكّر أنّك يومًا ما كنتَ تستحوذ جزءًا من القلب؟!

ولا مانع من مشاركة الشبح السخرية؟! لا مانع!

لأنّه غير مرئيٍ للآخرين.

.. وهو شأنٌ داخلي محض!

كشأنِ جُحَا مع حماره! وشأنهما مع الأدب الساخر المُستهلك للدرجة التي لم يعد يثير حاسّة الفكاهة لديها!

بل أصبحا طرفةً باردة تمر كأيّ خبرٍ سَمجٍ في مقالٍ رديء؟!

لمن نقرأ؟ الصادق العاجز عن إيصالِ رسالته؟ أم الكاذب الذي يستعرض أكاذيبه بتقنية عالية الدقّة؛ تتمكن من الإيقاع بعواطف الآخرين؟!

وعندما زيّنوا الهزيمة، وقالوا:

هذا النصرُ لنا؟!

استطاعَت كلمة "النصر" خرق طبلة أذني! ووصلت لعمق دماغي! لكنّني لم أستوعب ماهية النصر! لم أتكمن من معرفة أبعاده؟! وكيف يتحقق على الحُطام! أو على أشلاء الأطفال!

رغم ذلك وجدّ قائلها من يصفق له؟ ومن يُمجد خطواته! ومن يتأثر ويذرف الدموع، ويمسح وجنتيه بأطراف أصابعه!

وانتهى التصفيق الحاد، وبقيت حقيقة وحيدة سافرة:

قاتل وأشلاء طفل!

فهل يهم دين القاتل ودين الطفل؟! هل نفرق بينهما؟ ماذا إذا كانا من نفس الدين والملّة؟ ماذا إذا اختلفا؟ وهل تحتاج إنسانية المرء لاختبار وَرَقِيَ وقلم أحمر ليؤكّد لنا السياسيّ المحَنّك بأنّ الإرهاب لا دين له؟! وبأنّ انتهاك حرمة الإنسان الآمن محرّمة؟! هل يحتاج الأمر إلى تخصيص دين أو مذهب؟ أو ملّة؟!

أو إلى نزع حاسّة الإدراك والتمييز حتّى لا يتمّ تجريد المرء من إنسانيته؟!

***

- ليلة البارحة!

ليلة البارحة المقيتة! اكتشفتُ بأنّ ثلاثة مصابيح انطفأت في منزلي! وبأنّ عامًا كاملًا مرّ عليّ دون أنْ أكترث بإضاءة المنزل! ونسيتُ في زحمة المشاكل العبثية أنّني أقيم في حيّ سكنّي مأهولٍ بالأحياء!

حتّى اعتقد الجيران بأنّني غادرتُ المكان!

بينما كنتُ مشغولة بهموم الآخرين التافهة؟ ولا أعرف كيف تسلّلت المكالمات "العبيطة" إلى نظامي اليومي؟ أو مدى صدمتي من نفسي عند إدراكي بأنّني كنتُ أحرّضُ من يبدي استياءه من أمرٍ ما على التدمير، والفراق، والرحيل، وقطع العلاقات! وبترها!

 ولم تكن الدعوة إلى الصبر والتسامح في قاموسي اللغوي، بل كنتُ لا أرد على رسائل الشوق، والعتاب، والرغبة في التواصل، أو السؤال عن الحال؟!

وتطور الأمر لديّ؛ بعد أنْ وصلتني رسالة من إحداهن، تسألني فيها إذا كنتُ حيّة أو ميّته؟! وطبعًا لم أكنْ أردّ على رسائلها وأنا حيّة! فكيف أرّد عليها وأنا ميّته؟!

لكنّها أرسلَت رسالة أخرى، قالت فيها:

المنزلُ المهجور، للبيع؟!

ورغم نجاحها في استثارة غضبي! وفي تجهيز ردٍ مزلزل كالصاعقة! ومناسب لحجم الخطيئة التي اقترفتها، وهي تسخر من منزلي المُظلم! كتبتُ لها سطرًا لاذِعًا؛ لألقنها درسًا في طرحٍ الأسئلة، ثمّ مسحتُ السطر!

متجنبةً عواقب ما بعد إرسالِ الرسالة التي ستجرّ لا شكّ بعدها رسالة، ثمّ رسالةٍ أخرى! إلى أنْ نصلَ إلى الصلحِ والسلامِ وإعادة العلاقات المُكْلِفة -معنويًا- معها!

***

 

ضوء غريب!

لا تحتاج الإقامة في المقبرة إلى إضاءةٍ عدا العمل الصالح! ورغم جهلي بكفاءة أعمالي الصالحة؛ إلّا أنّني لمحتُ -خجلًا- وميضًا خفيفًا يفضَحُ حجمَ أعمالي الصالحة التي قدّمتها في الحياة الدنيا!

ولم أدقق كثيرًا إنْ كانت هذه الأعمال قادرة على مساعدتي في عبور الصراط المستقيم! لكنّني لا شكّ بأنّني حتى هذه اللحظة لم أستطع السير على خطٍ مستقيم، ولا خطٍ متعرجٍ، وكل الطرق المتاحة لم تكن سوى حفرٍ مأهولة بالثعابين!

***

 

قالت لي جثّة باردة:

حاولتُ تناسي موتي، عند سماع أصوات أطفالِ الحارة! لكنّني اكتشفتُ بأنّها أصوات أطفالٍ تسرّبَت من مقبرة جماعية مجاورة، حُفِرَت منذ مدّة زمنية عجزت عن التكّهن بها!

لأنّهم يقولون بأنّ الأموّات لا يهتمون بالزمن! لهم زمنهم الخاص؟! ولي زمني!

ولي هذه المساحة التي أتفاخر بها الآن، وأقول لجميع الأموات بأنّها ملكيتي الخاصّة! ولا يزاحمني بها شيء غير أفكاري!!

أولئك الذين يقولون بأنّ الجسدَ يبلى- وهو ما يحدث فعلًا- هل يستطيعون الإجابة على سؤال شائك يحاصرني هذه اللحظة؟

- متى يتوقف العقل عن التفكير في القبر؟! فأنَأ ما زلتُ أفكر!

وما زلتُ أخترع قصصًا كثيرة أقدمها طعامًا لقطط المقبرة؟!

مميزة إحداهن لشدّة سوادها عن بقية القطط! وعندما سألتها:

لماذا أنتِ شديدة السواد؟!

لم تُجِبْ، واكتفت ببلع مواءَها، وتسديد نظرة باهتةٍ لي!

ثم قفزت بعيدًا؛ وتمدّدت على جدار المقبرة!

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رسالة إلى ذلك الطفل في غزة

 

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

إلى ذلك الطفل الذي في إحدى ما تبقى من المستشفيات في غزة وظهرت صورته في وسائل التواصل الاجتماعي في منظر يُدمي القلب ويرمد العين، وهو يصيح ويبحث عن أمه وعائلته الذين رحلوا جميعاً عن هذه الدنيا وهو لا يدري بعد بأنه لم يتبق إلّا هو، ليكون الناجي الوحيد من قصف غادر راحت ضحية أفراد أسرة بأكملها، في واحدة من أفعال وجرائم وحرب إبادة تُمارس على أهل غزة المظلومين.

من الممكن أن يتصور أن هذه الإبادة الجماعية والتي تُعد الأسوأ في التاريخ الحديث والتي تُنقل بالصوت والصورة إلى كل البسيطة، قد تجاوز عدد من تم تصفيتهم من الوجود 45700 شهيد على الأقل؛ بخلاف من فُقدوا تحت الركام، ومن يتصور أنه لا يزال مسلسل الإجرام على أهل غزة مستمرًا إلى يومنا هذا، من كيان يمارس كل هذه الأفعال بلا رادع ولا خوف، بعد أن فقدت شعوب العالم ضمائرها، بعضها من الخوف والأخرى بحفنة من الدولارات وأخرى بعدم الاكتراث وآخرون لا حول لهم ولا قوة، بينما أهل غزة يموتون من البرد بلا طعام ولا شراب ولا دواء ولا كساء ولا مأوى، يعيشون في العراء، يطاردهم الموت من كل جانب، تُقصف مدارسهم وخيامهم ومستشفياتهم وبيوتهم عشرات المرات في اليوم الواحد.

أيها الطفل العزيز.. أنت ربما لا تعرف بعد معنى الكلمات التي أكتبها لك، ولكني أُدرك مرارة الألم الذي يحيط بك في مثل هذه الظروف، فاكتب لك هذه الرسالة بقلبي وروحي التي تعرف معنى ألم الفقد وذل الانكسار والخذلان، وأنا أعرف في قرارة نفسي بأنه لا طائل من الكتابة ولا طائل من الحنين أو البكاء؛ فالحزن أكبر من الألم والحال أكبر من الرثاء أو ربما البعض قد أصابهم الملل والضجر فلم يعودوا يكترثون حتى بالقراءة.

فماذا عساي أن أكتب؟ عن حالك أم عن حزنك أم عن فقدك؟ أم أكتب أحلام الأطفال من أقرانك بأنكم تحلمون باللعب واللهو وتفرحون عندما تشترون الحلويات من البقالة أو من أحد الباعة المتجولين عندما يجود عليكم الأهل ببعض النقود أم أكتب عنكم عندما تذهبون إلى المدارس تعانقون الأمل في الغد والمستقبل تنشدون القصائد عن الوطن وعن العروبة، ولكن أين هي بيوتكم أو أين هي شوارعكم ومحلاتكم أو أين هم حتى الباعة المتجولون أو أين هي مدارسكم ومن أين لكم من قصائد عن العرب والعروبة بعد أن تفرغ الشعراء العرب في نظم قصائد الغزل.

طفلي العزيز.. كم هو قاسٍ هذا الزمن عندما يسمح للحرب لكي ترسم مصيرك ومصير من هم في سنك، فتفقد ويرحل عنك والدتك ووالدك وإخوتك وكل من كان يحبك في هذه الحياة كم هي قاسية هذه الحياة، عندما تغدر بك فتسرق منك كل هذه الأحلام وتحرمك من أقل شيء يمكن أن تحصل عليه، وتحرمك فلا تستطيع أن تُعانق بعد اليوم عائلتك كما يفعل كل الأطفال في عالمهم البسيط المليء بالبراءة والحب والأمان.

لكن أيها الطفل العزيز، إنها إرادة الله، فأنت لم تختَر أن تُولد في هذا الزمان وعلى هذه الأرض الطيبة، وأن تدفع ربما ثمن بقاء ما تبقى من شرف أمة بأكملها. نعم.. أنت لم تختَر أن تكون ضحية في هذا الصراع، لكن هذا الصراع- وإن كان أكبر من أن يفهمه من هم في سنك- هو صراع بين الحق والباطل، صراع عقيدة، وصراع وجود، وسينتصر الحق مهما طال الزمن ومهما عظمت التضحيات.

أيها الطفل العزيز.. أقول لك ذلك لأنك، بالرغم من براءتك وصغر سنك، تحمل في قلبك أوجاعًا لا يستطيع أحد أن يتحملها، ولا أحد يمكنه أن يُصدِّق، فكيف يستطيع قلبك الصغير أن يتعامل مع هذا الفقد الكبير وأنت من حولك لا حول لهم ولا قوة، ولكن أريدك أن تعرف شيئًا واحداً ستطل صورتك تلك في المستشفى تحمل رسالة الأمل والعزيمة والصبر على تخطي الصعاب، ستظل صورتك تحمل شهادة عن نخوة وقوة وشجاعة وإيمان وصبر وإيمان أهل غزة، رغم كل الألم، ورغم كل الخسارة، بأن الله ناصركم لا محالة حتى لو خذلكم كل من في هذه الأرض، رسالة تقول بأن الذي يطالب بالحق والأرض لا يستكين ولا يموت إلا بعد أن يعود له حقه ووطنه وتعود له أرضه.

في الختام.. في بلادي ومعها كل أحرار العالم لن ينسوا آلامك، فأنت لست وحدك في هذا العالم، أنت في قلب كل منَّا لك أسرة وبيت، وأنت وإذ كنت قد فقدت أهلك وبيتك؛ فكل القلوب هي بيتك فحزنك هو حزننا ودموعك هي دموعنا وكل الدماء التي أريقت في غزة هي دماؤنا ولن تذهب سُدى، وستعود غزة بإذن الله كما كانت تعلمنا وتعلم العالم بأنَّ الحياة هي الوطن الذي يُولد ويُصنع فيه الرجال.

مقالات مشابهة

  • رسالة إلى ذلك الطفل في غزة
  • العثور على مقبرة تتزين جدرانها برسوم متحركة قديمة في القرم
  • تقرير بريطاني يسلط الضوء على حجم كارثة المقابر الجماعية في العراق
  • الأرقام المذهلة التي أعلنتها عمان
  • ديالى تكشف عن أبرز المشاريع التي ستنفذ خلال هذا العام
  • محافظة الإسكندرية تنفي شائعات هدم المقابر القديمة
  • محافظة الإسكندرية توضح ما تردد عن هدم المقابر وطلب تحديث بيانات أو فتح ملفات تتعلق بها
  • السيد القائد: العدو الإسرائيلي انتقل من حصار غزة إلى نهب المساعدات التي تصل إليها
  • مصر: اكتشاف مقبرة طبيب ملكي شهير في سقارة يعود تاريخها إلى 4000 عام
  • بعد تأييد إعدامه.. حيلة سفاح الجيزة لنقل جثة زوجته من عش الزوجية لشقة المقبرة